|
أهداف أمريكية ودور الأغلبية المستضعفة ـ الجزء الخامس
ان محاولة د. علاوي رسم سياسة للمرجعية على مقاسه الخاص أو لخدمة مصالح من اتوا به الى الموقع الأول كرئيس لوزراء العراق في الفترة الموقتة من الحكم، بتوجيهه وبعض المشوهين من اعضاء تلك الحكومة انتقادات مباشرة أو تلميحا يذكرنا بدور صدام المجرم عندما كان يستخدم نفس الخطاب لأرضاء الغرب وبعض الدول الطائفية في المنطقة، بل يذهب بنا ابعد الى عمق التاريخ حيث كان الجلاوزة يرسمون خطه المنحرف بأقلام وعاظ السلاطين، ذلك الخط الذي لم يتلاقى ابدا بخطنا الذي نسير علية وهو خط ائمة اهل البيت المعصومين الذي هو امتداد شرعي لخط النبوة كما توكد تلك السيرة التي كانت مثالا تاريخيا للتفاعل الأيجابي مع الواقع الأجتماعي والأقتصادي والسياسي المعاصر، مع ذلك ذكرنا مسبقا بأن السياسة كما نعتقدها هي الأهتمام بامور الناس ورعاية شؤونهم، وان سياستنا هي عقائدية في اهدافها ووسائلها واساليبها ئم اننا نعلم ان المرجعية العليا ابتعدت عن السياسة الا في منعطفاتها التاريخية الحادة، ومن هذه نذكر تدخلها بل تحذيرها مجلس الأمن الدولي من مغبة ادراج قانون ادارة الدولة في قرارها المعروف، واصرارها منذ البداية على ضرورة كتابة الدستور بعقول وايادي عراقية منتخبة من قبل الشعب، بدلا عن دساتير كانت جاهزة قد اعدت مسبقا في الخارج لاتنسجم ابدا مع الهوية الثقافية لمجتمعنا، وكذلك اصرارها منذ البدء بأجراء الأنتخابات العامة قبل تحويل السيادة الشكلي الى حكومة علاوي " في لحظة كتابة هذه السطور نسمع تصريحات لبعض المحللين السياسيين الأمريكيين بخطأ عدم فعلهم ذلك، واقصد نقل السيادة المبكر للعراقيين "، وقتها لم تقبل أميركا وكذلك هيئة الضاري ومن لف لفها، ولم نتهم كل تلك الأطراف بالتناغم على موقف سياسي واحد ضد الشيعة . ليكتسب السيد السيستاني هذا التقدير أو الأنبهار أو الحسد ليس فقط من مقلديه أو المتدينين بشكل عام بل من معتدلي العلمانية والقومية وصولا الى شخصيات مهمة غير عراقية بل اجنبية، ثم ان منهج المرجعيات الدينية عامة ومنهج سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني قام على عدم مصادرة آراء الآخرين أو التكلم نيابة عنهم، بل اشراكهم في المسؤولية بزجهم في قلب الحدث، هذا كله يكتسب اهمية بالغة اذا نظرنا الى سرعة تطور الأحداث في العراق وتراجيديتها في احيان كثيرة، كأنك في سفينة تتلاطمها دوامات من أمواج عاتية، او تتحرك في كثبان رملية متحركة وسط صحراء قاحلة، في ظل كل هذه كان ومازال يتعامل بحكمة وتأن وصواب وعقلائية منقطعة النظير، كما انه لم يستغل وضعه في التحريض على العنف والفوضى بهدف الوصول الى اهداف سياسية كما يفعل من تلبسوا بلباس الدين ممن اصبحوا معروفين واصبح حتى ذكرهم بالأسم مقززا، بل كان سماحته يدعو دائما الى السلم الأهلي وكان ضمانة لعدم حدوث حرب طائفية مقابلة لتلك التي حدثت وتحدث بشكل أو أخر من متطرفي السنة أو قل الوهابية ومن تخندق معهم من البعث الصدامي، حيث بعدكل مذبحة جماعية، او أختيالات في الأماكن المقدسة، أو لوكلائه في المحافظات وبصورة خاصة بغداد، كان سماحته يدعو الشيعة الى ضبط النفس وعدم أخذ الجميع بجريرة البعض والشواهد أكثر من ان تعد أوتحصى .كان ينطلق دائما من مبادئ الأسلام الأصيل الذي يحاول البعض مساواته مع اسلام القتلة والأرهابيين، بقولهم ان النصوص الأسلامية تذكر ذلك وكأنهم اصبحوا علماءا في الدين وتبحروا في علوم القرآن، واتقنوا الى ابعد الحدود العلاقة بين الناسخ والمنسوخ وبين الخاص والعام والمطلق والمقيد، كما اتقنوا التمييز بين المحكم والمتشابه وانطلقوا من كل ذلك الى علوم السنة والرجال والحديث، ليبحروا في محيطات علم الأصول، ليتقنوا قواعدها العامة وادلتها العقلية والفقاهية، وليصبحوا أئمة في الترجيح عند التعارض، وغيرها الكثير الكثير الذي لااستطيع ذكره هنا، بل الأصح ليست لدي لا الأمكانيات الكافية ولا الأدوات الضرورية الكافية للأبحار في عالم يحتاج الى تخصصات متعددة، بل نحن مقلدون في الفروع كسواد الناس، اريد أن استعرض هذا القدر المتواضع لتبيان وكشف بل فضح ضحالة البعض عندما يربطون بين الأسلام الأصيل وبين الأرهاب . مع استعدادنا لتفصيل اكبر في مناسبات اخرى.
هنا اكتفي ببعض أيات القرأن الكريم :
قال الرسول - صلى الله عليه وآله - " فما
جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني من حديث لا يوافق الحق
فلم أقله ولن أقول الا الحق . عذرا ايها القارئ الكريم، لنعود ونقول نكاد ان نجزم انه لم تبقى شريحة من شرائح المجتمع الا وفي نفسها تقدير لدورها " مرجعية السيد السيستاني " ومكانتها لدفاعها ومطالبتها بحقوق العراقيين كاملة غير منقوصة، ثم ان المرجعية تحرص على اقامة علاقة قوية ومستمرة مع المجتمع وحركة حياته السياسية,لا بمعنى الولوج في تفاصيله وانما استثمار الفرص العملية التي توفرها هذه العلاقة في تغيير المجتمع ومعالجة الانحرافات التي وقعت أوتقع فيها وممارسة الدعوة وهداية الناس. وهذا أمر لا ندعيه بل له تطبيق وواقع ملموس في الشارع العراقي نفسه ، تجد صداه في القدرة الهائلة للمرجعية العليا على تفعيل دور المواطن في العملية الإنتخابية بحيث خرج الملايين رغم الإرهاب ليقوموا بدورهم الشرعي والوطني، والدور البارز للمرجعية العليا الرشيدة في منع عمليات الثأر عقيب سقوط النظام البعثي المقبور، ومساهمتها الفاعلة في منع حدوث فتن طائفية وعنصرية بين مكونات الشعب العراقي، كل هذا يثبت التلاحم بين أبناء الشعب العراقي الجريح وبين القيادة المرجعية الواعية لهموم المواطن ومشاكله والطرق الجديرة بالمعالجة والخروج بالعراق من النفق المظلم الذي ادخلته فيه السياسات الخاطئة للمجرم صدام. عندما كشف الأمريكان ان للمرجعية الدينية الكلمة المؤثرة في تحريك الشارع الشعبي، لم يعمل السيد أو يطلب من الآخرين الأستفادة من تلك الميزة باتجاه تهميش الأحزاب والتنظيمات السياسية الأسلامية التاريخية، بل العكس هو الصحيح، قام بتعضيد دورها كركن اساسي من اركان الديمقراطية،اضافة الى الدولة بمؤسساتها الثابتة، ومنظمات المجتمع المدني المختلفة . لمعرفته وأيمانه بضرورتها " العمل الحزبي "، ونحن نتكلم عن الوضع العراقي المتنوع، اكتفى سماحته بوقوفه عند حافة السياسة، بألتزامه بمعيار محسوب بدقة منقطعة النظير، ليس فيه تفاوت أو تباين بعيدا عن المناورة أو التكتيك والتحول المفاجئ في الموقف، أو التراجع عن ثوابت قطعها، وهي بالتأكيد ثوابت الأمة، كان بعيدا عن اسلوب المجاملات السياسية من اجل احتواء موقف آني شائك .
ان مكانة المرجعية الدينية بشكل عام،
والمرجع الأعلى السيد السيستاني، تأتي لأسباب عقائدية وكذلك تاريخية السبب
العقائدي معروف لدينا كشيعة نعيش في عصر الغيبة الكبرى، اما السبب التاريخي
فيعود لتقاليد عمرها اكثر من ألف عام، تبدأ من اساليب التدريس ومناهجه، لتنتهي
بأسلوب العيش المتقشف للمراجع العظام، كوسيلة لترويض النفس لتصل الى قوة تعاند
الهوى، وتنتج روحا تقترب كثيرا من الشفافية، لأن الغلو يتعارض مع العقلانية والأنصاف والديمقراطية، والشرع، واحكامه، ولنا في احاديث أئمتنا المعصومين اقوى برهان على ذلك . فهذاهو الأمام الصادق (ع) يحذر شيعته من الغلو فيهم، وهم المعصومون، ويصف الغلاة بأنهم شر خلق اللة.. ان مراجعنا العظام لم يصلوا تلك الدرجات الرفيعة الا لأنهم كانوا اعبد خلق اللة لللة، واكثرهم طاعة له، واشدهم خوفا منه، واعلمهم بحلاله وحرامه، ليحوزا على اعلى درجات الأخلاق الأسلامية، وانبل الصفات، دون ان تتعدى صفات المخلوقين من غير المعصومين، وكذلك دون ان تتجاوز حدود الأنسانية . في الجزء القادم ان شاء اللة نتحدث عن طبيعة دور سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني في تشكيل قائمة الأئتلاف العراقي الموحد، في ظروف كانت مفصلية في خطورتها، ولازالت، على مستقبل شيعة العراق، بل العراق كدولة . لنبين في نفس السياق مدى ابتعاد د. علاوي ومن أدنى منه ومن اعلى منه عن الموضوعية والأنصاف في ادعاءات اعلنوها حينها، ومازالوا يروجون لها . هذا كله يأتي في سياق أجابتنا على السؤال .هل شطبت أميركا نهائيا على البعث الصدامي أو العكس هو الصحيح بمزاوجتهم عرفيا مع بعثييها ؟
انتهى الجزء الخامس
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |