العملية السياسية البديلة، حقيقة أم هواجس

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

 

إن صراع الإرادات في علم السياسة يحب أن لا يكون على حساب الوطن وخرابه، لكن في الحالة العراقية، وبالرغم من إن البلد أصلا خربة، يبدو أن مصيره آخر هموم السياسي العراقي، وآخر ما يفكر به أو يعطيه وزنه الحقيقي، المهم هو أن يحقق السياسي مشروعه، وليذهب الوطن إلى الجحيم. بكل أسف، هذا هو مفهوم السياسة في العراق الجديد‍‍‍! التبرير لهذه الحالة من قبل أي طرف من الأطراف المتصارعة وهو أن مصلحة الوطن تكمن بتنفيذ برنامجهم السياسي، أما رجال الدين فلديهم ما هو أكثر من ذلك، وهو أن في البرنامج السياسي مصلحة للوطن ورضا الله سبحانه وتعالى، ولا أحد باستطاعته الاعتراض على هذا الجزء الأخير، لأنهم نصبوا أنفسهم وكلاء لرب العالمين في الأرض، وهم فقط من يمتلك التفويض الإلهي.

لا أعتقد أن الحكومة الانتقالية بغافلة عن مشروع العملية السياسية البديلة التي يعمل عليها كثيرون بدعم عربي قوي وآخر امريكي وبريطاني خجول وخفي في كثير من الأحيان، ودوافع الجميع معروفة، بل معلنة من قبل معظمهم، لكن كل ما تفعله الحكومة هو تمسكها بالاستحقاق الانتخابي الذي يسهل التجاوز عليه بآليات قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وبغيره أيضا، لتجد نفسها فجأة خارج العراق وليس المنطقة الخضراء وحسب، ولكن مع ذلك، هي ماضية بتنفيذ برامج أحزابها المؤتلفة والتي لم تعد خافية على أحد، بهذا يضع السياسيون العراقيون البلد على حد السكين، حيث كلا الطرفين المتصارعين يمتلك من الأدوات ما يكفي لقلب الطاولة على الطرف الآخر، ولا أحسبها ستنقلب على جهة منهم ولكن سيكون ضحاياها من العراقيين وحسب، وربما العراق بكامله سوف لن يكون كما نعرفه الآن، إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال.

لعل التأكيدات التي وردت على لسان الدكتور أياد علاوي بشأن محاولة اغتياله من قبل عناصر القاعدة في بيروت، يمكن أن تعتبر تأكيدا على صحة تحليلاتنا السابقة عن الحالة التي تعيشها الحثالات الزرقاوية المسلحة التي تعمل في العراق، حيث كنا في مقال سابق قد توصلنا من خلال التحليل إلى أن سبب اختطاف وقتل رئيس الهيئة الدبلوماسية المصرية في العراق هو الدور الذي تقوم به مصر ومحاولاتها لاقناع الجماعات الإرهابية في العراق بإلقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية، بالطبع الإسلاميين منهم خارج اللعبة، وذلك لتباعد المسافات بينهم وبين الأطراف الأخرى، مصر وأمريكا والمملكة المتحدة، وكون أمريكا وبريطانيا لا يمكنهم اعطاء دور أي للإسلام السياسي القاعدي في العراق. هكذا نجد أن نجاح هذه التحركات بالتأكيد سوف يعزل جماعة الزرقاوي الإرهابية بعد أن تفقد الحليف الذي يؤيها ويوفر لها الدعم المالي واللوجستي، وهم تحديدا البعثيين من فلول النظام البعثي المقبور، لكن الذي لم نتطرق له هو دور د علاوي بهذه المسألة.

إن الأخير هو مهندس هذه العملية السياسية التي كان قد بدأ بها أيام كان على رأس السلطة المؤقتة في العراق، وأسس لها بشكل جيد على مستوى السلطة، حيث أن العمل عليها جار في الخفاء والعلن بالتنسيق مع العرب من أصدقاء أمريكا الذين يرغبون بعودة البعثيين للسلطة أو المشاركة بها كخطوة أولى، بعدها يتم لهم الوصول للسلطة بالكامل يوم يستتب الأمر وتخرج القوات المتعددة الجنسية من العراق، هذا الهدف من الوضوح بحيث ليس بحاجة لبرهان أو تحليل عميق، فقد اشبع تحليلا ولم يبقى منه شيء خفيا على أحد.

د. علاوي كان ومازال يعمل مع قيادات البعث القديمة التي أحالها صدام على التقاعد خلال فترة تحكمه بالعراق كدكتاتور، حيث أن هذا الأمر لم يعد خافيا على أحد، حتى أن أحدهم كان قد وصف مكتب د علاوي أيام كان على رأس السلطة في العراق، وصفه على أنه قهوة الطرف بالنسبة لهذه القيادات من أمثال نعيم حداد وتايه عبد الكريم وخير الدين حسيب وصلاح عمر العلي التكريتي وآخرون غيرهم، حيث أن بعض عناصر هذه المجموعة تتخذ هذه الأيام من بيروت ولندن مقرات لها وذلك لإدارة عمليات التنسيق بين الفصائل التي تريد اسقاط النظام، أو العملية السياسية الجارية حاليا وإبدالها بعملية سياسية أخرى واضحة الأهداف. ولذر الرماد في العيون العراقية، تخطط هذه الجهات إلى إناطة دور معتبر للتكنوقراط العراقي والأحزاب الليبرالية واليسار في العملية السياسية البديلة وحتى الإسلام السياسي الذي يلعب لعبة مزدوجة، أضف إلى ما تقدم أن العمل جار على قدم وساق من أجل عقد مؤتمر لهذه المجموعات التي تنسق مع بريطانيا وأمريكا كما يعلن حاليا على لسان المسؤولين الأمريكان والبريطانيين. وما نقوم به في هذه المحاولة هو ربط اجزاء الصورة المبعثرة ببعضها البعض، لكي تتضح معالمها بالكامل.

عودا لموضوع القاعدة، الزرقاوي والإسلامين بعد أن تأكدوا تماما من أنهم الخاسر الأكبر من هذه التحركات، وضعوا خطتهم بالضد، فراحوا يضربون في مفاصل هذه العملية، بدء برئيس الهيئة الدبلوماسية المصرية في العراق لكسر الدور المصري المهم، ومن ثم علاوي كونه الرأس المدبر لهذه العملية الياسية البديلة والزعيم المفترض لها، وبالأمس كانت عملية اغتيال اثنين من السنة العرب المساهمين بكتابة الدستور، بعد أن أعتبرهم الزرقاوي والإسلاميين خونة بهذه المشاركة، واختطاف القائم بالأعمال الجزائري في العراق، وقبله بأيام التهديد الصريح من أسامة بن لادن لضرب أمريكا في عقر دارها ما لم تنسحب من العراق خلال شهر من الآن، وتفجيرات لندن التي تمت للمرة الثانية خلال أسبوعين فقط، والعمليات التفجيرية في العراق والتي تعتبر الأكثر قذارة من سابقاتها بعد أن تحللوا من وعود كانوا قد قطعوها على أنفسهم لحلفائهم بأن لا يظهروا كل بشاعتهم في العمليات الانتحارية التي يقومون بها في الوقت الحالي، فإنهم بعمليتي النعيرية والمسيب يبعثون برسائل للآخرين من أن لديهم ما هو أبشع مما يجري الآن من عمليات، وما هذه العمليات إلا نماذج، وذلك من أجل خلق حالة من الهيجان الشعبي ونفاذ الصبر على هذه المجازر للتسريع بالوصول للهدف الأساسي الذي يعمل عليه الزرقاوي وجماعته منذ اليوم الأول لدخوله للعراق، وهو إثارة الفتنة الطائفية، هذه الفتنة بدورها سوف تجهض مساعي الطرفين المتصارعين الأكبر على الساحة العراقية، وهم الحكومة من طرف، ومن طرف آخر، التحالف الذي يسعى للعملية السياسية البديلة التي تحدثنا عنها.

فلو نلاحظ في من خلال ما تقدم إن القاعدة تضرب في مفاصل العملية السياسية البديلة التي تجري في العراق لكون القاعدة سوف تفقد الأرض والسماء في حالة نجاحها، وحتى في حالة فشلها.

مازال في الصورة أجزاء أخرى لم تظهر بوضوح، حيث هناك القيادات البعثية من بقايا النظام السابق، وأغلبهم يرتبطون عشائريا بصدام، والذين يتخذون من سوريا وعمان مقرا لهم ليديروا عمليات الإرهاب في العراق. هذه القيادات، وكما هو واضح لما يرشح من أخبارها الكثير، لكن بالتأكيد لها صلات مع القيادات البعثية المخضرمة أو القديمة، وبهذا لها صلات غير مباشرة مع الدكتور علاوي والقيادات العربية التي تعمل في الظل، وربما لها مثل هذه الصلات المباشرة فيما لو أردنا أن نأخذ الدور السوري بالحسبان، فهي تعمل من داخل سوريا، وهذه الأخيرة تجد بهذه العملية السياسية البديلة مصلحة لها، بل متنفسا عن الضغوط المسلطة عليها في الوقت الحالي.

هناك أيضا الدكاكين البعثية الكثيرة المتسترة وراء واجهات ديمقراطية، وأخرى متسترة وراء الطائفية والدين ولها امتدادات عشائرية كثيرة في المنطقة الغربية التي تعتبر مأوى الإرهابيين جميعا، ويبدو من الصورة، أن هذه القيادات هي التي تقوم بالتنسيق مع الإرهابيين في الداخل، وربما لها أدوار أخرى كالإعلام وما شابه ذلك. من المعروف أن الخلايا البعثية في الداخل معظمها نائمة، أما الناشطة منها، فإنها تعمل تحت واجهات دينية ولكن قيادتها بعثية بثياب رجل الدين، هذه التنظيمات البعثية التي تحمل السلاح وتعمل تحت واجهات اسلامية كجيش محمد وانصار السنة وأنصار الإسلام وجيش علي وأخرى كثيرة، لها مهمات أخرى كتوفير الدعم اللوجستي والمالي والملاذ الآمن لتنظيمات القاعدة بقيادة الزرقاوي، ذلك لأن معظم عناصرهذه الأخيرة من غير العراقيين، عرب في العموم الغالب، وهم من يقوم بالعمليلات الانتحارية سيئة الصيت لهمجيتها وبشاعتها بالنيابة عن البعث لكي لا يتحمل وزر المجازر كعادته.

هكذا نجد أن هذه الشبكة الإرهابية في الداخل والخارج مرتبطة بالقاعدة من ناحية، وبذات الوقت ترتبط بالعملية السياسية البديلة، فهذه العملية إذا تشق صفوف الإرهابيين في العراق، وعلى حساب القاعدة بالذات، لكن في حال لم ينجح أي من الأطراف بتنفيذ برامجه، بلا أدنى شك، سوف يكون الثمن حربا أهلية، الرابح الأكيد منها هو القاعدة، والخاسر الأكبر هو الوطن. على هذا الأساس صارت القاعدة تتحرك هذه الأيام.

بظل هذا الوضع، نتوقع من القاعدة أن تعيد ترتيب أوراقها بالكامل بعد وضوح الصورة من أن البعثيين في طريقهم للانخراط بالعملية السياسية البديلة التي تحدثنا عنها، ولابد أنهم سوف يوفرون لنفسهم ملاذات آمنة جديدة ومصادر تمويل خاصة بهم أكبر من السابق، ولابد في طريقهم للتخلي عن الملاذات الآمنة التي توفرها ارتباطات عشائرية اصبحت هي الأخرى غير مأمونة الجانب. حيث فيما لو نجحت العملية السياسية البديلة، سيكون وضع هذه الجماعات في غاية السوء، وسيكونوا محاصرين تماما. وهذا ما يفسر محاولات هذه الجماعات المستميتة لإجهاض هذه العملية السياسية البديلة، أو المؤامرة إن صح التعبير، فهم ماضون بهذه المهمة، ومن ينتحر لكي يقتل طفلا، سوف ينتحر ألف مرة لكي يقتل من غدر به.

السؤال الأهم، ما هي الأهداف الجديدة المدرجة على قائمة الزرقاوي بناءا على هذا التصور؟

من ناحية أخرى، الأكيد هو أن العملية السياسية البديلة ماضية لأن أمريكا تبحث عن بديل للإسلام السياسي الذي يقود عملية التحول الحالية في العراق، فما هو موقف الحكومة من هذا التحدي؟ وهل ستمضي هي الأخرى بتنفيذ برامجها كما وضعتها سابقا دون الاكتراث لأحد؟

ها هي مسودة الدستور تطرح على البرلمان والرئاسة، وما ذكر من خلال وسائل الإعلام، فإنها تتضمن إلغاء لأهم قانون عراقي نفخر به وهو قانون الأحوال المدنية الذي أصدرته حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم، وإبداله بقانون يعود تاريخه إلى ألف أربعمائة عام مضت، وهذا الأمر يخل بدور القضاء ويترك المسألة لرجال الدين كل حسب دينه ومذهبه، حيث بهذا سيكون نصف القضاء بيد رجال الدين، وكذا لم يحسم موضوع الفدرالية ولا موضوع كركوك ولا هوية العراق ولا فصلا حقيقيا للدين عن الدولة، حيث بهذا سيكون نصف التشريع بيد رجال الدين أيضا، وهذا أول الغيث، فالسحاب الذي تتلبد به مدن الجنوب والوسط العراقي من خلال سطوة المليشيات التي معظمها بولاء إيراني، تنبئ بغيث سوف تفيض به الأرض، بل طوفان يغرق كل شيء، هم في الوقت الحالي يصادرون الحريات الشخصية للفرد العراقي ويعيثون بالأرض فسادا، فما الذي سيفعلونه فيما لو استتب لهم الأمر في أي بقعة من العراق؟

كل هذا والإسلام السياسي الشيعي يعلن أن ليس لديه برامج سوف تغرق العراق بالدماء، وفيه مصلحة للوطن ومرضاة لله على حد زعمهم! أليس هذا مبررا كافيا لأمريكا أن تسعى لعملية سياسية بديلة؟ وهي من يمسك بالخيوط العراقية بالكامل حاليا؟

ولكن مع ذلك مازال الإسلام السياسي الشيعي يعتقد جازما أنه أكثر ذكاء من أمريكا وبريطانيا وهو بهذه السياسة سوف يضع الاثنين أمام الأمر الواقع ويعودا من حيث جاءا بخفي حنين!؟!؟ أي سذاجة هذه؟!

 


 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com