|
متى سيأتينا يوما بلا صدام؟ "كل يوم يمر على العراق من دون صدام، هبة من الله" كلمات قالها الكاتب العراقي المبدع إسماعيل زاير، ولكن مع ذلك لدي ما أقوله تعقيبا على القول، بالرغم من كره العراقيين لهذا المسخ البشري الموجود خلف القضبان، لكنه مازال باق يعيش في كل مفصل من مفاصل حياتنا، الحق يجب أن نسأل متى يستطيع العراقي أن ينسى صدام وأن يعيش دون أذى كان قد تسبب به؟ أو أذى من زبانيته؟ لكن المثقف العراقي القنوع بما تحقق لحد الآن يرى الأيام التي مرت من دون صدام وهو في سدة الحكم هبة من الله، وذلك بالرغم من أن أنهار الدماء التي مازالت تسيل على أرض العراق هي دماء الأبرياء، ليتها كانت دماء ألائك المجرمين الذين ما تعلموا شيئا سوى ذبح الأبرياء منذ أن ولدوا، حقا أقولها من الأعماق، إن موتهم لا أريد له أن يكون قصاصا لهم، لأن القصاص من هؤلاء غير كاف على الإطلاق، بل ما نريده من موتهم هو حقنا لدماء الأبرياء، وأياما تمر من دون أن نتذكر بها إن الحاكم كان يوما ما ذلك المسخ البشري صدام. القتل لغة تعلمها هؤلاء الأوغاد فصارت هدفا وهواية ومهنة ومنهج حتى صاروا لا يعرفون لغة غيرها، فلو أمروا بقتل أمريء، فإنهم سوف ينفذوا الأمر قبل أن يرتد لك طرفك، وكأن القتل لديهم شربة ماء!! قد يتصور المرء أنهم شجعان ولا يخافون الموت، أبدا، العكس هو الصحيح، هم يقتلون بهذه السرعة لخشيتهم الشديدة من الموت، ألم تلاحظوا معي تلك السرعة التي يلقون بها السلاح في حال شعورهم بالخطر بمواجهة في غير صالحهم؟ ولو تحدثت معهم بأي لغة غير لغة القتل، لم يفهموا منك شيء وكأنك تكلم نفسك أو تكلم حائطا أصم. لغة التخاطب مهمة جدا، ولكن يجب أن تكون مفهومة للمتلقي. إنهم يفهمون لغة حقوق الإنسان نوعا من الهبل، حسب ثقافتهم ولغتهم، لذا صارت مفردات لغة حقوق الإنسان بالنسبة لهم وسيلة للقتل، أو بالأحرى أدوات للقتل، فخذ مثلا، إنهم حين يحاصرون، يلقون السلاح ويرفعون الخرقة البيضاء التي يحتفظون بها دائما في جيوبهم، لأن الطرف الذي يأسرهم يتكلم لغة حقوق الإنسان، فلم أرى إرهابيا منهم تم إلقاء القبض عليه إلا وكانت الخرقة البيضاء في يده، من أين جاء بها؟ فلو بحثت الآن من حولي لمدة ساعة، ربما لا أجد خرقة بيضاء تصلح أن تكون علما للاستسلام، إذا لابد إنهم كانوا يحتفظون بها في جيوبهم لهذا الغرض بالذات، لأنهم تعلموا من العدو الذي يتحدث لغة البشر ويعرف حقوق الإنسان إن هذه المفردة تنجيهم من الموت، ليس هذا وحسب، بل لكي يعودوا من جديد لمهنة القتل بعد أن يطلق سراحهم. وخلال وجودهم في المعتقل، يعرفون تماما أن لا أحد يستطيع من ألائك الهبل الذين يرطنون بلغة حقوق الإنسان أن يضربه، لأن الضرب ضد حقوق الإنسان، فكل ما عليه أن يفعله هو أن يصمت ولا يتكلم لمدة أسبوع أو اثنين فقط، بعدها سوف يخرج مع اعتذار مؤدب جدا من الشخص الذي سوف يكون ضحيته القادمة بعد أن يجد طريقه لرفاق السلاح والقتل. مفردات كثيرة تعلموها من لغة حقوق الإنسان لكي يقتلوا الإنسان، ولم نتعلم نحن، ولو مفردة واحدة من لغتهم!! لم لا نتعلم لغتهم لكي نستطيع التخاطب بها معهم؟ فهم بالرغم من جهلهم المطبق قد تعلموا مفردات كثيرة من لغة حقوق الإنسان، لكنهم مازالوا لا يفهمون التخاطب إلا بلغتهم فقط، تماما كما كنا نتعلم اللغة الإنجليزية في المدارس العراقية، حيث نحفظ الكثير من المفردات، ولكن لا نستطيع أن نصوغ جملة واحدة، ولو تحدث شخص ما بلغة إنجليزية فصيحة، لما استطعنا أن نفهم مما يقول شيئا، ولكن حين ندخل للامتحان ننجح!!!! هم كذلك، تعلموا مفردات لغة حقوق الإنسان من أجل الخلاص من الموت المحقق والعودة لمهمة القتل من جديد. إذا لابد أن نكلمهم بلغتهم التي يعرفوها جيدا، تبعا للقول المأثور " كلم كل قوم بلغتهم". كما أسلفنا، إننا نتعلم تلك اللغة ليس من أجل القتل، بل من أجل حقن دماء الأبرياء من الناس التي ما فتئت تسيل على أرض الرافدين دون أن يعيرها أحد أي اهتمام، الاهتمام منصب فقط على سلامة القتلة من أي أذى وفي أي مرحلة من مراحل تنفيذهم لتلك الجرائم البشعة. أما آن الأوان أن نهتم بحقوق الإنسان البريء أولا؟ ونحقن دمه من الإهدار على أيدي القتلة ومن ثم الإلتفات إلى حق الإنسان المجرم؟ ولو كان بالإمكان الفصل بين هاتين الحالتين المتلاصقتين، لقلنا غير ذلك، لكن المشكلة تكمن بأن المجرم لا يفهم سوى لغة القتل، ومافتئ يقتل الأبرياء، ونحن ندافع عن حقوقه تاركين حق الضحية بالحياة والعيش بحرية وكرامة!!!!!! أليس هؤلاء القتلة من بقية نظام صدام؟ أليس هو من علمهم القتل؟ أليس هو من أودع أموال العراق في البنوك الأجنبية لكي تمول هؤلاء المجرمين القتلة في مرحلة كهذه؟ أليس أعوان صدام هم من يديروا عمليات القتل ويؤون الانتحاريين القادمين من خارج الحدود؟ أليس صدام مازال في السجن ينتظر محاكمة عادلة؟ أكرر عادلة، ويدخن السيجار الكوبي المصنوع خصيصا له، أليس جميع الزبانية الذين كانوا من حوله أحياء ويمتعون بحماية وراحة بال وهدوء في سجونهم؟ أليس الذين مازالوا بعيدا عن يد العدالة يتمتعون بأموال العراق الطائلة التي هربوها للخرج؟ صدام موجود في الدورة السيدية والزعفرانية والراشدية وشارع حيفا وأماكن أخرى كثيرة من بغداد، ومازال يحيط بغداد بطوق إرهابي عرضه أربعين كيلومترا ومساحته تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر مربع من غابات النخيل والطرق الكثيرة، ومازال موجودا في المنطقة الغربية من العراق، بدأ من الطارمية وأبو غريب وحتى الحدود مع سوريا والأردن، ومازال صدام موجودا حتى مع الملشيات التي تحكم معظم محافظات الجنوب، ومازال ممثلا في البرلمان العراقي الجديد والمنتخب، ومازال موجودا على معظم الفضائيات العربية والصحف العربية والأجنبية ذلك البطل المظلوم، وحتى صحف أمريكا وبريطانيا موجود فيها ويذكر باحترام!!!!!!!! ما الذي نراه من العراق المهدم لا يذكرنا بصدام؟ وما الذي يجعل العراقي ينسى أنه جائع بسبب صدام؟ وهل عادت المياه تجري في الفراتين نقية كما كانت؟ وهل ترك للعامل مصنعا يعمل به؟ وهل ترك قيم غير قيم الفساد؟ وهل ترك عائلة دون حسرة على مفقود أو شهيد أو معوق أو أو أو...... من ضحايا نظامه الأكثر جورا عبر تاريخ البشرية؟ ما الذي نراه في العراق لا يذكرنا بصدام؟ إذا كيف نستطيع أن نقول أن هناك أياما تمر من دون صدام؟ وأين هي هبة الله التي مازلنا ننتظرها منذ سبعة وثلاثين عاما وهي أن نرى يوما بلا صدام؟ وكيف استطاع الكاتب أن يشعر أن صدام غير موجود؟ لماذا لا يحاكم هو وزبانيته فورا؟ لماذا لا نكون أكثر حزما مع الإرهابيين من بقايا البعث؟ لماذا لا نزيد عدد هيئة إجتثاث البعث إلى عشرة آلاف؟ أو حتى عشرين ألف موظف كفء؟ ولماذا لا نؤسس محكمة في كل حي أو قصبة من قصبات العراق لكي ننتهي منهم بأسرع وقت ممكن؟ أليس لدينا مئات الآلاف من رجال القانون في العراق؟ ولماذ لا نؤسس لثقافة ملاحقة البعثيين أينما كانوا وحيثما وجدوا؟ ولماذا لا نضع أجوبة ناجعة شافية وحقيقية لكل الأسلة الموجعة؟ فلو تم كل ذلك، نستطيع أن نقول إن أياما عراقية سوف تأتي حقا بلا صدام.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |