الخيانة الوطنية..!
هادي فريد
التكريتي
hadifarid@maktob.com
الخيانة مفهوم عام ،
وتشمل حالات كثيرة ومتنوعة ، خاصة وعامة ، وما أقصده وأعنيه
بالخيانة هنا ، خيانة الوطن ، وهي ما تعنيه التواطؤ مع العدو
والغدر بالوطن ، بشكل مطلق ، ولم تكن الخيانة مرهونة دائما
بفرد يتواطأ مع أجنبي لقاء أجر أو منصب، بل هناك حكاما وقادة
لم يكونوا بحاجة للمال أو للجاه يخونون أوطانهم ويقفون ضد
مصالح ومصائر شعوبهم ، ومن يقلب صفحات التأريخ القديم والحديث
يجد أمثلة متعددة ومتنوعة للخيانة الوطنية ، وبغض النظر عن
الدوافع والمبررات التي يسوقها الخائن للدفاع عن هذا التواطؤ ،
فهي خيانة بكل المقاييس ، إلا أن أكثرها خسة وانحطاطا عندما
يتواطأ الحاكم مع أجنبي ، أي أجنبي ، ضد مصالح شعبه ووطنه أو
جزء منهما ، وفي التاريخ العراقي الحديث أطلق الشعب العراقي
والحركة الوطنية العراقية صفة الخيانة على نوري السعيد لأنه
تواطأ ضد المصلحة الوطنية العراقية مع الاستعمار والدولة
البريطانية ، كما نال هذا اللقب عن جدارة ، قيادة وكوادر حزب
البعث العربي الإشتراكي ، وكل قيادات وأشخاص ، القوى القومية
والرجعية ، عندما تواطؤا مع الإنكليز والأمريكان في 8 شباط
الأسود عام 1963 واسقطوا حكومة ثورة 14 تموز ، وما رافق هذا
الانقلاب من استباحة لدماء الشعب العرقي ، كما استحق هذا اللقب
مرات عدة ، صدام حسين ، ولم تكن المرة الأخيرة عندما تواطأ مع
شاه إيران وبمباركة المخابرات الأمريكية ال. C.I.Aعلى إبرام
معاهدة الجزائر في العام 1975 التي كانت نتيجتها تصفية الحركة
القومية الكردية ، بتسليم مواقعها وأسلحتها لحكومة النظام
الفاشي مقابل تعديل الحدود ، باقتطاع جزء من مياه وأراض عراقية
لصالح إيران ، دون إقرار شرعية دستورية لهذا الإجراء ، لتشمل
مناطق مختلفة من أراض حدودية عراقية واقتسام شط العرب ـ
العراقي ـ مع إيران ، هذه الخيانة ما كان لها مبرر ، سوى الحقد
القومي ـ الفاشي على الشعب الكوردي ، وحب الزعامة ، لصدام ،
والظهور بمظهر البطل القومي أمام العنصريين العرب. ونتيجة
لتعالي إدانة ونقد الحركة الوطنية العراقية لإبرام هذه
المعاهدة ، ولأسباب أخرى كثيرة غيرها ، تهاوى التحالف المبرم
بين البعث والحزب الشيوعي العراقي وقوى عراقية أخرى ، ليبدأ
فصل جديد من السياسة العراقية ، حيث يبعد البكر وأزلامه عن
رئاسة الدولة والحكومة ، ليحل محله صدام حسين وأتباعه ، ممزقا
المعاهدة التي أبرمها بنفسه مع شاه إيران ، عند بداية حكم
جمهورية إيران الإسلامية ، موحيا للعالم أن إبرامها كان تحت
ضغوط البكر وطاقم حكمه ، ولم يكن هذا التحول في النهج السياسي
العراقي الجديد ، والذي تمثل بإعلان حرب على إيران ، سوى مرحلة
تواطؤ وخيانة جديدة ولمساومة مجهولة النتائج ، بين صدام ونظام
حكمه الفاشي مع الولايات المتحدة الأمريكية ، للوقوف بوجه
الحكم الإسلامي الجديد وتحجيمه ، إن لم يكن إسقاطه ، مقابل
إطلاق يد صدام ونظامه ، ليكون بديلا عن الشاه فيما أوكلت إليه
من مهام في منطقة الخليج في حالة تحقق الهدف الذي خططت له
الولايات المتحدة الأمريكية ، وبفشل هذا المخطط بعد حرب دامت
ثماني سنوات دمرت البشر والحجر ، ليس لم يحقق صدام ما كان يحلم
به من زعامة على المنطقة ، بل على العكس خرج من الحرب منهكا ،
مثقلا بالديون وتلاحقه تبعاتها ، ومن ضمنها السبب الظاهر
والمعلن لحربه ، إلغاء معاهدة الجزائر .
