حرب إبادة الشيعة ستبيد الجميع

 د. عبدالخالق حسين

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 

الحقيقة المرة يجب أن نواجهها بصراحة وإلا فنحن نطبق سياسة النعامة في طمس رؤوسنا بالرمال. أنا علماني وليبرالي في الصميم، وأدين كل توجه طائفي ولكن هذا لا يعني أن أسكت عما يجري من حرب الإبادة الطائفية ضد طائفة أخرى خوفاً من تهمة الطائفية. فعندما ارتكبتْ عصابات مقتدى الصدر (الشيعي) الجرائم البشعة ضد النساء والمسيحيين والصابئة وطلبة الجامعات، أدناها بشدة وما زلنا ندينها إلى أن تنال هذه العصابات جزاءها العادل.

 إن ما يجري في العراق في هذا الزمن الرديء لا يترك مجالاً للمجاملات بطمس الحقائق، إذ لا مفر لنا من أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية. نحن نضطر إلى استخدام مسميات طائفية كنا نرفض في الماضي استخدامها، وذلك لأن الواقع صار ينضح بالطائفية شئنا أم أبينا، ولأن ما يجري في العراق من الأعمال الإرهابية موجهة بالذات لإبادة الشيعة. وهذه الحرب هي امتداد لحرب الإبادة التي مارسها النظام البعثي الساقط خلال حكمه الجائر عن طريق نشر المقابر الجماعية وحروب الأنفال واستخدام السلاح الكيمياوي في حلبجة والأهوار وغيرهما.. الضحايا من نفس الفئات، الشيعة والكرد، والمجرمون هم أنفسهم، فلول النظام الساقط، بعد أن كانوا يمارسون جرائم إبادة الجنس وهم في السلطة، راحوا يمارسونها وهم خارج السلطة باسم "المقاومة الوطنية الشريفة".

 كان شعب العراق محاصراً في سجن البعث أيام حكمهم والآن صار محاصراً بالإرهاب على أيدي فلول البعث وحلفائهم السلفيين المتطرفين القادمين من البلاد العربية وبتحريض من أئمتهم الذين أفتوا لهم  قبل سقوط النظام الجائر، وحرضوهم ومازالوا على هدر دماء الشيعة "الروافضة" وغيرهم من الفئات "الضالة" وكل من لا يسير على ملتهم وسكتهم. لقد استوردوا أبو مصعب الزرقاوي الأردني ليلعب ذات الدور الذي لعبه أبو الطبر في السبعينات، حيث كان البعثيون يذبحون العائلات البغدادية المعارضة لحكمهم على طريقة أفلام الرعب وينشرون الذعر في صفوف الناس باسم (أبو الطبر). كذلك الآن اخترعت مختبرات البعث اسم أبو مصعب الزرقاوي ليختبأوا وراءه ويرتكبوا جرائمهم ضد الشعب العراقي باسمه. وهذا لا يعني عدم وجود مجرم بهذا الاسم، ولكنه مجرد واجهة لنشر فلول البعث بياناتهم باسمه ومجرى لتصريف قاذوراتهم عن طريقه وربما هو خارج العراق الآن. وإلا فإن الزرقاوي ليس أقوى وأخبث من صدام، فكيف تم إلقاء القبض على صدام وقتل ولداه، وفلت الزرقاوي من العدالة لحد الآن؟ 

 إن ما يجري في العراقي هو حرب الإبادة الواسعة ضد الشيعة بكل معنى الكلمة، وكذلك ضد الكرد ولو على نطاق أضيق لأن المنطقة الكردية أكثر حماية من المناطق الشيعية في بغداد وما يجاورها من المدن، بفضل حكومتها المتماسكة ومليشياتها (البيشمركة) المدربة والقوية. لقد سلك حكم البعث ذات السلوك التقليدي المتبع في التاريخ في حرب إبادة الجنس وتفريغ البلاد من سكانها الأصليين. والطريقة تعتمد على القتل الجماعي والتشريد والترحيل القسري وإحلال العناصر المرغوبة محلهم. فمنذ اغتصاب البعث للسلطة عام 1968، بدأت عملية قتل وتهجير الكرد بحجة التمرد، وكذلك الشيعة بحجة التبعية الإيرانية والانتماء للحركات الإسلامية الشيعية. وكان حصاد هذه الحملات على مدى ما يقارب أربعة عقود حوالي مليوني قتيل، وتهجير مليون وتشريد خمسة ملايين ودمار شامل للبلاد.

 والآن وبعد سقوط نظام الإبادة الجماعية، تواصل فلوله ممارسة ذات النهج في حرب الإبادة وتشريد العراقيين وإرغامهم على ترك مناطق سكناهم كطريقة للتطهيرالعرقي والطائفي. ترتكب فلول البعث هذه الجرائم بعد أن اختطفت الطائفة السنية وراحت تدعي أنها تحارب الشيعة نيابة عن السنة دفاعاً عن حقوقهم. ولن تتورع هذه العصابات عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق الإنسانية التي يندى لها الجبين إلى الأبد، مثل مجزرة 13 تموز الجاري التي راح ضحيتها 30 طفلاً في بغداد الجديدة، ومجزرة المسيب التي قتل فيها ما يقارب المائة وجرح المئات، وذبحت عائلة شيعية بالكامل المكونة من 9 أفراد معظمهم أطفال ونساء. وقبلها مجازر متواصلة في الأحياء الشيعية في مدينة الشعلة والثورة والمدائن وبغداد الجديدة والعامل..الخ ومعظم التفجيرات الانتحارية تحصل في المساجد الشيعية إثناء أوقات الصلاة حيث تزدحم حشود المصلين، كي يقتلوا أكبر عدد ممكن الأبرياء، وهي ممارسات تذهب ضحيتها العشرات يومياً. أليست هذه حرب إبادة جماعية ضد الشيعة؟ إنها ترتكب من قبل البعثيين باسم السنة وينشرون بياناتهم باسم الزرقاوي، أبو الطبر الجديد لحزب البعث. كان على أبناء السنة الخروج بمظاهرات إدانة لهذه المجازر ورفع لافتات يكتب عليها: (ليس باسمي..NOT IN MY NAME)، كما عملت الجاليات الإسلامية في بريطانيا بعد تفجيرات لندن. بينما الذي يحصل في العراق هو صمت أبناء السنة وتمادي "هيئة علماء المسلمين" في التحريض على المزيد من الإرهاب والدفاع عن المعتقلين الإرهابيين.

 لقد عمل البعث بقيادة صدام حسين على تعقيد الوضع العراقي وتحويله إلى بلد لا يمكن حكمه إلا بالاستبداد الجائر. وقد استغل الدكتاتور أبناء الطائفة السنية لأغراضه بتنفيذ جرائمه فاختار معظم منتسبي أجهزته القمعية من سكان المدن السنية التي جمعها أحد الشعراء العراقيين باسم (تعسف)، ت= تكريت، ع=عانة، س= سامراء، ف= فلوجة. فمعظم أفراد الأجهزة القمعية التي اعتمدها النظام في اضطهاد الشعب العراقي ونشر المقابر الجماعية وجرائم الأنفال، كانوا من هذه المدن وقد أغدق عليهم بالمال والمناصب والامتيازات على حساب بقية أبناء الشعب. بينما المناطق الجنوبية الشيعية وخاصة البصرة والناصرية والعمارة وغيرها، أهملت وتركت خرائب وأنقاض طيلة حكم البعث، وراح أبناؤها وقوداً للمحارق البشرية ومدنهم ساحة للحروب العبثية، رغم أنها مصدر الثروة النفطية للعراق، وقد اغتصبت مدن (التعسف) هذه الثروات مقابل ولائها المطلق لحكم الطاغية. وهذا هو سبب كون معظم القتلة الإرهابيين الآن من هذه المدن يستميتون في ذبح العراقيين أملاً في إعادة حكمهم الجائر المنهار، وامتيازاتهم أو حرق العراق عن بكرة أبيه على غرار (عليّ وعلى أعدائي يا رب).

 لقد استمرت هذه المجازر ضد الشيعة طيلة العامين الماضيين على أمل استدراجهم لرد فعل مماثل ضد أهل السنة وإشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. وفي رسالة للزرقاوي عثر عليها قبل عام يحرض بها على إشعال حرب طائفية حتى ولو تطلب الأمر قتل عدد من أهل السنة "لإيقاظ المتقاعسين منهم عن الجهاد من نومهم" على حد تعبيره. ولن استبعد أن يكون قتل ثلاثة أعضاء من لجنة الدستور يوم 19 تموز الجاري، وجميعهم من أهل السنة، أن يكون من جرائم البعثيين وحلفائهم الزرقاويين انتقاماً منهم لمشاركتهم في بناء وطنهم، وذلك لتحقيق أهدافهم الشريرة لإشعال حرب طائفية. فطيلة هذه المدة استطاع آية الله السيد على السيستاني الضغط على الشيعة بدعوتهم إلى الصبر وضبط النفس والهدوء والسكينة وعدم الرد بالمثل للمجازر التي تتلقى المباركة من (هيئة علماء المسلمين) ورجال الدين العرب من أمثال القرضاوي وحتى من بعض شيوخ الأزهر وتنال التأييد الحار من الجماهير العربية "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لبيك عبدالناصر!!". ولكن يمكن لهذا الصبر الشيعي أن ينفذ ويلجأ ذوي الضحايا إلى رد فعل مماثل وإشعال حرب أهلية ماحقة.

 وإذا نجح الإرهابيون، لا سامح الله، في إشعال الحرب الطائفية في العراق فهذا يعني تحريك الشعوب العربية السنية على نطاق واسع وعلني لإرسال المزيد من المتطوعين الانتحاريين وحتى مشاركة قواتهم المسلحة، لإبادة الشيعة والكرد عن بكرة أبيهم. إن المانع الوحيد لاندلاع حرب طائفية الآن هو وجود القوات الأجنبية في العراق. لذلك يطالب الإرهابيون ومن يدعمهم وخاصة إيران وسوريا، برحيل القوات الأجنبية الفوري من أجل توفير الظروف المناسبة لهم لإشعال الحرب الأهلية التي يعملون من أجلها. ولكن نسي هؤلاء أن العراق سيصبح ساحة للحروب الإقليمية، تؤدي بالنهاية إلى حرق دول المنطقة بالكامل ودمار الجميع بمن فيهم أبناء السنة العرب أنفسهم. يراهن الإرهابيون على إلحاق الهزيمة بأمريكا وانسحاب قوات متعددة الجنسيات من العراق وبذلك ستفرغ لهم الساحة دون رادع حيث حافظوا هم على تنظيم قواتهم العسكرية ومليشياتهم (فدائيو صدام) واستحوذوا على جميع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي نهبوها من الجيش الذي حلوه بتخطيط مسبق من صدام حسين نفسه، تأهباً لهذه المرحلة. ولكن النتائج ستكون وبالاً ليس على العراق في حالة انسحاب القوات الأجنبية وإشعال حرب أهلية فحسب بل على مشعليها وعلى دول المنطقة دون استثناء. فستتدخل إيران في المناطق الشيعية بحجة حماية الشيعة والعتبات الشيعية المقدسة، وتحتل تركية كردستان لحماية التركمان، كما وتتدخل الدول العربية المجاورة لتحتل المنطقة الشمالية- الغربية بحجة حماية العرب السنة "من الفئات الضالة"، وعندها ستختفي الدولة العراقية ويصبح العراق ساحة للحروب بين هذه الدول كما كانت في الماضي بين الدولة الصفوية والعثمانية.

 نحن نعرف أن الإرهابيين، البعثيين وحلفائهم السلفيين فقدوا بصرهم وبصيرتهم وقد سلكوا هذا السلوك الأعوج الانتحاري لأنهم أصيبوا بالعمى بسبب (آيديولوجية الشر) على حد تعبير توني بلير، وحقدهم الدفين على القوميات والطوائف الأخرى. ولكن الكارثة أن هذه العصابات المجنونة المنفلتة أو كلاب جهنم، كما يسميهم سيد القمني، تتلقى الدعم بالفتوى والمال والتحريض من رجال الدين والإعلام والأثرياء العرب. فأين العقل والضمير من كل هذا يا عرب العاربة والمستعربة ويا شيوخ الإسلام؟

لقد أثبت معظم العرب أنهم لا يبالون بقتل العراقيين مهما بلغ العدد، فما يصرح به الزرقاوي علناً على فضائية الجزيرة يقولونه هم سراً في مجالسهم الخاصة. فكما نشر لفيف من علماء الحوزة العلمية (الشيعية) بياناً يوم 19/7/2005 قالوا فيه ما معناه، عندما يقتل طفل في فلسطين تتزلزل الأرض العربية ولكن عندما يقتل الإرهابيون 30 طفلاً عراقياً لم يتحرك لهم رمش وكأن شيئاً لم يكن، بل اكتفوا بالصراخ: "عروبة العراق في خطر".

 بعد تفجيرات لندن الإجرامية، صار المسلمون في خطر، ليس في بريطانيا فحسب، بل في كل الدول الغربية. وتلافياً لرد الفعل العنيف ضد المسلمين وخاصة من المتطرفين اليمينيين، حاول رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، تهدئة الوضع وحماية المسلمين وتبرئتهم من هذه الجريمة النكراء وإلقاء تبعتها على حفنة من الذين تم غسل أدمغتهم بآيديولوجة الشر. ولكن بالمقابل دعا بلير رجال الدين المسلمين أن يلعبوا دورهم في محاربة الإرهاب. فاستجاب هؤلاء على الفور وأصدروا فتوى أدانوا فيها هذه الأعمال البربرية واعتبروا القائمين بها مجرمين وليسوا شهداء. وقد وقع الفتوى خمسمائة رجل دين من مختلف الطوائف الإسلامية المقيمين في بريطانيا، وحسناً فعلوا. ولكنهم عملوا ذلك لأنهم يعيشون في بريطانيا وخشية على أنفسهم من ردود أفعال عنيفة ضدهم. وأغلب الظن أنهم لو كانوا خارج بريطانيا وبمأمن من الطرد والمساءلة، لما أصدروا هذه الفتوى وتعاملوا مع جرائم لندن كما تعاملوا مع الإرهاب في العراق. فأغلب رجال الدين، السنة والشيعة، لم يكتفوا بالصمت إزاء المجازر ضد المدنيين العراقيين فحسب، بل اعتبروها عملاً جهادياً مشروعاً. ويا للمفارقة، حتى مقتدى الصدر الذي يطرحه الإعلام العالمي باسم (الزعيم الديني الشيعي) راح يبارك للإرهابيين جرائمهم ويصفها بأنها مقاومة مشروعة. ولكن مقتدى هذا يعمل بأوامر أسياده وأولياء نعمته من المتشددين الإيرانيين الذين أمروه أن يقوم هذه الأيام بحملة مليون توقيع لمطالبة رحيل القوات الأجنبية من العراق فوراً. والسؤال هو: لمصلحة من هذه الحملة؟ فهؤلاء ومعهم النظام السوري لا يبالون بذبح العراقيين لأنهم يريدون إلحاق الهزيمة بأمريكا وجعل العراق ساحة لحروبهم بالنيابة عنهم.

 مسكين شعب العراق، خاض ثمانية سنوات عجاف حرباً طاحنة في محرقة قادسية صدام المشؤومة لحماية البوابة الشرقية للبلاد العربية من "الفرس المجوس". والآن يريد الإيرانيون والسوريون والسلفيون المتطرفون أن يحاربوا أمريكا في العراق وبدماء أبناءه أيضاً. فمتى ينتبه العراقيون، السنة والشيعة، إلى هذه اللعبة القذرة؟ سوريا تستخدم شيعة لبنان وسنة العراق لأغراضها، أما إيران فتستخدم شيعة البلدين لذات الغرض، والعرب المسلمون إما صامتون إزاء حمامات الدم العراقية بحق الشيعة والكرد، أو مشجعون لها لأنهم ليسوا شيعة ولا كرد.

 يقول الشاعر الألماني القس مارتن نيمولر عن جرائم النازيين وكيف بدأت جرائمها ضد البشرية ما يلي:

أولاً بدؤوا بالشيوعيين،

فلم أعترض لأني لم أكن شيوعياً

ثم جاءوا لليهود، فلم أعترض،

لأني لم أكن يهودياً

ثم جاءوا للكاثوليك، فلم أعترض،

لأني كنت من البروتستانت

وأخيراً جاءوا لي...

في ذلك الوقت لم يبق أحد ليدافع عني.

 إن البعثيين والسلفيين بدؤوا حربهم بإبادة الشيعة والكرد، يجب أن يعرف المتفرجون والصامتون والمؤيدون والمحرضون للمجزرة، أنها لن تنتهي بإبادة الشيعة والكرد وحدهم وأنهم ليسوا مصونين منها كما يتصورون، بل ستطال حرب الإبادة جميع مكونات الشعب العراقي ومن ثم ستصل نيرانها إلى دول الجوار، كما بدأت النازية بإبادة الشيوعيين واليهود في بلادها ثم انتهت بحرق أوربا كلها. فهل من مجيب لصوت العقل، أم أنها مجرد صرخة في واد ونفخة في رماد؟

 

 

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com