المرأة العراقية والتحول الديمقراطي

داود امين

 

تشترك المرأة العراقية _ في الاطار العام _ مع شقيقتها في البلدان العربية والاسلامية، وبلدان ما يسمى بالعالم الثالث، وبنسب مختلفة بين بلد واخر، بأنعدام الكثير من الحقوق الاساسية، كألمساواة في العمل والاجر، واختيار شريك الحياة، والتعرض للقسوة النفسية والجسدية وربما للقتل من قبل الزوج او الاقارب … الخ

اما في الاطار الخاص، فقد تميزت المرأة العراقية بأعباء اضافية، ربما لا تشاركها بها الكثير من شقيقاتها في البلدان المشابهة، ويمكن اعتبار العقود الاربعة المنصرمة، نموذجا لمعاناة متميزة، بل نادرة، حملت اعباءها المرأة العراقية، بصبر وجلد نادرين، فمنذ انقلاب شباط الاسود عام 1963، حيث زج بعشرات الالوف من العراقيين في السجون والمعتقلات، وبينهم المئات من النسوة المناضلات، وحيث تمت تصفية المئات تحت التعذيب، وفي ساحات الاعدام، ولم تسلم النساء العراقيات، من حمامات الدم تلك، حيث عذبن واغتصبن وامضين السنين الطويلة، في السجون ومراكز التوقيف.

منذ ذلك التاريخ، و المرأة العراقية، سواء كانت اما او زوجة او اختا، تدفع اثمانا مضاعفة من المعاناة والالم، وتتحمل اعباء ثقيلة تبدأ من تربية الاطفال، ولا تنتهي بتوفير لقمة العيش، وحل المشكلة الاقتصادية.

وعند عودة البعث الثانية للسلطة عام 1968، بدأ مسلسل أخر اشد قسوة ووحشية، كانت المرأة العراقية ضحية رئيسية طوال عرض حلقاته، التي استمرت 35 عاما، فالحرب الداخلية التي شنها النظام الدكتاتوري، ضد أبناء الشعب العراقي، ومن مختلف الاحزاب والقوميات والطوائف والاديان والمناطق، وبذرائع مختلفة، والحروب الخارجية ضد إيران والكويت، تركت أثارا اجتماعية ونفسية هائلة، على كاهل المرأة العراقية، فعدى عن الترمل والوحدة، التي عاشتها عشرات ألوف من زوجات المقتولين والمفقودين والمغيبين والاسرى، في حروب صدام المجنونة، فقد سمحت السلطة، لممارسات غاية في القسوة والوحشية، كموضوع غسل العار، الذي راح ضحيته مئات النساء، والذبح بالسيف، الذي استهدف عشرات المتهمات بالدعارة، دون الالتفات لاسباب هذا الاتهام والظروف التي قادت إليه، لو كان صحيحا، إذ أن الكثير من المتهمات كن بريئات !!.

كما ان الردة الفكرية والاجتماعية، التي شهدها المجتمع العراقي، خلال العقدين المنصرمين، وبدعة ( الحملة الايمانية ) التي ابتكرها النظام لمداراة هزائمه، وفشل سياساته الداخلية والخارجية، تركت بصماتها الواضحة على وضع المرأة العراقية، فانتشرت ظاهرة ( الحجاب ) بشكل غير مسبوق، وتسربت أعداد هائلة من الفتيات من صفوف الدراسة المختلفة، واضطرت الكثير من النسوة _ وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي _ للنزول لسوق العمل ( وهي ظاهرة إيجابية في الجوهر ) وهن غير مؤهلات، ولا مسلحات بالحماية من القانون ومن المجتمع، في وقت غابت فيه المنظمات النسائية الوطنية المناضلة من اجل قضية المرأة، وحقوقها العادلة، نتيجة القمع والارهاب، وتحولت المنظمة النسائية البعثية الوحيدة ( اتحاد نساء العراق ) لواجهة سلطوية تهيئ ( الماجدات ) للترفية عن ضباط الجيش العراقي، وازلام السلطة، واولاد الطاغية !!

 

ماذا بعد سقوط الدكتاتورية

 ان سقوط نظام الطاغية في 9 نيسان الماضي، يجب ان يهيئ الفرص الكافية، لاستعادة المرأة العراقية لادميتها، ولانتزاع حقوقها المهضومة واسترجاع كرامتها المهدورة واخذ دورها في تنمية المجتمع العراقي وتقدمه. وكل ذلك لن يتم ان لم تجر المبادرة الى :

 1. الغاء كافة القوانين المجحفة بحق المرأة.

 2. محاسبة ومعاقبة الاشخاص الذين يمارسون العنف بمختلف اشكاله ضد المرأة.

 3. افساح المجال امام النساء العراقيات للتعبير عن ارادتهن الحرة من خلال منظماتهن المهنية والديمقراطية الخاصة وتوفير الحماية والامن لعملها ونشاطاتها.

 4. ايجاد فرص عمل متساوية واجر متساوي للمرأة والرجل في الاعمال المتشابهة.

 5. تعديل قانون الاحوال الشخصية ليتضمن فقرات تنصف المرأة وتعيد لها حقوقها وكرامتها خصوصا في قضايا الزواج والطلاق وحضانة الاطفال والارث وغيرها.

 6. توسيع مشاركة المرأة العراقية في المناصب العليا للدولة وجعل المشاركة الحالية للمرأة في مجلس الحكم ( 3 نساء من اصل 25 عضوا ) رغم قلتها نموذجا للاحتذاء والتقليد في الوزارة التي يجري الاعداد لها الان وفي ادارة المحافظات والاقضية والنواحي والمؤسسات الحكومية والمعامل والمصانع وغيرها.

ان النقاط الست السابقة وغيرها لن تمنح للمرأة دون نضال مثابر وعنيد تكون المرأة نفسها في طليعته وقد تدفع بعض النساء العراقيات اثمانا باهضة من اجل انتزاع هذه الحقوق اذ سيقف الكثير من الرجعيين والسلفيين والمحافظين الذين لا تهمهم قضية المرأة ومسألة حقوقها في وجه هذه التطلعات وسيحاولون بأقصى ما يستطيعون من جهد وطاقة وتأثير من اجل تعطيل اية اجراءات لصالح المرأة وحقوقها ( الحملة في النجف ضد المرأة التي انتخبت قاضيا نموذج على ما اقول )

ان مشاكل العراق الكثيرة وارث الدكتاتورية الهائل والاولويات لتي تضعها الكثير من الاطراف السياسية الفاعلة الان ربما تركن قضية المرأة جانبا وتجعل الحديث عنها بطرا زائدا ولا معنى له. وقد تتهم من تطرحه ويتناوله بأنه حالم وخيالي، بل قد ينبري من يقول : حل لي مشكلة الكهرباء والماء والامن ولا تسألني عن مشكلة المرأة !! وفي هذا الطرح الكثير من التسطيح والتبسيط لموضوع حيوي وهام، اذ على اساس ترسيخ وتدعيم حقوق المرأة سيتحقق الكثير والكثير، لمستقبل المجتمع العراقي. اذ ان الحديث عن الحرية والديمقراطية يصبح لا معنى له ونصف المجتمع ( او اكثر ) مشلول ومعطل ومهمش !! لذلك اتمنى من ( رابطة المرأة العراقية ) والجمعيات والمنظمات النسائية المشابهة، ان تضع منذ الان خطة عمل واضحة، للضغط باتجاه إدراج فقرات في مشروع الدستور الذي سيقترح ويشرع، لصالح المرأة، ولا ينتهي الامر عند هذا الحد، بل اقترح ان يتم الاتفاق بين المنظمات النسائية العراقية المختلفة، على تخصيص عام معين ( كأن يكون عام 2005 مثلا ) ليكون عاما للمرأة العراقية يجري الاعداد لفعالياته ونشاطه منذ الان.

ان التنسيق وتوحيد الجهود وايجاد خطاب نسوي مشترك او متقارب على الاقل تتوحد تحت سقفه المؤمنة وغير المؤمنة، الليبرالية والاصولية، المتحررة والمتزمتة، العربية والكردية والتركمانية والكلدواشورية، المسلمة والمسيحية والصابئية واليزيدية، ان هذا الخطاب النسوي المشترك، سيدفع قوى كثيرة واطراف وجهات عديدة للوقوف الى جانب المرأة وتوظيف الكثير من طاقاتهم لنصرة قضيتها ودعمها.

 

القوى التي تقف الى جانب المرأة

 قلت ان المرأة نفسها، هي من تستطيع، بالعمل والتضحية من انتزاع حقوقها وهناك منظمات نسائية عراقية متعددة محسوبة على القوى الوطنية العراقية المختلفة بهذا الشكل او ذاك وعلى هذه المنظمات ان تجعل قضية المرأة هاجسها الاول والرئيسي وان تتكاتف وتتوحد حول اهداف تخص قضيتها، فالمكاسب التي تحققها تسجل لها وليس للحزب الذي تنتمي اليه ولا للطائفة او القومية التي تمثلها.

وبالاضافة لنضال المرأة ومنظماتها النسوية الخاصة فأن هناك قوى اخرى وجهات هامة تقف الى جانب المرأة، وتدعم نضالها ومن بينها :

 1. الاحزاب التقدمية والعلمانية واليسارية ( الحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص ) التي وقفت وتقف الى جانب قضية المرأة العراقية وعليها الان ان تضاعف من نشاطها في هذا الاتجاه، من خلال تقديم قيادات نسائية في لجانها المركزية وهيئاتها القيادية في المحافظات وان تشدد من عملها الاعلامي والفكري لدعم حقوق المرأة داخل صفوف اعضاءها وجماهيرها وفي الوسط العام.

 2. كما يمكن للاعلام التقدمي ان يلعب دورا فاعلا في تحشيد الرأي العام العراقي من اجل مساندة المرأة العراقية وحقوقها من خلال صحفه وتلفزيوناته واذاعاته ومنابره الاخرى.

 3. كما تلعب الثقافة والمثقفون عموما دورا هاما في دعم قضية حقوق المرأة فالثقافة في العراق عموما ذات طابع تقدمي بمعنى ان الشعر العراقي والمسرح العراقي والرواية العراقية ومنتجيها الرئيسيين والبارزين، هم من حملة الافكار التقدمية المناصرة لقضية المرأة وحقوقها، وهؤلاء يمكن الاستفادة منهم الان وفي المستقبل من اجل الوقوف الى جانب المرأة.

 4. هناك عامل موضوعي يفيد في تحقيق الكثير من حقوق المرأة وهو سمة العصر، حيث تسود مفاهيم حقوق الانسان والديمقراطية والتعددية ومفاهيم العدالة، وهذا العامل الموضوعي يساعد في ان تعلو اصوات النساء العراقيات ومن يناصرهن من الرجال والقوى المؤمنة بقضية المرأة، للمطالبة بالحقوق المشروعة

واخيرا اقترح تنشيط حملة نسائية خاصة ( استثنائية ) ومنذ الان تشارك فيها باحثات عراقيات ومتخصصات قانونيات وناشطات وطنيات لهن تاريخ نضالي مرموق في الحركة النسائية العراقية، اخص بالذكر منهن الرفيقات نزيهة الدليمي وبشرى برتو وسعاد خيري وهناء ادور وثمينة ناجي وزكية خليفة وخانم زهدي وباسمة بغدادي وجيل من الشابات الجديدات اللواتي لا تحضرني اسماؤهن، ولكنهن كثيرات، لتقديم دراسات ومقترحات وخلاصة تجارب، حول وضع المرأة العراقية، لكي يتضمن الدستور العراقي الذي سيتم اعداد مشروعه، خلال الفترة القادمة فقرات منصفة لصالحها.

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com