|
حقائق عن قضية كركوك وتفعيل المادة 58 من قانون المرحلة الأنتقالية زهير كاظم عبود
متابعة لحقيقة من حقائق العراق تبدو كركوك والفيدرالية والنظام الديمقراطي والدولة الدينية من الأوليات التي تظهر واضحة للعيان، وحتى نسلط القليل من الضوء على جملة من حقائق كركوك وبعض القضايا المتعلقة بها، وحتى يمكن ان نساهم في تفعيل ودفع المادة القانونية التي ترسم بأتجاه الحلول المنطقية والواقعية التي تحاول شطب وترميم الشروخ التي احدثتها الشوفينية وأن تعيد الحق الى نصابه، وأن لاتكون هذه الشروخ واقعاً مفترضاً علينا لقبولة والتسليم به، نقول لم يأت السيد مسعود البارزاني أو السيد جلال الطالباني بجديد، ولم يقلا مايغير حقيقة الأمر أو الوضع الخاص بمدينة كركوك، ولم تكن هناك أي التباسات في استيلاء او سيطرة او استحواذ، وكل التصريحات التي أدلت بها القيادات الكردية لاتعدو الا المطالبة بتثبيت الحقائق التي لايختلف عليها أحد والتي تشكل قواسم مشتركة، والتي اوردتها حركة التاريخ والمجتمع في العراق وكردستان بالذات، ويستطيع أن يتذكرها كل صاحب وجدان وضمير مخلص متخلص من لوثات الشوفينية التي ابتلينا بها في العراق. فكركوك مدينة عراقية، وكركوك مدينة أستباحتها الأنظمة الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق وأخرها النظام الصدامي الذي حاول تخريب الأنسجام القومي فيها، وحاول أن يزرع بذور الفرقة في نسيجها الأجتماعي، وحاول تخريب تلاحمها القومي، وكركوك التي حاولت السلطة الصدامية أن تقلب توازناتها القومية والعمل على تغليب قومية على أخرى، وأن تنحر التآخي فيها، ولهذا عمدت السلطة الشوفينية الى محاولة طمس حقيقتها التاريخية، وفي سبيل ذلك غيرت وأبدلت وقامت بترحيل وأسكنت وخططت وعمدت الى تغيير العديد من حقائقها التاريخية الثابتة. في كركوك يسكن الكرد والتركمان والعرب والآشوريين والكلدان والأرمن، ومن أجل تعريب المدينة المتآخية عمدت سلطة صدام الى نقل موظفين من ابناء القومية العربية اليها لقاء أغراءات مادية ومعنوية في زمن الحصار لقاء نقل سجلاتهم الخاصة بالأحوال المدنية الى كركوك، ومن أجل تعريب هذه المدينة حدثت قضايا لاينبغي أن تبقى مطمورة أو مخفية عن الناس، مثلما لاينبغي أن نقر بصحتها ونقبل بتبرير التقادم الزمني المسقط للحق الذي رسمته السلطة حينها. وحقائق التاريخ العراقي تشير وربما بما لايقبل الشك أن كركوك مدينة كردستانية خالصة بالرغم من كونها أكثر المدن الكردستانية مسكونة من قبل قوميات متعددة غير الأكراد، ومن حقائق التاريخ العراقي الحديـث أن من تعرض للتهجير والتسفير فيها من ابناء القومية الكردية، ومن حقائق التاريخ أن القومية الثانية فيها التركمان، غير أن السلطة البائدة ولأسباب معروفة عمدت الى محاولة تغليب العنصر العربي فيها على الكرد والتركمان. ومن يعترف بكردستانية كركوك لايعني مطلقاً انكاره القوميات الأخرى التي تعيش فيها، ولايعني مطلقاً غبن حقهم المشروع وحقوقهم القانونية في التواجد والسكن وممارسة الدور السياسي، ولايدعو أيضا لنبذ التآخي والأنسجام الأنساني بين القوميات، و لكنه ايضاً لايدعو لبقاء الحال على ماهو عليه لأن الأقرار هذا يأتي أنسجاما مع مخططات السلطة البائدة، فثمة أخطاء وجرائم أرتكبت بحق القوميات وبحق المدينة، وحيث اراد صدام البائد ان تكون المدينة بهذا الشكل من الخراب الأجتماعي، يدعو الأمر بعقلانية أن نلغي كل ما أرادته الدكتاتورية من افعال ومن نتائج لهذه الأفعال ـ وأن لانقر بواقع الحال تحت أية ذرائع وأسباب. لابد لمن تم تهجيره أو ابعاده عن المدينة أن يعود الى أهله أو أرضه في كركوك، ولابد للطاريءالذي حضر متعاونا مع السلطة البائدة بأرادته أن يعود الى منطقة سكناه، فكلاهما سيعاد حقه اليه، ولابد من اعادة الحال كما كان عليه وفق ماتسجله الوقائع العراقية والسجلات الرسمية والأحصاءات الرسمية المعتمدة، ووفق ماستقرره اللجان التي تخصصت لوضع تصوراتها وقراراتها التي تنسجم مع الحقيقة الخاصة بهذه المدينة. وبغية التعرف على بعض حقائق مدينة كركوك والقوميات التي سكنتها لابد من التطرق بأيجاز لبعض الحقائق التي قد تكون غابت عن بال البعض ولكنها شاخصة وثابتة. لم اكن شخصياً أعير الأهمية لقرارات نقل مقاطعات من مناطق كركوك الى محافظات أخرى عربية قريبة منها، اعتقدت أن الأمر مجرد اعادة تنظيم وتوازنات للوحدات الأدارية، ومناقلات لمقاطعات لأسباب لاتخص عملي القضائي ووفقاً للمصلحة العامة، تلك القرارات كانت لاتخلو منها جريدة الوقائع العراقية التي كانت تردنا نسخة منا أسبوعيا بحكم عملنا القضائي في المحاكم العراقية، وبحكم متابعتنا لما يصدر من قرارات وتعديلات على القوانين من الجهة التشريعية العليا لمواكبتها والألتزام بتطبيقها في عملنا وقراراتنا. غير أن الحقيقة التي عرفتها من أن هذه المقاطعات يجري سلخها من مناطق كردستان العراق ونقلها الى المساحات الأدارية لمحافظات أخرى لم يكن الأمر بقصد الأجراءات التنظيمية والمصلحة العامة كما كنا نعتقد، انما كان يتم ترحيل ساكنيها من الكورد الى مناطق أخرى وأحلال عناصر عربية بديلاً عنهم ليصيروا ضمن الحدود الأدارية خارج منطقة كوردستان، بالأضافة الى صدور قرارات رئاسية بألغاء مقاطعات وأسقاط حقوق التصرف عن مالكيها ومنحها الى عرب وضم تلك الأراضي الى المناطق العربية المجاورة لمدينة كركوك لتصبح هذه المناطق بالتالي مسكونة من اغلبية عربية، كما تعرضت المجموعات السكانية فيها الى تغيير في مناطق سكناهم وتابعيتهم الأدارية ونقل سجلات الأحوال المدنية الخاصة بهم وكل مايتعلق بهم أدارياً، والأقدام على ترحيل أعداد كبيرة من المناطق التي صارت تحت الادارات الأخرى لأعتبارات أمنية وتنظيمية كما تزعم السلطة، بالأضافة الى أجبار هذه المجاميع البشرية ووفق أساليب خسيــسة لتقديم طلبات بتغيير قوميتها من الكوردية الى العربية، أذ لايحق للمواطن الكوردي أن يستأجر دار أو يتملك عقار في مدينة الموصل أو كركوك أو ديالى أو بغداد أو تكريت مالم يقدم على تغيير قوميتة من الكوردية الى العربية. صاحب هذه الأفعال قيام السلطات بشكل محموم أحلال العنصر العربي في المدينة، سواء بنقل أعداد من عشائر عرب الفرات الأوسط والجنوب العراقي وأسكانهم القرى الكوردية التي تم ترحيل اهاليها عنها، بقصد تغيير البنية الأثنية للسكان في المنطقة بقصد مبطن ووفق سياسة رقطاء تهدف الى تغيير معالم مدينة كركوك، وأضعاف الكثرة السكانية فيها بقصد تغيير هويتها وحقيقيتها الممتدة عبر التاريخ. وأستمرت الأساليب المتعددة التي شاعت في العراق من نقل الموظفين الراغبين نقل سجلات نفوسهم من العرب من ابناء الفرات الاوسط والجنوب الى كركوك مقابل منحهم قطعة أرض سكنية مجاناً مع مبلغ من المال لغرض بناء دار سكنية بقصد توطين تلك المجاميع في المنطقة من غير الكورد والتركمان، وتعددت الأسباب التي مارستها السلطة في حينها. وحين تابعنا الأمر وأكثرنا من السؤال، علمنا أن الأمر لم يكن وليد لفكر الطاغية البائد صدام فحسب ولافي ذهن الحكومة العارفية، بل كان الأمر ناعماً وبطيئاً يجيش في عقل الحاكم المريض بالشوفينية المقيتة، والذي بدا في رسم خارطة العراق وفق الذهنية المتعصبة والحاقدة ممتداً من بواكير الحكم الملكي، ويكاد ان يكون العمل به وفقاً للمد والجزر، فيأخذ الواضح والعلني أحياناً، ويأخذ المبطن والمستور في أحيان أخرى، غير انه أخذ شكله السافر والواضح منذ العام 1963بعد مجيء سلطة البعث الاولى. والمتابع الأمين لما صدرمن قرارات رئاسية وأوامر وتعليمات صدرت من وزارة الداخلية طيلة الحكم المقبور، وجميعها موجودة ضمن أرشيف جريدة الوقائع العراقية ومراسلات وزارة الداخلية مع المحافظات المعنية، سيفجع لهول وكثرة التنقلات الأدارية للمقاطعات والنواحي والقضية من مناطق كركوك الى المحافظات القريبة منها والتي غالبية سكناها من العرب، وسيلمس بحرقة مدى اهتمام السلطة بتغيير هذه الحقيقة وتعمد تخريب الشكل الديموغرافي والتوزيع البشري والكثافة السكانية في هذه المناطق. وكركوك التي تعني الآخاء والشراكة والتوحد العراقي لن تستطيع سلطة صدام أن تلغي حقيقتها التاريخية فقد بناها اللولوبيين والخوريين المنحدرين من الجبال الشمالية نهاية الالف الثالث قبل الميلاد، وقد اكتشفت آثار لهم في مناطق دوكان وهم الذين أطلقوا على مدينة كركوك أسم (نوزي)، وحكم الخوريون بلاد آشور فترة طويلة ويعود الفضل لهم في بناء مدينة (طوزخرماتو) ويقال أن اسمها مشتق من أسمهم (خوري ماتو)، وقد سكنها الكوتيين وهم من أصول الشعب الكوردي، وكانت مدينة (ارابخا) أو مدينة الالهة وهي كركوك الحالية عاصمة لهم. ثم حكم المنطقة الاشوريين والميديين والكلدان والمقدونيين والساسانيين حتى دخلها الاسلام وأمتزجت القوميات المتعددة في المنطقة حيث سكنها العرب وبقية القوميات التي وحدها الدين الأسلامي وفسح لها التأقلم والحياة في المنطقة. غير أن ماسجلته كتب التاريخ القديم أن محبة الكورد للأسلام وأعتقادهم به دفعهم لأحتضان القوميات التي سكنت معهم وأضفت على تلك القوميات الأحترام والتبجيل والحماية. ومما يذكره القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) أن بلاد الكرخيني ودقوقا كان يحكمها أمير من الأكراد، وكانت المنطقة على أتصال بأربيل وشهرزور، وبقيت جميع الكتب تشير الى الترابط العضوي الوثيق بين هذه المناطق الكوردية. ولم تنتقل المركزية الكردية من كركوك الى اربيل الا في العصر العباسي، بالرغم من شهرة وقيمة أربيل، الا أن عصيان الكورد وتمردهم على الدولة العباسية أضطرهم للأنسحاب والتحصن في أربيل بدلاً من عاصمتهم كركوك، وقد ذكر الرحالة ياقوت الحموي أن هذه البلاد (ويقصد كركوك وماحولها) يسكنها الأكراد وأهلها عصاة على السلطات، ولك أن تلمس مدى فداحة الظلم والغبن الذي أمتد يلحق بهذه الأمة ليصير قدرها في عصيان احكام السلطة الجائرة منذ ذلك الزمان !! وفي مقاربة تاريخية نجد ان كركوك وماحولها كانت ضمن الأمارات الكوردية المتعاقبة، وبعيداً عن حقائق التاريخ القديم والتي لامجال للتلاعب أو التحريف فيها، فأن مايعنينا في هذه المادة الموجزة هي الحقيقة القائمة، هذه الحقيقة التي بقيت صامدة تتحدى كل السلطات الشوفينية من وجود كركوك والكورد رغم عاديات الزمن، فلم تتغير كركوك ولاأستطاعت السلطات تشويه حقيقتها ووجهها بالرغم من الأمكانيات الهائلة التي رصدتها السلطة لذلك الأمر، ولم يرضخ الكورد لمشيئة السلطات والحكام المتعصبين. وأذا كان العرب والتركمان والكلدان والاشوريين والأرمن يسكنوا كركوك بالأضافة عنصرها البشري ال÷م من الكورد، فأن هذه الحقيقة يقرها الجميع بل وتنال احترام المؤرخين وكتبة التاريخ. ولكن الانصاف والضمير يقتضي أولاً معالجة حالات الفعل المرفوض في عمليات التغيير التي أجريت قسراً على واقع المدينة، وثانيا دراسة واقع الحال لحالات تغيير القومية التي وقعت ومورست طيلة العهد البائد، وثالثاً معالجة حالة الآيفاد البشري والنقل العشائري لقرى وعشائر عربية من الفرات الاوسط والجنوب لغرض الأستيطان وتغليب العنصر العربي على العنصرين الكوردي والتركماني في المنطقة،ورابعاً دراسة حالات التهجير والأبعاد التي طالت تجمعات وقرى وعشائر كوردية من كركوك، وخامساً دراسة عمليات الأبادة الجماعية (في عمليات الأنفال وغيرها من عمليات أبادة الشعب الكوردي) وعمليات القمع التي طالت تجمعات كوردية بقصد اجبارها على ترك مناطقها، وسادساً دراسة عمليات نقل المقاطعات الأدارية من مناطق كركوك الى مناطق عربية اخرى بقصد أضعاف الكتل البشرية الكوردية والتركمانية في كركوك، وسابعاًالتمعن ملياً في الأراضي والمزارع والمقاطعات التي صادرتها السلطة البائدة من اهلها ومالكيها وأسقطت حقوق التصرف عنها دون سند من القانون أو قرار من القضاء، وأن الضرورات الأمنية التي كانت تتعكز عليها السلطة البائدة وتتخذها ذريعة وسبيل لتشريد العوائل الكوردية عن مناطق كركوك وأسكانهم في مخيمات لاتليق بالبشر وخارج اراضيهم أن لم تقم بتسفيرهم خارج كركوك، تخالف الدستور والقوانين والمنطق والحقوق. لاينكر أن التركمان جزء أساسي من كركوك، وتشير الدراسات أنهم سكنوا كركوك في العام 54 للهجرة (674 ميلادية)، حين جائت أفواج من التركمان لنصرة الخليفة مؤلفة من أربعة الاف مقاتل (المؤرخ التركماني شاكر صابر)، وتوالت عملية ارسال التركمان الى مدينة كركوك، ويذكر أبن عبد ربة في العقد الفريد أن هارون الرشيد أدخل التركمان في جيشه، وأصبحت مهمتهم وواجبهم في حماية الخليفة والدفاع عن الوطن من الهجمات الخارجية، بالنظر لما أشتهروا به من شجاعة وأخلاص، ولم يلبث هؤلاء الأتراك أن تفرقوا بحكم عملهم وظروفهم في مختلف مناطق العراق وأختلطوا بأهلها مع أعتزازهم وأخلاصهم لقوميتهم. غير ان الأحصاءات السكانية التي حدثت في العراق 1934و 1947 و 1957 وماتلاها، اثبتت بما يقطع الشك أن كركوك مدينة تسكنها الغالبية الكوردية، ودون أن يغمط حق بقية القوميات التي تسكنها وتعيش معهم بسلام ومحبة، كما ظهرت أن مناطق أخرى غير مدينة كركوك الأكثرية من سكانها من الكورد. وفي اول عهد الاحتلال والانتداب البريطاني على العراق كانت النية متجهة الى منح الكورد حكومة مستقلة، وهذه الحكومة الكوردية تقع كركوك ضمن مساحتها، وبالنظر لكون كركوك أكثر المناطق الكوردية تأثراً بحركات الشيخ محمود الحفيد وأستجابة ومساندة لهذه الحركات، لذا فعندما وافق المحتل البريطاني على تعيين الشيخ محمود على راس الحكم في السليمانية، حاولوا حصر سلطاته فيها، وتعمد سلخ كركوك عنه، فرفض الشيخ ذلك الأمر، ممادفع البريطانيين الى محاولة أبعاد كركوك عن التبعية الأدارية لكوردستان العراق وفصلها عنه وفق ماتشير اليه الرسائل السرية والدبلوماسية البريطانية، مما دفع بالقوات البريطانية للتمركز في مدينة كركوك التي كثرت فيها الأضطرابات والمشاكل والأحداث والأغتيالات، مما أضطر هذه القوات الى سحب الجيش من السليمانية الى كركوك لتعزيز الأمن فيها. بالأضافة الى قيام القوات البريطانية المحتلة ببوادر العمل لأضعاف الكثافة السكانية الكوردية في كركوك بالسعي لتشغيل أعداد متزايدة من العمال والموظفين من غير الأكراد سعياً وراء التغيير الديموغرافي في منطقة كركوك بالذات، ولم يكن الأمر بمعزل عن رغبة الحكومة العراقية التي كانت ترغب وتنسجم مع هذا الأمر. وشكلت جهود شركات النفط الأحتكارية في العراق في استيطان غير الأكراد ومن العناصر العربية او التركمانية او الآشورية او الأرمنية او الكلدانية وأسكانها في كركوك سبباً مهما الى جانب قيام الحكومة بتوزيع الأراضي الزراعية على العشائر العربية في سهل الحويجة والتجاوز على الأراضي الكوردية في المنطقة الواقعة بين الزاب الصغير والطريق العام بين الحويجة وكركوك، وسكن في تلك المنطقة مايزيد على 25 الف نسمة من العرب حسب أحصاء العام 1957، وأضافت الأحداث التي وقعت في كركوك دوراً أساسياً فيها منذ العام 1924 ليكون الكورد الضحية فيها، مما يدفع بأتجاه مغادرتهم مدينة كركوك وضواحيها والهجرة الى بغداد ومناطق أخرى أكثر أمناً وأستقراراً وضماناً لحياتهم، وبالرغم من كل ماتقدم فقد بقيت نسبة 53 بالمائة من أجمالي السكان في كركوك تعود للكورد، والمتابع لما ورد في الأحصاءات التي تكررت في العراق 34/47/57، يلاحظ تدني في نسبة السكان الكورد، وتراجع المجموع السكاني في منطقة كركوك عموماً أزاء الأسباب التي تم التنسيق وفقها بين شركات النفط الأحتكارية والقوات المحتلة بالأضافة الى التوافق مع الرغبة الدفينة للحكومة الشوفينية من أجل التغيير الديموغرافي في المنطقة لأهمية كركوك النفطية، ودون أن نقلل أهمية ونضال بقية القوميات التي تسكن مدينة كركوك وضواحيها. وبالنظر لمطالبة تركيا بولاية الموصل فقد بقيت (مشكلة الموصل) قائمة حتى بعد هزيمة العثمانيين أمام الحلفاء، وأنسحبت هذه المشكلة على المشكلة الكوردية الكبرى من اجل ايجاد حلول متناسبة مع المصالح البريطانية والدولية على حساب الشعب الكوردي، حين تمت معالجة المشكلة دون حضور الممثل الحقيقي والطرف الأساس لها وهو الشعب الكوردي او من يمثله، ولما كانت تركيا حاضرة سواء في مؤتمر لوزان في العام 1922-1923، أو عند صدور معاهدة سيفر، وبالرغم من حقيقة الأغلبية السكانية لمدينة كركوك ومعرفة الطرفين التركي والأنكليزي بهذه الحقيقة، الا أن الأنكليز ركزوا على ضرورة أندماج كركوك ضمن مناطق العراق في حين ركز الجانب التركي على الجانب القومي للتركمان الساكنين في المنطقة، الا أن اللجان المختصة توصلت الى حقيقة وأستنتاجات مهمة مفادها أن الأغلبية من سكان المدينة من الكورد وأن الكورد يؤلفون العنصر الغالب في جميع الأراضي المتنازع عليها، في حين يتركز العرب على ضفاف دجلة وفي مدينة الموصل، وبقيت حجج وأفتراءات الجانب التركي حول المزاعم الشوفينية التي تخص كركوك وماحولها. وراهنت تركيا في سبيل أقناع المحافل الدولية على ضم الموصل اليها وتأجيج النعرات القومية في نفوس التركمان الموجودين ضمن منطقة كركوك تحت شتى الحجج والمزاعم، وكانت تركيا تلح في طرح أرجاع مدينة الموصل الى الأتراك كحل يفضي الى جميع الحلول، دون أعتبار لحقوق الشعب الكوردي ووجوده الحقيقي في المنطقة، ,ازاء السخط الجماهيري الكوردي المتجسد عبر الأنتفاضة التي قادها سعيد بيران في شباط 1925، دلالة واضحة لرفض المزاعم التركية في الهيمنة على الكورد في أي مكان، وكان لهذه الأنتفاضة أثرها ونتائجها الأيجابية في أيصال الصوت الكوردي الى العالم. وحري بنا أن نتابع ماجرى لكركوك بالذات لنجد أنها وبالرغم من مخططات السلطات واللعبة الدولية التي تم تنفيذها والتي صار عموم الشعب الكوردي ضحيتها، فأن حقيقة من حقائق التاريخ تؤكد كون كركوك تسكنها الأغلبية الكوردية ويتعايش معها بقية القوميات بتآخي ومحبة وسلام، وليس أكثر من كركوك التي قدمت التضحيات في سبيل القضية الكوردية وليس لأكثر من كركوك التي تحملت من التخريب والتغيير بقصد تغيير حقيقتها وتأريخها، وليس أكثر من كركوك ألتصاقاً بقضية شعب كردستان على أمتداد الذاكرى التاريخية. لم يصف الكورد كركوك (عروس كوردستان) دون أساس، فهي وأن كانت التعبير الحقيقي للتعايش القومي والانسجام الديني، وبسبب أكتشاف النفط فيها وأنسجاماً مع المصالح الأستعمارية لوزارة المستعمرات البريطانية لما تم الالتفاف على كركوك وأبقاء قضيتها على هذا الشكل، في حين أتخذتها السلطات الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق قاعدة لأسكات الثورات والأنتفاضات التي تعاقبت والتي كان يؤججها الشعب الكوردي، ويكفي أن نعرف حجم الخراب والدمار الذي لحق بالقرى الكوردية حول منطقة كركوك، وتذكر الحصاءات أن مئات القرى الكوردية العامرة تم تدميرها ومسحها من الوجود وترحيل أهاليها من الكورد ضمن منطقة كركوك. فقد سجل أحصاء عام 1925 نسبة 59 ونصف بالمائة من السكان من القومية الكوردية، في حين سجل التركمان 21 بالمائة وسجل العرب نسبة 19 ونصف بالمائة. مامن شك أن للتركمان الساكنين في كركوك حقوق أساسية وثابتة، وأن التركمان يشكلون القومية الثانية بعد الكورد في هذه المدينة، وأن للتركمان مطالب وحقوق وأمال تطرح نفسها من خلال الأحزاب القومية التركمانية بأعتبارها مرجعيتهم السياسية، وينبغي أن تجد المطالب والحقوق من يحترمها ويقدرها ويتجاوب معها بما يدفع بأتجاه الحياة المنسجمة والمتآخية في العراق، وأن تتم الأستجابة لحقوق التركمان المشروعة وفقاً للدستور ولوائح حقوق الأنسان، دون أن نجعل الغلبة للفكر الشوفيني أو التعصب القومي مهما كان مصدره أو منبعه، ودون أن نجعل حقائق التاريخ العراقي والكوردي مغيبة أيضاً. أن الرضا بالأدارة المشتركة بين الكورد والعرب والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن لايعني قطعاً التنازل عن الحق وأخفاء الحقيقة، وبالتالي فأن القبول بالتآخي في الحياة ضمن المدينة التي طالما أشتهرت بتنآخي القوميات وأنسجامها على مدى الزمن الطويل، لايعني هذا أن السياسة الشوفينية التي نهجتها السلطات بالتعاون مع شركات النفط وقوات الأحتلال كونها السائدة التي أصبحت تحكم التاريخ، ,انما تبقى الحقيقة التي لاتقبل المساومة ولا المهادنة التي لم يغفل التاريخ عنها وهي كردستانية كركوك. وأذ تثار بين الفينة والأخرى بعض الطروحات من بعض الأصوات التي تستفزها الحقيقة وتثيرها حقائق التاريخ حين يتم التحدث عن تاريخ كركوك، وأذ نجد أن هذا الأستفزاز لايمكن قطعا أن يغطي شمس الحقيقة وحقائق التاريخ التي يعرفها المنصفين ويقر بها أصحاب الضمائر الحية من العرب والتركمان والآشوريين والكلدان بالأضافة الى الكورد، وهذه الحقيقة ليس بقصد الأضرار بالأخرين ولابقصد غمط حقوق الأخرين الشرعية أو القانونية أو الدستورية، ولاألغاء كفالة حقوقهم الأنسانية، وأنما لوضع الحق في نصابة بعد ان حاول الطاغية الدكتاتور البائد ان يشوه حقيقته، وبعد أن مضت فترة طويلة عاثت بها جهات متعددة محاولة أرباك حقائق التاريخ وحجبها وطمس معالم الحقيقة وتغييرها، وأشاعة الفوضى في الديموغرافيا العراقية ضمن منطقة كركوك بقصد مسبق وسيء، فلم تفلح ولم تستطع أن يكون لها ماتريد، وبقيت الحقوق واضحة، وماتطرحه القيادات الكوردية لم يكن جديداً ولابدعة يستغرب منها المتابع، ولاأفتراء على حقائق التاريخ والجغرافية، وأنما مجرد ترديد لصوت الحق الذي طالما بقي في ضمير الأمة الكوردية كامناً لايلبث ان يظهر، ومن الحقائق التي يعرفها أهل كركوك نفسها قبل أن يعرفها المختصين بالسياسة والأجتماع في العراق ما أوردته الأحصاءات السكانية القديمة التي تثبت صحة كردستانية كركوك. وأذ يورد قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية بمعالجة قضية كركوك فأنها تقر وفقاً للفقرة (ا) من المادة (58) بأن ظلماً سببه النظام السابق متجسداً بتغيير الوضع السكاني من خلال عمليات الترحيل والنفي ومن خلال الهجرة القسرية خارج المنطقة وتوطين الغرباء وحرمان السكان من العمل ومن خلال تغيير القومية والتلاعب بالحدود الادارية وافردت المادة المذكورة فقرات لمعالجة الوضع الانساني الذي سببته السلطة البائدة، مما أوجب أن تتم المعالجة بأعادة الحال الى ماكان عليه وهو مايتناقض مع ما أراد الطاغية أن يحققه وميتناقض أيضاً مع الطروحات التي تتمسك بالتقادم ومضي الزمن كسبب يتم التعكز عليه في سلب الحق وتغييب الحقيقة، وهو ماسننظر معالجته وأقراره من خلال اللجان المتشكلة والتي ستقر حتماً بعد مراجعتها للاحصاءات والقرارات بكردستانية المدينة مع بقائها عراقية تضم التركمان والكلدان والآشوريين والأرمن مثلما تضم العرب. من ضمن المشاكل المتشعبة والعالقة التي تكبل أعناق العراقيين، والتي سببها الحكم الدكتاتوري والشوفيني البائد في العراق، قضية النزاعات على الملكية، وقضية كركوك. ولذا أولت السلطات المؤقتة أهتماماً كبيراً في هذا المجال، فبادرت التصريح بنيتها تصحيح الأوضاع، كما بادرت الى أصدار قانون تأسيس الهيئة العليا المختصة بحل المنازعات العقارية، وهذا القانون شكل لجان مختصة في كل محافظة للبت في المنازعات العقارية، كما شكل هيئات تمييزية قضائية يسميها مجلس القضاء للنظر في هذه القضايا تمييزاً، في حين تشكلت لجان المحافظات برئاسة قاض يسميه مجلس القضاء، وعضوية كل من مدير التسجيل العقاري في المحافظة او من يمثله، ومدير عقارات الدولة أو من يمثله، ومديردائرة الزراعة أو من يمثله، وخبير في الشؤون الصناعية يختاره رئيس اللجنة. وتنظر اللجان المذكورة في العقارات التي تمت مصادرتها من قبل السلطة البائدة، أضافة للعقار والمنفعة التي أستحدثت للعقار، بالأضافة الى التغييرات التي حدثت في العقارات وتشمل المصادرة للأموال غير المنقولة التي تمت قبل سقوط النظام البائد، بالأضافة الى حالات فسخ العقود الزراعية لأسباب سياسية، وحددت مدة زمنية لاتتجاوز 31/12/2004، حيث لاتقبل الطلبات بعد هذا التاريخ وفقا للقانون، وقد بادرت أخيراً الجمعية الوطنية لتمديد العمل بهذا القانون لمدة سنتين. أن القانون المذكور قام على أساس أن تجد الهيئات القضائية حلولاً جذرية لما تعانيه الناس في سبيل أيجاد وسائل وسبل قانونية وتتفق مع العدالة في أسترداد حقوقها وأملاكها وتسوية أوضاعها. ولذا أشارت المادة 58 من القانون للأسراع بأتخاذ التدابير من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام البائد. أن هذه اللجان بحكم آلية العمل القانوني والتنظيمي، كانت بطيئة العمل، ولم تكن تستوعب الزخم الهائل من مشاكل ونزاعات المواطنين، مع محدودية قدرتها، ومع تحديد السقف الزمني الذي تعمل بموجبه. أمام هذه اللجان مشكلة غاية في التعقيد _ مع الأسف لم تجد التوجه المتناسب مع حجمها في الحلول – وهي مشكلة تغيير الوضع السكاني لبعض المدن العراقية بضمنها عمليات تغيير القومية والترحيل القسري والأبعاد والنفي، ومن خلال تقطيع أوصال المقاطعات والنواحي والأقضية الكردية منها بوجه خاص في كركوك، وتوطين الغرباء بديلاً عن اهل المنطقة، وأساليب أخرى بقصد تغيير الحقيقة السكانية وأرباك الوضع الأجتماعي لقصد تعمل من اجله السلطة البائدة وصولاً الى نتائج تضر ضرراً بليغاً بالأنسان الكردي والتركماني في تلك المناطق. أن مشاكل مثل هذه لايمكن بأي حال من الأحوال أن تتصدى لها لجان تعمل بهذا الشكل أو بهذا الحجم، أو ان يحسمها قانون مثل قانون حل المنازعات على الملكية العقارية. فقد برزت قضية كركوك التي لم تجد أذناً صاغية من المختصين والمسؤولين في أيجاد حلول منصفة وعادلة تحقق الأنسجام وتعيد الحياة الى طبيعتها في هذه المدينة المتآخية. فقد بقي المهجرين والمرحلين قسراً ينتظرون حلولاً انسانية من العراق الجديد، وبقيت هذه العوائل يملأها العجب وهي تقف تحت مطارق المواقف السياسية والتجاذبات البرلمانية والتحالفات الحزبية، وبقيت مئات العوائل تحت سقف الله بأنتظار من يقرر لها قراراً يشعرها بأنسانيتها وكرامتها، أو يعيد لها بعض من أستقرارها، فقد بقيت هذه العوائل تعيش في الخيام في ظل أجواء باردة وأمطار كثيفة أو تحت أشعة الشمس الحارقة في صيف العراق وحالة بائسة مثل تلك تدعو للكثير من الأسى وهي تنتظر الامل الذي لن يأتي، وتحت هاجس القلق وعدم الثقة وعدم الأستقرار. لقد أمر القانون (قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية)، الحكومة ان تتخذ خطوات عديدة بحق المواطنين المشمولين بهذه الحالات من أهمها أن تتم اعادتهم الى منازلهم وممتلكاتهم، وأن تعذر ذلك تعويضهم تعويضاً عادلاً. الحقيقة أن الحكومتين المؤقتتين المتعاقبتين على حكـــم العراق لم تسعيا مطلقاً لتحقيق هذا النص، ربما لمشاغلهما السياسية، أو لمواقف أخرى استجدت بعد سقوط صدام املتها الظروف الأمنية، وحسب نص الفقرة 2 من المادة 58 بشأن الأفراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراضي اخرى، على الحكومة أن تبت في أمرهم بأعتبارهم مشمولين بنص المادة 10 من قانون حل المنازعات الزراعية، لضمان أمكانية أعادة توطينهم، او لضمان امكانية تلقي تعويضات عادلة من الدولة، او امكانية تسليمهم أراضي جديدة من الدولة وقرب مقر أقامتهم السابق، وحث الحكومة أن تجد فرص عمل لهم في تلك المناطق. وصار أمام اللجان المختصة فصلين من المهام المعقدة والشائكة، وهما قضية معالجة حال الناس، ومعالجة الوضع الأداري المخرب للمدن ضمن عملية غاية في البطء والتراخي، مع وضع سياسي وأمني مربك. ومن الطبيعي أن لاتستطيع هذه اللجــان معالجة القضية الثانية بالرغم من اهميتها وحساسيتها، كما ظهر التقصير واضحاً في البند الأول من المشكلة، مما حدا بالجمعية العمومية أن تنيط أمر البت في حل مشاكل لواء كركوك حصراً بلجنة متمثلة بالسيد حميد مجيد موسى وحسنا فعلت الجمعية في أختيار السيد موسى بالنظر لمعرفته السياسية والتاريخية وخبرته في معرفة أدق تفاصيل التخريب السكاني بالأضافة الى كونه سكرتيرا لحزب عراقي وطني مناضل. أما بصدد قضية تغيير القومية، وهي حالة كان النظام الشوفيني يستعملها كسلاح ضد الأكراد والتركمان بغية أجبارهم على التنكر لقوميتهم بأرادتهم، وبموجب طلبات يتقدم بها صاحب العلاقة موقعة منه لتغيير قوميته من الكردية أو التركمانية الى العربية، مما يقتضي الحال أن تخضع تلك الطلبات الى رغبة المواطنين دون قسر أو اكراه ليؤكد الطلب أو يرفضه ليعود الى قوميته الحقيقية. أما بصدد التغييرات الأدارية لحدود المدن بقصد تحقيق أغراض شوفينية، فلم تتم معالجتها ولم يبت فيها بالسرعة المطلوبة. ولجأ القانون الى تأجيل التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها وفقا للفقرة ج من المادة 58 من القانون، ومن ضمنها قضية كركوك، لغاية أستكمال الأجراءات التي أكدها القانون، وبعد أجراء أحصائي عادل وحقيقي وحيادي، بالأضافة الى بعد أقرار الدستور الدائم، وان تكون تلك التسوية متفقة مع مباديء العدالة وحقوق الأنسان ورغبة وأرادة اهالي تلك المدن والمناطق. وأذ يتجاوز الزمن أكثر من سنتين على سقوط الطاغية ونظامه البائد، فأن المعالجة لاتتم وفقا لتمديد المدد القانونية المقررة في القوانين، أن المشكلة تكمن في أن المواطن الكردي المهجر أو المرحل ليس له القدرة على التحمل فقدرة البشر محدودة ولايعقل أن يكون الأنتظار كل هذا الزمن المرير وأن يتقبل قدره وعقوبته دون ذنب، او ماهي الأسباب التي تدفعه للقبول والمضي قدما في حياة بائسة وسط الخيام كان يريدها له الطاغية بهذا الشكل ؟ لم تصدر أية وسائل أو حلول ولو بالحد الأدنى لأنقاذ الناس !! ولم تصدر من السلطات أية بادرة تشير الى ترجمة حقيقة النصوص الخاصة بكركوك، حيث أن الهيئة العليا واللجان المتفرعة عنها في حل المنازعات العقارية غير مختصة في حل الأشكاليات في مدينة كركوك مما يوجب أن يصار الى تفعيل اللجنة الخاصة بكركوك وتعزيزها بالخبراء، ومن ثم الأسراع بأصدار القرار الذي يتناسب مع حقيقة المدينة التي كانت تمثل وتجسد التآخي الوطني والأنساني والأنسجام العراقي، والتي حاول الطاغية بقصد ووفق مخططات أن يخرب هذا الانسجام ويلغي هذا الأنسجام، ويحيلها الى مشاكل واشكاليات، غير أن كل ما جرى لن يغير من الحقيقة، كما لن يلغي الحقائق التاريخية القديمة منها والحديثة التي تؤرخ للمنطقة، وليس كركوك وحدها من تشكو من هذا الجانب، فقد تعرضت مدن أخرى كخانقين وسنجار ومندلي وغيرها الى نفس التخريب من قبل السلطات البعثية الشوفينية البائدة. أن التأجيل والمماطلة والوعود لاتخدم التوجه الديمقراطي والفيدرالي الذي تسعى اليه جميع قطاعات الشعب العراقي، كما أن الزمن الطويل دون ان نتلمس الحلول الناجعة التي تعيد للناس ليس فقط حقوقهم، وانما أعتبارهم وكرامتهم، يدلل على أن المشكلة لم تزل تتفاقم وتستعصي دون ان تجد حلاً ينقذ الناس ويخلق الأمل في تناقص المشاكل وأصلاح الأخطاء والجرائم التي أرتكبها النظام البائد ويتقبل به الجميع دون غبن أو تزييف. أن الحلول الناجحة تكمن في التصدي لكل القرارات والوسائــل والأساليب التي نهجها الطاغية، وان يتم تشخيص القرارات التي اراد بها تخريب حياة الناس، وان الحلول الناجحة تكمن في أن نزيل القيود والخطوط الحمراء التي أحاط بها صدام الناس، وان نصر على أن نعطي للناس حقوقها وللشهداء أن نتعرف على الغاية والهدف التي دفعوا حياتهم ثمناً له. أن قضية الفيدرالية في أقليم كردستان ترتبط جوهريا بقضية كركوك، ولايمكن التغاضي وذر الرماد في الأجواء بغية لجم الأفواه، ومحاولة النسيان بزعم وجود قضايا أمنية أهم من الحقوق. ومن يستعيد قراءة نصوص فقرات المادة 58 من قانون أدارة الدولــة العراقية للمرحلة الأنتقالية، يدرك الفرق الشاسع بين ما قررته النصوص وبين الواقع الذي نعيشه، وعلى عاتق الحكومة المتشكلة والتي حازت على ثقة البرلمان، تجد الحلول المتناسبة مع محنة الناس، ولايعقل أن ينتظر الناس أن تكبر محنتهم وتتسع لتجد لهم الحكومات في المستقبل حلولاً تتناسب مع حياتهم وهم يعيشون في الخيام حياة بائسة، وفي أراضي لاتعود لهم وهم ينظرون بعيون ممتلئة بالدموع الى أراضيهم التي سرقها منهم صدام ومنحها للغير دون وجه حق. وحيث ان نص المادة 53 اعترفت بشكل واضح وصريح بحكومة اقليم كردستان وبصفتها الحكومة الرسمية وبالأراضي التي كانت تدار منها قبل 19 /3/2003 (والواقعة هذه الأراضي في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى)، وابقى القانون حدود المحافظات العراقية دون تبديل خلال المرحلة الأنتقالية، ومنح القانون الحق للمحافظات خارج أقليم كردستان – عدا بغداد وكركوك – أن تشكل أقاليم فيما بينها، وأشترط لذلك أن تتقدم الحكومة بأقتراح آليات هذا التشكيل أولاً، وثانيا أقرار الجمعية الوطنية بعد أن يتم طرح الأمر عليها، وثالثا صدور موافقة ورغبة من اهالي المنطقة بواسطة أستفتاء. مما يوجب أن يتم تفعيل نص المادة 58 من القانون بالشكل الذي ينسجم مع بقية النصوص التي اوردها قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية، وبما ينسجم مع تطلعات العراقيين بكل قومياتهم للصيغ التوافقية والمنسجمة مع آمال الناس في العراق. وحين تستعيد اللجنة المنتخبة قراءة التاريح الحقيقي لمدينة كركوك بعيداً عن الدس والأفتراء الذي حاوله البائد صدام، وحين تستل اللجنة المنتخبة قرارات صدام لترميها في سلال الأزبال، ستجد انها تعيد بهاء المدينة وتاريخها الحقيقي مع الأحصاءات التي تراتبت عليها منذ الأحصاء العام في 1934 و1947 و1957. وستعيد المدينة الجميلة بهائها وتميزها الأنساني في أن يضم حضنها قوميات متعددة دون ان يخدش ذلك تاريخها أو يسيء الى احدى قومياتها المتجانسة والمتعايشة بسلام.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |