|
المقاومة العراقية بين الإفلاس السياسي والمساومة
حامد مردان السامر
هل وصلت المقاومة العراقية إلى مرحلة الإفلاس السياسي المتوقع لكل أعمالها العشوائية التي تبنتها على طول الخط العسكري؟ أم أنها وصلت إلى نقطة اللاعودة في مجمل معطياتها السياسية والعسكرية؟ أم أنها ترنو إلى مرحلة إستراتيجية سياسية قادمة تحاول أن تؤسس لها إيديولوجيا عن طريق أنتهاج الرؤية السياسية التي غابت عن أنظارها منذ لحظاتها التأسيسية المرتبكة؟ كل هذه الأسئلة والطروحات تدور في أذهان الكثير الذين تتبعوا مسار المقاومة العراقية التي كانت تناضل الاحتلال الأمريكي للعراق وانتهجت النهج العسكري كخيار وحيد في الساحة السياسية دون طرح أي رؤية سياسية لكيفية ذلك الخروج العسكري الأمريكي والمرحلة القادمة بعد خروج القوات الغربية، فهذا النهج العسكري لم يقدم بديلاً سياسياً لمرحلة ما بعد الاحتلال ولذلك فأنه حمل بذور فشلة السياسي منذ اللحظات التأسيسية الأولى وهو الآن يحول تلك النتيجة إلى واقع ملموس ويعلن شهادة احتضار المقاومة بعد أن وافقت على فتح باب الحوار مع القوات المحتلة من أجل الحصول على مكاسب سياسية مستقبلية كانت هي الأهداف الحقيقية لتلك المقاومة وليس الشعارات الرنانة التي كانت تدور في فضاء السياسة، وبمجرد قبول الحوار بين المقاومة والمحتل قبل بدئه هو اعتراف واضح وصريح بوجود المحتل كطرف قوي في المعادلة السياسية واعتراف كذلك بوجوده عسكرياً وسياسياً، وهذه النتيجة كانت بسبب غياب الرؤية السياسية الواضحة والاختفاء وراء الشعارات الزائفة التي كانت تُرفع بين الحين والآخر وكذلك التخبط العسكري والسياسي هو الذي قاد فصائل المقاومة إلى الولوج في هذا المنعطف الحاد، فكيف تقاتل تلك الفصائل قوى المحتل وتجلس معه على طاولة الحوار والمناقشة؟ وأين ذهبت الشعارات والمقولات السياسية الصاخبة التي كانت تملأ الأصداء؟. أليس في ذلك تخبطاً سياسياً لا تعرف أبعاده وتصوراته وآفاقه المستقبلية؟ وما هي المكاسب السياسية التي تسعى المقاومة للحصول عليها من خلال ذلك الحوار؟ وهل هذه المكاسب هي الغاية التي أرادت المقاومة الوصول إليها بعد أن سقطت الشعارات والأقنعة السياسية التي كان البعض يتحدث بها؟ مثل مقاومة المحتل والقوى الوطنية، أين ذهبت تلك المصطلحات الرنانة التي كان تُرفع بين الحين والآخر؟ والتي كان البعض يراهن عليها حين يقول ويصرح علناً وبكل صفاقة : أن القوات الأمريكية بدأت تترنح تحت ضربات المقاومة؟ ولكن يبدو أن التصريحات السياسية شيء والواقع السياسي شئ آخر، فهذه الإحباطات العسكرية والسياسية للمقاومة وضعت تلك الفصائل في موقف لا تحسد عليه، فهي واقعة بين نارين، نار القوات الأمريكية التي بدأت تضيق الخناق عليهم، ونار التقدم السياسي الناجح الذي تنتهجه القوى والأحزاب السياسية التي أخذت منهج العمل السياسي أسلوباً لإنهاء الاحتلال، وبدأ هذا الاتجاه يسير في خطوات ثابتة وراسخة وذلك من خلال إجراء الانتخابات وقيام الجمعية الوطنية وكتابة الدستور وهي مراحل سياسية مهمة في تاريخ العراق السياسي المعاصر، ولذلك فأن المقاومة وقعت بين هذين النارين، وتحاول الآن جاهدة للحاق بالعملية السياسية بشكل أو بآخر من خلال اختيارها لأيهم السامرائي ممثلاً لها وهو الرجل السياسي المعارض الذي خرج من باب العملية السياسية الواسع ليعود إلى الواجهة من نافذة المعارضة الضيق، بعد أن فقد امتيازاته السياسية السابقة وخرج من الانتخابات صفر اليدين فحاول اللعب على وتر المقاومة لعله يعزف ألحاناً شعبية تعود به إلى الواجهة من جديد وهذا هو الانتحار السياسي حين يتحول الخط السياسي إلى الخط العسكري، واعتقد أنه سوف يخسر الاثنين معاً مستقبلاً بعد أن تسقط أوراق لعبته السياسية وتعبث بها الرياح . ولكن هذا التحول في مسار المقاومة ليس بالأمر المستغرب خاصة إذا عرفنا المكونات السياسية لهذه المقاومة وتوجهاتها الأيديولوجية، وإذا عرفنا المقدمات، فسوف نعرف تلقائياً النتائج المترتبة على تلك المقدمات كما يقول المناطقة، فهذه المقاومة تتكون من الشرائح السياسية التالية : 1. القوى السياسية المُفلسة التي خرجت من اللعبة السياسية خالية الوفاض، وهي تحاول دوماً الرجوع إلى السلطة ومنطقة الأضواء من جديد. 2. التيارات الأصولية الإرهابية التي دخلت البلد منذ زمن طويل وهي تعمل في الداخل والخارج من أجل إرهاب الناس وخلق الفتن الطائفية بين طبقات المجتمع العراقي من خلال تصريحات زعيمهم العبقري ( أبو مصعب الزرقاوي ) الذي كان قد حرر الضفة الغربية المحتلة وهضبة الجولان لبنان وجاء الآن ليحرر العراق ويقيم دولة أمير المؤمنين ( رضي الله عنه ). 3. أعوان النظام السابق الذين يحاولن جاهدين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من أجل عودة حزب البعث ومخابراته وجيشه وكذلك قائده الملهم صدام حسين . فهذه القوى الثلاثة هي مكونات المقاومة تلتقي مع بعضها في نقطة واحدة وهي محاربة المحتل وإرهاب الشعب العراقي ومحاولة إفشال العملية السياسية وتشكيل الجمعية الوطنية وهذه المكونات منذ تشكيلها رفعت شعاراً رائعاً براقاً يخلو من أي مصداقية واقعية وهو مقاومة المحتل وهي كلمة حق يراد بها باطل وهذه تذكرنا بواقعية صفين حين رفع جيش الشام المصاحف على أسنة الرماح، فالشعارات المرفوعة شئ والواقع والممارسة شيء آخر ولذلك أصبحت المقاومة غطاءً سياسياً يمارس تحته أبشع أنواع الإرهاب والتصفيات الجسدية التي لا ذنب لها سوى رفضها وكشفها لكافة الأساليب التي تتجها القوى الإرهابية، والمقاومة معناها عودة الفكر الشمولي بنوعية القومي والأصولي التفكيري إلي واجهة الأحداث، ومقاومة المحتل تعني وضع البلد على عتبة الحرب الطائفية بعد أن فشلت كل الخيارات السابقة والمقاومة تعني القتل العشوائي الذي تنتجه السيارات المفخخة التي تحصد أرواح الأبرياء دون رحمة أو شفقة من الأطفال والنساء والشيوخ هذه الممارسات اللاإنسانية التي تترفع حتى عصابات الهاجانا اليهودية عن القيام بها، وهي توضع المأزق الأخلاقي الذي وصلت إليه العقلية السلفية المتحجرة . والمقاومة تعني تخريب البنى الاقتصادية مثل المياه والكهرباء وأنابيب النفط، حيث بلغت خسارة القطاع النفطي من جراء العمليات التخريبية أكثر من 11 مليار دولار وهو ما يعادل ميزانية بلد مثل الأردن الذي تبلغ ميزانيته السنوية 13 مليار دولار، بالإضافة إلي تخريب شبكة المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وهي بنية اقتصادية تخص الشعب العراقي ولست ملكاً لأحد، فهل أعلنت المقاومة حربها على الشعب أيضاً؟ والمقاومة تعني إفشال العملية السياسية من خلال إرهاب المواطنين وتهديدهم بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع وانتخاب الشعب بإرادته الحرة أعضاء جمعيته الوطنية، فإذا كانت القوى السياسية التي أنتخبها الشعب هي خائنة ( في نظر المقاومة ) فهل الملايين الثمانية هي خائنة أيضاً وتستحق القتل والإرهاب؟ والذي نعرفه في كل مقاومة أنها تحيد المدنيين الأبرياء في عملية الصراع، ولكن المقاومة أخفقت في ذلك إخفاقا ذريعاً حيث جعلت من أبناء شعبها دروعاً بشرية تختبئ وراءها فصائل المقاومة التي تزرع العبوات الناسفة على الطريق وتنفجر على الجميع دون استثناء، لأن المقاومة الشريفة نسيت أن تكتب على تلك العبوات أنها خاصة للأمريكيين . والذي نعرفه عن المقاومة أنها تكون حريصة أشد الحرص على البنية الاقتصادية التحتية بل تحرص أحياناً على حمايتها إذا لزم الأمر, ولكن المقاومة جعلت من أهم أهدافها تخريب البنية التحتية كي لا يستفيد منها الشعب ويحرم من خيراتها، فينفجر أنبوب ماء هنا وينسف أنبوب نفطي هناك وتعطل شبكة كهربائية أحياناً حتى يعم الظلام في أرجاء المدن العراقية . والمتعارف عليه في المقاومة أنها لابد أن تمتلك أهدافاً ستراتيجية واقعية صادقة تعبر عن وعي سياسي واضح ومحدد يحاول دائماً أيجاد البدائل السياسية المتغير، وهذا ما تفقده المقاومة التي تتخبط في دجى الدهاليز السياسية المظلمة وتتعثر في كواليس القرارات السياسية المشبوهة الآتية من أجهزة مخابرات الأنظمة الشمولية البالية . وأهم شيء في المقاومة أنها تحظى بدعم القطاعات الجماهيرية الواسعة من أجل أن تحقق نجاحها السياسي، وهذا ما تفقده المقاومة يوماً بعد يوم بعد أن أعلنت إفلاسها السياسي الجماهيري وتحولت إلي قوى إرهابية تحاول عرقلة العملية السياسية وقتل الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في مجمل العملية السياسية، ولذلك نقولها بصراحة، أن المقاومة فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها التي سعت إلى تحقيقها وهي الآن تعيش لحظة الاحتضار الأخير وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة والذي يظل يمارس فعله الإرهابي بين الحين والآخر ليعلن في صمت عن صحوة الموت التي تسبق حالة الموت والاندثار ثم يتلاشى بعدها كل شيء، وأن غداً لناظره قريب .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |