|
الانظمة العربية بين الاصلاح السياسي والاخلاقي ياسر سعد / كندا ارتفعت وعلت وتيرة الاصوات التي تطالب بالاصلاح السياسي في العالم العربي وانكسر حاجز الخوف لدى كثيرين فانطلقت المظاهرات –على سبيل المثال- المناوئة للنظام في مصر تطالب الرئاسة المصرية بالرحيل وبعدم التجديد والتوريث بعد ان اوصل النظام البلاد للحضيض اقتصاديا وسياسيا. حتى الادارة الامريكية تتحدث عن ضرورة اصلاح الانظمة المتكلسة وتعترف وعبر وزيرة خارجيتها رايس بأن امريكا أخطأت بمقايضة الاستقرار السياسي للانظمة الحليفة بغياب الحريات وانتشار القمع والفساد السياسي والدكتاتوريات البائسة. ليس المقصد هنا مناقشة مصداقية الطرح الامريكي والذي اشك فيه كثيرا غير ان الوضع الحالي لا يمنع, لا بل ويلزم حركات المعارضة خصوصا الاسلامية والوطنية استثمار هذه الفرص النادرة والتصعيد في مطالبها ومواقفها من الانظمة الفاسدة والمتكلسة. المطالب المنطقية والصريحة ستؤدي الى فرض حقائق على الارض وتعيد تعريف المفاهيم الاساسية والتي شابها كثير من الدخن, فحتى لو تراجعت امريكا عن ضغوطها المعلنة على الانظمة -وهو الارجح- فإن المواقف الصريحة والمنطقية للحركات المعارضة ستساهم في تعرية وفضح الازدواجية واللاخلاقية في المواقف الامريكية والذي سيساعد بطريقة او باخرى في افشال المشروع الامريكي في الهيمنة على المنطقة العربية واعادة تشكيل العقل والمفاهيم العربية والاسلامية. إن الرضا والقبول بالاصلاحات الصورية والهامشية تحت مسميات مختلفة من قبيل التدرج او الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي المفقود ابتداء او تحت عناويين درء الاخطار الخارجية سيكون خطأً فادحا وسيؤدي الى اطالة اعمار الدكتاتوريات البائسة والانظمة الفاسدة. الجماعات والاحزاب والتي ترضى بالتنازل عن الحقوق الاساسية للمواطن في المشاركة الكاملة وغير المنقوصة سياسيا وان يتمتع بالحرية في التعبير والتغيير ستكون بمثابة شاهد الزور المستحق للتأثيم والتنديد. الاصلاح السياسي وحتى يكون فعالا يجب ان يشمل التدوال السلمي للسلطة وعلى المستوى الرئاسي, كما انه من المعيب ان يكون منصب الرئيس او الحاكم على مدى الحياة من خلال مسرحيات انتخابية واستفتاءات هزلية سوداء. من الواجب ان يقيد البقاء في السلطة بمدة معينة لا تتجاوز العشر سنين. الاصلاحات الحقيقية يجب ان ترفض وباصرار الدساتير التي تجعل ذات الحاكم مقدسة ومصونة وترفض مناقشة قرارته ومراسيمه وتجعله فوق الخطأ والمحاسبة, فهذا الطرح تشترك في رفضه القاطع وفى رده احكام الاسلام وقوانين الديمقراطيات المعاصرة والحس الانساني السليم. اليس من المعيب ان يندد حزب اسلامي معارض بتصريحات ناشطة سياسية اسلامية لمجرد طرحها فكرة سياسية تتحدث عن النظام الانسب في بلادها؟ هل المطلوب من المعارضة "الشرعية" تثبيت الانظمة التي تفتقر قراراتها للشعبية وتفتقد سياساتها للنجاح او الموفقية. يحتل الكثير من حكام العرب وامراؤهم المراكز الاولى في قوائم الاثرى في العالم, فيما تحتل دولهم العربية المراتب الدنيا في التنمية الاقتصادية وفي بعض الاحايين في الوضع المعيشي على المستوى الشعبي العام. وعلى الرغم من بداهة الاجابة على التساؤل الذي يدور حول مصادر الثروة والثراء لحكام العرب واتباعهم فإن هذا التساؤل يجب ان يطرح وباستمرار عندما يدور الحديث حول الاصلاح او الاحوال الاقتصادية العامة. إن الاصلاح بأي صيغة يقتضي ان يكون العابثون بالمال العام والناهبون لها خلف القضبان لا ان يبقوا على سدة الحكم او في دوائر المسؤولية وصنع القرار ليزيدوا الوضع العام سوءا وترديا. كما ان الحديث عن الاصلاح يستدعى الحديث عن الفساد الاخلاقي والذي ينخر الطبقة الحاكمة في كثير من الدول العربية. وبطبيعة الحال لن يتناول هذا الطرح الاشاعات والقصص المتداولة بين عموم الناس والتي تبحث عن عورات الناس وربما تجنح للمبالغة او تناقل ما يثيره بعض المرتزقة في المواقع الالكترونية والصحف الصفراء بغرض الابتزاز الرخيص, بل يتم الاكتفاء بما تتناقله وسائل الاعلام من اخبار موثقة او حتى ما يتم الاعلان عنه رسميا. في الايام والاسابيع القليلة الماضية تناقلت وسائل الاعلام اخبار متلاحقة عن اخبار الطبقة الحاكمة العربية منها على سبيل المثال: رئيس وزراء دولة عربية مجاورة للعراق يسلم جائزة لواحدة من مطربات الفيديو كليب الشهيرات والتي يطلق عليهم البعض جواري العصر الحديث لما يعرضونه من فنون الاغراء الرخيص والاثارة الساقطة. إبن رئيس دولة عربية ثورية سابقة يتم توقيفه مرتين في العاصمة الفرنسية مرة لتجاوزه الاشارات الحمراء وقيادته سيارته المرسيدس بسرعة جنونية والمرة الاخرى لضربه عشيقته واعتدائه عليها. امير عربي يُحاكم في العاصمة التشيكية لممارسته الجنس مع قاصرات. ملياردير عربي من اسرة حاكمة يدير محطات فضائية متخصصة في افساد الشباب وتحريضهم على الفاحشة والخلاعة. مايكل جاكسون والمتهم بقضايا الاعتداء الجنسي على الاطفال يقضي اجازته بعد تبرئته من القضاء الامريكي – والذي نادرا ما يدين المشاهير والاثرياء- في القصور الملكية لدول عربية صغيرة في ضيافة ابن ملك تلك البلاد ربما ليتم الاستفادة من خبراته في المجالات ذات الاهتمام المشترك. إن الذين يتجاوزون على ثوابت الامة واخلاقياتها ليس لهم بحال من الاحوال ان يكونوا على سدة الحكم او يديروا احوالها. وإذا كان الاسلام قد منع السفيه من ادارة امواله الخاصة وحكم بالحجر عليها, فما الواجب اذا تجاه بعض من السفهاء والذين يعبثون باموال الامة ومقدراتها, في حين يعاني فيه الكثير من عموم الشعب من الفقر والفاقه والعوز والبؤس؟ وفيما تهدر اموال الامة في العبث واللهو او تكدس في ارصدة بنوك غربية نجد ان ما ينفق على البحث العلمي والباحثين في غالبية دولنا العربية يكاد يكون صفرا, فلا يجد الباحث مكانا في وطنه فتهاجر العقول العربية والتي لا تجد ترحيبا ولا تشجيعا من دولها الاصلية او الدول العربية الثرية والتي ترحب بالراقصين والراقصات وتسارع الى تجنيس الرياضيين للحصول على ميداليات ومراكز متقدمة في الدورات الرياضية العالمية فيما هي تتلطخ في قيعان الجهل وتكتفي على المستوى الاقتصادي العالمي بدور المستهلك الخمول. إن الاصلاح والذين نحن في حاجة ماسة له في كثير من الدول العربية والاسلامية يجب ان يكون صادقا وواضحا وان يعمل مبضعه -ولو من الناحية النظرية- عمله في الاورام السرطانية المنتشرة في كيان الامة وعقلها وقلبها. اما ان تكون الحركات الاصلاحية شاهد زور على ديكورات اصلاحية تهدف في نهاية المطاف اطالة اعمار انظمة تُجسد الفساد وتقترن بالانهيار والتداعي في جميع مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا فإن تلك الحركات والجماعات تحتاج بدورها الى الاصلاح الجذري واعادة تشكيل عقولها المفكرة وقياداتها المدبرة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |