هل ان بقاء القوات الأجنبية في العراق الآن شر لا بد منه؟

حميد الهاشمي

h.hashimi@lycos.com

 

أثيرت قضية بقاء القوات الأجنبية في العراق لفترة قادمة وشرعنة وجودها من خلال طلب الحكومة العراقية رسميا من مجلس الأمن الدولي، وباتت محل شد وجذب بين الأطراف السياسية المختلفة في الساحة العراقية. وكان أبرزها العريضة التي وقعها 80 عضوا في الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان)، ويطالبون فيها برحيل هذه القوات وإبطال طلب الحكومة المناقض هذا.

الحكومة العراقية من طرفها ترى أن لها الحق القانوني من جانب كونها حكومة منتخبة ومخولة وفق قانون الطوارئ والظرف غير العادي الذي يمر به البلد، ومن جانب آخر نُذر الحرب الأهلية وتصاعد العنف أكثر في ظل وجود بعض الزوايا الخصبة له في العراق. ويتفق مع رأي الحكومة هذا أطراف كثيرة لا شك، سواء داخل البرلمان العراقي، بدليل توقيع 80 عضوا فقط من أصل 275 عضوا هم كامل نصابها على عريضة الطعن بطلب الحكومة، ومن خارجها لدى الكثير من الأوساط العراقية السياسية والاجتماعية.

 وتتضح لنا صورة المشهد أكثر بمجرد معرفة الأطراف الداعية لخروج القوات متعددة الجنسيات أو قوات الاحتلال. وهذه الأطراف هي، تيار الصدر، وهيئة "علماء المسلمين" وأطراف أخرى صغيرة يضعها البعض تحت لافتة "بقايا نظام صدام من بعثيين وتيارات دينية أصولية".

ويسوق هؤلاء دعواتهم من أن هذه القوات هي قوات احتلال ولابد للمحتل أن يخرج ومعظمهم يؤمن بإخراجها بالقوة، وأحيانا يجنحون إلى الأمر السلمي إذا تحقق الآن من خلال موافقة البرلمان رغم أن اغلبهم لم يشترك في الانتخابات الأخيرة. ويرى هؤلاء أن وجود هذه القوات هو سبب خراب العراق وان أهل العراق سيتفقون ويلتم شملهم حال خروجها. علما أن الجميع يتفق أن أي قوات أجنبية هي قوات تدمير وليس تعمير، ولكن هناك منهج تتبعه الأغلبية إلى جانب الحكومة ومن كل مكونات الشعب العراقي تقريبا، ويتمثل في التدرج في بناء الدولة العراقية التي انهارت مع سقوط النظام السابق، وذلك من خلال بناء دولة على أسس ديمقراطية مستندة الى دستور شرعي تكتبه لجنة منتخبة، يُقر من خلال استفتاء عام على الشعب، ويحميه ويحمي هذه الدولة جيش وقوى امن قادرة على أداء المهمة الصعبة التي تتعرض للاختبار كل يوم من قبل قوى الإرهاب، المدعوم من قبل بعض العناصر والأطراف الداخلية والجهات الخارجية.

إن المستفيد الأكبر من رحيل القوات الأجنبية الآن هم في الأغلب المتضررون من تغيير النظام السابق بالتأكيد، والمستفيدين من الفراغ الذي ستتركه.

ولنقرأ الأمر هذا بشئ من التفصيل:

أولا: إن رحيل القوات الأجنبية سيترك فراغا امنيا كبيرا خاصة في المنطقة الغربية من العراق، وذلك لقوة العناصر المسلحة الإرهابية التي تلقى المأوى والدعم من العديد من عناصر ورموز النظام البائد، وبعض هذه العناصر لازال مطلوبا وفارا من العدالة لتورطه بجرائم كبيرة ضد الشعب العراقي، وان هؤلاء يجدون التغاضي والحماية أحيانا بدواعي العصبية القبلية والجهوية (المناطقية).

ثانيا: ضعف الأجهزة الأمنية في هذه المناطق، والشك بولاء بعضها وان توفر الإخلاص لدى البعض، فانه سرعان ما ينقلب نتيجة لدواعي الانتماء القبلي والجهوي المشار إليه أو للخوف من الانتقام الذي سيتعرضون له خاصة في ظل غياب الدعم (الديني) الذي يأتي من قبل النخب الدينية السنية، والتي نعلم توجهات بعضها أو وقوع البعض الآخر تحت الضغط والتهديد من قبل الجماعات المسلحة هذه، خاصة بعد أن تغلغل فكر تكفيري لا يرحم حتى هؤلاء.

ثالثا: صعوبة دخول قوات تمثل الجيش الوطني العراقي في ظل ترويج مقولة "أن الجيش العراقي الجديد جُله من الشيعة والأكراد أو يمثل مليشيات مسلحة تنتمي لهاتين الطائفتين"، ولخوف هذه العناصر من (انتقام) هؤلاء منهم كرد فعل للأساليب التي كانوا يمارسونها (عناصر نظام صدام) ضدهم إبان الحقبة الماضية. ولنتذكر هنا مطلب بعض (وجهاء) تكريت، بعد سقوط النظام السابق مباشرة واقتراب القوات الأميركية من المدينة، طالب هؤلاء بان "تدخل مدينتهم قوات أميركية بدلا من قوات تنتمي للشيعة والأكراد"، وهذا يعني أن هذا الشعار سوف يُعدل ربما إلى "طلب تدخل دول الجوار" في الشأن العراقي بحجة حماية الأقلية السنية من (اضطهاد الشيعة والأكراد أو ممارسات إبادة ضدهم). وهذا مشروع لتفكيك العراق وشرذمته ولن يستفيد منه إلا الهاربون من قبضة العدالة من الملطخة أيديهم بدماء الشعب العراقي سواء في فترة نظام صدام أو حاليا من المتورطين بالعمليات الإرهابية.

رابعا: إن الفراغ الأمني سيدفع إلى فوضى كبيرة سينجم عنها أمور من بينها فرار الكثير من المعتقلين الآن، ومنهم الكثير من ثبتت إدانتهم بالعمليات الإرهابية البشعة. وهذا يعني مخرج لهؤلاء ولمناصريهم وذويهم، وبالتالي ربما قلب المعادلة في بعض هذه المناطق.

خامسا: بالنسبة لبعض التيارات الدينية- السياسية، مثل (تيار الصدر) فان لديها طموحات سياسية كبيرة ولديها تنظيمات (ظل) عسكرية جاهزة لأي لحظة توتر، ولها عناصر في الأجهزة الأمنية سرعان ما ثبت ولاءهم في تجارب سابقة حيث انقلبوا على أجهزتهم الأمنية وأعلنوا تأييدهم لهذا التيار، علما أن هذا التيار لديه بعض المعتقلين أيضا ولازال يلح على إطلاق سراحهم.

سادسا: إن هذه الجهات الداعية لخروج القوات الأجنبية الآن تريد إفساد المنهج والنظرية المناقضة لها، ولا ندري هل درست هذه الأطراف مستقبل علاقتها ببعضها؟!

 الغريب أن هذه الأطراف هي متناقضات اجتمعت، ولم تلتق إلا في الأيديولوجية المتطرفة، ومن المحتم إنها ستقاتل بعضها قبل غيرها. على أننا يجب أن نعزل تيار الصدر الذي هو ضحية أصلا في المرحلة الماضية، ومن الظلم أن نضعه في سلة هؤلاء على كل المستويات.

إن من حق أي مواطن عراقي أن يفكر بمستقبل بلده، وان يضع المنهج والرؤية لذلك ويحاول تطبيقها، شرط أن لا تكون مضاره أكثر من منافعه وان تكون مصلحه البلد هي الأولى، وان يكون هناك بعد نظر فيه.

إن الأخطر في وضع العراق الآن هو وجود عناصر وشبكات تكفيرية تُمسك خيوطها من الخارج، منهجها (قاتل أو مقتول أنا في الجنة)، وترى أن كل من ليس معها هو ضدها، وان الأهداف السهلة هي قِبلتها، وان أكثر الأمور قبحا، هو سلاحها وفعلها المحبب. وعليه يتوجب الحذر الشديد من قبل كل القوى الوطنية التي تقدم مصلحة العراق أولا. بل عليهم محاربتها قبل أي طرف آخر إن كانت مصلحة العراق هي الأهم لديهم. فالاحتلال خارج لا محالة، ولكن التكفير والإرهاب سيبقى سرطانا يفتك بالجسد العراقي والخوف كل الخوف من هذا السرطان الذي يتوجب استئصاله، ومن قبل أبناء السنة قبل غيرهم.

ووفق هذه المعطيات فان أمر بقاء القوات الأجنبية الآن أمر ضروري في هذه المرحلة تجنبا لهذه المخاطر، ومتى ما أصبح وضع القوات العراقية بمستوى الجاهزية التامة لدرئها، ومتى ما نضجت قوى سياسية سنية تحظى بدعم شعبي وتؤمن بالعراق الجديد، سيكون أمر رحيل القوات الأجنبية محتم وبقرار شعبي – حكومي.

وبالمناسبة فان هذا الرأي تتبناه الكثير من القوى السنية العراقية والتي تنتظر الدعم والاستيعاب لتساهم جنبا إلى جنب مع غيرها في بناء العراق الجديد.

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com