العوامل الدولية والإقليمية وحقوق الشعب الكردي العادلة

بين دروس الأمس وعنجهية اليوم...!!

 

محسن صابط الجيلاوي

Mohsen_khashan@hotmail.com

 

لا يختلف اثنان على ما تعرض له الشعب الكردي من إضطهاد وتمييز على أيدي سائر الأنظمة التي يتعايش معها، وبالتالي دفع الكرد ضريبة كبرى في سعيهم المشروع من أجل الحرية والمساواة والعدالة..واليوم تعود القضية الكردية كما كانت دوما في كل المنعطفات السياسية في حياة شعوب هذه المنطقة إلى الواجهة وخصوصا في العراق...

أحيانا هناك صدف أو ما يسمى بلغة السياسة – الجيوبولتيك- تلعب دورا في تحديد مصائر بعض الشعوب كونها تقع بجوار أو تتداخل مع أمم كبيرة وقوية وهذا شان واضح في موقع الكرد من العرب والترك والفرس، لهذا كانت ولازالت هذه القضية تعكس تجاذب وعلاقات وحالة هذه الشعوب سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، واستُغلت هذه القضية بشكل كبير لتحقيق أغراض سياسية في صراعات هذه الأمم سواء فيما بينها أو في شكل بناء أنظمتها السياسية..لهذا وبحكم كون الشعب الكردي هو الحلقة الضعيفة في صراع المكونات السياسية لهذه الأمم استُعملت- القضية الكردية - دوما كورقة في إضعاف هذا الخصم على حساب الآخر..وللتدليل على ذلك نضرب بعض الأمثلة، فقد كانت الثورة الكردية في العراق تزدهر وتنهار تبعا للعلاقات السياسية بين إيران والعراق، والمثال الأوضح انهيار الثورة الكردية بعد اتفاقية الجزائر الشهيرة، كما كانت تركيا تغض الطرف عن هذا الفصيل أو ذاك تبعا للحالة السياسة مع العراق أو لأهداف تتعلق بخنق أي تحرك تحرري للشعب الكردي هناك، وما القتال الذي دار لسنوات طويلة بين حزب العمال الكردستاني PKK-- والحزب الديمقراطي الكردستاني إلا دليلا ساطعا على ذلك، كما استغلت سوريا النشاط الكردي عبر إيوائها لـ( أوجلان) لسنوات طويلة كورقة تستخدم عند الحاجة في علاقات الجذب والتنافر السياسي مع تركيا، كما أن سوريا دعمت الأحزاب الكردية العراقية في عدائها لبعث العراق...كما استغلت الحكومة العراقية لسنوات طويلة – الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني - حدكا – في صراعها وحربها مع إيران....ولعبت هذه الدول مجتمعة دورا هاما في شكل وطبيعة الصراع الداخلي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني أعوام 1991- 1998 فقد استعان الحزب الديمقراطي بالسلطة العراقية في إعادة السيطرة على أربيل في حين استعان الاتحاد الوطني الكردستاني بإيران في إعادة السيطرة على السليمانية...وحتى في التاريخ المتقدم قليلا عن ذلك نرى ان انهيار ثورات هذا الشعب منذ ثورة الشيخ سعيد مرورا بثورة الشيخ محمود الحفيد كان العامل الخارجي هو الحاسم والفاعل في تحديد مصيرها المليء بالتضحيات الجسام والهادف إلى تحقيق وضع أفضل للشعب الكردي...ولم يختصر التدخل الخارجي على دول المنطقة بل تعداه إلى تلك الدول والكيانات المؤثرة في السياسة الدولية مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا – لهذا وباختصار ممكن القول ان تجزئة هذا الشعب على بلدان عديدة وجدت تفاوتا طبقيا وثقافيا وسياسيا بين أجزاءه تبعا للدولة المنضوي تحتها، فشكل نضال وحياة وطبيعة الأهداف السياسية للكرد في تركيا لا تتماثل مع الأخرى في إيران أو سوريا أو العراق والعكس صحيح تماما، وحتى شكل الحياة الثقافية والروحية مختلف، فهناك مستويات متباعدة تبعا للحالة الاقتصادية والسياسية والحضارية لهذا البلد أو ذاك، لهذا حدثت حروب كردية –كردية عابرة للحدود نيابة عن الأنظمة في أغلب الأحيان..وأستطيع القول جازما ان أفضل حالة توصل لها الأكراد هي في العراق وهذه النتيجة ليست بمعزل عن نضال الشعب الكردي مدعوما بحالة سياسية عراقية ذات أفق أممي كانت دوما داعما ومساندا في ذلك...

 

دروس التعويل على العامل الخارجي:-

 في الدلائل التي ذكرتها أعلاه لا أعتقد أن هناك خلاف على دور العامل الخارجي في تحديد مصير وقضية الشعب الكردي العادلة، كما ان هذا الخطأ الإستراتيجي في التعويل على هذا العامل في كامل المسيرة التحررية للشعب الكردي يقف خلفه عاملان:- الأول هو ان بعض الأنظمة وضعت الشعب الكردي أمام الحائط الأخير ودفعته عنوة نحو علاقات خارجية كان يعرف انها وقتيه، وكون الخاسر الأول والأخير فيها هو الشعب الكردي نفسه، أما العامل الثاني هو وصول قيادات في إطار الحركة التحررية الكردية لها نوازع باستغلال هذه الحركة في تحقيق مكاسب ذاتية من سلطة وجاه ومال فمن يدفع أكثر هو صديقي ومع الزمن زادت عقلية المتاجرة بالثورة على حساب الجماهير وأوضاعها وطموحاتها الواقعية في ظل توازنات دولية وإقليمية معروفة...لهذا كان الخاسر الأكبر والضحية الأولى هو المواطن البسيط الذي كان عماد ونسيج ودم الثورة أما القيادات فدوما لها الأمان ومنافي معدة مسبقا بما لذ وطاب، وهذا ما شاهدناه عند المسيرة المليونية للشعب الكردي بعد حرب الخليج الثانية وقبلها في حملات الأنفال عام 1988...تلك هي باختصار الصورة المأساوية التي عاشها الإنسان الكردي لعقود طويلة، وجاء الآن زمن أن يستريح هذا المواطن من هذه الرحلة الشاقة عبر رسم سياسات واعية وعقلانية تعتمد بالأساس على طاقات الشعب الكردي نفسه وعلى تقوية وتوسيع دائرة حلفاءه بين الشعوب التي يتعايش معها..فبدون هذا الأساس ستستمر دورة الظلم والقهر وذلك المجحف بتحويل قضية الشعب الكردي العادلة إلى متاجرات سياسية تعيد القضية إلى نقطة الصفر كما حدث في كامل تاريخ هذه المسيرة النضالية...!!

اعتقد ان تحقيق هذا الهدف لا يتم إلا عبر قوى سياسية جديدة لها رؤيا جديدة في فهم العالم وفي قدرتها على قراءة الإمكانيات الواقعية للشعب الكردي بعيدا عن الشعارات القومية وبعيدا عن الصفقات السياسية وذلك التعويل الأحادي والوحيد على العامل الخارجي، لقد برهنت الوقائع ان العامل الخارجي عامل متحول دوما أما الثابت هو العامل الداخلي حيث طاقات الشعب وشكل علاقته مع الشعوب المتآخي معها في هذا الوطن أو ذاك...

 

هل تعلمت القوى الكردية من التاريخ..؟

 بعد سقوط الصنم فُُتحت أفاق كبيرة أمام الشعب الكردي، لقد أثبتت الحياة ان جوهر المشكلة الكردية يتعلق بغياب الديمقراطية السياسية في العراق، ومعها غياب المواطنة والمساواة..وأعتقد ان الشعوب الديمقراطية من الهند وسائر بلدان أوربا بكل تلك التعددية في الأديان والمذاهب والقوميات قد حلت كافة مشاكلها عبر نظام ديمقراطي يؤمن بالمساواة والعدالة وتكافوء الفرص...لهذا السبب تحقق للشعب الكردي قبل تحقيق الفدرالية أو غيرها ذلك الحق المشروع في المساهمة في بناء الوطن، فاليوم الرئيس كردي ووزير الخارجية كردي وكثير من مؤسسات الدولة يشغلها أكراد، وهذا المبدأ سيجعل قضية المساواة – المغيبة طويلا - مبدأ في تكوين دولة عراقية جديدة نطمح لها جميعا.. لكن رغم كل هذا الذي تحقق عادت بعض الأحزاب الكردية والتي تحاول ان تسوق نفسها دوما على كونها هي الشعب إلى نفس الخطأ التاريخي وكان دروس الأمس تبخرت جميعا، معولة ولمرة جديدة على المتغير – العامل الخارجي – وعلى ضعف الدولة العراقية، ففي الأول تعتقد هذه القوى انه سيحقق لها ما تريد وهذا خطأ فادح شرحنا نتائجه، والثاني التعويل على استمرار ضعف الدولة العراقية وفرض شروط من منطلق القوة وهذا الوهم سيضعف الاثنان حتما....الضحية كما دوما هو الإنسان الكردي البسيط التواق إلى السلم والهدوء والأمن.فالأحزاب الكردية تزيد يوميا من تلك المطالب وذلك الضغط المتزايد الذي يعيق مؤسسات الدولة العراقية في أداء مهماتها أمام إرهاب منفلت يحصد أرواح العراقيين بالجملة وبشكل مخيف حقا..ومطالبهم تذكرني بمسرحية عادل إمام ( الولد سيد الشغال ) الذي أراد الاستيلاء على احد أعضاء جسم أبيه قبل وفاته...فالوطن يحتضر وفي أزمة حقيقة يحتاج إلى كل يد لمساعدته على النهوض إلى الحياة ثانية، وإلا سيكون موتنا جميعا هو الماثل بلا ريب..لهذا بدأ ذلك التساؤل المروع والخطير عن جدوى هذا الشد على خاصرة الدولة العراقية، حيث الإرهاب والاحتلال، هذا التساؤل بدا ينتشر وسط الكثير من أصدقاء الشعب الكردي، وسط كثير من النخب السياسية والثقافية العراقية وهذا يشكل خطرا حقيقا على قضية الشعب الكردي ويعيدها إلى الدائرة الأولى حيث العامل الخارجي هو الوحيد والأول في مشروع استحقاق الحقوق المشروعة...ان سياسة غير واعية ستؤدي إلى زرع الكراهية من جديد وستلحق أفدح الضرار بمستقبل الشعب الكردي والعراقي عموما..!!

لهذا لدي بعض الأسئلة البريئة إلى النخب المثقفة الكردية، لكي نسمع منهم موقفا واضحا ونقديا – بحكم لاشيء من هذا القبيل - عن قضايا تغلي نار الكراهية سواء في العراق أو ما يجاورها ومنها، هل استقدام الجيش العراقي إلى أربيل هو اقل خطرا من التعامل مع العلم العراقي – طبعا شخصيا مع ضرورة تبديله الآن قبل غد ؟ هل من صالح الشعب الكردي ان يُجبر التركمان في كركوك على الانضواء إلى كوردستان ؟ وهل هناك مشروع لتحويل الأمّة المضطهَدة إلى امّة مضطهِدة، ؟ لو أراد العرب ( الأصليين ) والتركمان والكلد- أشور ولنفترض كونهم جميعا يشكلون أقلية فاعلة وكبيرة أن لا يرتبطوا بفدرالية كوردستان، ما هي وسائل إجبارهم على ذلك ؟ هل وضع خارطة تصل حتى مشارف الكوت ستخدم علاقة مستقبلية مع الشعب العربي في العراق ؟ هل تعتقد القيادات الكردية رغم الجرح العراقي النازف أن العراقي العربي أو التركماني أو الآشوري تناسى أو بلا كرامة وطنية ؟وهل السيطرة على موارد الإقليم هو دوما يراد بها صالح الشعب الكردي ؟ أليس القتال الداخلي الذي جرى وراءه ذلك السعي للسيطرة على الموارد ومنافذ المال لتحقيق أحلام الزعامات بالجاه والغنى ؟وهل استفزاز التركمان بصدد قضية كركوك سيصب في صالح عدم تدخل تركيا ؟ ما الهدف من استفزاز كل دول وشعوب المنطقة سياسيا وعاطفيا ووطنيا؟ هل حرق العلم السوري في ستوكهولم أو غيرها أفاد قضية الشعب الكردي ؟ وهل ان علم سوريا لا يعني شيئا سواء للذي مع النظام أو ضده كرمز لكرامة وطن ؟ما الهدف في إشاعة روح عدم الثقة وتقديم كل ماهو عربي ( عراقي ) على انه سبب في مأساة الشعب الكردي ؟الا تكفي مقابرنا الجماعية على كوننا ضحايا لواقع واحد؟ما الهدف في السعي لشراء ذمم بعض (الكتبة) من عرب العراق ومن مداحي صدام حسين سابقا في المزايدة عليكم بصدد قضاياكم، هل ان مديح رخيص وجلد الذات البريئة وغياب أي نقد في هذه المقالات هو لوجه الله؟ هل تحققت حالة كردية أفضل من العراق بحيث توضع عراقيل أمامها وهي في بداياتها تساهم في إجهاض أي أفاق لتطويرها ؟ ما الهدف وعلى أي سبب يُشحن الإنسان الكردي بكل تلك الشعارات التي لا تولد إلا الكراهية؟ وهل تخدم وجود ومستقبل أمّة محدودة الإمكانيات ومجزئة ؟ أليس الأجدر استخدام تكتيكات عقلانية كما تفعل كل دول العالم في تسيير علاقاتها الدولية ؟ وهل تعتقد القيادات الكردية ان هذا النهج لن يلاقي رفضا من تركيا وإيران وسوريا وسائر الدول العربية سواء أنظمة أو الأخطر كشعوب ؟ وإذا أتحد هؤلاء جميعا ماهي خطة القيادات الكردية لحماية هذا الشعب من( أنفالات) قد تكون تركية أو إيرانية، من يدري...؟ فالعالم متغير وصديقك اليوم، ليس كذلك غدا، فالعالم تحكمه مصالح لذلك نرى دول وأنظمة عملاقة تخضع أو توازن أدائها السياسي تبعا لذلك إلا هذه القيادات الكردية..أنا لا أدعوها للانبطاح فذلك مرفوض ولكن أرى من الضروري الاستفادة من دروس التاريخ ومن تلك الإنجازات الموجودة على الأرض عبر تعزيزها بسياسة بعيدة النظر تأخذ كل الظروف والإمكانيات والمتغيرات القادمة بنظر الاعتبار، سياسة واعية تراعي مستقبل الشعب الكردي...ومن الغباء عدم قراءة تجربة الشعوب الأخرى ومنها الأقرب مكانا وزمانا، تجربة الشعب الفلسطيني، فالشعار القومي في تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر لم تؤدي إلا إلى النهاية المعروفة اليوم حيث لا أرض ولا عودة...!

إن سياسة رعناء ستبعد أصدقاء الشعب الكردي وستجعلهم في وضع صعب لشرح تلك الطبيعة والسياسة الغير واقعية للأحزاب الكردية والتي للأسف الشديد دفع الشعب الكردي ثمنا باهظا لها..إن تلك السياسات لا يراد بها إلا الشحن القومي لتحقيق قبضة هذه الأحزاب واستمرارها كسلطات مفروضة على الشعب بالقوة عبر تهويل مخاطر قادمة من بغداد ثانية، وسأقول لو ان احد هذه الكيانات هُدد في سلطته سيذهب إلى أزلام صدام من أجل ذلك والتاريخ القريب شاهد على ذلك...

  إن تعزيز نظام ديمقراطي في العراقي والمساهمة الفعالة بتحقيق ذلك سينهي بالضرورة أي حرب محتملة في كورستان، لم يشهد التاريخ حرب بين أنظمة ديمقراطية في حالة تحقق كردستان ديمقراطية مستقلة أو لها كيان سياسي فدرالي خاص...مشكلتنا تلك الديمقراطية السياسية المفقودة سواء في كردستان أو العراق برمته وان تحقيقها يعني إنهاء ذلك الاستئثار السياسي المعروف والذي لا يراعي مصالح الناس بل مصالح الطبقة السياسية التي تهمها أولا وأخيرا مغانم اللحظة الآنية وليذهب الحديث عن المستقبل والناس إلى الجحيم، تلك عبثية عاش عليها الشارع السياسي العراقي لعقود طويلة آن الأوان لإنهائها....

 

هل هناك ديمقراطية في كوردستان..؟

 الوطن يحتاج إلى دستور يؤمن الديمقراطية والتعددية والمساواة على كامل تراب هذا الوطن، لقد زرت وعشت في كردستان سواء قبل سقوط النظام أو بعده ولم أجد تلك الديمقراطية التي يتحدث بها بعض الأخوة من المثقفين الأكراد والتي يزايدون بها في وصف الحالة في جنوب الوطن...شخصيا وبكثير من القرائن لا اعتقد بوجود ديمقراطية سياسية هناك، بل تماهي واندماج تام بين الحزب والسلطة، ففي السليمانية هناك سلطة الحزب ( الاتحاد الوطني الكردستاني )، وفي أربيل سلطة الحزب ( الديمقراطي الكردستاني )، هناك سلطة القوي عبر مليشيات وقوى أمن حزبية، وهذا القوة الحاكمة في السليمانية لا يحق له ان تنافس في أربيل والعكس صحيح تماما، أما وجود بعض الأحزاب فهو وجود هامشي لتزيين صورة الحزب ( القائد) في هذه السلطة أو تلك، أحزاب تابعة مصدر تمويلها من الحزبيين الكبيرين والذي هو مصدر تمويل معجون بدماء عشرات الآلاف من الناس الأبرياء فيما يسمى قتال الإخوة للسيطرة على أموال ومركز القرار المنطقة، حتى أن الحزب الواحد- الهامشي أصلا - وزع ولائه حسب مناطق تواجده، ففرع الحزب الشيوعي الكردستاني مثلا والذي بدلا من ان يساهم في رفع الوعي السياسي هناك، نزل إلى هاوية ( كوملة - البعث كورديا ) وبالتالي وزع ولائه إلى مؤيد إلى الإتحاد الوطني في السيلمانية والى آخر مؤيد إلى الحزب الديمقراطي في أربيل يترافق ذلك دفع ورشاوى وشراء ضمير هذه الأحزاب عبر سكوتها عن سياسة القمع وتغييب الآخر أو في مواقفها في فضح تاريخ الاقتتال الداخلي البغيض...لهذا فالديمقراطية الحقيقة تقول بضرورة فصل الحزب عن سلطة الإقليم، لان ذلك هو الحل الوحيد الذي يعيد وحدة حقيقية هناك، كذلك الديمقراطية تستدعي احترام مؤسسات دولة الإقليم والمجتمع المدني، احترام مالية الإقليم وان تذهب إلى مؤسسات مستقرة لا إلى الحزب، كذلك تفعيل القضاء المعطل ومحاربة الفساد المستشري بشكل كبير وتقديم سارقي قوت الشعب من القطط السمان – وهم كثر هناك - إلى المحاكم وعلى ضرورة احترام وجود الأحزاب الجديدة ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة التي تشق طريقها كبديل جديد عن الوضع التقليدي الذي ساد طويلا، ولا تعني الترتيبات المتعلقة بدمج الحكومتين سوى محاصصة من نوع آخر لا تنتمي لشكل قانوني يعبر عن ديمقراطية سياسية حقيقية تقوم على ثوابت يحترمها الجميع...

 اعتقد ان جميع النخب ترفض بشدة ان يكون هذا الحزب الديني أو ذاك سلطة في جنوب الوطن، وهذا يصح على كوردستان تماما، عكس ذلك يبدو الحديث عن وجود ديمقراطية وهما كبيرا...

 إن العصي التي تضع أمام كتابة دستور ينهي هذه الحالة عبر احترام الدولة كشكل ثابت للحكم أما السلطة فهي متغيرة سيعني بالضرورة فض تلك الإشكالية بذلك الدمج القسري كون الحزب هو السلطة والدولة كما هو واضح تماما في كوردستان ولا أعتقد ان الأحزاب الكردية وكذلك بعض الأحزاب الدينية في الجنوب سترضى بهذا الواقع الجديد لأن ذلك يقف بالضد من مصالحها وضد هيمنتها وضد مشروعها كونها حاكمة حتى نهاية الدنيا، لهذا نرى هذه القوى تركض إلى الأمام وتعرقل تقدم أي عملية سياسية فعالة عبر رفع مستوى الشعار القومي كردستانيا أو الشعار الطائفي جنوبا، هناك تناغم جوهره واحد هو الوقوف بالضد من تكوين دولة سداها المواطنة وديمقراطية سياسية تتيح للجميع المساهمة في بناء صرح هذا الوطن، لهذا من الضروري ان لا تقع النخب الكردية فريسة هذا الفهم الخاطئ بتوصيف الحالة كونها شكل ديمقراطي، ما موجود هو امتداد لتماهي الضحية مع الجلاد، فهناك شكل واحد لنظام الحكم سواء في عهد الدكتاتور الكبير أم في واقع تشظيه كما في كوردستان وغيرها من مناطق العراق، فقط الصور التي على الجدران هي التي تغيرت...  نحن ليس على درجة من البلاهة لكي نصدق بديمقراطية لا وجود لها أطلاقا..إنها ديمقراطية الأمر الواقع، والبنادق مخبأة دوما للحفاظ على مصالح هذه( الصوملة)، إن تغيرا حقيقا في الطبقة السياسية العراقية يصح تماما على الطبقة السياسية الكردية حيث اغلب القيادات قديمة أقدم من الدكتاتور المخلوع، قيادات لا تؤمن بالتداول في الحياة الحزبية، ولا بتعددية فكرية، قيادات على أيديها سُفكت دماء غزيرة وغالية، وكل ظواهر الحياة وشكل المتغيرات التي تجري في العالم يقول إن-الأكسباير- الزمني الخاص بها قد انتهت صلاحيته ولا أعتقد ان الشعب الكردي عاق إلى هذا الحد بعدم إنتاج وضخ قيادات جديدة..ان عدم إسقاط خرافة عدم وجود قيادات بديلة هي قضية عاشت عليها الدكتاتورية كنظام وعاشت عليها أحزاب دكتاتورية أيضا..إن أي شكل حضاري جديد في العراق وعلى أي جزء من هذا الوطن سيكون محط إلهام ومثال لنا جميعا...

إن تشديد ورفع مستوى المطالب كلما لاح في الأفق نجاح للعملية السياسية في العراق يعني وضع الإنسان العراقي أمام حائط الإرهاب البغيض عبر تركه وحيدا يواجه ذلك، وإلا ما معنى تقديم الأحزاب الكردية في هذه الظروف العصيبة لمطالب فاجأت الشارع العراقي برمته، وجعلته يتساءل هل ذلك يساعد في وقف تلك المذابح التي يتعرض لها الشعب يوميا ؟هل ذلك يقدم روح صادقة عن الشراكة الحقيقية للوطن..؟ أنا أقول واكرر رأي سابق ان عدم جرأة المجاهرة بالاستقلال من قبل القيادات الكردية لعوامل معروفة، يتطلب من السلطة المركزية تلك الشجاعة بإعلان حالة الانفصال من طرف واحد حفاظا على مصالح العراق الحيوية وتضميد جراحه بشكل سريع وفعال، فلا مواطنة قائمة على الإكراه، كذلك لا مستقبل لوطن فيه أربعة ملايين لا يهمهم استقراره وإعادة بنائه، وهذا الحل سيضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بصدد الحقوق العادلة للشعب الكردي...نريد انتماءا حقيقيا للوطن لا إلى لعب بالكلمات فوعي الناس تجاوز أسمال السياسة...

 إن الإنسان العراقي في جنوب الوطن ينتظر من الشعب الكردي وقفة حقيقة وصادقة بعيدا عن سياسة فرض الأمر الواقع، لقد تعرض هذا الإنسان ولازال يتعرض إلى محنة حقيقة وعندما تضع القيادات الكردية الشعب الكردي بالضد من أخيه العربي سنجد نفسنا أمام شرخ كبير سيصعب ترميمه ثانية..

لقد ناضلت النخب ( العربية وغير العربية ) العراقية طويلا من أجل رسم شراكة ومساواة في هذا الوطن ومن الاستهتار التفريط بذلك من قيادات لا تعي عمق هذه العبثية في السياسة الغير مسؤولية أبدا...! كما أن قراءة كردية صحيحة لأولئك الذين ينبهون الشعب الكردي من منطلق الاخوة والحرص بعيدا عن الدفع السمين على مواقع الخلل هي خير ألف مرة من واقع كتابات ومنظمات تقدم مديحا رخيصا مقابل أموال وسفرات مقطوعة من عرق الإنسان الكردي البسيط...يجب أن تتغير المعادلات فبدون نقد وتدقيق حقيقي بين أصدقاء الشعب الكردي الحقيقيين وأولئك الذين يهرولون يوميا إلى مائدة جديدة والى قضية جديدة ويقدمون أديم أقلامهم رخيصا يعني ضياع تلك الرؤيا التي يحتاجها كل سياسي وكل محب لهذا الشعب سواء كان كرديا أو غيره...!

 أقول ذلك من منطلق الحرص على شعب انتميت إليه سنوات طويلة كان سداها ذلك الجمر المتقد في ليالي الظلم، وتلك القصص والحكايات والمغامرات عن الثلج والموت والشهادة والحب والولادة وغناء طائر القبج، عن الجبال الشاهقة والدروب المحفوفة بالمخاطر، عن شجر ( الأسبندار) حيث الحياة والأمل وذلك الإنسان الأممي البسيط كرغيف خبز..الشاهد على ذلك رفاة أجمل الرفاق هناك حيث لا قبر ولا شاهدة...يكفي أن نقول كنا هناك عربا وكردا ومن كل الطيف العراقي، هاجسنا النضال من أجل أن لا يأتي عار اليوم لما يحدث لهذا الوطن الجميل، فبدون شيء من الحب والعقلانية لا مستقبل لنا جميعا..!!!

 

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com