أهداف أمريكية ودور الأغلبية المستضعفة ـ
الجزء الثاني
هنا نجيب على سؤال الجزء السابق :ماهي تلك
الدوافع الأمريكية التي اجبرت د. علاوي وغيرi للرضوخ لموعد الثلاثين من كانون
الثاني؟
هناك اسباب مختلفة منها ماهو موضوعي ويتعلق بالسياسة الأميركية بملامحها
الواضحة وخطوطها العريضة، ومنها ماهوذاتي، وهنا لانعني بالذاتية ماهو مقابل
للموضوعي، كما لانطلقها هنا على الذات المفردة، بل الدائرة الأكثر اتساعا منها،
لتصل الى الذات الممثلة لجماعة ضيقة، مع تباين مدى شدة انطباق هذا التعريف حتى
على اعضائها، اقصد اعضاء هذة الجماعة، أو الفئة التي يطلق عليهم المحافظون
الجدد في اميركا ويتقدمهم المستر بوش الأبن وكذلك رامسفيلد .
وبما اننا اطلقنا مصاديقا بهذا الوضوح أو قل بهذه السرعة، فلنتعرف على اسس
المعرفة التي توجه هؤلاء في التقييم والعمل، هذا لا يعني اننا نعول في أغلب
الأحيان على هذا البعد الذاتي، او نقدمة كأولوية في التحليل السياسي لمقاربة أو
قراءة ماصدر أو سيصدرمن هذا الرئيس أو ذاك، أو المجموعة المقربة منه، وفي
المقابل لا نلغي هذا البعد ونشطب عليه نهائيا، فالتاريخ ايضا زاخر بأمثلة تؤيد
فكرة دور الشخص أو حتى مزاجه، أو عواطفه في التسبب في انعطافات حادة ابتداءا من
دوائرهم الضيقة، ومرورا بمجتمعاتهم، وانتهائا ربما بدوائرجغرافية اكثر اتساعا .
مع ذلك نستدرك هنا قليلا كي لانتهم ربما بالسذاجة، لنقول سوف نأتي لاحقا للتطرق
الى الأمور المؤسساتية ذات البعد الموضوعي لهذه الدولة الأعظم، صاحبة هذه
الحضارة المادية العملاقة، والتي بفضلها المباشر نكتب مقالات، ونستخدم شبكة هي
من ابتكارها لتصل الى المتلقي اينما كان .
يطلقون عليهم المحافظون الجدد، وهم اصوليون، رغم ان هذا المصطلح ينطبق على معان
كثيرة، سابقا, ولحد الآن،كنا نطلقها على من يعتمدون علم اصول الفقة، وهي اداة
المجتهد في استنباط المستجدات الفقهية، ومقابلها، مع درجة من التبسيط السلفية،
أو الذين اغلقوا باب الأجتهاد لمئات السنوات من غير المنتمين لمذهب أهل البيت
(ع)، وربما اطلقت اي الأصولية حتى للتمييز عن الأخباريين .
وفي المسيحية تطلق على الذين يعتقدون في
اتجاههم الفكري مايتميز بالجذرية والأصالة .
لكن دعنا نخرج من تاريخية هذا التعريف، لنعرفه سياسيا، هنا تطلق على من يدعي
تطرفا احتكارا للحق، الذي يؤدي بدوره الى تخوين الآخر تمهيدا لأقصائة، بل
تكفيرة، وعندما تقترن كل هذه الخطوات برؤية دينية مشوهة، هنا تكتمل اركان العمل
الأرهابي، ليصبح قتل الآخر نوع من السعادة المزيفة، والأنسجام الداخلي المريض،
عندها يتم التركيز على الحياة بعد الموت لا على الموت نفسة، هكذا نرى بعدا من
الأرهاب الذي يتجة الى الشيعة، لتصبح تهمة التشيع كافية كي تكون عملية قتلهم
حلالا وسفك دمائهم مستباحا، بل اصبحت عملية قتلهم مبعث فخر وغبطة لشارعهم
الطائفي الشوفيني ولعلماء الوهابية . كما يطال ذلك ايضا ابرياء من جنود
الأميركان . كما هناك اصولية سياسية بأن نقسم العالم الى قسمين، خير وشر، ان
هذه الحدية والطرفية، لا التطرف, في الأيديولوجيا السياسية، عند الفئة الأخيرة
واقصد بهم الأصوليون السياسيون، لا الأرهابيين فاطعي الرؤوس، تجد لها ايضا صدى
في الموقف الشحصي، الكلمة مقدسة والموقف السياسي ايضا مقدس عندما ينطلق من
انسان، دون ان ينراجع عنها حتى لو ثبتت عدم صحتها أو نسبية خطأها، وسوء عواقبها
. وفي هذا الأطار يفسر اصرار الرئيس الأميركي على ذلك الموعد، رغما عن تآمر من
تآمر على التشيع من بعض دول الجوار الطائفي، بأستخدام اسلوب الترجيف والتخويف
من هلال شيعي محتمل، بالتعاون مع قيادات عراقية كانت حينها في المقدمة من مغبة
اشراك المهجرين والمهاجرين العراقيين القادمين من ايران، وكان يقال بأن " هؤلاء
الأيرانيون قدموا لزيادة الثقل الشيعي في الأنتخابات " .
ذكرت هذا البعد في السياسة الأمريكية الحالية ليس فقط لتفسير هذا الموقف منها
بشأن ماذكر، ولا ايضا من اجل شكرها على ذلك، مع استحقاقها لهذا الشكر, وانما
ايضا من اجل اليقضة من قبل الأغلبية العراقية من مواقف اخرى ممكن ان تتخذ، وعلى
نفس القاعدة من نظرية المعرفة هذه، لكن يكون لها تأثيرا سلبيا محتملا هذه المرة
بحق الأكثرية الشيعية التي بدأنا نتلمس تصاعدا حادا في الأصطفافات التآمرية
ضدها في الخارج والداخل . وسوف نفصلها وبشئ من التوسع في الأجزاء القادمة .
لننتقل الى السبب الموضوعي المتعلق بالفلسفة الذرائعية المميزة، والمخترعة
اميركيا، وهي اساس اكبر وضوحا لمقارباتهم السياسية ولعشرات السنوات الماضية لحد
هذه اللحظة بالطبع، كل شئ في خدمة المصلحة المتمثلة بالأنتاج الكمي والتفوق في
نوعيته، دون النظر الى تداعيات سلبية محتملة كنتيجة لها، بل التركيز كستراتيجية
على ارباحها المستقبلية، الحق في خدمة القوي وما يصلح له، أما الباطل هو العكس
تماما . دون النظر وبصورة اكثر شمولية للنتائج، ان كانت رشدا أو غيا كما قال
رسول اللة (ص) " أذا اقدمت على أمر فتدبر عاقبته، فأن كان رشدا فأمض، وان كان
غيا فأنتة " على اساس ذلك كانت الأدارة الأمريكية تراهن على معادلة انتخابية
معينة هم ذكروها بالأرقام والنسب، تكون نتيجتها بأن يصبح الأئتلاف العراقي
الموحد معارضة برلمانية كبيرة بعد ان تتوافق بقية القوى وتتحد بعد الأنتخابات
لتكوين كتلة اغلبية تستطيع تشكيل الحكومة وأن يكون لها تأثيرا كبيرا في كتابة
الدستور الدائم، الا ان هذا لم يحصل لعدة اسباب منها حصول قوائم معينة على
مقاعد قليلة او معدومه كقائمة الياور والقوائم اليسارية واللبرالية والملكية من
جهه وتعبئة قائمة الأئتلاف العراقي الموحد لسواد المظلومين والمستضعفين الذين
هم بدورهم قد ادركوا حجم المواجهه وخطورة الموقف وتاريخيته ليقدموا الأهم على
ماهوادنى خطورة وأقل اهمية .
أوقعت نتيجة الأنتخابات الجانب الأمريكي في حالة أرباك فهي أمام استحقاق
ديمقرطي لاتستطيع القفز عليه، ففي الوقت التي تريد من تجربة العراق ان تكون
مثالا يطبق في بقية دول المنطقة ضمن مشروعها " للأصلاح "، الا انها في المقابل
امام اغلبية طالما كانت تتوجس منها في السابق " لأسباب معروفه تعود لطبيعة
سياساتها في الشرق الأوسط " وفي الثمانينيات من القرن الماضي بدعمها لنظام
المقابر الجماعية رغم علمها بأن هذا النظام لايمثل الا فئه تسلطت على سواد
الشعب في ظروف تآمرية معروفة .
كما نعتقد انها اي امريكا لم تكن قد رأت وبالمطلق أن الديمقراطية أفرزت ما
يعتبر حسب معايـيرها تجاوزا لخطوطها الحمراء، لتـنقـلب على مشروعها الديمقراطي
في العراق، لتـتحول من جديد إلى ديكتاتورية مخففة بجلود ديمقراطية، ولو مستعينة
مجددا بدكتور. علاوي الذي جاهد للبقاء رغم خسارته للأنتخابات وبأساليب ودعاوي
متعددة سوف نذكرها في الجزء القادم .
هنا يبقى سؤال وهو لماذا لم يرضى البعثيون الصداميون كليا أو نسبيا بشكل ارجح،
بل لماذا لم يساعدوه في مهمته التآمرية في ارجاع البعثيين الخطرين الى مفاصل
الدولة المهمه، وخاصة الأمنية ومانتج عن ذلك من اختراقات لازلنا ندفع ثمنها
وبالتقسيط دماءا زكية وفرصا مهدرة؟ خصوصا انه اي علاوي لم يترك بابا لهم الا
طرقه، بل وقف منتظرا عنده طويلا دون ان يجد بادرة تجاوب ولو صغيرة من البعثيين
الصداميين، كلنا سمعنا رفض بنت الجرذ استقباله، وتصريحاتها المتعالية والمهينة
بحقه، رغم تقديمه كل امكانيات العراق الآنية والمستقبلية كرشى لملك الأرهاب في
مملكة الأقزام، وزياراته المكوكية له بغية أخذ النصائح أو الأوامر تاركا نحيب
الثكالى من الأمهات وهن تحتضن أطفالهن المذبوحين أو تبحثن بين تراب المقابر
الجماعية عن عظام أبنائهن والدموع قد تحجرت على الوجوه المكتويه بلهيب شمس
تموز، ليقفز فوق كل هذه الآلام ذاهبا خارج الوطن وبشكل مستمر للتفاوص مع ناهبي
المال العام لاهثا وراء كسب رضى من رضاه هوعلامه من علامات السقوط كمليك الأردن
ومن يحتضنهم من عائلة واعوان جرذ العوجة .
السبب هو : رغم كون دكتور علاوي بعثيا سابقا، ويذكر عفلق بالترحم عليه، ورغم
قسوته على الشيعة وفي مناسبات مختلفة، ومحاولة
تهميش دور مراجعهم العظام ورموزهم السياسية التاريخية، رغم كل ذلك، الا انه لم
يكن ينتمي الى مثلث السلطة وكان محسوبا اجتماعيا، لاغير، على الطائفة الشيعية،
وهو لا يضمن عودة السلطة اليهم بشكلها الصدامي القديم، ولا يقبلون اقل من ذلك،
ولو كانت الفجوة ضيقة بين الموقفين . ثم ان للبعثيين الصداميين امتدادا ودعما
اقليميا _ هم يذكروه ويتباهون به، بل تصل بهم الوقاحة الى تهديد الشيعة به ولو
تلميحا _ ذلك الأمتداد الذي يقوم على قاعدة استبدادية دامت عقودا بل قرونا
ببعدين اقصائيين، طائفي وشوفيني يراد لهما ان يبقيان مهما كانت خسة الوسائل
المتبعة من اجل تحقيق ذلك . وساعد على ذلك ايضا وجود بعض الشيعة الأصلاء ممن
قارعوا الدكتاتورية في بعض الوزارات القليلة كوزراء أو كوكلاء لوزراء وكذلك
النهضة الشيعية المليونية في المناسبات المختلفة، كل هذه دفعت المتطفلين على
ثروة العراق وفي مقدمتهم مليك الأردن من الخشية من فقدان تلك الأمتيازات غير
المشروعة كهبات من صدام، ورموزه الذين بقوا لحد هذه اللحظة فهم الضمانة الأكيدة
والوحيدة لأقصاء الشيعة والأرتماء في تلك الأحضان الشوفينية الطائفية مع عدم
انكار دور دور علاوي الماضي والحاضر والمستقبلي كمساعد أو مكمل أو ممثل شكلي
للبعثيين الصداميين المنتمين لمثلث السلطة .
السؤال : هل قبل د. علاوي الخسارة بنزاهة بعيدا عن الكذب والأفتراء وربما
التآمر وان يلتزم مع الفائزين بالمشترك الوطني، وهل شطبت أميركا نهائيا على
البعث الصدامي، أو العكس هو الصحيح بمزاوجتهم عرفيا مع بعثييها هذه المرة، لكن
بمعادلة متوازنة بدقة في جميع أطرافها؟
انتهى الجزء الثاني
|