الفيدرالية وفرّية تقسيم العراق

(قميص عثمان يحضّر في مصانع نسيج الاستبداد)

 

محمد الموسوي / باحث قانوني

almosawy1967@yahoo.com

 

سيشهد العراق في الأيام القليلة القادمة لغطا يشبه الزوابع إلى حد كبير خصوصا مع اقتراب عملية عرض الدستور الدائم سواء على الجمعية العامة أو الشعب، نعم قد يكون الكثير منها محقا إذا ما خرجت مسودة الدستور ركيكة كنصوص قانون إدارة الدولة التي اشك أن يكون قد اشترك في صياغتها المختصين في القانون، ولكن ليس علينا الآن إلا أن نكون متفائلين بالجهود التي يبذلها بناة العراق الديمقراطي الدستوري الجديد والذين سيكتب شرفاء العراق أسمائهم بأحرف من نور إذا ما اعدّوا لنا دستورا حضاريا يكفل التخلص من الحكم الاستبدادي الذي عاشه العراق قرونا عديدة من خلال اعتماد الأسلوب الفيدرالي في توزيع السلطات ويضمن للعراقيين حق التمتع بثروات بلادهم وحق العيش بمبدأ المواطنة والكفاءة وإقامة المؤسسات الدستورية للدولة التي يحكمها مبدأ سيادة القانون.

وما أوّد طرحه الآن هو التوقع من قبل بعض الجهات التي تكاد تكون معروفة في مواقفها الفكرية التي لا يمكن وصفها إلا بالجمود إذا ما استبعدنا عنها تهمة العمل من اجل إجهاض الديمقراطية وإبقاء الاستبداد بألوان جديدة لا سمح الله، واهم قضية سيثار حولها اللغط هي الفيدرالية حيث سيعرضها هؤلاء على أنها أسلوب لتقسيم العراق وسيرفضونها بشدة حيث انهم سيعتبرونها مشروعا أمريكيا وان الأحزاب التي تتبناها ما هي إلا أحزاب عميلة لأمريكا - وطبعا لا اشك أن هذه القوى المعترضة لاتعرف معنى الفيدرالية فبعضهم يقال له دكتور وغير ذلك من المسميات- فهم يعرفون جيدا إن الفيدرالية هي تماما عكس التقسيم بل هي الدواء الناجع الذي توصل إليه العقل البشري من اجل توحيد البشر وضمان إنسانيتهم وهوياتهم التي تعني بقائهم وإبداعهم والتوحيد المقصود به في الفيدرالية هو التكامل وهو بعكس التوحيد الاستبدادي الذي يلصق الأراضي ويوّحد القوانين ويحصر السلطة لدى جهة واحدة تفرض رؤيتها على الجميع وطبعا من يخالف فقد كفر واستحق القتل والمقابر الجماعية وهو ما شهدناه منذ الاحتلال الأموي للعراق وسيطرة عائلة معاوية وصولا إلى عائلة صدام وطبعا كل ذلك بأسم الإسلام وهو الأمر الذي أوصل العراق إلى ماهو عليه الآن.

فثقافة الاستبداد السياسي التي أشاعها الأمويون ومن جاء بعدهم وتأ طيرها بلباس الإسلام بواسطة شيوخ دين السلطان قد اهّل الكثير من مستبدي العصر الراهن للوصول إلى عرش السلطة ومكنهم من قتل الناس بنفس الفتوى التي صدرت لقتل الحسين بن علي بن أبى طالب الذي تم اعتباره خارجا على ولي الأمر حينها والذي لازال البعض يسميه لحد الآن أمير المؤمنين يزيد( لعنه الله) فالمسلمون واحد ودارهم واحده وخليفتهم واحد لا يجوز الاعتراض عليه ومن تمتم فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له وهكذا تجد آلاف الأحاديث والقواعد منها ما نسب إلي النبي واخر إلى الصحابة، وتعال اثبت عدم صحة هذا التاريخ فالتهمة عليك حاضرة إما انك إسرائيلي أو على اقل تقدير واحسنه انك إيراني، وبناء على هذا الفهم المشوّه نما العقل العربي خصوصا والإسلامي عموما مع بعض الاستثناءات التي لا يسمع لها صوت بسبب قتلها أو سجنها أو اتهامها بالجنون.

وبناء على ذلك نشأ مفهوم الوحدة والوطن الواحد وطبعا جاء فكر العبث الخالد ليزيد الضباب ظلاما ويزيد الجهل غباءا حتى صار الناس ينزعون إلى الدكتاتورية والعنصرية من حيث لا يشعرون( تراهم سكارى وما هم بسكارى) في حين أنا افهم إن قوله تعالى( وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الدليل الواضح على عدم صحة المفهوم الشائع للوحدة الاستبدادية فالخالق سبحانه اشار إلى شعوب وقبائل وليس شعبا واحدا وقبائل منصهرة بل جعل الاختلاف مباحا لكن هذا الاختلاف كان من اجل التعارف والتعارف هنا افهمه على انه التكامل لا الانصهار القسري وإلا لما جاءت الآية بهذا التعبير وعليه فتعارف المختلفين يكون من خلال إيجادهم صيغ تحفظ اختلافهم وتضمن وتسيّر مصالحهم وان الأفضل عنده تعالى هو الذي يحقق التكامل العادل الذي يحفظ حقوق الجميع وهو نوع من التقوى التي تحقق الإكرام عنده أما القتل من اجل التوحيد والهيمنة القسرية وبسط النفوذ فهو مذهب أموي متاسلم انسجم مع رغبة العرب في السيادة والثروة والسلطة إلى أن وصل الإسلام حسب هذه الثقافة إلى تهمة الإرهاب التي نعاني منها اليوم والتي استغلها الغرب لضرب الدين والمسلمين المساكين الذين تعرضوا إلى ابشع أنواع الاضطهاد على يد الحكام المتأسلمين حتى أن الشيخ عبد الغفار العباسي سمّى طاغية العصر صدام بعبد الله المؤمن وقائد الحملة الإيمانية وها نحن اليوم نقف على حقيقة هذا الشيخ وامثاله الذين ما زالوا يعيثون في العراق فسادا فكريا ويمدون الحركات الإرهابية بكافة الوسائل (فتاوى وامكنة آمنة وأموال تبرعات وكتب وأسلحة وغيرها) إلى أن سالت دماء العراقيون انهارا واليوم نكتشف مرافقي صدام وتنظيم القاعدة وبعث سوريا يتقاتلون بعد أن أخزاهم الله وبعد أن صنعوا ما صنعوا في العراق –ولو أن الحكومة العراقية ومع الأسف توافق على نقل مركز الإرهاب البعثي من معسكرات اللاذقية إلى بغداد من خلال الموافقة على فتح سفارة سورية في العراق- وهو الأمر الذي وعاه العالم كله واعلن الحرب عليه ولكن بعد أن اثخن المسلمون جراحا وفقرا وظلما.

وعودا على بدء، نقول إن الفيدرالية تعني تكامل الناس لا انفصالهم واتحادهم لا استقلالهم وكل ما هنالك أنها تعني توزيع السلطة بين المحافظات أو الأقاليم وبين السلطة المركزية الأمر الذي يمنع استبداد الأخيرة وتحكمها إضافة إلى توزيع ثروات البلاد بشكل عادل على أهلها بصورة تمنع استئثار الحاكم بها فقصور صدام وعائلته خير شاهد بل أسوء دليل، وعلى هذا إن من يقول إن الفيدرالية تعني تقسيم العراق واهم أو مخدّر أو انه لا سمح الله من دعاة وحدة الاستبداد أو تخريب المشروع الديمقراطي في العراق وما سنراه في الأيام القادمة سيكشف لنا هذا وانتبهوا على خلفية الجهات التي ستدّعي فرية التقسيم وقارنوا طريقة عملها وتشكيلها وثقافتها فستجدون أميّة فيها واضحا وستستخدم قميص عثمان ثانية وان اتخذت لها شعارات تكاد تمر على أذهان البعض مع الأسف لكن زمن الاستبداد ولّى ودم الحسين انتصر والحرية قادمة لأنها الفطرة فكما قال عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمها تهم أحرارا نسأل الله العفو المعافاة في الدين والدنيا والهداية انه غفور رحيم وقد أعدّ للظالمين عذاب اليم وخزي في الدنيا مهين...اللهم هل بلغت ..اللهم فاشهد

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com