عمار تقي
الراي العام الكويتية)
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة العنف في العراق، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تحصد (المقاومة) أرواح العشرات من الأبرياء العراقيين دون تفريق بين صغير وكبير أو رجل وامرأة.
فبالأمس القريب شاهد العالم أجمع (المقاومة) وهي تنفذ احدى أبشع جرائمها التي أدت الى مقتل مجموعة من الأطفال الأبرياء (32 طفلا) عندما قام انتحاري بتفجير نفسه في وسطهم!، بل لم تكتف (المقاومة) بذلك الفعل الشنيع حتى أتبعته بعد أيام قلائل بمجزرة مروعة هي الأكثر دموية منذ ما يقارب العام، ذهب ضحيتها ما يزيد على 100 قتيل وأكثر من 200 جريح من المدنيين العزل, والسؤال المطروح أمامنا هو: هل تعتبر سياسة قطع الرؤوس وقتل الأطفال الأبرياء وتفجير المدنيين بهذا الشكل العشوائي، من المقاومة في شيء؟ ما نعرفه عن المقاومة الشريفة التي أقرتها الشرائع الدولية أنها لا تقتل أبناء شعبها ولا تدمر حياتهم، لكن ما نراه اليوم من قبل (المقاومة) التي ترفع شعار مقاومة المحتل الاميركي بأنها على ارض الواقع لا تصوب سهامها ومتفجراتها الا نحو أبناء جلدتها ودينها! فاستمرار مسلسل قتل العراقيين لن يخرج الاحتلال بكل تأكيد، ولن يساعد على تحرير العراق، بل على العكس تماما فانه في النهاية سيؤدي الى تمزيق العراق وتدميره، أو أنه ــ في أفضل الظروف ــ سيطيل من أمد المحتل حتى تستقر الأمور ويستتب الأمن, اذا نستطيع القول بأن ما نشاهده اليوم في العراق من قتل وتفجير ودمار بحق الأطفال والمدنيين العراقيين من قبل الجماعات المتطرفة التي تتستر بعباءة الاسلام والتي تعكس عقلية الكراهية وعفونة التفكير، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق على ممارساتهم بأنها تندرج تحت أعمال (المقاومة)، بل باختصار هي أعمال اجرامية ارهابية علينا جميعا أن نفرق بينها وبين المقاومة الحقيقية.
أما ما يزيد من محنة العراق اليوم أن أعمال العنف المتزايدة قد بدأت تأخذ منحى طائفياً وسط حالة من التوتر والقلق التي تنذر بأن العراق على أبواب فتنة طائفية وشيكة، وكأن الساحة العراقية في هذه المرحلة الحساسة والحرجة تنقصها مثل هذه التوترات المدمرة.
في هذا السياق وفي ظل التحديات التي تعصف بعالمنا الاسلامي اليوم، تقتضي الحكمة من الجميع رص الصفوف وعدم التردد في ادانة التوجهات السياسية والدينية الملتبسة بدافع طائفي، خصوصا وأن حالة الصمت المطبقة على جهات عدة ازاء عدم ادانة هذه الجرائم الطائفية النكراء، بشكل واضح وصريح، ناهيك عن اصرار البعض بوصفها من (المقاومة)، فان هذه المواقف (الرمادية) ستشكل دافعا لمزيد من أعمال التطرف ومسوغا للقوى التي ترتكب تلك الجرائم, فلا يصح أن يتعامل البعض بسياسة الكيل بمكيالين، فنراهم في جانب كيف يتهافتون على اصدار الفتاوى الواضحة التي لا لبس فيها وبيانات الشجب والاستنكار للأعمال الارهابية التي تقع خارج العراق، ولكن عندما يصل الأمر الى العراق تكون ردة الفعل مختلفة ويتم اختلاق الأعذار الواهية لها! فالسكوت على مثل هذه الأعمال ومحاولة البحث لها عن مبررات (على شاكلة مقاومة المحتل الاميركي) انما هي مشاركة غير مباشرة في دعم هذه الجرائم الارهابية, لذا فانه ما لم ترتفع الأصوات وخصوصا من علماء الأمة بالتنديد المباشر بجميع تلك الأفعال الارهابية والعمل على استصدار فتاوى لا لبس فيها من قبل العلماء المعتبرين في الساحة الاسلامية، فعندئذ ستختلط الأوراق وسينزلق الوضع، بخطى متسارعة، نحو شفير الهاوية، ولنا في موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف خير مثال عندما أبت من خلال الفتاوى الشهيرة لآية الله العظمى السيد علي السيستاني الانجرار نحو الفتنة الطائفية.
وهنا أود تسليط الضوء بشكل سريع على حدث مهم جرى في المملكة الأردنية ولكنه وللأسف الشديد لم يحظ بالتغطية الاعلامية المطلوبة! فقد نظمت العاصمة الأردنية «عمان» مطلع الشهر الجاري «المؤتمر الاسلامي الدولي الأول» شارك فيه نحو 180 عالما ومفكرا اسلاميا من أربعين دولة اسلامية, فالى جانب الحضور المكثف والمتميز من قبل علماء المذاهب الاسلامية الثمانية، جاء الحدث الأبرز في المؤتمر والذي كان عبارة عن فتوى جماعية صدرت عن المشاركين بالاجماع والتي نصت على «عدم جواز تكفير أتباع المذاهب الاسلامية وتحريم دمائهم وأعراضهم وأموالهم», فتبني المؤتمر الاسلامي في عمان لمنهجية رفض التكفير والاعتراف بالمذاهب الاسلامية يجب أن يعتبر اللبنة الأولى التي في حال أحسنا استثمارها في الساحة العراقية ــ تحديدا ــ فانها بكل تأكيد ستساهم في تغير الوضع نحو الأفضل, وهذا هو ما يتوجب على علماء المسلمين فعله وخصوصا أولئك المشاركين في مؤتمر الأردن بأن يفعلوا «الفتوى الجماعية» التي صدرت في عمان وأن يتخذوا موقفا صريحا ومباشرا تجاه عمليات (المقاومة) والعنف الطائفي التي تستهدف أبناء الدين الواحد في بلاد الرافدين، وذلك لوأد الفتنة الطائفية المستعرة في العراق والتي ستطول (في حال اشتعالها) باقي دول المنطقة!