|
الدستور... المضمون .. والتطبيق ..! هرمز كوهاري
تتكاتف الجهود من جميع الجهات والاتجاهات السياسية والقومية والدينية والطائفية وحتى المناطقية أي المواقعية، هذه الايام بنشاط ملحوظ للتهئية لكتابة الدستور العراقي الجديد الدائم، ومن حقهم أن ينشطوا ويجتهدوا لهذه المهمة الهامة والجديدة في حياة الشعب العراقي الحالية والمستقبلية ربما لسنوات أو أجيال . كل جهة من هذه الجهات تريد نصيبها و بأفضل صورة ممكنة، وكل جهة تستعرض حجمها وأمكانيتها، وأن بدونها أو بدون إدخال إسمها واضحا بارزا فإن الدستور سيكون دستوراً ناقصا غير عادل ولا ديمقراطي بنظرها على الاقل . ولو كان الشعب العراقي بحجم الشعب الهندي، لاحتاج الدستور الى ملحق لذكر أسماء وأعداد كل قومية أقرب الى دليل التلفونات!! ولإنطبقت نفس الحالة في الدستور الامريكي!! لان إصول شعب الولايات المتحدة ودياناته وأعراقه من الكثرة والتشعب مما يصعب حصرها! اذا رجعوا الى أصلهم وفصلهم! ومع هذا فإن الدستور الامريكي يتكوّن من سبعة مواد فقط! نعم (7) مواد فقط مع فقراتها وخلال مائتين سنة لم يغيّر بل اُجريت عليه (26) تعديلا فقط! يقول الزعيم السوفييتي ـ خالد الذكر ـ نكيتا خروشوف ـ الحكمة البالغة التالية "ليس المهم الصعود الى التل بل الاهم هو البقاء عليه!" وأقول ليس فقط المهم حشو دستورنا، الدستور العراقي المنتظر، بالعبارات والكلمات الفخمة والبراقة والعزة والكرامة!! وخير أمة اخرجت اللى الناس!! والديمقراطية المفرطة في العدالة المطلقة!! ورفاهية أقل قليلا من رفاهية الفردوس!!. بل أقول أهم من كل هذا هو حسن النية، بين مكونات وأفراد الشعب العراقي والتعاون فيما بينها والعمل بالمبدأ المقدس "حقك ينتهي عند بداية حقي" وكذلك نقول "أنت حرْ اذا ما تضرْ" أن أهم ما يتمييز به كل دستور هو الالتزام به من قبل السلطة أولا ومن قبل الشعب ثانيا، متجاوزاً العادات والتقاليد والفتاوى الدينية، فمن المحال أن يأخذ الدستور مكانه الطبيعي ويؤدي المهمة التي كتب من أجلها في ظل التقاليد العشائرية البالية وخاصة تجاه المرأة، وفي ظل قشور الدين التي تعتبر المرأة (عورة!!) وأن أي خصلة تظهر من شعرها يعتبر تجاوزاً على الشريعة والآداب العامة!! أن المشكلة الصعبة التي سيواجهها الشعب العراقي، هي إمكانية تطبيق محتوى الدستور . أن كتابة الدستور قد تستغرق اشهرا أو ربما أياماً، ولكن تطبيق الدستور قد تستغرق سنوات وسنوات لانها تتعلق بسلوك وعادات الشعب، وإمكانية التطبع على الحياة الديمقراطية . في الدستور الديمقراطي ليس معناه أن كل فرد يحصل على ما يريد،بل كل فرد يحصل على حقه الطبيعي، كل حسب عمله وكل حسب مؤهلاته، متساوون أمام القانون والنظام، أن الديمقراطية هي بأختصار حقوق وواجبات وفق معايير متساوية . رأينا في الدساتير العربية أنها مزدحمة بعبارات الحقوق والحريات والكرامة الانسانية وحقوق الاقليات، اكثر بكثير مما تحويه دساتير أعرق الديمقراطيات ، ولكن الملكية الدستورية أصبحت الملكية الدكتاتورية، والجمهورية الشعبية صارت جمهورية دكتاتورية طائفية وراثية!! كان أستاذ الواجبات الوطنية في العهد الملكي يتباه بدستورنا ويزايد على دستور بريطانيا العظمى كما كانت تسمى آنذاك!، بأن الدستور العراقي مدّون بينما الدستور البريطاني غير مدّون، هذا أولاً وثانياً أن الدستور العراقي، هو هدية من الشعب العراقي الى الملك!، بينما الدستور البريطاني غير المكتوب أصلا، مع هذا يعتبر هدية الملك الى الشعب البريطاني!، وكان يقصد بهذا أن الشعب العراقي هو الذي الذي يتحكم بحياة وسلوك الملك ويقوّم سلوكه وخطواته والشعب يفرض رأيه عليه!!، بعكس الوضع في بريطانيا العظمى! في الوقت البرلمان البريطاني يتحكم في زواج الملك أو الملكة، كما حدث في عهد ملك هنري الثامن، وله صلاحية حتى إلغاء الملكية!!. ورأينا في ظل الهدية هذه الى الملك! أفتتحت بقرار إبادة الآثوريين أي الآشوريين رجالا ونساءاً وأطفالا لا لسبب الا لقيام بعض من شبابهم المتطرف المتهور بحمل السلاح دون أن يعي إمكانياته وحجمه الطبيعي، ومخدوعا من جهات أجنبية، فعومل بقسوة مفرطة بما يرتقي الى الابادة الجماعية لطائفة من الشعب الذي أهدى دستوره الى مليكه المفدى!! وفي ظل هذه الهدية، بنيت المعتقلات الرهيبة كمعتقل السيء الصيت سجن "نقر السلمان" لا للقتلة والمجرمين العاديين بل لخيرة الشباب المناضل في سبيل حريته ورفاهه، في سبيل وطن حر وشعب سعيد، وفي ظل هذه الهدية الثمينة! أسست غرف التعذيب، وتعرض العشرات من السجناء السياسيين الى القتل والاصابات البالغة في سجن بغداد المركزي سنة 1953 وقبلها إطلاق النار وقتل العشرات في وثبة سنة 1948 وإعدام الرفاق الخالدين فهد وحازم وصارم سنة 1949، وضرب الجماهير الغاضبة على الفقر والمرض وعلى سياسة ربط العراق بالاحلاف العسكرية آنذاك كالحلف التركي الباكستاني .. الخ أما الدساتير القومية والبعثية، فمعروفة لدى القاصي والداني، وهي في غنى من التعريف والتعليق عليها . هناك جهات تتخفى بالشعارات الدينية ومفرداتها و بالشعا رات الديماغوغية، وهناك من يذرف دموع التماسيح على مستقبل العراق! نراهم ونسمعهم تلميحاً وتصريحا، سراً وجهراً! لسان حالهم يقول : "يا كتّاب الدستور تشغلون وتضيّعون وقتكم ليلا ونهار بكتابة أكثرالدساتير مليء بعبارات الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وحقوق المرأة كاملة غير منقوصة عن مثيلاتها في السويد وسويسره!! وسنرى كيف سيطبق ونحن لكم بالمرصاد، لدينا سلاحا ماضيا ومتوفرا! لدينا الدين والشريعة السمحاء الذي تعلو على كل قانون بشري!! لانها شريعة منزلة من صنع الله، ودستوركم من صنع البشر وصنع أياديكم! والمرأة مصانة وحقوقها محفوظة في الشريعة السمحاء فلماذا التأكيد عليها!. ويقول الملالي نحن نقّوّم أخلاق الناس بنظام أو بقانون "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر!!" وطبقت هذا الحكم عصابات الاسلام المتطرف، ونال طلاب وطالبات جامعة البصرة قسطا من هذا القانون . ولحماية الدين من المبادئ الوافدة والدخيلة عليه!!. ويقول الشيوخ والاغوات لدينا العزة والكرامة والشرف، فلماذا هذه المبادئ الدخيلة، التي يسمونها الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وحقوق المرأة!! "جا مريّة ما تاكل وتشرب مثلنا! جا شنهي التريده!!" هؤلاء يظهرون أثناء الهرج والمرج، وفي غياب الساسة القديرين، الذين تثق بهم الجماهير، المخلصين لمطالب تلك الجماهير . أن أهم ما مطلوب من كتاب الدستور ومستشاريهم أن يضعوا نصب أعينهم آلية تطبيق الدستور وصيانته من التلاعب به من قبل السلطة الدينية والدنيوية، التلاعب به عن طريق الالتفاف عليه وإيجاد حجج ومبررات بمناسبة وبدون مناسبة . أن الدستور ليس وثيقة أبدية لا تقبل التعديل أو الاضافة، بل أنه يعدل بتغيير أو بتطور المجتمع الى حالة، مختلفة عن الحالة التي كان بها ذلك المجتمع يوم كتابة الدستور أي أنه إنعكاسا لحالة المجتمع آنذاك، إلا أن الاهم هي آلية التعديل لا أن تكون حسب أهواء الحكام لخدمة مصالحهم والمصالح الضيقة للطبقة التي يمثلونها . كلنا أمل بأن نرى دستورا ديمقراطيا تعدديا فدراليا يتفق وروح العصر ويمثل ويخدم جماهير الشعب الواسعة .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |