|
هذا هو طريق 14 تموز
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
تفجرت تناقضات النظام الاقتصادي الاجتماعي في العراق عام 1958 بثورة 14 تموز المجيدة ، ودك اداته القمعية السياسية المتمثلة في النظام الملكي الاستبدادي. ... وعبرت الثورة عن عجز النظام السياسي و الاجتماعي المباد في حل تناقضاته الاساسية والاستجابة لمصالح الجماهير في الحرية و الحياة الكريمة. وقد اكتملت ونضجت القيادة السياسية و العسكرية التي اخذت على عاتقها اسقاط النظام القديم وبناء النظام الجديد قبيل تاريخ الثورة عندما نجحت القوى السياسية الوطنية في تأليف جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 ، بعد مخاض طويل و عسير ، عندما تم الاتصال بين عناصر الجبهة ومنظمات الضباط الاحرار ، في سبيل تفجير الثورة العظيمة ! تصاعد دوي جرس الانذار الطبقي في المؤسسة العسكرية العراقية والمجتمع العراقي في خمسينيات القرن المنصرم ولم يعد بمقدور السلطات الاحتفاظ بالموازنـة الطائفيـة والطبقيـة في آن واحد ! ودخل النظام طور الهرم والشيخوخة وبدأ الحكم يفقد مواقع داخلية متزايدة وترسخت في العقلية السياسية العراقية مشروعية الاستعانة بالجيش . ولم تعد مؤسسات النظام وبرلمانه موضع حرص من احد .. هكذا دك الجيش العراقي الملكية واجتث النفوذ البريطاني واكد انه جيش الشعب عام 1958. في صبيحة الرابع عشر من تموز تم تفجير الثورة الوطنية الديمقراطية التي ترقبها الشعب بفارغ الصبر . فجرها الجيش العراقي الباسل بضربة استاذ حاسمة وأيدها بحماس الشعب العراقي والشعوب العربية ومجموع الانسانية المتحررة . الا ان الجوانب السلبية للحكم الجديد ما لبثت ان بدأت تطغى على جميع الجوانب الايجابية لأن بذور الفردية في قيادة الزعيم الوطني الكبير عبد الكريم قاسم كانت كامنة في صلب الحكم الثوري الجديد منذ ولادته ! فقد حصرت اختصاصات الحسم في اهم قضايا الامن بالزعيم ، وبرز الانفصال الواضح بين المدنيين والعسكريين في الحكومة لأن المسؤولين المدنيين كانوا يجهلون اي شئ عن القادة العسكر للثورة وطبيعة منهجهم السياسي وعقيدتهم الثورية مع عدم وجود أية هيئات قيادية شعبية او حزبية بديلة ، وانعدمت الاجهزة الشعبية المنظمة لرقابة السلطة التنفيدية ،وغاب أفل مجلس السيادة لعدم ممارسته اية سلطة حقيقية ، ولم تكن الحكومة الوليدة – حكومة وحدة وطنية اي حكومة مجموعة الاحزاب السياسية الرئيسية في البلاد عبر ميثاق مبادئ وعهد وطني وبرنامج سياسي يعالج سياسة الدولة على اسس منهجية وعقائدية منظمة . بالرغم من العيوب الكبرى في السلطة السياسية الا ان الزخم الثوري والضغط الشعبي افضيا خلال الاشهر الاولى للثورة بمجلس الوزراء الى ممارسة شئ من المناقشات الحرة داخله ... والى هذه الفترة ترجع اهم الانجازات التي قامت بها ثورة 14 تموز في بداية عهدها : في الحقل الخارجي – اعادة العلاقات مع الدول الاشتراكية ، استرجاع قاعدة الحبانية ، الانسحاب من الاتحاد الهاشمي والتمهيد للانسحاب من حلف بغداد . على الصعيد الداخلي – اعلان الدستور المؤقت والغاء اغلب المراسيم السعيدية واطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين ، الغاء قرارات نزع الجنسية عن العراقيين والسماح للمبعدين السياسيين بالعودة للوطن ، اطلاق الحريات العامة والنشاطات الحزبية ، الغاء سيطرة الامن على سياسة التوظيف ، اصدار قانون المقاومة الشعبية والبدء بسياسة التطهير . اصدار البيان المشهور عن السياسة النفطية ، الاصلاح الزراعي ، عقد الاتفاقيات الاقتصادية الجديدة ، اتباع سياسة التخطيط والاعمار بعد الغاء مجلس الاعمار ، طرد الشركات الاجنبية المسيئة ومقاطعة فرنسا اقتصاديا ، التحرر من الكتلة الاسترلينية . منذ عام 1960 ظهرت بوضوح على الحكم الجديد ملامح العزلة عن الشعب والفردية بأسوأ معانيها والعداء السافر للديمقراطية لينحدر آخر المطاف ويلتقي مع المخطط الاستعماري في تصفية القوى الوطنية والاجهاز على قوى صمود الشعب تمهيدا لعودة الاستعمار القديم والاستعمار المقنع الجديد ، وهذا ما حصل بالفعل في 8 شباط 1963 ... مما حدا بالاحزاب السياسية التحول الى العمل السري مع محاولات الحكم تزييف الحياة الحزبية بابتذال وتزوير العمل المهني والاجتماعي والشعبي ، وانتشار الفساد واللاابالية والانتهازية والوصولية في اجهزة الدولة ، واطلاق الصحافة المأجورة لفرض سياسة الفزع والتهديد بالويل والثبور . لم تكن ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 مؤامرة نفذتها حفنة من الضباط في ساعة واحدة فقط مثلما وصفتها مجلة التايم الاميركية في اول عدد لها يصدر بعد الثورة. ولم تكن ثورة 14 تموز" اسوء لحظة في التاريخ ادت الى تدهور مركز الغرب الى ابعد حد .. وفتحت جيادها باب الاسطبل المغلق وهربت اثمانها. ولابد ان يحال باي ثمن دون هروب اي جواد اخر بل لابد من استرداد الهارب الكبير" مثلما وصفتها مجلة الايكونوميست البريطانية لسان حال دوائر المال والاعمال البريطانية الكبرى. وفي غضون ساعات انزل سلاح الجو الملكي البريطاني والاسطول السادس الامريكي فيالقهما في الاردن ولبنان للوثوب الى بغداد من هناك واعادة الحصان الجامح – الهارب الكبير – الى الاسطبل الاستعماري دون جدوى وعبثا ذلك ان شعبنا العراقي وليست حفنة من الضباط كان في غضون ساعة واحدة فقط قد نزل الى ساحة الثورة التي امتدت رقعتها لتشمل مساحة العراق من زاخو الى الفاو... ( 14 تموز ملحمة العراق الخالد / رسالة العراق / عدد91). لم تجر ثورة تموز التغير الجدي في البناء الفوقي وبالأخص المؤسساتي – التمثيلي ولم تحقق التغيير المطلوب في المؤسسة العسكرية لتبقيها على حالها من حيث الطابع والمضمون ونظم العمل والعلاقات ... ولم يطور قادة ثورة 14 تموز المؤسسات التي ورثوها من الحكم الملكي ولم يلزم العراق آنذاك سوى اصلاح البرلمان والدستور وارساء اسس المؤسساتية المدنية بما يخدم مصلحة الشعب والجماهير الواسعة ويحد من نفوذ تسلط القوى التي كانت تتلاعب بها فولدت الثورة العظيمة مجالا سياسيا ديمقراطيا متخلفا في الفهم السياسي لمستجدات الاحداث واسلوب ادارة المجتمع وغرقت الزعامات في بيروقراطيتها رغم نزاهتها. وتآكل المجتمع المدني وتحول الى ركام يتندر به الجميع. أشر انقلاب 14 رمضان الاسود استحواذ الفاشية على السلطة بالتحالف العريض للقوى الطبقية المتضررة من ثورة 14 تموز – الاقطاع وكبار مالكي الاراضي والتجار الكومبرادور وبمباركة اشد القوى العشائرية والطائفية الشيعية والسنية رجعية ..... وفتح الانقلاب الاسود الابواب مشرعة للعقلية الانقلابية المغامرة وسيادة المنهج التجريبي الموالي لمصالح المراكز الرأسمالية الدولية . وجاء انقلاب 17 تموز 1968 تتويجا لهذا التوجه الارعن لتتكرس الهيمنة الشمولية . هكذا اختارت الامبريالية الامريكية الشعب العراقي ليكون المثل الذي تقدمه لشعوب العالم على قدرتها على تركيع كل من يقف امام طموحاتها في الهيمنة على العالم لاسيما وان الشعب العراقي تجرأ ورفع قامته في حضور السادة وقاوم خططها مع ثورة 14 تموز ... كما قاوم هذا الشعب المقدام افظع دكتاتورية عرفها التاريخ وما اقترفته من جرائم وحروب وما نجم عنها من حصار اقتصادي وقصف باليورانيوم المنضب لاعطاب البشر والبيئة، فضلا عن ان هيمنة الادارة الاميركية على ثروات العراق النفطية تمكنها من فرض هيمنتها على العالم عن طريق الهيمنة على مصادر الطاقة . فالعراق يمتلك ثاني احتياطي العالم من النفط . درجت الإدارة الأمريكية منذ عقود خلت على ضم وحذف دول مختلفة من قائمتها للارهاب . وهي قائمة احتل العراق فيها الموقع المتميز منذ ثورة 14 تموز 1958 رغم توسع ارتباطاته الاقتصادية وارتفاع حجم تجارته بالسوق الأمريكية في الثمانينات . وكانت علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة حسنة لم يطرا عليها تغيير رغم انفالياته الكيمياوية مع الكرد ومقابره الجماعية بذريعة أنها شان داخلي ! ثم جاءت حرب الخليج لترسخ من مفهوم معادلة القيادة العراقية – الإدارة الأمريكية... وجاء الاحتلال . تنبه استعادة دروس وعبر ثورة 14 تموز المجيدة .... وينبه تعطش الشعب العراقي الى الديمقراطية وصحوة احترام الراي الآخر.. ينبه الجميع الى ضرورة اعادة النظر المستمر في المنطلقات والممارسات الخاطئة التي ابتلى بها عراق الخير والمحبة والسلام .. عراق الثورات المرتقبة !
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |