|
في ذكرى 14 تموز عاش الزعيم الزود العانة فلس محمد حسن الموسوي (الزعيم) لقب يشير الى رتبة عسكرية كانت مستخدمة في الجيش العراقي وكان الشهيد عبد الكريم قاسم يحملها يوم اسقط الحكم الملكي في 14 تموز عام 1958 واحل محله النظام الجمهوري لينهي بذلك سنوات عجاف من حكم اتسم بالطائفية المقيتة التي تفشت في مؤسسات الدولة العراقية التي ُشيدت بالاساس وفقا لأتفاقية السير بيرسي كوكس – عبد الرحمن النقيب. هذه الاتفاقية كانت انعكاساً لمبدأ تسليط الاقلية على الاكثرية والذي تمثل بسياسة تطييف مؤسسات الدولة الحديثة حينما نزى على الحكم حفنة من الضباط الطائفيين الذين نشأوا وترعرعوا في ثكنات الجيش الانكشاري العثماني ومنه استلهموا الروح الطائفية الشريرة والعنصرية البغيضة فعملوا على تهميش الاكثرية الساحقة من الشيعة والكورد لصالح الاقلية من ابناء طائفتهم التي هادنت وسايرت وتآمرت في احيان اخرى مع المحتل الانكليزي الذي اطاح بحكم (الخلافة الاسلامية) العثمانية في حين هبَّ ضحايا هذا الحكم الرجعي من شيعة واكراد للدفاع عنه والتصدي للمحتل( الكافر) الذي هجم على دار الاسلام ولبوا نداء الجهاد الذي اعلنه علماء المسلمين الشيعة. يومها تقدم العلماء المجتهدون صفوف المجاهدين الذين كانت اهزوجتهم ( حل فرض الثالث كومو له) اي حل واجب الجهاد بعد فرضي الصلاة والصيام فقوموا ولبوا داع الجهاد فكانت معركة الشعيبة الشهيرة التي استشهد فيها المرجع محمد سعيد الحبوبي والمرجع مهدي الحيدري. وبينما كان الشيعة والاكراد يذودون عن حمى الدين والوطن ومنشغلين بمقارعة المحتل الاجنبي سارع شيخ الاسلام عبد الرحمن النقيب المرجع السني الاعلى في حينها وصافح المحتل (الكافر) ليوجه بذلك طعنةً نجلاء للشيعة والكورد الذين تحولوا من مجاهدين الى ( متمردين ) في نظر شيخ الاسلام بعد ان تيقن أفول نجم الخلافة العثمانية فسارع لنزع جلده العثماني ولبس بدلا عنه الجلد الانكليزي والامر ذاته فعله الضباط الذين وقعوا في الأسر فوضعوا انفسهم بخدمة المحتل واعلنوا ولائهم له بعد ان تبرؤا من الحكم العثماني فكافأهم المحتل بتسليمهم مقاليد حكم العراق بعد ان قرروا اقصاء (المتمردين) الذين استماتوا في الدفاع عن (بيضة الاسلام) وكان لهم ما ارادوا الى ان حلَّ صباح الرابع عشر من تموز عام 1958 لينهي الزعيم عبد الكريم ذلك الحكم المقيت ولينتصف للعراقيين الاصلاء الذين غيبوا طوال سبع وثلاثون عاما هي مدة الحكم الملكي الطائفي. اما ( العانة) فهي عملة نقدية تعادل اربع فلوس كانت سائدة في ذلك الوقت وعادة ما يستخدمها العراقيون بأمثالهم لوصف وضاعة شئ ما وتفاهته فيقولون عن الشئ الوضيع ( ما يسوه عانة). حينما استلم الزعيم مقاليد الحكم سارع الى رفع الحيف والظلم الذي لحق بالعراقيين الاصلاء بسبب السياسات الخرقاء للمستعرقين من حجازيين وكولومنديين واتراك وشركس والبان الذين احتلوا العراق باسم الحكم الهاشمي ولاتزال اسرهم الى يومنا هذا تحتفظ بألقابهم الانكشارية كالجادرجي والباججي والدملوجي والقلمجي والقبنجي وغيرها . من اوائل الامور التي قام الزعيم بانجازها هو تحسينه الوضع الاقتصادي للبلد والمستوى المعاشي للمواطنيين وخطى في ذلك خطوات كبيرة فكان قرار التأميم والمعروف بالقرار رقم (80) حيث انهى احتكار الشركات الاجنبية للقطاع النفطي ثم جاء قرار الاصلاح الزراعي ليقضي على الاقطاعية مما اثار حفيظة رجال الدين المحافظين ضد قاسم وذلك لوجود علاقة نفعية تبادلية بين رجل الدين والاقطاعي لينعكس موقف رجال الدين هذا سلبا على الزعيم فيما بعد علما ان رجال الدين المعتدلين يشهدون لعهد قاسم بكل خير اذ لم يعرف الوسط الديني حاكما متواضعا ومحبا للدين ولرجال الدين مثل الزعيم قاسم. ثم توالت القرارات الاصلاحية فجاء قرار رفع القيمة المالية لعملة (العانة) لتصبح خمسة فلوس في محاولة من الزعيم قاسم لدعم القوة الشرائية للعملة العراقية آنذاك. أثمر هذا الاجراءات الاصلاحية في الحقل الاقتصادي تطورا ملحوظا انعكس على دخل المواطن الذي عانى الامرين في ظل العهد الملكي ففرح ابناء الشعب بانجازات قاسم وخرجوا الى الشوارع يهتفون (عاش الزعيم الزود العانة فلس). والتاريخ يسجل لقاسم مصداقيته فمعظم الشعارات التي رفعها انجزها وكان صريحا بخطاباته الارتجالية التي كانت تدغدغ عواطف الناس وتدخل الى قلوبهم وافهامهم دون عناء فلم يكن الزعيم انشائيا وشعاراتيا وطلسميا بعباراته بل كان غاية في البساطة وفي سلوكه ابسط. ويسجل له التاريخ ايضا عدالته وكرهه للمحسوبية فلم يعرف عنه انه عين احد افراد عائلته في منصب قيادي او حتى في منصب وظيفي عادي كما كان يفعل من سبقه في الحكم وكما فعل من اتى بعده ويفعل بعض القادة الجدد اليوم. يُذكر ان شقيقته كانت تلح عليه ان يبني لها دارا من اموال الدولة فما كان منه الا ان اصطحبها الى ضاحية (الجوادر) حيث يخيم الفقراء من العراقيين الاصلاء وخاطبها بالقول هل ترين كل هؤلاء المساكين ؟ انهم كلهم اشقائي وشقيقاتي وحينما ابني لهم بيوتاً سأبني لك دارا. الا يذكرنا هذا بموقف الامام علي عليه السلام مع اخيه عقيل حينما جاءه يطلب منه مالاً فما كان من الامام الا ان قال لعقيل امدد الي يدك فظن عقيل انه سيضع بها مالاً فوضع الامام علي جمرة من النار فضج عقيل بالصراخ فقال له علي عليه السلام ما مضمونه هذه نار الدنيا فكيف بك من نار الاخرة اتريدني ان اتعدى على مال المسلمين فأبيع آخرتي بدنياي ؟. هذا هو عبد الكريم قاسم قال ففعل.ووعد فوفى. وهذه انجازاته التي اضحت لنا دروساً وعبر. دفع قاسم ثمن عراقيته واخلاصه التي جسدها بشعار (العراق اولاً) فتآمر عليه المنافقون من قومجيين وبعثيين وطائفيين آلوا على انفسهم الا ان يشغلوه عن معركته الحقيقية ضد الفقر والجهل ويشغلوه بمعارك جانبية فكانت حركة (الشواف) التي باركتها الانظمة العربية وبدلاً من ان تكون هداياهم للشعب العراقي خيراً كانت هداياهم غدارات (بور سعيد) ليغدروا بالعراقييين كما يفعلون اليوم بدعمهم الارهابيين. مضى قاسم شهيدا وغاب جسده لكن روحه بقيت خالدة بين فقراء العراق ومساكينه وبقي ذكره يتجدد القاً في بيت كل فقير. فهل سيمضي حكامنا الجدد على نهج قاسم ويعطوا الناس الرغيف والامان بدل التنظير والعبارات الانشائية الرنانة والخطب الطنانة التي لاتسمن من جوع ولا تغن عن فقر؟ اذ الشعوب لا تعيش بالشعارات والاقوال بل تحيا بالممارسات والافعال والحديث يقول ( ان القلوب مجبولةٌ على حب من احسن اليها) وليس من اشبعها تنظيرا وتسطيرا ً وأغرقها بالطلاسم. والعاقل من اتعظ بغيره.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |