|
امكانيات التيار الديمقراطي في العراق مشتتة
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
المجتمع المدني فكرا وثقافة وتاريخا ومؤسسات هو رديف لموضوعة الديمقراطية وممارساتها. ومشاركة الشعب العراقي في توفير مستلزمات نجاح أية تنمية أو اعمار مستقل في بلادنا لا يمكن أن تتم إلا على أساس طوعي وديمقراطي عبر الاحترام الكامل لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واحترام التعددية السياسية والابتعاد عن القهرية الحزبية والميكافيلية والعشائرية والطائفية والتدخل في الحياة الشخصية للناس وتوفير آليات تداول السلطة الإقليمية الموحدة بطريق سلمي والعلانية وتوفير البيانات المعلوماتية الصحيحة وتعضيد فعالية المؤسسات الأهلية والمدنية والديمقراطية والنقابية والسير قدما باتجاه العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي العلماني الموحد. عكس ذلك، يجري تكريس الطغيان والحكم الاستبدادي واللامبالاة والفساد والتطلعات الاستهلاكية، ويصبح المجتمع عرضة للاختراق الخارجي دون جهد يذكر. الانتماء الحزبي والانتماء للولاءات اللاوطنية يحدده اليوم عامل الاحتماء والحاجة المادية لاسيما بعد ان بات الفساد اليوم اي بعد مضي عامين عن الاحتلال وباءً مستشرياً ينخر في جوانب المجتمع كافة وبشكل خاص في مؤسسات الدولة ودوائرها كما تؤكد مفوضية النزاهة في العراق ان نسبته في الحكومة العراقية بلغت 70% وفق تقارير وتصنيفات هيئة الشفافية الدولية... وتتهرب الحكومة العراقية والسلطات الاقليمية معا من تطبيق القوانين على الجميع بنفس المستوى لتترك فراغات تمرر من خلالها الضغط على هذا النفر او ذاك لأجباره على الخضوع للسلطات. المكونات الأساسية للديمقراطية السياسية … هي حرية الرأي والتعبير عنه وحرية الضمير والانتماء والتنظيم السياسي والنقابي والاجتماعي والثقافي وحرية الاجتماع. والديمقراطية لا تعني الحقوق الإنسانية والسياسية للحرية فقط بل تنظيم المؤسسات والمقاييس الضرورية لتأكيد الحقوق والتي تنطوي على التقييدات كذلك. فالديمقراطية مقولة اكثر شمولية من الحرية بالمعنى السياسي لأنها "ميدان سياسي محدد للنشاط يمكن توسيعه او تضييقه، تناضل مختلف الطبقات فيه من اجل توسيع او تقييد الإجراءات الديمقراطية اليومية ". من أهم مقومات انبعاث المجتمع المدني هو الفصل بين الدولة والمجتمع... فصل الدين عن الدولة، والحل الديمقراطي للقضايا العقدية الوطنية، وتحديث الوعي الاجتماعي بالوعي العقلاني العلمي القادر على مجابهة التحديات، ومضاعفة الوسائل العصرية التي تسهم في تحريك القناعات والقيم والمثل والمشاعر لدى المواطنين في اتجاهات التطور الديمقراطي، والربط السليم بين الديمقراطية السياسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وكذلك دمقرطة أجهزة الدولة وسلطاتها كي تضمن عدم تحول التعددية الضرورية للديمقراطية الى تفكيك لمكونات المجتمع. فالهدف هو تمتين وحدة المجتمع على أسس ديمقراطية حيث لا مكان فيها للديكتاتوريـة ومتاهة اللا سلطات او فوضى واقعية اللا دولة. لا معنى للتنمية الاقتصاديـة والاجتماعيـة ان كانت تصب في النهاية في مجتمع يسوده الاستغلال والظلم الاجتماعي. فالمجتمع المدني وحده يضمن رعاية الدولة وحمايتها للحقوق المدنية والسياسية،وتامين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحق التنمية. ان التقدم الاجتماعي والتنمية يجب ان يقوما على أساس من قيمة وكرامة الإنسان …. وان يؤديا الى مزيد من احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. ويسهم ترسيخ المجتمع المدني في إرساء الأسس الاجتماعية والحضارية للتصنيع، الأساس المادي للتنمية الوطنية والقومية. ان الديمقراطية هي واحدة من المهام الملموسة الملقاة على عاتق القوى الثورية طالما انه واضح - حتى للأعمى - أنها مكون أساسي من مكونات العالم المعاصر. ومنها لا بد من اشتقاق ليس فقط الأشكال الملموسة لمواجهة الدكتاتورية والفاشية والطائفية والعنصرية والمحاصصات اللاوطنية والفكر القومي المندحر والصدامية والارهاب بل أولا الشكل التنظيمي الديمقراطي القادر على جعل الديمقراطية واقعا ً ملموساً فيه قبل أن تصبح كذلك في المجتمع، وهذا هو شرط لا غنى عنه في مقارعة النخب الحاكمة وسياساتها الرعناء. الديمقراطية هي منظومة قيم وأنماط تفكير وسلوكيات وتوجهات ومشاعر لا مجرد إجراءات سياسية. والتربية هي مفتاح فهم واكتساب الإنسان لهذه المنظومة.و تتعرض الشبيبة العراقية بالفعل إلى تدخل سافر في عفوية حركتها الاجتماعية وتضامنها مصدره عاملان : · داخلي محلي مرتبط بالثقافة السائدة التقليدية والقيم الرجعية. · خارجي مرتبط بالثقافة العولمياتية الوافدة الجديدة المتجددة عبر التقنيات المعاصرة. وبينما يشيع التقليد قتل الإبداع ويحجم العصرنة والحداثة فان الثقافة الوافدة استهلاكية الطابع تلطف الاضطراب الاجتماعي وتضعف الولاء للوطن والمجتمع ! تحت شعارات الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب تنتعش اليوم المكارثية وترومانية النقطة الرابعة وتمد شبكة وكالة المخابرات الأميركية المركزية اخطبوطها واذرعها في أرجاء المعمورة. وتحاول الادارة الاميركية تخدير اليقظة السياسية عند الشعب. ان النضال ضد الإمبرياليـة عبارة زائفـة جوفاء إذا لم ترتبط مع النضال ضد الانتهازيـة والتحريفيـة ( من يمتلك القدرة على رفع شانك يقدر على الهبوط به)، والنظم الشمولية والفكر اللاهوتي.... وسياسات الهراوة الكبيرة، والشانتاج النووي، والإرهاب الوقائي، ودبلوماسية العنف، والشراكة الإرهابية الرسمية، ومبدأ الأخذ بالثأر مهما كلف الثمن، وإشاعة قوانين الغاب، وخلق الأممية الإرهابية، والتدخل في الشؤون الداخلية. ديمقراطية الابداع والثقافة هي حرية وتنوع وتحديث وشرط استقبال المجهول غير المتوقع واسلوب تحسين نوع وشكل الحياة. ولا زال الترابط بين النضال في سبيل السلام والديمقراطية والتقدم الاجتماعي في الظروف المعاصرة يشكل وحدة عضوية لا تنفصم عراها. والموضوعية تستلزم اقصى درجات التضامن الاجتماعي الفعال بين الشعوب والقائم على اسس الصداقة النزيهة والتعايش السلمي وعدم الانحياز لتنشيط خفقان قلب الديالكتيك الاجتماعي والجمع الفعال بين مهام التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي. يعتبر جيل التاسع من نيسان الوضع الانتقالي القائم رغم إيجابياته الواسعة مخالفا لأبسط الحقوق الإنسانية لعموم الشعب العراقي ولا بد من تغييره، ويعتبره المنتفعون واحة للديمقراطية بحكم رساميلهم التي اكتسبوها بالزكاة والعصامية !. ويبقى المجتمع المدني البديل الحضاري لمخاطر العشائرية والطائفية والفساد لانه رفض للمخلفات الرجعية والدكتاتورية وخاصة دكتاتورية البعث والاصولية الاسلامية والمرجعيات الدينية البليدة والشلل الفاسدة الغوغائية. هذا يتطلب أسس تحالف راسخة متينة لتوحيد العراق وصيانة الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية. لا تمثل الحكومة الانتقالية الوحدة الوطنية العراقية ولا يمكنها ان تساعد على ترسيخ التقاليد الديمقراطية الحقة... وكان تشكيلها يتعارض مع مبدأ الانتخاب.... كما لم تتخلص التركيبة التي استقر عليها المسخ الوليد والولادة العسيرة من مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية، واهملت بشكل متعمد التيارات المؤثرة في المجتمع العراقي وبالاخص التيار الديمقراطي. والسبيل الوحيد للخروج من هذه الحال هو قيام نظام حكم علماني ديمقراطي حقيقي يضمن تثبيت وصيانة الحقوق والحريات العامة للمواطنين، ويمنع بموجب القانون أي تجاوز على هذه الحقوق والحريات بأي شكل كان ومن أي جهة كانت من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية في كيان المجتمع، وترسيخ مبادئ السلام في العلاقة بين الشعوب واحترام إرادتها ورفض أفكار الحرب والعدوان والفكر الفاشي والظلامي المتخلف... وتجاوز المسخ الشيعي الطائفي وعموم الطائفيات الدينية والسياسية، اساس اي عمل مشترك لقوى اليسار والديمقراطية في العراق... وتعزيز الأمل والثقة بولادة الجمهورية العراقية الديمقراطية في أسرع وقت، ولو بهذا الثمن الباهظ الذي تبين انه لم يكن منه بد.الشروع بعمل مشترك لقوى اليسار والديمقراطية في العراق لابد ان يستند على تطهير مؤسسات الدولة من مرتزقة البعث وخبايا سرطان المافيا التفريخية البعثية لا في مؤسسات الدولة فحسب بل بين رجال الاعمال – البيزنيس وممثلي القطاعين الخاص والتجاري ونشطاء المجتمع المدني والعراقيين العاملين في الشركات العالمية والمنظمات الدولية... وحتى ملاحقتها داخل التجمعات الدينية.. وتحقيق الديمقراطية السياسية باقامة دولة العدالة، والمواطنة، والضمانات، والتعددية، وحقوق الانسان وفقا لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتأكيد استقلال القضاء وادانة المحاكم القروسطية للجاهلية المتأسلمة والمتشيعة وفتاوي التكفير والحسبة و هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..التداول السلمي للسلطة.. الدستور الحضاري الديمقراطي الذي يضع حدودا واضحة لعمل السلطات وواجباتها ويلزم الحكومات بحماية الاديان والطوائف وعدم التدخل في شؤونها أو التحزب لدين او طائفة منها.. ويعني تحريم وتجريم العنف واساليب الارهاب ونزعات القوة والاكراه والابتزاز.... والوقوف بحزم تجاه محاولات الخصخصة واستنساخ التجارب الرأسمالية.. والاقتصاديات المريضة مثلما يسود اليوم في الدول المجاورة للعراق. يمتلك التيار الديمقراطي في العراق امكانيات كبيرة لكنها مشتتة، والمطلوب هو الارتقاء بالجهود الى مستوى المرحلة السياسية و تحدياتها وما تحمله من مخاطر وصعوبات، فهل ستكون قواه بمستوى التحديات؟ لنعمل معا في سبيل بلورة برنامج للعمل المشترك وصياغة الاليات وتحشيد القوى الكفيلة بتحقيقه، والحذر من راهنية الخطاب السياسي السائد الذي يعيد انتاج السياسات العاجزة بعد ان باتت الادارة الاميركية قاب قوسين او ادنى من نقل الصراع الذي من المفروض ان يكون ضدها الى داخل المجتمع العراقي ونخبه السياسية لتنتعش الولاءات العصبوية اللاوطنية. هكذا يتخذ الحديث والتعاطي مع العشائرية والطائفية والعصابات الارهابية والشلل الفاسدة الغوغائية المنحى الحيادي وكأن كل ذلك ظاهرة طبيعية ليس للإنسان دور في تغييره فما بالك بصنعه،او كأن تغييره جزء من صراع الإنسان مع الطبيعة حيث يأخذ قرونا من الزمن. على هذه الأرضية مع الاسف تصرفت القوى السياسية العراقية في الانتخابات التي حصلت والتي ستحصل. وبالطبع ليس من مجال أمام من يريد كسب موقع هنا واخر هناك الا ان يأخذ بالاعتبار الخريطة الموجودة ويستغلها. ولكن هناك أمور لا تدخل في نطاق التكتيك الانتخابي بقدر ما تدخل في الهيكلية الفكرية والسياسية للحركة الوطنية والديمقراطية العراقية نفسها. وعليه وجب على قوى التيار الديمقراطي في العراق اولا التخلص من هذه الاحلام الطوباوية والمتاهات الاكليروسية الرجعية الانتهازية التحريفية قبل الشروع بالعمل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |