الشماتة لا تليق

 د. عبدالخالق حسين

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 

كتب السيد وليد الزبيدي، مقالاً بعنوان (وجهان لاحتجاج الصميدعي) في صحيفة (الزمان) الغراء يوم 5/7/2005، حول تصريحات السيد سمير الصميدعي، ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة، حول مقتل ابن عمه المرحوم محمد الصميدعي(21 سنة) إثناء عمليات الدهم والتفتيش من قبل القوات الأمريكية في بيته في حديثة. ولكن بدلاً من تقديم التعازي، استغل الكاتب هذه المناسبة للشماتة والتشفي مما يدل على ضغينة ورغبة في تصفية حسابات.

يستغرب السيد الزبيدي من احتجاج السيد سمير الصميدعي على مقتل ابن عمه، إذ يقول أن هذا الاحتجاج "جاء على لسان مسؤول عراقي، شغل منصب وزير داخلية في مدة لم تتوقف عمليات القتل ضد العراقيين...الخ".

ومن صيغة المقال، نعرف موقف الكاتب السياسي من العراق الجديد. فهو يبدو ساخطاً على إسقاط النظام البعثي وناقماً على الذين أسقطوه.

هناك  بضعة قضايا أود توضيحها.

أولاً، إن المسؤول عن الاحتلال هو صدام حسين وحزبه الحاكم اللذين ساما الشعب العراقي سوء العذاب خلال 35 عاماً، وتسببا في مقتل ما لا يقل عن ملوني عراقي، نتيجة للحروب العبثية وعمليات الإبادة الجماعية والحصار الاقتصادي، وتشريد خمسة ملايين عراقي، والسيد سمير الصميدعي أحد هؤلاء المشردين، وكان معروفاً ونشطاً في المعارضة آنذاك بمواقفه الوطنية المشرفة في مقارعة الفاشية وإقامة البديل الديمقراطي. في حين لم نسمع من السيد وليد الزبيدي أي احتجاج على جرائم النظام، وربما كان من المنتفعين به.

ثانياً، إن معظم الإرهابيين الذين يذبحون العراقيين بالعشرات يومياً هم من فلول النظام الساقط وخاصة من الحرس الجمهوري والخاص وغيرهم. وقد شاهدناهم وهم يفرون بملابسهم الداخلية كالجرذان المذعورة يوم سقوط النظام، لأنهم كانوا يخططون لحفظ طاقاتهم لمحاربة الشعب العراقي فيما بعد.

ثالثاً، ونتيجة لما تقدم، فرد فعل الجنود الأمريكيين ناتج عن عمليات القتل اليومية التي يمارسها البعثيون ويصدرون بياناتهم باسم الزرقاويين. وفي هذه الحالة، ربما تقع ضحايا بين الأبرياء كما حصل للشهيد محمد الصميدعي.

رابعاً، وكون السيد سمير الصميدعي سفيراً للعراق، لا يعني أن عليه أن يتجرد من مشاعره الإنسانية ويتنكر لعائلته. فكإنسان سويّ، لا بد وأن يحزن ويتألم على قريبه، فمن لا يحزن على الأقرباء لا يحزن على غيرهم. وليس صحيحاً، أن السيد سمير الصميدعي، لم يهتم بالضحايا العراقيين الآخرين، سواءً الآن أو عندما كان وزيراً للداخلية، كما يدعي الكاتب. فقد شاهدناه من على شاشات التلفزة، أيام كان وزيراً للداخلية، حاضراً في قلب الأماكن الساخنة فور حصول تفجيرات الإرهابيين، ولم يبال بالمخاطر على حياته في سبيل خدمة شعبه. وكانت لديه خطة واعدة وجيدة لمواجهة الإرهابيين، وتحقيق الأمن في البلاد ولكن لسوء حظ العراقيين، ولتعقيدات الوضع العراقي، لم يدم في الوزارة طويلاً لتطبيق خطته الأمنية.

خامساً، أما الإدعاء بمقتل مائة ألف عراقي، فلم يصمد أمام أية مناقشة منصفة. ففي الغرب الديمقراطي بإمكان نشر أي مقال مهما كان زائفاً حتى في المجلات العلمية. وقد اطلعت على تلك "الدراسة" التي أشار إليها الكاتب فوجدتها مليئة بالمغالطات. وهي ليست عن قتل العراقيين على أيدي الأمريكان، كما يدعي الكاتب، بل عن نسبة الوفيات بين العراقيين خلال فترة زمنية محددة بعد تحرير العراق، مقارنة بفترة مماثلة لها في العهد البائد، معتمداً على أسلوب خاطئ في البحث لتضليل الرأي العام لأسباب سياسية. فليس كل ما يصدر في الصحف الغربية يعتبر كلاماً منزلاً.

سادسا، لم يقل السفير العراقي أن حالات قتل العراقيين الأبرياء على أيدي الأمريكان نادرة، رغم إنها فعلاً نادرة، وإن حصلت فهي ناتجة عن سوء تقدير أو تجاوزات فردية وسرعان ما يعتذر المسؤولون ويحاسب القائمون بها. وعندما تحصل هذه الحوادث المؤسفة يتطوع محامون، وحتى من بلدان هذه القوات الأجنبية، لمساعدة عائلات الضحايا العراقيين لتقديم المذنبين العسكريين إلى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل وتدفع تعويضات لعائلات الضحايا. فهل حصل شيء من هذه المحاسبة في عهد حكم البعث في العراق أو أي نظام في العالم العربي؟

يريد الكاتب أن يوهمنا بأن جميع حوادث القتل في العراق هي من عمل القوات الأمريكية وأن الذين قتلوا لحد الآن هم أكثر من مائة ألف عراقي.. وهذا افتراء. إن معظم الضحايا ناتجة عن أعمال الإرهابيين التي يسمونها ظلماً بالمقاومة الوطنية الشريفة والتي هي ليست مقاومة ولا وطنية ولا شريفة. فالمقاومة الوطنية لا تفجر أماكن العبادة أو أنابيب مياه الشرب ولا تلحق الأضرار بالمؤسسات الاقتصادية للبلاد ولا تقتل المدنيين الأبرياء في أماكن الزحام في الأسواق بشكل عشوائي.

والعراق ليس البلد الوحيد الذي حررته القوات الأمريكية والبريطانية من نظام فاشي جائر. فهذه القوات ذاتها حررت في الماضي فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الفاشية والنازية، كما حررت اليابان من العسكرية المستبدة. وهذه الدول الآن من أغنى الدول الصناعية الكبرى تتمتع بأنظمة ديمقراطية حقيقة.

نعم في الحروب تحصل أخطاء مأساوية يذهب ضحيتها أبرياء. ولكن استغلال قتل الأبرياء عن طريق الخطأ أو تصرف جندي أرعن للشماتة أو التهكم ليس من الصفات الحميدة.

 

 

 

 

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com