|
الانتخابات القادمة .. المفصل الأخير باسم السعيدي / بغداد
التطورات الأخيرة للحدث الدامي اليومي في العراق تثير أكثر من سؤال في الذهن الجمعي العراقي، وتطرح على طاولة البحث أكثر من احتمال، وكلها تنصب على ملف واحد ثم تتفرع منه بقية الملفات ... الملف الأمني . في الحقيقة سأطرح رؤية المواطن البسيط .. لا السياسي ولا النخبوي ولا رؤية المثقف .. كيما نفهم ما يراه الشارع بعيداً عما تظهره لنا الكلمات والشعارات المنمقة التي تطفو على سطح النفاق السياسي أو المخاتلة مع الغير من أجل كسب تأييد هذا أو ذاك . يرى المواطن العراقي أن أعمال القتل والتفجيرات لن تتوقف، والسبب هو أن القائمين بها يمتلكون برنامجاً سياسياً لن يبتني الا على أنقاض الديموقراطية، ولن يكتب له النجاح مادام الشعب قد خرج من شرنقة الشمولية الى فضاء ممارسة حقوقه والمطالبة بالـ (فم المليان) بحقوقه القانونية والدستورية وطموحاته في بناء دولة القانون التي يتساوى فيها الحاكم والمحكوم أمام القضاء، وهذا التصور للحالة العراقية يضع الجميع أمام حقيقة أساسية وهي – كل من يتفاوض الآن باسم (السنة العرب ) هم لا يمثلون الرؤية الحقيقية للشارع السني (اذا جاز التعبير)، وبالتالي فالتفاوض على ما دون عودة رموز السلطة المقبورة (أو من يرتضونه) الى الحكم هو تفاوض عقيم لن يوقف العنف المسلح . العنف المسلَّح بات يستهدف أبناء الشعب العراقي ممن قبل ويقبل بالدولة الديموقراطية، وصحيح أن أحداً لم يمتلك الشجاعة للتصريح بذلك (اللهم الا تنظيم ابي مصعب الزرقاوي) الا أن هذا لا ينفي أن يكون ما يحدث هو إقرار ببيان الزرقاوي كونه يمثل الرأي المقبول لحملة السلاح، أما المعتدلين من السنة العرب فهم لا يمتلكون الرؤية الواضحة لبرنامجهم ضمن تيار العنف الذي يحاول نسف جهودهم في تقرير مصير السنة العرب، فلو لاحظنا أن العمليات المسلَّحة تشتد كلما زاد التقارب بينهم وبين بقية الفصائل السياسية المشتركة بالعملية السياسية وفي الانتخابات، كما أن الشريحة المعتدلة لم تكن تمتلك الشجاعة للحديث عن انخراطها في العملية السياسية قبل الانتخابات، مما يعني أنها كانت تستسلم أمام ايديولوجية العنف ولم يكن بمقدورها (ولن يكون) مواجهة هذه الايديولوجية الهلامية التي لم تكشف عن وجهها أبداً، رغم أنها تحاول جاهدة التنصل من بعض الاعمال الارهابية والتفريق بينها وبين العمل المقاومي وزجها في خانات هلامية أخرى ( الموساد، السي آي أي، المخابرات الايرانية .. الخ) . وتتضح صورة هذا التمزق الفكري من خلال مناهضة عمليات البرق الأمنية، والتي يحاول من خلالها الساسة السنة عدم المساس بقاعدتهم الجماهيرية (المفترضة) التي تتبنى العنف المسلح وفي ذات الوقت تطالب الحكومة بحل المشكلة الأمنية، وهذا التناقض الصارخ انما ينبيء عن حقيقة اسلوب الامساك بالعصا من الوسط، وهذا الاسلوب اتضح فشله الذريع في التعامل مع المنظمات الارهابية من خلال التجارب السابقة وأوضحها تجربة الانتخابات في 30 يناير الماضي . وعليه .. يعتقد الشارع العراقي أن هذه الأطراف تتجاوز الواقع، وتدَّعي أكثر مما تمتلك من أوراق، وستتم المكاشفة بينها وبين (قواعدها الافتراضية) في الانتخابات القادمة . بالنسبة للمشروع المسلح الذي يخجل حتى الآن من الكشف عن وجهه وتوجهاته .. فلو وضعناه على طاولة التشريح لوجدنا النقاط التالية :- 1- يتحرك هذا المشروع ضمن رقعة جغرافية محدودة . 2- لا يتمتع بأية شعبية خارج حدود تحركاته، بل العكس صحيح، اذ ترى الهوة تتسع يوما بعد يوم بينه وبين أفراد المجتمع العراقي كلما أريقت قطرة دم عراقية . 3- يخجل من ذكر مشروعه السياسي، ولا يستطيع طمأنة الشارع العراقي باحترامه للديموقراطية وحقوق الانسان التي أدت عقود من انتهاكها الى ما وصلنا اليه . 4- فشل هذا المشروع في صنع شقة الخلاف بين القاعدة الشعبية وبين رموز المعارضة السابقة بحجة (انهم أتوا على دبابات الاحتلال) والفضل في هذه النقطة الجوهرية في الصراع يعود الى الانتخابات الماضية التي جعلت الرموز الوطنية تتحدث بالاستناد الى شرعية التفويض الشعبي بينما يفتقد غيرهم الى هذه الشرعية . 5- طالت يد هذا المشروع المسلح من أبناء الشعب العراقي ما يربو على خمسين ضعفاً من جنود القوة الأجنبية المتواجدة على الارض العراقية، مما خلق زلزالاً بصدقية الهدف المطروح وهو (إخراج قوات الاحتلال) . 6- تتعمد أطراف ممثلة في هذا المشروع نسف الجسور بينه وبين الشعب العراقي من خلال الود الذي تكنه لأركان النظام السابق، وللوافدين من وراء الحدود لقتل الشعب العراقي، وللبعثيين سيئي الصيت . أما في الناحية المقابلة من الساحة العراقي فنرى التشريح على الطاولة ينتج ما يلي :- 1- تركزت حالة اللامركزية، وعدم خضوع المحافظات الى الحكومة المركزية، وباتت كل محافظة لديها مجلس محافظة منتخب يتمتع بالشرعية التامة لاتخاذ القرارات الهامة التي تختص بالمحافظة، وفيما لو نجح المشروع المسلَّح في احدى بقاع العراق فانه سيجابه بالرفض التام سياسياً واجتماعياً من قبل بقية المحافظات . 2- حالة الاستعداء (الطائفية والعقيدية ) التي مارستها أطراف المشروع المسلح جعلت من المستحيل لتلك المحافظات التسليم والخضوع مرة أخرى لسيطرة نظام شمولي بديل لنظام صدام، ولا حتى القبول باحتمالية حصول ذلك، وساعد على هذه الحقيقة غموض المشروع المسلَّح وممارساته، وعدم استغلال الفرص المتعاقبة لتطمين الشارع العراقي . 3- هنالك تيار شعبي يتنامى يوماً بعد يوم لخلق فيدراليات واقاليم في الجنوب كما في الشمال، وهذا التيار مستعد للتخلي عن (وحدة العراق) في أية لحظة لو تكللت جهود المسلَّحين بالنجاح . 4- يرى المراقبون نضجاً واضحاً في الاستقلال الاقتصادي للمحافظات عن المركز، مما يعزز الفكرة التي ترى أن مستقبل وحدة العراق على كف عفريت لو نجح المسلَّحون الغامضون في اسقاط المشروع الديموقراطي، ويؤكد هذا الكلام المحاولات الرامية الى استغلال الثروات الطبيعية ومنها النفط من قبل المحافظات، أو تحديد نسبة مئوية من الدخل القومي للمحافظات المنتجة للنفط . 5- يرفض الكثير من العراقيين فكرة الحرب الأهلية، ولكن لو شعر هؤلاء بتهديد حرية أطفالهم ومستقبل عائلاتهم من قبل الجماعات التكفيرية أو من قبل أنظمة تتبنى القتل طريقاً للوصول الى السلطة فسيجد هؤلاء أنفسهم أمام خيار لامفر عنه للحفاظ على المكتسبات التي تحققت بسقوط صدام . 6- يشعر غالبية العراقيين باليأس من نجاح المساعي السياسية لاقناع المسلحين بالتخلي عن السلاح والانخراط في العمل السياسي السلمي والايمان بمبدأ تداول السلطة السلمي عبر صناديق الاقتراع، ويؤمن هؤلاء بالرد المسلح عبر الجهات الأمنية الرسمية والقانونية المرخصة بحمل السلاح، ولكن لو فشل كل ذلك فسيلجأ الناس للدفاع عن أنفسهم بلا شك .. ويبالغ البعض بوضع (الحرب الأهلية) كحل نهائي سيصل اليه العراق إن عاجلاً أو آجلاً . من خلال هذه القراءة السريعة للاحداث نستطيع التمييز بوضوح احتمالات نجاح المشروع المسلَّح من عدمه، وكيف أن هذا النفق المظلم قد يقود العراق الى الحرب الأهلية التي قبل العراقيون كل هذه الدماء للسنتين والنصف الماضيتين من أجل منع وقوعها، ولو وقعت الحرب الأهلية ( لاسمح الله) فستنتهي بخسار واحدة للجميع وهي وحدة العراق، والفضل في ذلك يعود لمن زرع الشقة بين أبناء البلد الواحد . وسوف يكون المفصل الأخير الذي سيقرر مستقبل العراق كبلد واحد هو الانتخابات القادمة، فلو اشتركت فيها كل المساحات العراقية، وتم ادانة الارهاب بشكل واضح لا لبس فيه، وتراجع الساسة (السنة) عن مسك العصا من الوسط، فسيجد الارهابيون أنفسهم وحيدين في الساحة ومنبوذين، وبالتالي ستتآزر القوى العراقية بأجمعها على انهاء الارهاب وسينتهي الموضوع، أما اذا فشل الساسة السنة المعتدلون في اقناع الشارع (السني) بمشروع العراق التشاركي الذي لا سطوة لأحد على أحد الا بالقانون وبعد الاحتكام الى صندوق الاقتراع ففي ظن العراقيين أن السفينة ستسير الى الأمام .. وسينتصر الشعب العراقي كله بالمحافظة على وحدة الوطن والهدف والمستقبل الزاهر لنا وللأجيال القادمة . كلمة أخيرة الى الجماعات المسلَّحة .. التفريط بالوطن من خلال السياسات الطائشة لصدام تعد مثالاً ودرساً كبيراً من خلال فهمه يمكننا أن نبني الوطن .. وأما من أراد كل شيء فسيخسر بالنتيجة كل شيء كما خسر صدام والبعث كل شيء، ومن يراهن على القوة والعنف دون الشعب بل يوجه سلاحه ضد الشعب فسيكون هو الأحمق الذي يريد أن ينفعك ... فيضرك .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |