مصر التي نحترم

علي الشلاه / كاتب واكاديمي عراقي

مدير عام المركز الثقافي العربي السويسري

erde4uns@hotmail.com

 

بسقوط الشهيد السفير ايهاب الشريف على ثرى اشقائه العراقيين في بغداد الحبيبة يتعانق الدم المصري الغالي بالدم العراقي النفيس في قصة تلاحم اخوي تعيد الى الاذهان كل التاريخ المشترك من مواقف الشعبين العظيمين الاخلاقية والنبيلة، فقد سجل التاريخ لارض الرافدين وارض النيل انصع الصفحات منذ اور وبابل وسقارة وحضارة الفراعنة المبدعين وكأن التاريخ ابتدأ منهما واليهما ، وهما وحدهما من يدركان عظمة انجاز كل واحد فيهما، ولعلي لااغالي اذا قلت ان العراقي لايجد نداً له في دنيا الحضارة والثقافة  الا في اخيه المصري وهو حال المصري أيضاً.

مصر التي فتحت بدماء بنيها دروب الكرامة العربية وبغداد التي لبت نداء كل شقيق شريف قبل ان تبتلى بطاعون الصدامية الامية الدامية ، فتعثرت في دروب الطغاة والغزاة وصارت مسرحاً لكل من هب ودب من ارهابيي القرون الوسطى الذين قاءتهم ارض افغانستان وافكار التطرف المرضي الذي حول الاسلام  السمح العظيم الى سيف مسلول على كل انسان لايؤمن بشريعة الغاب البن لادنية النتنة.

عندما كنا نسمع اصوات المرتزقة الصداميين وهم ينعقون من ارض الكنانة كنا نقول دائماً هذا ليس صوت مصر ولاضميرها الذي نعرف والذي لايباع ولايشترى بدولارات او كوبونات نفط يسرقها دكتاتور ارعن من افواه العراقيين الجياع ليطعم ابواق السوء والنذالة فتروح متغنية باسمه في حفلة زار كبيرة يكون العراقيون الابرياء وقودها ، وحين كانت فتاوى الذبح تخرج من أفواه فقهاء الظلام القادمين من حيث لايعلم احد- وان انتحلت اسم مصر ولهجة ابنائها - كنا نقول هذا ليس صوت مصر ولاضميرها الذي نعرف ، مصر الفراعنة وارض الكنانة لايمكن ان تكون رائدة قتل ولا داعية ذبح لأن المصريين صناع حياة وابداع ولايمكن لصناع الحياة ان يمتهنوا تجارة الموت والكراهية ، هذه الابواق المشتراة والفتاوى القصابية طارئة على اسم مصر وتاريخها مثل هم الصداميون والقروسطيون الزرقاويون طارئون على اسم العراق وتاريخه.

ان عظمة الشهيد الشريف انه اثبت للعالم ان موقف مصر المبدئي من العراق لايمكن ان يبتز او يتزحزح  امام شهوات الارهابيين، وان مصر ستظل تصفع الارهاب بمواقفها السيادية المبدئية التي توهم الاراذل انها يمكن ان تترنح اذا ما غلت التضحيات ،وامل ان يلتفت بعض المرتزقة الذين خانوا دماء المصريين وباعوا اهراماتهم ونيلهم بثمن بخس لحساب شهوات بدائية لطاغية ساقط لم يحفظ عهداً ولاوعداً وجر على الامة الوبال كله ولم يصمد في عاصمة الرشيد المكلومة به حتى ولو لساعات قلائل.

وحتى نعطي للدماء الزكية التي تضرج ثرى العراق الطاهر اهميتها فلابد لنا من وقفة تامل امام راهن العلاقات العراقية العربية ، ولنقرر عدة حقائق اولها ان شكل العلاقة القائم على الاحتلال والخداع والخيانة الذي كان سائداً ايام الدكتاتور صدام التكريتي ليس هو الشكل المطلوب، مثلما ليس هو الشكل الوحيد الممكن لهذه العلاقة، وانما يمكن ان تكون العلاقة العراقية العربية علاقة اخوية تآزرية تسعى الى التضامن في السراء والضراء ودفع الاذى عن الاطراف كلها .  

والحقيقة الثانية الأكثر رسوخاً هي ان الشعب العراقي بغالبيته ينتمي الى العروبة ولسانها القرآني وانه لايمكن تغيير حقائق الثقافة والتاريخ والجغرافيا ، وان المطلوب عراقياً ان تفتح صفحة اخوية جديدة مع من يفتحون صفحةً اخوية جديدة من الأشقاء العرب وان يتعاون العرب جميعاً على محق عار الارهاب الذي لحق بحضارتهم وحضارهم بفعل بعض المجرمين المحسوبين عليهم .

والحقيقة الثالثة التي ينبغي الاعتناء بها بشدة وهي تجاوز الحالة الطائفية في النظر الى المسألة العراقية فالشيعة هم غالبية عرب العراق وهم رهان عروبته ولاعراق عربي بدون الشيعة لان الاخوة الاكراد والتركمان يماثلون السنة العرب عدداً وان الاكثرية الشيعية العربية هي التي تعطي العراق بعده العربي الرصين ، وان الشيعة في العراق ليسوا طابوراً خامساً ضد اية دولة عربية ولا اية جماعة او مذهب فيها وانهم ينتمون الى اشهر القبائل العربية واكثرها تمسكاً بهويتها وانهم قدموا في سبيل العراق والامة العربية وقضاياها في فلسطين وغيرها مثلما قدم اشقاؤهم المصريون والسوريون وغيرهم من العرب، وهم على عنت مالاقوه من صدام وزبانيته باسم العروبة - حد انكار ضحاياهم في المقابر الجماعية الطائفية -  فانهم لم يكفروا بهذه العروبة ومازالوا ينتخون لها ويدافعون عنها ، غير ان هناك من يحاول دفعهم دفعاً للتخلي عن هذا التمسك والدفاع من خلال تشويه صورتهم وهدر دمائهم وتزوير اجدادهم.

مرة اخرى سلام على مصر وكل شهدائها وخصوصاً شهيد مصر والعراق السفير ايهاب الشريف الذي قال للعالم بدمه الزكي ان الارهاب في العراق لايوفر احداً .

ترى هل هناك مقاومة شريفة بعد استشهاد ايهاب الشريف ؟

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com