أدان العديد من الكتاب
العراقيين والعرب وبعض
المسؤولين العرب مواقف
المثقفين والجهات العربية
والإقليمية التي تصف
الإرهاب البعثي الصدامي ـ
الزرقاوي في العراق
ب"المقاومة الوطنية ضد
الاحتلال الأمريكي."
وتلتقي مع هؤلاء ومن
منطلقات مختلفة شرائح من
اليسار الغربي ولا سيما
في أقصى اليسار.
إن ثمة تناقضات صارخة في
مواقف وطرح بعض المثقفين
والمنابر العربية كلما
وقعت عملية إرهابية
شنيعة. فعندما يكون
الشرطة او الشخصيات
السياسية العراقية أو
الجنود الأمريكان هم
الضحايا تنبري تلك الجهات
للمباركة والتمجيد نافخة
في النار ومشجعة على
المزيد من الجرائم فتكون
بذلك شريكة المجرمين. أما
عندما تكون العملية فظيعة
وفضيحة لا تستر كتفجير
العشرات من أطفالنا مرة
واحدة، كما وقع مؤخرا في
منطقة بغداد الجديدة، فإن
هذه الجهات تحاول أن تلصق
التهمة ب"الموساد، أو بأن
الأمريكان اتخذوا من
الأطفال "دروعا بشرية"
كما كتب مؤخرا كاتب عراقي
يهذي باستمرار وبرغم أن
الجنود الأمريكان أطلقوا
نداء التحذير للمجتمعين
من وجود سيارة مفخخة دون
أن يأبه الحاضرون.
فلنتذكر انفجارات 11
سبتمبر التي قابلها
الشارعان العربي
والفلسطيني والإسلامي
بالتهليل ومعهم منابر
فضائية عديدة كالجزيرة،
فإن هول الجرائم دفعت هذه
الجهات في الوقت نفسه أن
تنسبها إما للصرب أو
للمخابرات الأمريكية
أوالموساد! ولم يلق هؤلاء
بالا لمدى التهافت
والتناقض في الموقف
المزدوج: فإذا كانت "غزوة
إسلامية" كما أعلن بن
لادن نفسه مرارا، فكيف
تكون في الوقت نفسه
مؤامرة موسادية؟! وإذا
كانت موسادية فلم الهلاهل
والأفراح والتشفي؟!
وأخيرا استقر رأي بعضهم
وتخريجهم على التالي:
الموساد يخترق القاعدة
وهو الذي يدفع للعمليات
الانتحارية! ولكن من يجرؤ
في البلدان العربية
والخليجية خاصة على إدانة
بن لادن؟ حتى في بلد
مسالم ومعتدل السياسة
كسلطنة عمان نجد ذكر بن
لادن بالنقد العلني محرما
[دي فاكتو]!
في إحصاء رسمي لوزارة
الداخلية العراقية أن عدد
الضحايا العراقيين من
مدنيين وشرطة وجنود
ومتطوعين يبلغ أكثر من
800 شهريا، وأنه منذ سقوط
صدام سقط في العمليات
الإرهابية أكثر من 20000
عراقي. اما دراسة خبراء
عسكريين أمريكان فيقدرون
العدد بأكثر من مائة ألف
عراقي، في حين لم يصل عدد
الضحايا الأمريكان منذ شن
الحرب ولحد يومنا إلى
ألفين. ولو وضعنا رقما
وسطا عن الضحايا
العراقيين بين الإحصاءين
المارين لوجدنا رقما
عاليا من الضحايا، مما
يبرهن بحد ذاته على
أسطورة "المقاومة الوطنية
ضد الاحتلال." ولكن هل
يعتبر المثقفون العرب
والعراقيون الممجدون لما
يسمى بالمقاومة بما تعنيه
هذه الأرقام؟ أم سيجدون
لها ألف تخريج جديد؟
إن من المؤسف أن غالبية
الصحفيين والمثقفين العرب
لا يزالون يغازلون
الإرهابيين الدمويين في
العراق كما تفعل أيضا
سوريا وإيران وأتباعهما
من العراقيين. إنهم،، كما
يقول الدكتور شاكر
النابلسي، في مقاله
الاخير "تيه المثقفين
العرب"، يبرهنون على
"فقدان البصر والبصيرة"
وقراءة الوقائع "بغرائزهم
لا بعقولهم، وبجروحهم
النرجسية النازفة لا
بعافيتهم النقدية
الذاتية، وبإرادتهم
للماضي لا برهانهم على
المستقبل"، [إيلاف في 14
يوليوـ تموز 2005 ]، ولا
يبدو أن بين هذه الشرائح
من يجرؤ على تصحيح الموقف
و"تبديل جلده" البالي!
لكن عليهم ان يدركوا أن
الانتقال من الموقف
الخاطئ للموقف السليم
فضيلة لا ضعف ومس
بالكرامة. أما الإصرار
على الخطأ حتى لو اتضحت
جميع مثالبه فإنه العمى
وطغيان الغريزة على العقل
واحتقار للحقيقة.
وبالطبع فالأمل مفقود
تماما مع أي مثقف يندفع
في مواقفه المتناقضة
بدافع القبض والمنفعة،
والصحفي الذي يقفز من
صحيفة لأخرى وراء
المكافئات السخية والمرتب
الدسم. هؤلاء انتهازيون
بامتياز وكل بضاعتهم هي
مجاراة الشارع والركض
وراء العملة الصعبة
والتشهير بالمثقفين
النزيهين، وهم مع الأسف
قلة وليسوا من نجوم
الفضائيات والكتاب
المدمنين لصحف شتى!.
تلخيصا نستشهد ثانية
بالنابلسي إذ يقول: "معظم
المثقفين العرب من الذين
يتصدون مجالس الرأي،
مازالوا يرددون أن ما
يجري في العراق الآن من
عمليات انتحارية إرهابية
هو عمليات "مقاومة لأناس
شرفاء يدافعون ضد المحتل
الغربي الذي جاء لسرقة
العراق ومصادرة الوطن
العراقي، في حين أثبتت
الأحداث منذ عامين إلى
الآن عكس ذلك. وإن ما حصل
في العراق وأفغانستان
ولبنان ومصر من انفراجات
سياسية وتطبيق لبعض
الاستحقاقات للديمقراطية
كان بفضل ضغوط الخارج،
وإن الشعوب العربية
والإسلامية بحاجة إلى هذا
الخارج ـ رغم تاريخه
السياسي السئ في الماضي ـ
لعتوّ وجبروت واستبداد
الأجهزة الأمنية التي
كانت تحكم هذه البلدان،
والتي مازالت تحكم بلدانا
عربية أخرى، والتي يستحيل
على شعب أعزل من السلاح
ووحيد، وبدون مساعدة
خارجية أو دعم سياسي
ومعنوي، أن يحقق ما تم
تحقيقه، وما سوف يتم
تحقيقه في المستقبل. وقلة
من المفكرين النادرين
العرب من ينادي بمثل هذه
القيم التي تعتبر بمثابة
الكفر الصريح بالثوابت
العربية الخشبية."