عمار الحكيم وجمهورية العراق الاسلامية الفدرالية

سعدي سعدون

sadi_sadoon@yahoo.com

 

في تصريح لعمار الحكيم نجل رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم يوم 14 تموز الجاري في مؤتمر تنظمه "دائرة شؤون المرأة" التابعة "لمؤسسة شهيد المحراب" التي يرأسها، والذي تناقلته وسائل الاعلام كافة يطالب بتسمية العراق في الدستور القادم بـ "جمهورية العراق الاسلامية الفدرالية " ..

إن هذه التسمية، بالرغم من احترامنا الكبير للدين الاسلامي والمسلمين جميعاً ليس في العراق فحسب بل في كل العالم وبالرغم من احترامنا الكبير لكل المؤمنين من المسلمين ومن الأديان الأخرى في العراق وكل العالم، نجدها تسمية تتجاوز على حقوق الفرد والجماعات المختلفة في الحياة الحرة الكريمة، وتغتال الديمقراطية لتعوضها باسم الاسلام بدكتاتورية من نوع جديد يضطهد من خلالها المسلم وغير المسلم .. وهي في مجال آخر توحي بعلاقة مروجيها بالانتماء الى مرجعية غير عراقية ألا وهي المرجعية الايرانية، لتجير كل ما انجزه الشعب العراقي بكل فصائله الى تبعية لايران حيث تستنبط منها شكل الحكم وتسوقه الى الشعب العراقي.

إن تصريح السيد عمار الحكيم في هذا الظرف بالذات حيث ينهمك العراقيون في كتابة الدستور، وحيث ان قضية علاقة الدولة بالدين لم تحسم بعد، بالرغم من اعتقادنا ان الاكثرية البرلمانية هي اكثرية شيعية وستتقاتل على تثبيت المبادئ التي تريدها، ما هو الاّ محاولة للضغط الاضافي على الآخرين ..

لقد استعمل الطاغية صدام حسين الدين كوسيلة لتسويق حكمه ودكتاتوريته .. وباسم الدين قمع الشعب العراقي وبكافة الاساليب .. والآن جاء دور بعض القوى الدينية شيعية منها أو سنية لاستعمال الدين مرة أخرى لقمع تطلعات الشعب العراقي من خلال اعطاء صبغة معينة للدستور تصادر حريات الآخرين باسم الدين الاسلامي واعتقد جازماً ان الدين الاسلامي براء من هذه الذهنية ..

إن أغلبية الشعب العراقي هو شعب مسلم، والاسلام في العراق مذاهب متعددة، والدين الاسلامي محترم في العراق إن صدر ذلك بقانون ام لم يصدر .. فتعايش العراقيين مع بعضهم ضمن الاحترام بينهم بدون ان يسن بقانون .. والآن بحاجة الى قانون يؤكد وحدتهم وحرية تعايشهم فيما بينهم مهما اختلفت اديانهم وقومياتهم لا العكس ..

إن الدولة ما هي إلاّ مؤسسة سياسية نتظم جميع الاعمال والانشطة الدنيوية للمجتمع .. والدين هو منظومة افكار اخلاقية وجدانية تتعلق بايمان الانسان بخالقه وتوجهه له بالصلوات والدعوات عبر وسائط روحية بحتة لاعلاقة للدولة فيها .. فالخالق لم يدع في الارض وسيط بينه وبين الانسان بل ابقى العلاقة الروحية المباشرة قائمة كي لا تلوثها ايدي البشر الذين تحركهم عواطفهم وافكارهم ونزواتهم الشخصية ومصالحهم .. فاذا كان الخالق هو المسؤول عن خلقه، فلا مجال ان يضع احد الخلق نفسه بديلاً عن الخالق .. وبالتالي فالدولة هي بناء فوقي ينظم علاقات الناس ببعضها من المنظور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل فئات المجتمع مهما اختلفت تلاوينهم، لكي يشاع العدل بمقاييس عصرية .. فاذا كان الدين يوصي بالعدل .. فلماذا اذن نقف ضد بناء دولة عصرية تطبق العدل .. فلماذا نقف ضد تكاتف العراقيون من اجل بناء دولتهم العصرية التي سنفتخر بها كدولة عصرية تحترم حقوق الانسان والمواثيق الدولية وتنشد التطور.

إن تاريخ العراق الحديث حافل بنضالات الشعب العراقي بكافة اطيافه، استطاعت احزاب سياسية علمانية الطابع في الغالب قيادته ومناهضة كل الاجهزة العفنة التي ارادت غمط وسلب حقوقه .. وراح بسبب نضالها العشرات من خيرة ابناء الشعب العراقي البررة من عمال وفلاحين وكسبة ومثقفين، من معلمين واطباء ومهندسين، من طلبة وتقنيين، من النساء والرجال .. لم يسجن اي شخص في العراق منذ تاسيس الدولة ولحد تسلط الدكتاتور بسبب انتماءه الديني، لكن الذين اضطهدوا وعذبوا وسجنوا واعدموا هم المناضلون الشرفاء السياسيون الذين فدوا العراق وشعبه بارواحهم على مر السنين، والآن هم يهمشون لصالح تيارات اسلامية تحزبت لتتنكر لنضالات الآخرين .. تلك الأحزاب التي وان اضطهدت في زمن الطاغية، فكان نصيبها من الاضطهاد مثل باقي الفصائل الوطنية الأخرى التي تجدها الآن مهمشة ..

انظر الى البرامج السياسية لتلك الاحزاب مجتمعة فسوف تجد من اولويات برامجها الانسان والاستقلال والحرية والتطور والبناء .. ولم يكن يشغل بالها إن كان هذا مسلماً ام مسيحياً، إن كان هذا عربياً أم كردياً، إن كان هذا من قبيلة فلان ام فلان، بل كان الجميع يعمل من اجل لملمة كل الجهود من اجل عراق الخير والسعادة والحياة الكريمة ..

في الوقت الذي كانت الطلائع الثورية والتقدمية في المجتمع في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي تناضل من اجل مساواة المرأة بالرجل ومن اجل ان تصان كرامة المرأة ومن اجل اطلاق طاقاتها، رحنا اليوم ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين نعيدها الى زمن الظلم والتخلف.

إن المثل العليا للدين، ليس الدين الاسلامي فقط بل كل الأديان، تسمو على الشكليات لتخاطب الضمير والوجدان والروح .. ويتمثل ذلك على سبيل المثال بمخافة الخالق وعدم الاتيان بما يسئ للآخرين .. التحلي بالصدق والامانة والاخلاص والتضخية في سبيل الآخرين .. اشاعة الحب والاحترام بين البشر .. التسامح والمودة والاخاء .. حب لأخيك مثل ما تحب لنفسك .. نبذ الفساد المتمثل بالرشوة والسرقة وسرقة الاموال العامة .. عدم اشاعة الفوضى واحترام النظام .. القدوة في السلوك وفي التعامل الحسن مع الآخرين وغيرها وغيرها من الصفات الانسانية التي نحتاج الى ترويجها الآن ..

ولننبذ تدخل هذا وذاك في شؤون تربية الأسرة، فلا احد يعلّم الآخر كيف يتربى الجيل الجديد .. ان تربية الجيل الجديد هي مسؤولية مشتركة بين العائلة والمجتمع .. فمتى وفر المجتمع للعائلة وسائل العيش الشريف سيجد المتباكين على الشرف ان العائلة العراقية هي مثال الأخلاق والشرف .. الجوع ابو الكفار يقول مظفر النواب الرائع .. فمن يريد ان يخلق مجتمعاً متماسكاً لا باجباره على التدين .. بل بخلق الظروف الملائمة للعيش الكريم ..

اعطي مثلاً على مجتمع ليس اسلامي، ولا يحكم على اساس الشريعة الاسلامية، هو المجتمع السويدي، فما هي الاسس التي سنها الشعب السويدي لصون كرامة مواطنه رجلاً كان أم أمرأة ؟؟؟

توفير الرعاية الاجتماعية للجميع بمعنى ان الفرد السويدي له الحق في الرعاية الصحية المجانية منذ اليوم الأول لولادته .. والحماية الصحية له عند الكهولة .. الحق في التعليم المجاني .. الحق في النفقات الاجتماعية للجميع بحيث يستطيع الجميع العيش بحدود الحد الأدنى للعيش الكريم .. الطفل يحصل على نفقات خاصة من الدولة .. والمواطن له الحق بالسكن المناسب .. الدولة تساعد الفرد على دفع ايجارات السكن .. للطالب مخصصات خاصة .. وللعاطل عن العمل مخصصات لحين حصوله على عمل .. الدولة تساعد الفرد على الحصول على العمل .. الدولة تساعد الفرد على التأهيل العلمي .. المرأة لها نفس فرص العمل ولها نفس الحقوق كما للرجل .. الطفل له حقوق مصانة لا يستطيع احد النيل منها .. معاقبة الأطفال نفسياً وبدنياً ممنوع فالتربية العصرية ترعى الطفولة وتقدسها .. السكن عصرياً، فلا تجرؤ شركات السكن بناء دور لا تتوفر فيها الأسباب العصرية للحياة المتمدنة مثلاً كل مسكن يجب ان يتوفر على تدفئة مركزية، ثلاجة ومجمدة، طباخ، واثاث مطبخ، تاسيسات للماء البارد والحار، تأسيسات للمجاري .. كل منطقة سكنية يجب ان تتوفر على غسالات عصرية ومنشفات للملابس، رفع القاذورات دورياً وبطرق عصرية، رياض اطفال ومدارس ومستوصفات واسواق وغيرها ..

وببساطة فالشعب العراقي المسلم وغير المسلم يحلم بمجتمع يسود فيه العدل، مجتمع ليس فيه مجال للاكراه، مجتمع ديمقراطي للجميع الحق في العيش .. للجميع حقوقاً متساوية .. وللجميع واجباتاً متساوية ..

هناك في العراق اليوم اضافة الى التنوع السكاني الديني والاثني قوى سياسية فاعلة قوى غير اسلامية، قوى علمانية هي ايضاً ناضلت وتناضل من اجل حرية العراق ارضاً وشعباً فاين يضعها الداعون الى جمهورية اسلامية في العراق ..

يبدوا ان هناك من هو مهيأ ليضعها في سجن مؤبد، او يصهرها بالتيزاب، كما اراد لها صدام حسين.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com