|
تموز والبعث! سليم رسول
تموز آله الخصب لدى البابليين في التأريخ القديم، وقد دخل هذا الإله في مغامرات عاطفية مثيرة وكثيرة مع آلهة الحب عشتار، وترى في الأساطير البابلية الكثير من الحوادث يكون بطلها تموز ومعشوقته عشتار. هذه الرمزية الجميلة لهذا الشهر لا تتناسب مع كونه الشهر الحارق في العراق، أو لنقل لم يعد هذا الشهر هو الشهر الأكثر حبا لدى البابليين أو العراقيين بصورة عامة. فلم يعد العراقييون مغرمين بمتابعة آخر مستجدات مغامرات تموز وعشتار، بل صاروا مغرمين بمتابعة مغامرات تموز والكهرباء. ولكن لم يكن بغض العراقيين لتموز كونه الشهر الحار جدا صيفا فربما فاقه في الحرارة آب، وعلى كل حال ففصل الصيف في العراق كله حار جاف، الكره لهذا الشهر نتج من ذكريات مؤلمة في ذهن الشعب العراقي، كل هذه الذكريات هي عبارة عن مآسٍ مرّ بها هذا الشعب، وذاق ويلاتها وخاض غمارها. من أبرز تلك الذكريات المرة التي لا تغيب عن الذهن العراقي ذكريات الإنقلابات العابثة والصبيانية التي قامت بها مجاميع من جنرالات الجيش العراقي مما أسفر عن ضياع قرن من عمر العراق دون جدوى ودون تحقيق فائدة تذكر. ولكن مأساة تموز كلها تكمن في ذلك اليوم الشؤم يوم السابع عشر منه عام 1968 عندما سطا لصوص العوجة على سدة حكم في العراق لم يكن متماسك الأركان، هذه العصابة التي قفزت في ذلك اليوم الى كرسي العراق، كتبت أشد صفحات التأريخ سوادا وأزالت جميع ما في ذاكرة العراقيين من ذكريات وأساطير وخرافات عن تموز ومغامراته. في يوم ما كان منتشيا جداً ذلك القائد اللا ضرورة له مطلقا، فقهقه كثيرا ثم قال: كنا شبابا في بغداد ليس لدينا عمل، وكان تموز والدنيا حارة جداً فقلنا ماذا نفعل؟ قلنا نسوي إنقلاب وسويناها وصارت! . قهقه بعدها كثيرا كثيرا قهقهت معه مجاميع الجرذان الهاربة الآن في الآفاق. منذ ذلك التأريخ الذي نزا فيه الشباب الضائع الساقط على عرش بغداد، تغيرت صورة تموز وتحول من شهر جميل عتيق الذكريات وكثير الأساطير، الى شهر رهيب مرعب غير محبوب ولا مرغوب فيه. ربما مأساة الإله تموز تتفق مع مأساتنا وله حق في أن يقف في قاعة المحكمة الخاصة ليقتص من جرذ العوجة جراء تدنيسه لرومانسية الشهر الإله. البعث صار لتموز ذلك الليل المرعب القسمات الكريه المنظر الذي يحرمه وصول معشوقته عشتار، ذلك الرعب الذي يغزو القلب ويحرمه لذة شرود الذهن ولذة شهرته في قلوب البابليين كإله عاشق ينثر الخصب في ربوعهم. لقد حول البعث ذلك الشهر من شهر خصب ونماء الى شهر قتل وتعذيب وسجون معتقلات وتهجير وتخريب، كانت الأرض تعشب في تموز وتمرع والأنهار تتراقص فيها الأمواج، فما إن سطا البعث حتى أجدبت تلك المزارع وأقفرت وجفت الأنهار والضروع وماتت الزروع! أي مأساة تلك التي يختزنها تموز في قلبه؟ وأي حقد يتفجر فيه حين يقف أمام الجرذ صدام في قاعة محكمة خاصة يحاكم فيها مغتصب البهجة والنماء وناشر الموت والدمار صدام؟!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |