|
عندما زار الشيخ رفاعة الطهطاوي أوروبا في القرن التاسع, عاد إلى بلده مصر وهو يدعو إلى الأنفتاح على الحضارة الغربية والأخذ بالقيم الأنسانية التي تتميز بها, ولم يجد في ذلك أي ضير أو تعارض بين هذه القيم وروح الأسلام. ولم يبتعدعن هذا الرأي كثيرا, العديد من المفكرين المسلمين الذي جاؤوا من بعده , وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة ومحمد رشيد وخير الدين التونسي. فلقد ذهب هؤلاء إلى الرأي القائل بأن روح الأسلام تطبق في الغرب وأما العالم الأسلامي فيوجد فيه مسلمون بلا إسلام. ولم تكن هذه النظرة نابعة من فراغ, وإنما نبعت من واقع مرير يعيشه العالم الأسلامي منذ قرون, إنحسرت فيه الحضارة الأسلامية ورضي المسلمون فيه بدور المتفرج على التطور الأنساني المتسارع في مختلف أرجاء المعمورة. ولم يكن هذا التراجع على صعيد التطور العلمي والتقني فحسب, بل إمتد ليشمل الجانب القيمي والأنساني. فلقد شهد العالم الأسلامي أبشع صنوف ألأضطهاد والأنتهاك لحقوق الأنسان العربي والمسلم. وملأت السجون بالمواطنين من أصحاب الرأي , وتعرضت فئات وشرائح إلى عمليات إبادة وتصفية, وتم مصادرة حقوق المواطنين السياسية والشخصية والأجتماعية. حتى جاءت الجماعات السلفية والأرهابية لتتوج هذا السفر المخزي من الجرائم وإنتهاك حقوق الأنسان لتزيد الطين بلة ولتشوه سمعة الأسلام والمسلمين ولتعطي صورة بشعة عن المسلمين وهم يحزون الرؤوس ويقطعون الجثث ويحرقونها في ظل تلاوة رخيمة للأيات القرآنية. وعندما ضاقت الأرض بما وسعت على العراقيين الذي هربوا من جور وظلم نظام صدام الهمجي, لم تفتح ذراعيها لهؤلاء المظلومين سوى الدول الغربية التي قدمت لهم كل التسهيلات, ووضعت بيت أيديهم كل الأمكانيات المتاحة وعاملتهم على أنهم أبناء بلدانها, رغم أن ما جمع العراقيون بهذه البلدان الغربية هي الأنسانية ولا شيء أخر من قبيل الدين أو العرق. وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة أثارت إستهجان وسخط العالم المتحضر. إلا أن القوانين الغربية لم تسمح لأحد بإستغلال هذه الأحداث لغرض التطاول على المسلمين الساكنين في تلك البلدان. بل لقد وصل الأمر بالمواطنين الغربيين إلى تشكيل مجموعات متطوعة تحرس مساجد المسلمين خشية وقوع ردود فعل متطرفة من قبل البعض , وكما حصل في أحد الولايات الأمريكية التي تطوع أبنائها لحماية المصلين المسلمين في أحد المساجد في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأرهابية. وأما ماريا, فهي موظفة سويدية تعمل في جامعة لوند في السويد. شاءت الأقدار أن يكون لها معي موقف لن يمحى من ذاكرتي مهما تعاقبت السنين. فلقد كانت لي مناقشة لأطروحتي لنيل شهادة الماجستير في الهندسة الفيزياوية قبل يومين ولقد تمكنت وبحمد الله من النجاح والحصول عليها. ويوم أمس ذهبت إلى رئاسة الجامعة لغرض تسلم الشهادة , وهذه العملية لا تستغرق سوى ساعة واحدة وليس كما هو عليه الأمر في بلداننا, إذ تطول عملية الحصول على الشهادة الدراسية أسابيع عديدة في بعض الأحيان. إلا أنني فوجئت بضرورة توقيع ماريا على بعض الوثائق, وعندما ذهبت إلى مكتبها للتوقيع وجدت إعلانا على الباب يشير ألى أنها في عطلة صيفية ولن تعود إلا في شهر أغسطس القادم, وهذا يعني تأخر إستلام الشهادة إلى ذلك التأريخ. كما وأن رئيسة الجامعة لا تداوم سوى هذا اليوم وبعدها ستبدأ عطلتها الصيفية. وعندها خطر في بالي أن أتصل بماريا على البيت عسى ان تكون فيه ولم تسافر, ومن حسن الحظ أنها رفعت سماعة الهاتف, فشرحت لها الموقف وطلبت منها أن تفعل شيئا, وهو طلب مستحيل لأن العطلة الصيفية في الغرب لا تعوض, بعد شهور من العمل والجهد المضني. وكم كانت دهشتي وفرحتي كبيرتين عندما قالت لي ماريا , سآتي الأن للجامعة لحل هذا الأشكال. وبالفعل جاءت في الوقت المحدد ووقعت الوثائق ولم تذهب حتى وضعت شهادة الماجستير في يدي. فتحية لك يا ماريا وشكرا لوقفتك التي لن تمحى من ذاكرتي أبدا , ولم يبق سوى سؤال يجول في خاطري وهو كم مثل ماريا عندنا؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |