كاظم المقدادي

طبيب وباحث عراقي
kalmukdadi@yahoo.se


الأول من حزيران / يونيو هو العيد السنوي لأطفال العالم. منذ أن أقرته الأمم المتحدة قبل قرابة نصف قرن والمجتمعات المتمدنة تتنافس، مفتخرة، بتبيان ما ينعم به أطفالها من حياة زاهرة ومستوى صحي ونفسي وتربوي وثقافي، وبما هم عليه من تطور بدني وذهني، وبما يتمتعون به من تأمينات إجتماعية وتشريعية ضامنة لمستقبل أفضل.. ومن هنا فأن يوم الطفل العالمي عند تلك الدول ومجتمعاتها هو فرصة للتعريف بما أنجزته، ولمراجعة وتقييم سياساتها والبرامج المرسومة لتحقيق المزيد من المشاريع لخدمة صحة وحياة أطفالها، ومناسبة مهمة للتعبير عن مدى حرصها على براعم وعماد حاضرها ومستقبلها.وتجدر الإشارة الى أن سياسة الدولة والبرامج والمشاريع المرسومة لخدمة الطفولة هناك ترتبط وثيق الإرتباط بمثيلات لها تقدمها للأمومة، مصاغة من منطلق أن الأمومة والطفولة شريحتان إجتماعيتان مرتبطتان عضوياً، ولا يمكن الفصل بينهما، ويتعين، وفق هذه الرؤية، رعاية الشريحتين في اَن واحد من قبل الدولة والمجتمع ، وبما يكمل بعضها البعض الآخر.وفي هذا السياق إحتفلت منظمة الصحة العالمية بيوم الصحة العالمي- 7 نيسان/ أبريل 2003- تحت شعار: "تنشئة الأطفال في بيئة صحية ضمان للمستقبل!" جسده أحد الفنانين ببيت، وورقة خضراء، وقطرة ماء، وكرة وأربعة شبابيك تحيط بطفل يقطن "كرة أرضية"... خالية من الحرب.
فمتى يتحقق ولو عشر من هذا في العراق ؟ وما هو حال أطفاله وأمهاته اليوم ؟
المؤسف والمؤلم أن أطفالنا في العراق، الذين لم يفرحوا ولم يبتهجوا سنين طويلة في ظل الدكتاتورية والحصار وحروب صدام حسين الداخلية والخارجية، لن يشاركوا، من جديد، أطفال العالم عيدهم وأفراحهم وبهجتهم في عيد الطفل العالمي. وهذه هي المرة الثانية، منذ سقوط النظام الدكتاتوري، في 9/4/2003، تفوتهم فرصة الإحتفال بعيد الطفولة كعيد حقيقي لهم، ذلك لأن مجتمعنا العراقي لا يملك اليوم، وهو يعيش أوضاعاً مزرية، ما يقدمه في هذه المناسبة العزيزة ليفرح أطفاله، أو يخفف من معاناتهم الطويلة القاسية، التي خلفها له النظام الهمجي المقبور. والمؤلم أكثر أن معاناة أطفالنا لم تكن ضمن أولويات مجلس الحكم الإنتقالي ولا الحكومة العراقية المؤقتة، وإلا لكان ما قامت به الجهات الرسمية المعنية للطفولة العراقية خلال الأربعة عشر شهراً المنصرمة، منذ سقوط النظام السابق، متناسباً مع حجم المحنة التي تعيشها.ولا أدل على ذلك من عدم تكريم الأمومة والطفولة العراقية بأي تشريع ولا بأية ضمانات تنتشلها من واقعها المزري راهناً وتحميها مستقبلاً. ولا يعفيها من هذا المسؤولية الأكبر لسلطة الإحتلال في هذا المضمار، بسياستها الارتجالية، وإجراءاتها المتخبطة، وتجاهلها للكثير من المشاكل والعوامل التي أدت الى تفاقم محنة الأمومة والطفولة العراقية في ظل الإحتلال، وضربها عرض الحائط بإلتزاماتها كمحتل بموجب إتفاقيات جنيف. والمؤسف أن لا دور يذكر لمنظمات المجتمع المدني العراقية لخدمة قضايا الأمومة والطفولة العراقية..
لقد ترك النظام الدكتاتوري المقبور لمجتمعنا العراقي برمته تركة ثقيلة وخطيرة، ستتواصل تداعياتها عليه لسنوات طويلة، وهو الذي "أنعم" على الجميع بضغوط وأزمات وخيمة، وفي مقدمتها الأزمات الإقتصادية، والضغوط النفسية، التي طالت معظم العوائل العراقية، وكانت تشكل قبل عام 1990 نحو 24.8 %، فازدادت الى 62 % في عام 2002. الى هذا فقد 12.9 % من مجموع الاطفال العراقيين اباءهم، و9.3 % فقدوا امهاتهم، و 36.5 % فقدوا افراداً من عوائلهم.وقد إزدادت هذه المؤشرات أكثر عقب الحرب الأخيرة، مخلفة تأثيرات خطيرة على حياة الأطفال، وصحتهم، ونفسيتهم، وسلوكيتهم. واليوم تؤكد تقارير دولية وجود 5.3 ملايين طفل يتيم، وحوالي 900 ألف معاق، وأكثر من مليون ونصف المليون أرملة، اضافة الي مئات الآلاف من المطلقات. وأغلب هؤلاء النساء يقمن بإعالة نحو 7 ملايين طفل، ويعشن في مستوي مترد دون الحد الأدني للمستوي المعيشي، ويعانين من أمراض عديدة مزمنة وخطيرة. حيال هذا بلغ معدل وفيات الأمهات حاليا370 وفاة من كل 100 ألف ولادة حية- بحسب صندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان. وهو أعلى معدل في العالم، هذا بالمقارنة بـ 21 حالة فقط في الدول المتقدمة. ولا توجد مخصصات مالية محددة وأكيدة لدى الحكومة العراقية لدعم هذه الأسر ورفع مستواها المعيشي،مع ان مصادر مالية قدرت الحاجة الي مئات الملايين من الدولارات من أجل ان تعيش هذه الشريحة في مستوي معيشي لائق بها. وكانت وزارة العمل والشؤون الإجتماعية أدرجت في ميزانيتها للعام الماضي والجاري نحو 300 ألف عائلة محتاجة للحصول علي اعانات من الدولة، ولا تتوفر أدلة أكيدة على إستلام جميع العوائل للمساعدة فعلاً..
وبدلاً من أن تتحسن جدياً وبسرعة أوضاع الأمومة والطفولة العراقية،كما يفترض،بعد الخلاص من نظام الإرهاب، والإجرام، والقتل، والإبادة والمقابر الجماعية، ما تزال تعيش أوضاعاً مأساوية، في ظل إنعدام الإستقرار، وسوء الأوضاع الأمنية في عموم العراق، حيث تتصاعد الأعمال الإجرامية،التي خربت البنى التحتية للدولة، وطالت ممتلكات المواطنين، وهددت وتهدد جدياً حياتهم، وقد حصدت التفجيرات، والقتل العشوائي، والموت الجماعي، على أيدي أيتام النظام المقبور، والقتلة المأجورين، والإرهابيين، وقوات الإحتلال، وما تزال تحصد أرواح الأبرياء. ومع إستهداف المجرمين للبيوت والمحلات السكنية للمدنيين بالسيارات المفخخة والصواريخ والقذائف ( كما حصل مثلاً يوم أمس الأول- 30/5 المنصرم- عندما قتلت أم وطفلتيها لدى سقوط قذيفتي هاون على منزلهم في حي الأمين في الموصل) ومثل هذا يحص يومياً تقريباً، راح يتزايد عدد القتلى من الأمهات وأطفالهن، والأطفال اليتامى، والأمهات الثكالى، والأرامل، والعوائل التي أصبحت بلا مأوى، ويتشرد المزيد من الأطفال الأبرياء.وإقتراناً بتردي الأوضاع الأمنية وترك المجرمين يعيثون فساداً إنتشرت ظواهر: خطف الأطفال، والإبتزاز، والإغتصاب، الى جانب السرقة، والسلب، والقتل، والتمثيل بالجثث.يضاف الى هذا إستخدام النساء والأطفال من قبل المليشيات المسلحة الإرهابية كرهائن بشرية في عملياتها العسكرية، مهدرة المزيد من دماء العراقيين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، مروعة الأسر العراقية، مما إضطر الكثير منها، بدافع الخوف على أفرادها والحفاظ عليهم، إلتزام بيوتها، والإنطواء على نفسها، والإمتناع عن إرسال أطفالها الى المدارس ورياض الأطفال..
ومع أن الوضع الإقتصادي لعدد كبير من الأسر العراقية تحسن عقب عودة أرباب العوائل الى أعمالهم،إلا ان حجم البطالة ما يزال يشمل أكثر من نصف مجموع اليد العاملة، وما تزال فرص العمل شحيحة، وينعدم مورد الرزق للألاف من أرباب العوائل، وبالتالي تدني القدرة الشرائية، وبقاء الفقر، والعوز، والجوع. وكل هذه الظروف أدت الى تدهور حياة العوائل العراقية،أكثر، وتفاقمت أوضاع الأمومة والطفولة بشكل خطير، بحيث تعاظم " جيش" التلاميذ الصغار المتسربين من المدارس، وإزداد أطفال الشوارع، والمتسولين، والمتعاطين للمخدرات والمهدئات والنشوق.وتفاقمت ظاهرة جنوح الأطفال، والسلوكية العدوانية، والعنف، والجريمة المنظمة في المجتمع. كما وساهمت في إرتفاع نسبة الأمية في المجتمع،وخاصة وسط النساء، مقرونة بظواهر الشعوذة والدجل والغش والنصب والإحتيال، الى جانب الرشوة والفساد والإفساد. وتواصل تراجع القيم والممارسات الإجتماعية العراقية الأصيلة، كعزة النفس، والكرامة، والطيبة، والأمانة، والنخوة، والشهامة، والتضامن، ومساعدة الآخرين، لصالح الظواهر الإجتماعية المرضية والخطيرة،التي غرسها ونماها النظام البعثي الفاشي المقبور.
أما في مجال البيئة العراقية، فحدث ولا حرج، حيث أدت الحرب الأخيرة الى تدهورها أضعاف ما كانت عليه، وإنعكست على نحو أشد على الصحة العامة العراقية. بالمقابل لمس الجميع مدى "إهتمام " سلطة الإحتلال حيال تفاقم التلوث البيئي الخطير، وإنتشاره في أرجاء العراق، حيث خصصت مبلغ مليون دولار- لا أكثر- لـ" معالجة" المشاكل البيئية الوخيمة!!. ومن "حرصها الكبير" على الشعب العراقي أيضاً رفضها المتواصل لمعالجة اَثار التلوث الاشعاعي المنتشر في أرجاء العراق،الذي تنفي وجوده، بينما أكدته، وبما لا يقبل الشكك، أحدث دراسة ميدانية إشعاعية علمية أجراها في العديد من المدن العراقية المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم Uranium Medical Research Centre وهو مركز بحثي دولي مستقل.وما تزال تمنع لليوم خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة لدخول العراق والقيام بتقييم شامل للتلوث البيئي.وضمن هذا النهج تجاهلت سلطة الإحتلال تداعيات التسرب الإشعاعي الناجم عن نهب مقر هيئة الطاقة النووية في التويثة، رغم إصابة المئات من الأطفال والنساء والرجال في منطقة التويثة والمدائن وديالى بالأمراض، ومنها السرطان، والتشوهات الولادية، وموت العشرات منهم، مما أضطر السكان هناك الى إطلاق إستغاثة للمنظمات الدولية لإنقاذهم..
وما إنفكت قائمة وبشكل حاد مشاكل شحة الماء الصالح للشرب، وإنقطاع التيار الكهربائي، الى جانب تراكم برك المياه الآسنة والنفايات والقاذورات وتسرب مياه الصرف الصحي في الأحياء الشعبية، مع ما يرافقها من روائح كريهة وذباب وبعوض وأمراض عديدة.. ولم يتحقق شيء يذكر من الوعود لمعالجتها !
وفي ميدان الراعاية الصحية، نشرت سلطة الإحتلال تقريراً تقول فيه أنها قامت بتلقيح أكثر من 3 ملايين طفل ما دون سن الخامسة، بموجب "برنامج التلقيح الموسع" وذلك منذ حزيران 2003 حتى نيسان 2004، وقالت أنه سيفيد من اللقاحات بموجب البرنامج المذكور 4،2 ملايين طفل دون سن الخامسة و700 الف امرأة حامل. ومع أنه إجراء وقائي مطلوب، إلا أنه لا يكفي لوحده في الحد من إنتشار الأمراض السارية والمعدية. وفعلاً لم تنخفض، بل بالعكس، تزايدت. فقد سجل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " اليونيسيف"، قبل عام، أكثر من 2000 حالة تايفوئيد، وإرتفاع معدلات الإصابة بالإسهال وما يصاحبه من أمراض، بشكل خطير بين الأطفال العراقيين. وقال جيفري كيلي، في بيان صحافي، ان معدلات الاصابة بتلك الامراض ومنها الكوليرا والدزنتريا والتايفوئيد ارتفعت بمعدل 2.5 مرة عنها في نفس الوقت من عام 2002 ( " رويترز"، 8/6/2003).والى جانب هذه الأمراض،إنتشرت في بغداد والمحافظات أمراض معدية أخرى،كالسل وإلتهابات الكبد الوبائي والسحايا الدماغية وذات الرئة، والحمى السوداء، والملاريا، جنباً الى جنب أمراض السرطان والسكري والتشوهات الولادية والعلل العصبية والعضلية الوخيمة. وبالنسبة للسرطان فقد اعرب الدكتور سعيد اسماعيل حقي- وزير الصحة المؤقت اَنذاك- عن قلقه البالغ من ارتفاع نسب الاصابة بالامراض السرطانية في مدينة البصرة جنوب العراق. واكد حقي في تصريحات له ان حالات الاصابة بالامراض السرطانية المتوقع تسجيلها لاحقا تنذر بما وصفه بالكارثة السرطانية الخطيرة. واوضح ان ازدياد الاصابة بهذه الامراض يعود الى مخلفات الحروب التي شهدتها منطقة البصرة تحديدا ولا سيما حرب الخليج الثانية التي استخدمت فيها كميات كبيرة من اليورانيوم المنضب، مشيرا الى ان نتائج هذا المركب بدأت تظهر على السطح بشكل قد لا يمكن السيطرة عليه(" ق. ن.أ"- البصرة، في 17/8/2003).وهذا ما أكدته تقارير الدكتور جواد العلي-رئيس قسم السرطان في المستشفى التعليمي ومدير مركز السرطان والأورام في البصرة،ومنها تقريره حول سرطان الدم والتشوهات الولادية في المنطقة الجنوبية،الذي قدمه أمام المؤتمر العلمي الدولي ،الذي إنعقد في السويد أيام 22-25 / 4/2004، وكرس لأضرار اليورانيوم المنضب على البيئة والصحة (راجع تقريرنا العلمي حول المؤتمر والمنشور في هذا الموقع). وأكدت جو بيكر- مديرة المنظمة الدولية "أطفال ضحايا الحروب" في لندن "إن أي وجبة دواء لم تصل إلى أي من المستشفيات منذ الاحتلال باستثناء شحنتين قدمتهما منظمة غير حكومية".وأشارت إلى تزايد حالات سرطان الدم (اللوكيميا) وأنواع أخرى من السرطانات، إضافة إلى تشوهات كثيرة تصيب المواليد الجدد وتزايد المواليد الذين يموتون قبل أن يروا النور("فرانس برس"،13/5/2004)..حيال هذا الواقع المر إرتفعت نسبة وفيات الأطفال بعمر دون الخامسة، أكثر مما كانت عليه قبل الحرب الأخيرة. علماً بأن معدل وفيات الأطفال الرضع لعام 1999 بلغ 107 حالات لكل ألف ولادة حية, وبلغ معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة 130 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية.
وفيما يتعلق بتغذية الأطفال، فقد بينت دراسات طبية عديدة نقص معدل النمو لدى الأطفال العراقيين، حيث تبين ان اطفال العراق يقل نموهم عن المعدل الطبيعي بنسبة 7% ويعتبر هذا الامر مؤشر خطير.وإذا كانت مثل هذه الدراسات اجريت في سنوات الحصار، فإن النسبة اليوم هي أكبر وأخطر بسبب الحرب - بحسب تقديرات علمية. وكانت نتائج الفحوصات الطبية الميدانية، التي اجرتها البعثات الدولية المشتركة الموفدة من قبل منظمة الاغذية والزراعة FAO وبرنامج الغذاء العالمي WFP، برئاسة العالم الامريكي بيتر بليت – استاذ التغذية بجامعة ماساتشوسيتس، قد بينت ان اطفال العراق الذين نشأوا في فترة الحصار الاقتصادي يعانون من قلة الكتلة الجسمانية، حيث تقل لدى الذكور بنسبة 25 % ولدى الاناث بنسبة 16 % عن المعدل القياسي العالمي، وهذه الظاهرة تشمل جميع السكان، وذلك لان السلة الغذائية، التي تقدمها إتفاقية " النفط مقابل الغذاء" لا تسد الحاجات التغذوية الخاصة بالاطفال والنساء والحوامل والشيوخ والعجزة. وفي دراسة ميدانية للدكتورة اَمال سويدان- المتخصصة بشؤون التغذية ، شملت 4563 انثى من 2636 اسرة عراقية من مناطق: الكاظمية وابو غريب والمدائن والثورة والرصافة والاعظمية والكرخ والمحمودية، تقصت خلالها نتائج نقص الغذاء على الفتيات من مناطق مختلفة من بغداد وضواحيها، وجدت انتشار نقص التغذية لدى جميع فئاتهن العمرية ، حيث تبين ان 42.1 % من الفتيات مصابات بنقص التغذية المزمن، وان 16 % مصابات بنقص التغذية الحاد،وتفاقمه بشكل لافت بين الفتيات في سن 10-14 عاماً.واوضحت الباحثة ان نقص التغذية المزمن قد ادى الى تاخر النمو ويتسبب في قصر قامة الفتيات والاصابة بالعوق، وان ما يقرب من نصف الفتيات يعانين من ازمات صحية ومشاكل اجتماعية ، وينذر بظهور جيل جديد من النساء اقصر قامة واصغر حجماً ، مع كل ما يعنيه هذا من اَثار نفسية حادة. واضافت : اذا كانت هذه هي النتائج في العاصمة ، فهي ستكون اكثر تدهوراً لدى النساء في المحافظات والمناطق البعيدة بقدر ما يعنيه الفارق الثقافي والصحي والمدني ببيئتها .وأوضحت الباحثة بانه عدا تأخر النمو عند الاناث في فترة النضوج، فأن سوء التغذية يشكل معضلة كبيرة تؤثر لاحقاً في القدرة على الانجاب ، وازدياد معدل ولادة اطفال ناقصي الوزن، وعدم كفاية الحوض للحمل السليم ومن ثم الاتساع المناسب لعملية الولادة، مما يؤدي الىالولادات العسيرة ، والنتائج الخطيرة المصاحبة لها .
وعشية الحرب الأخيرة، أعلن تشارلز ماك كورماك- رئيس المنظمة الدولية لإغاثة الأطفال المسماة "أنقذوا الأطفال"، بإن 30 في المئة من الأطفال العراقيين كانوا يعانون من سوء التغذية قبل الحرب· وتوقع أن تزداد أحوالهم تفاقما وخطورة عقب الحرب. وأكدت سهى البستاني- المسئولة الإعلامية لمنظمة " اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة أنه قبل الحرب الأخيرة كان يوجد طفل من كل 4 أطفال عراقيين يعاني من سوء تغذية دائم ومزمن، وواحد من 8 أطفال يفارق الحياة قبل بلوغه الخامسة من عمره("البيان"- بيروت، في 23/7/2003).
وقد وعدت وزارة الصحة العراقية الحالية بإعتماد خطة لتغذية مليوني تلميذ من المدارس الإبتدائية ورياض الأطفال، كمرحلة أولى، بهدف تحسين التغذية، وتوفير ظروف صحية ملائمة لهم(" الشرق الأوسط"، 29/9/2003)، بيد أن هذا لم ولن يعالج المشكلة، التي لا تتوقف معالجتها على تغذية عدد محدود من الأطفال. والتقارير الطبية تؤكد إزدياد عدد الأطفال العراقيين المصابين بسوء التغذية الشديد ومتوسط الشدة والأمراض الناجمة عنه ومضاعفاتها. وقد كشفت دراسة طبية ان هناك طفلاً واحداً من بين كل ثمانية اطفال في العراق يولد بعجز خطير.ولسوء التغذية دوره في هذا، وذلك لتداعيات سوء التغذية الخطيرة على نمو الأطفال بدنياً وعقلياً، خاصة ذكاء الطفل، لن تتوقف عند الجيل الحالي، بل وستنتقل الى الأجيال اللاحقة.
الى هذا، تفاقمت، في ظل الأوضاع السائدة، مشكلة الآثار النفسية المدمرة للحرب، وزيادة أعداد الذين يعانون من الصدمة والإنهيار والخوف والقلق والإكتئاب الشديد والضغط النفسي والكوابيس، والتبول اللاإرادي، وغيرها، أضعاف ما كانت عليه. وقد حذر أطباء ووكالات إغاثة دولية من ارتفاع هذه الحالات التي تمتد آثارها لسنوات وسط المجتمع، وناشدوا الجميع حماية الأطفال في العراق من كل ما يؤثر سلبيا عليهم من الناحية النفسية والجسدية، منطلقين من وخامة تداعيات الصدمة والأزمة النفسية، التي يصاب الأطفال بها أثناء الحرب، حيث ستؤثر على نموهم، وتنعكس على شخصيتهم وسلوكيتهم وتدوم لسنوات طويلة، ومن نتائجها جنوح الأطفال،والسلوكية العدوانية، والعنف، وإنتشار الجرائم، وما الى ذلك.. مع هذا لم تنفذ سلطة الاحتلال لليوم الوعود التي قطعتها للمساهمة في معالجة هذه الآثار.وهي ملزمة بمعالجتها بموجب إتفاقات جنيف لعام 1949. ومؤخراً حذرت المنظمة الدولية "أطفال ضحايا الحروب" في لندن من" كارثة إنسانية لأطفال العراق،الذين يواجهون وضعاً أسوأ مما كان عليه الحال إبان العقوبات،وهم يعانون من العنف ومن الأزمة المدنية والاجتماعية". وأوضحت جو بيكر- مديرة المنظمة- " إن كل طفل في العراق يعاني من صدمة نفسية على مستوى أو آخر"("فرانس برس"،13/5/2004)..
وذلكم غيض من فيض..!
فمتى تنتهي معاناة أطفالنا وتعالج مشاكلهم جدياً ؟
ومتى يأتي اليوم الذي يشاركون فيه أطفال العالم أفراحهم ومسراتهم وحياتهم الزاهرة السعيدة ؟
وهل ستكون معالجة محنة الأمومة والطفولة العراقية ضمن أولويات الحكومة العراقية المؤقتة القادمة ؟