وخلال زيارة رئيس الوزراء الدكتور الجعفري لإيران طرح الجانب
الإيراني التصديق على معاهدة الشاه ـ صدام في العام 1975 ،
مستغلة إيران الوضع المثالي للحكومة ، حيث تتمتع بأغلبية ساحقة
في البرلمان ، ولربما ـ لاعتقادها ـ أن مثل هذا الظرف لن يتكرر
مرة أخرى ، معتقدة أن البعد الطائفي ـ للحكومة ـ يلعب دورا
إيجابيا في تكرار خيانة جديدة ، يوصم بها هذه المرة د.الجعفري
رئيس الوزراء ، وكتلة الأغلبية التي يمثلها ، وكل حكومته ،
وعلى الرغم من أن د.الجعفري استطاع أن يتملص دبلوماسيا من هذا
المطلب الإيراني ،إلا أن الزيارة لم تحقق كل ما كان يحلم به
رئيس الوزراء والوفد المرافق له ، من مكاسب تعزز موقعه ومواقع
كتلته الانتخابية ، فإيران لم تعترف بما للعراق من طائرات
أودعها صدام حسين عندها عشية حرب الخليج الثانية ، ولم تقدم
مساعدات مادية ، أو أمنية ،جدية وملموسة في مكافحة الإرهاب
والتهريب ، بكل أشكاله المنطلق من الأراضي الإيرانية ..بدورها
إيران لم تحقق كل ما كانت تسعى إليه من هذه الحكومة ، إلا أنها
حققت ما هو أخطر من الاعتراف بمعاهدة الجزائر ، حققت اعترافا
من كتلة الحكم الطائفية ، بتواجد القومية الفارسية رسميا على
الواقع العراقي ..!
مباشرة بعد سقوط النظام الفاشي عام 2003 دخل النظام الإيراني
بكل ثقله لأن يدفع بمئات الآلاف من الإيرانيين للدخول إلى
الأراضي العراقية ، وكان أغلب هؤلاء هم من الأجهزة الأمنية
والمخابراتية ، يحملون معهم ملايين الدولارات لشراء الذمم
والعقارات في مختلف أنحاء العراق ، بدأ من المدن المقدسة وعلى
امتداد المنطقة الجنوبية المحادة لشط العرب ، بحيث أصبحت اللغة
السائدة في هذه المناطق هي اللغة الفارسية ، وبعد الانتخابات
تمت السيطرة المطلقة للطائفية ، العراقية والإيرانية ، على هذه
المدن، وتم اضطهاد وتهجير مواطنين من مناطق سكناهم غير موالين
طائفيا لهذا النهج ، ومن غير المسلمين والقوميات الأخرى ، ليحل
محلهم إيرانيون ، وربما في خطوة لاحقة سيتم منحهم الجنسية
العراقية ، إن لم يكن قد حصلوا عليها فعلا ، وفي هذه المناطق
تحققت قيادات فرضت الشكل الإيراني في الحياة اليومية والعادية
على المواطن العراقي ، وأصبح الموت يهدد كل من لم يرضخ لهذا
التوجه المصحوب بسكوت السلطة عنه ، كما هو ليس بغفلة عن
المرجعية التي تدعم هذا التوجه ، وتم التمهيد لتشكيل إدارات
الحكم وأجهزتها العامة ، الأمنية خاصة ، على أسس طائفية بحتة
وموالية لإيران حصرا ، وبعيدا حتى عن موافقة الحكومة ذات النهج
الطائفي، أو الاعتراف بها وبقوانينها ، ناهيك عن رفض لتنفيذ كل
قرارات الحكومة الغير منسجمة مع توجهات هذه الإدارات ، ويجرى
العمل على المطالبة بتشكيل فدرالية ، أو فدراليات ، على أسس
طائفية بحتة ، بعيدا عن الواقع العراقي المتمسك بهويته الوطنية
، متجاهلين المصلحة القومية وكل القواسم الوطنية العراقية
الأخرى ، ولتثبيت هذا الواقع وفرضه على المجتمع العراقي ، يجري
الالتفاف على النتائج السلبية التي أسفرت عنها زيارة الجعفري
بعدم المصادقة على معاهدة الجزائر ، وبالتزامن مع مجيء رئيس
إيراني متشدد جديد هو ، نجاد أحمدي ، ذو التاريخ الإرهابي \"
المجيد \" والمرتبط تنظيميا بقوات بدر منذ تأسيسها ، والمشرف
ميدانيا عليها منذ تأسيسها في العام 1982 وعلاقته الحميمة
بقائدها هادي العامري ، يجري التحضير لطبخة خيانة \" طائفية \"
يتم تُهيئتها لإدخالها ضمن مواد الدستور الجديد ، تقر وتعترف
بالقومية الفارسية ولغتها ، من ضمن المكونات والتشكيلات
القومية للمجتمع العراقي ، الهدف والغاية منها فصل المناطق
الحدودية العراقية الغنية بالماء والنفط وإلحاقها بإيران ،
وبذلك لا يتم تحقيق الهدف الذي تضمنته اتفاقية الجزائر
الخيانية فقط ، الذي تمثل بتنازل صدام عن بعض المناطق الحدودية
، ومقاسمة شط العرب ، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك بسلخ كل
المناطق الجنوبية العراقية ذات الأغلبية العربية ، والحاقها
مستقبلا بإيران الفارسية ، وبذلك تتحقق كامل الأطماع الإيرانية
عن طريق تواطؤ خياني طائفي ـ عراقي .. إن تنفيذ هذا المخطط
الطائفي ونجاحه ، يعني فيما يعنيه تزكية النهج القومي ـ
العنصري وصحة مواقفه واجراءاته طيلة حكم القوميين العرب بعد
سقوط جمهورية 14 تموز ، ليس من حكام إيران وسياساتهم فقط ، بل
بموقفه ، الشوفيني المدان ، من إجراءات التهجير التي شملت آلاف
المواطنين العراقيين ، وصحة قراراته المتخذة بهذا الشأن على
مدى العهود المتعاقبة للحكم القومي ضد \" طائفية \" بعينها
ونهجها الموصوف بالخيانة والعمالة والتآمر على العراق والحاق
الأذى بشعبه ..! إن أمام كل مكونات قوى الشعب العراقي ، مهمة
إسقاط هذا النهج الخياني وتعريته ، المتمثل بالزحف نحو الدستور
وترسيخ حقوق وهمية غير موجودة لدولة ما انفكت تصدر لنا الإرهاب
والموت بكل أشكاله ..إن لجنة صياغة الدستور وأعضاء الجمعية
الوطنية ، ناهيك عن مجلس الرآسة ومجلس الوزراء ، كلهم يتحملون
المسؤولية الأولى والمباشرة في إقرار بند \" القومية الفارسية
\" في الدستور الجديد ، وسيصم التاريخ بالخيانة العظمى لكل من
يساهم في إقرار هذا البند أو التدليس عليه ..! وعلى القوى
السياسية الوطنية والديموقراطية والقومية والدينية ذات النهج
الوطني ، من الأحزاب وحركات منظمات مجتمع مدني والشخصيات
الوطنية والسياسية مقاومة هذا النهج والتصدي له وفضحه وتعرية
القائمين به وعليه لإسقاطه ، وبعكسه ، تقسيم العراق حاصل
والحرب الأهلية على الأبواب ، والنكوص على الأعقاب واقع ، ولا
ينفع آنئذ نقد لموقف أو اعتراف بالخطأ..!