|
الفساد الإداري... وروح المواطنة
د.باسم المظفر
هنالك ظروف داخلية وخارجية كثيرة تهيئ الجو المناسب لبروز طاغية معين في مكان وزمان معينين، ولكن العامل ألأساسي في هذا البروز هو توفر الشخص المناسب، فليس كل إنسان لدية القابلية للتحول إلى طاغية، فالطاغية شخص له تركيبة نفسيه خاصة فهو أناني جدا ولدية حب شديد للذات ورغبة عارمة للتسلط وإذلال الآخرين، الغاية لدية تبرر الوسيلة وغايته واضحة جدا بالنسبة له وهي سمو ذاته الشخصي فوق الجميع بل وفوق ألذات الإلهية أن أمكن ذالك بل يريد أن يكون هو ألإله مانح الحياة لمن يريد ومنهيها لمن يرد أيضا، ولكي يحتفظ الطاغية بعرشه علية أولا تدمير روح المواطنة, وهي العلاقة الروحية بين الإنسان ووطنه, القائمة على الحب والإخلاص والتضحية,, وتحويلها من علاقة روحيه إلى علاقة ماديه تشبه علاقات السوق (البيع و الشراء ), وزرع الشك وانعدام الثقة بنفسه وتحطيم ثقته بغيره و تحويل كل مواطن في موقعة إلى جاسوس على من حوله وتعويد الناس على الخسة والضعة والعيش بلا كرامة وهذا لا يكون ألا بإفقار رعاياه وبإشاعة الفساد وتدمير الطبقة المثقفة . عكس صدام حسن أسلوبه هذا بدرجات على مئات الآلاف من الكوادر الإدارية التي قاد بها الدولة, فالقسوة في التعامل والسلبية في الاستجابة والتشكك في الآخرين والتحول إلى جهاز مراقبة (الكل يراقب الكل )والخوف من كل شئ وضعف المبادرة بل انعدامها معظم الأحيان وجمود التفكير والتحول بشكل تدريجي إلى مجرد الآلات ليس لها روح الاعتراض تستجيب إلى الأوامر بشكل لاإرادي .تؤدي الواجبات التي لا تنتهي أما الحقوق فهي أولا تمنع عن الجميع حتى ينسى الجميع أن لهم شيء أسمه حق ثم بمرور الوقت يبدأ بمنحها بشكل مكرمة تمنح حسب مستوى الأداء في تنفيذ رغبات الطاغية . أستطاع صدام حسين وبنجاح باهر تدمير روح المواطنة لدى هيئتين مهمتين جدا للمجتمع والدولة،, الجيش والاداره المدنية من خلال أفساد الذمة,,ازدادت ظاهرة الرشوة أولا في أوساط الجيش أثناء الحرب الأولى مع إيران، حين دفع ألآلاف الجنود الرشاوى إلى ضباطهم لغرض التخلص من الخدمة في الجبهة والمناطق الخطرة،حتى تحول معظم ضباط الجيش الصدامي إلى مرتشين من الطراز الأول،تصاحبت هذه مع عملية أرشاء واسعة للجيش، فالأنواط والنقود والأراضي والرتب العسكرية جاهزة بعد كل معركة، لقد ربط أداء الجيش في الحرب مع المادة بشكل واسع، وقد اختفى المعنى ألأساسي لواجب الجيش بكونه مؤسسه تمتلك الحس العالي بحب الوطن والتضحية في سبيله حتى تحول الجيش بمرور الوقت إلى شبه مرتزق يحارب من أجل المادة,والسلب والنهب,( كما فعلوا في المحمرة و الكويت). ينتمي الغالب من الموظفين إلى الطبقة الوسطى وهي الطبقة المفترض إن تكون قائدة التغير( السلمي أو آلا سلمي ) في مجتمعاتها, وفي نفس الوقت هي العدو الأول للطاغية بسبب ثقافتها العالية، وعدم استسلامها بسهولة لرغباته، ولهذا فتحطيم هذه الطبقة هو الهدف الأسمى أليه لغرض فرض سيطرته النهائية على الشعب، وقد بدا صدام في حال استلامه السلطة في تحطيم هذه الطبقة، أولا بإذلالهم عن طريق تجنيدهم فترات طويلة في الجيش، ثم بمنحهم رواتب ضئيلة في الإدارة المدنية، ثم بتسليط, ألاميين وأنصاف المثقفين عليهم بهيئة وزراء أو مدراء عامين ثم بتشجيع الاختلاس والرشوة لغرض أفساد الذمة . تدريجيا بدا قسم من الموظفين المدنيين بالتعامل مع الرشوة وكأنها شيء طبيعي بل بدا من يشرع هذه الوسيلة ويعتبرها جزء من حق الموظف على المواطن،, ثم جاء الحصار,, وقلت دخول الموظفين، حينها أصبح التعامل بالرشوة بشكل علني وبتشجيع من الدولة حتى أصبحت الرشوة ممارسه طبيعية لمعظم كوادر الإدارية للدولة.، بل وهنا الطامة الكبرى تحولت الرشوة من صفة سيئة تحمل العار لمرتكبها في المنظور الاجتماعي، إلى شيء ممكن ( قبوله بسبب الوضع الاقتصادي ) أو ممكن اعتباره ( هدية مقبولة شرعا ), أو( إكرامية),,, الخ أي شرعنة الرشوة اجتماعيا . في النهاية أصبح للموظف ثلاث خيارات لا رابع لهما,, أما أخذ الرشوة والاختلاس وسرقة الأموال العامة وبهذا يتم أفساد ذمته ليصبح غير مؤهلا لقيادة التغير ( وهذا الهدف المطلوب ) أو ترك مهنته والعمل في أعمال لا تتوازن أطلاقا مع كرامة الشهادة العلمية التي يحملها أو كرامته الشخصية،, وهذا نوع من الإذلال المطلوب أيضا,,, أو ترك البلد إذا أستطاع في ذالك وبهذا يتخلص منه الطاغية ومن إزعاجاته. هرب عشرات الآلاف من الكوادر الإدارية للنظام السابق وبهذا تخلصوا ( بشكل نسبي ) من عملية الإفساد الكبيرة التي كان صدام يجريها في جهازه الإداري، ولكن بالمقابل بقى مئات الآلاف في أماكنهم ( لسبب أو لأخر ) ليغطس معظمهم في مستنقع الفساد الإداري، ولنصبح الكثير من قيم الفساد لديهم شيء عادي بالممارسة . ثم جاء التغير وحملت معها الآمال العريضة والمثالية للطبقة المثقفة في التغير والحلم بواقع يشبه الدول المتقدمة،,, ومرت سنتين وبدأت هذه الآمال بالتحطم على صخرة الواقع، فالتغير شمل فقط الخط الأول وربما الثاني لموظفي الدولة ( الوزراء ووكلاء الوزارة ) ثم أجريت انتخابات لانتخاب المدراء العامين،,, وهنا,,, من ينتخب من ؟؟؟ الجمع الهائل للموظفين الفاسدين سينتخبون من على شاكلتهم, مدراء منحوا الحماية بصيغة أوبأخرى من الأحزاب الحالية الموجودين بالسلطة, بعد ذالك منحت سلطة توظيف أو أعادة التوظيف إلى هؤلاء المدراء ( القدامى _الجدد) بعد أن كانت من الصلاحيات المركزية للوزارة، والذين استخدموا هذه السلطة بنفس النفسية السابقة ( أخذ الرشوة ) والذين أصبحوا السد الصلد أمام طموح الآلاف من مغتر بي الخارج الراغبين بالعودة و الحاملين للفكر المثالي في أعادة أعمار الدولة,, ثم زيد الطين بله بإعادة البعثين( لأسباب إنسانية !!) إلى أعمالهم وهم أصلا فاسدون من قمة رأسهم إلى أخمص قدمهم . شرعت قوانين وألفت هيئات لمقاومة الفساد, لتدخل قسم من هذه الهيئات نفسها في برنامج الفساد وتشارك به، بمجاملة المدراء أصحاب النفوذ والتغطية على تصرفاتهم أو المشاركة بالحصة, وكم مدير للتفتيش في وزارة معينة غير بسبب الفساد ؟؟؟ الفساد الموروث من صدام حسين عبارة عن حلقة مفرغه وجبل من الصخور، فقد أستطاع وبنجاح باهر قتل روح المواطنة لدى معظم الكادر الوظيفي الذي قاد به الدولة كل هذه الفترة, فمدير المؤسسة أو عميد الكلية أو وكيل الوزارة الفاسد يأخذ الرشوة لكي يوظف موظف فاسد مثله وهكذا تمتلئ الكلية أو الشركة أو الوزارة بجمع غفير من بائعي الذمة، ليغطي كل موظف على أعمال زميلة، و لتمر سنتين ( فترة ليست قصيرة لشعب منهك ) والأعمار يراوح في مكانه بالرغم من هدر مئات الملاين من الدولارات، وأزمة الماء والكهرباء والوقود وربما يوما ما الغذاء والهواء, وتهريب النفط والآثار, ومئات بل الآلاف من الشهداء يسقطون هنا وهناك,,كلها بسبب الموظفين الفاسدين وليس شيء أخر . إذا الإفساد الإداري هو شي متعمد من قبل الطاغية وليس وليد الحصار الاقتصادي، والمشكلة الكبيرة أن الموظف الذي يتعود على أخذ الرشوة يصعب علية التخلص من هذه الصفة فقد أنكسر ((المانع النفسي أو الضمير )) الذي كان يمنعه في البداية من أخذ الرشوة، وضعفت بشكل كبير روح ألانتماء إلى الوطن، فإذا نحن أمام كوادر من الآلاف الموظفين الذين يصعب علاجهم بمجرد رفع رواتبهم أو ألقاء بعض المحاضرات الأخلاقية عليهم . التغير لن يكون ألا بالكوادر التي لم تدخل في مستنقع الفساد الصدامي،,التي هربت و عاشت في المنفى لعقود تحلم بالعودة وبالتغير المثالي إلى وطنهم المنكوب،, وبمساعدة الكوادر الطيبة المظلومة سابقا وحاليا والتي وبقت داخل البلد تكابد الطغيان, فقيادة التغير يجب أن تكون لهؤلاء. وليس لمن فقد روح المواطنة والانتماء الحقيقي للوطن والغيرة علية.. ومن يعتقد غير ذالك فعلية أن ينتظر فترة أخرى من الدمار لكي يحس بصواب هذا الرأي .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |