|
إيديولوجية التطرف الإسلامي: إرهاب بلا حدود!
تعبير "إرهاب بلا حدود" استخدمته ولأول مرة وفي عدد 24 تموز الجاري، جريدة لوموند اليسارية المعروفة، المناوئة على طول الخط لأمريكا، والمعادية بشدة لحرب إسقاط صدام، شأن فرنسا كلها! وجريدة لوموند نفسها فسرت الإرهاب الإسلامي الدولي، ولأول مرة في نظري، التفسير العلمي الواقعي في افتتاحيتها ليوم 9 تموز تعليقا على تفجيرات لندن الأولى. فقد ورد في الافتتاحية أن ليس هناك صراع حضارات بين الإسلام والغرب بل هو "صراع عالمين: عالم قائم على الديمقراطية والحرية وعالم قائم على العنف، والاستبداد، والتعسف." وكنت في تعليقي على الحدث الإجرامي الرهيب في لندن قد تعمدت وضع عنوان المقال هكذا: " الحرب الدولية الثالثة: حرب الإرهاب الإسلامي ضد البشرية والحضارة."[ عدد 7 تموز من إيلاف ] وبينت، كما بين غيري في عشرات المقالات قبل الحدث وبعده، بأن "الحرب ضد الإرهاب لا يمكن أن تتجزأ، وأن أي بلد في أوروبا وخارجها ليس بمنجى عن جرائم البرابرة الوحوش من شبكات الإرهاب الإسلامي" لقد حاول المبررون بشكل أو آخر للعمليات الإرهابية الإسلامية من بين المثقفين ورجال الدين العرب والمسلمين التعكز على هذه الحجة الواهية أو تلك، وكانت الحجة الأكثر رواجا سابقا ورقة فلسطين، ثم تلتها ورقة الشيشان، وثم أفغانستان. واليوم فإن الحجة الأكثر رواجا هي حرب تحرير العراق من النظام الفاشي المنهار. وكما التقت في معارضة الحرب قبل نشوبها كل التناقضات السياسية والإيديولوجية والاجتماعية غربا وشرقا وشمالا وجنوبا، فإنها اليوم تعود للقاء على حجة حرب العراق لتفسير التفجيرات الإسلامية في لندن، ولكل منطلقاته ودوافعه وأهدافه. فمعارضو الحرب في بريطانيا والغرب وبينهم بعض معاهد البحث، يثيرون صخبا بهذا الشأن شأن صخب ممثلي الجاليات المسلمة في الغرب ودعاة الفقه المتطرف من عرب وباكستانيين وغيرهم. ولكن تفجيرات شرم الشيخ جاءت ردا مفحما آخر على هذه المزاعم سواء لبست لباس العلم الحديث أو لباس الفقه الإسلامي والعروبة المتشنجة. وفي مقال هام جدا نشرته الشرق الأوسط في عدد 22 تموز الجاري تحت عنوان " بالوقائع والأرقام .. مخاطر استرضاء الإرهاب"، يرد الكاتب أمير طاهري على تقرير مكتب "تشاتام هاوس البريطانية" الزاعم بأن مشاركة بريطانيا في تحرير العراق ساعد القاعدة على كسب عدد من الشباب المسلم العادي كي يصبحوا قتلة انتحاريين. ويستشهد الكاتب بفرنسا نفسها التي جعلتها سياسة ميتران في استرضاء الإرهابيين البلد الأكثر استهدافا للإرهاب في الثمانينات. فلم يجدها إطلاق سراح 31 إرهابيا كانوا في السجن ولا قيام حكومة ميتران بتهريب الإرهابي وحيد كورجي، زعيم الإرهاب الإيراني في باريس. واستضافت فرنسا كارلوس وأبا نضال وعماد مغنية، واستخدمت فرنسا حق الفيتو ضد خطة أمريكية لعمل مشترك بين مجموعة الدول الصناعية ضد الإرهاب الدولي. وكان ميتران قد برر ذلك للمسؤولين الأمريكان بأنه لابد من "معالجة المظالم" أولا لمواجهة الإرهاب. لكن ماذا حدث؟ هل رد الإرهابيون هذا الجميل الطوباوي ببعض الشكر؟ كلا طبعا. ففي عام 1985 اغتيل جنرال فرنسي كبير في باريس ووقعت تفجيرات بضحايا كثيرة في محلات تجارية في أعياد الميلاد. وجرت محاولة لتفجير برج إيفيل. وفي 1986 وقعت عمليات إرهابية متعددة. وخلال تلك الفترة قتل 93 شخصا وجرح أكثر من 800 شخط في العمليات الإرهابية بفرنسا فضلا عن اغتيال المخابرات الإيرانية ل17 معارضا إيرانيا لاجئين في فرنسا. وكان 53 جندي مظلي فرنسي قد قتلوا في عملية انتحارية ببيروت عام 1983. ولم ترد في المقالة ما سبقت لي الإشارة لها في مقال أخير عن تفجيرات محطات المترو بباريس عام 1995 أي قبل تفجيرات لندن بعشر سنوات. كما أن التفجيرات السابقة في مراكش وجنوب شرقي آسيا ومصر قبل تفجيرات شرم الشيخ الحالية تفند هي الأخرى خرافة أن المشاركة في الحرب هي سبب تفجيرات لندن. تذكروا الموقف الفرنسي الحاد والجبهوي ضد حرب إسقاط صدام. إذن فلماذا اختطاف الصحفيين الفرنسيين؟! قال الموقع باسم الزرقاوي إن السبب هو قانون منع حمل الشارات الدينية في المدارس الفرنسية العامة بل وذهب للتطاول الفج على الرئيس الفرنسي واصفا إياه ب"كلب حراسة الصليبيين." المحكمة الألمانية تطلق سراح سوري متهم بتمويل القاعدة! والسويد رفضت تسليم أو سجن زعماء إرهابيين إسلاميين كرد. ولكن خلية هامبورغ الإرهابية القاعدية هي التي كانت منطلق تفجيرات 11 سبتمبر. وفي عشية أعياد الميلاد عام 2000 [، أي قبل حرب أفغانستان بعام]، جاء إرهابيون جزائريون من الأراضي الألمانية لنسف كاتدرائية وسوق ستراسبورغ الفرنسية ولكن تم إلقاء القبض عليهم وهم اليوم محكوم عليهم في السجون الفرنسية. وكنا في سلسلة مقالاتنا عن "الحرب الأصولية السرية في فرنسا"في شباط ـ فبراير ـ الماضي قد نشرنا العشرات من الوقائع الدامغة للأجهزة الأمنية الفرنسية المختصة كما وردت في كتاب "الإسلاميون هم فعلا بيننا" الصادر في باريس أواخر 2004. ومن تلك المعلومات أن خلايا القاعدة في فرنسا كانت منذ أواخر 1998 تتدرب على أعمال التفجير والقتال. لقد ذهبت الاستعدادات الإرهابية في فرنسا حتى لدخول مدارس الطيران ومدارس الغوص في البحر لنسف السدود والبواخر. وكل ذلك قبل حرب العراق بل وقبل حرب أفغانستان. واتهم البوليس الفرنسي عائلة مغاربية في مدينة فرنسية بتهمة تحضير قنبلة كيميائية يدوية لإلقائها في باريس. وقد اعتقل المتهم الرئيسي الشاب مناد وشركاؤه في باريس وهم الآن في السجون. وجدير بالذكر أن هذا الإرهابي اعترف بأنه كان يحضر محاضرات للداعية الإسلامي طارق رمضان حين كان يدير مركزا إسلاميا في جنيف. كما تبين أن الظواهري نفسه حضر بعض تلك المحاضرات في أوائل التسعينات. ولكن هذا الشخص المطلوب لاجئ اليوم في أمريكا نفسها وقد استضافته السي. أن .أن طويلا مؤخرا للتعليق على تفجيرات لندن!! ومن المقالات المفحمة جدا ردا على حجة حرب العراق مقالان هامان لكل من الأستاذين عبد الرحمن الراشد وأحمد الربعي في الشرق الأوسط عدد 24 الجاري ومقال للدكتور عبد الخالق حسين تعليقا على تفجيرات شرم الشيخ. وهناك مقالات عديدة أخري لا يتسع المجال للإشارة لها. لقد أوضح المفكرون العرب اللامعون، من أمثال العفيف الأخضر وشاكر النابلسي ومأمون فندي وغيرهم بأن منبع الإرهاب الإسلامي هو إيديولوجية التطرف الديني الذي يفرّخ الإرهاب باستمرار. هل شاهدتم على الشاشة تلاميذ الكتاتيب الباكستانية وهم على الأرض وفي أيديهم القرآن يقرؤون ويحفظون عن ظهر قلب بلا فهم لما يقرؤون وهم يهزون الرؤوس آليا. فالذين يفسرون نيابة عن عقولهم هم شيوخهم وكتب فقهاء العصور المنحطة، هم من يقولون للصغار إن غير المسلم كافر يجب الجهاد ضده حتى يكون مسلما وإلا فهو الموت. والفقهاء الكبار والصغار جميعا ومن المذهبين يعتبرون المسيحيين وكافة غير المسلمين "كفارا" بينهم "الكتابي وغير الكتابي". فكيف سينشأ هؤلاء الصغار إلا وهم مشبعون بعقيدة الكراهية والعنف ليتحول العديد منهم فيما بعد إلى إرهابيين بامتياز يتبعون استراتيجية الدم والرعب. ومن هنا تأكيد المفكرين الأحرار على وجوب تطهير التعليم الديني تطهيرا جذريا، وعزل ومعاقبة دعاة فقه الكراهية والدم ومنعهم من تسميم عقول الشباب وفضح الفضائيات التي تبرر الإرهاب وتصبح منابر لزعماء الإرهاب الدموي. إن الإرهاب الإسلامي هو نتيجة لمرض الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة والتكفيرية. أما حروب العراق وأفغانستان وقضية فلسطين ومشاكل الفقر والبطالة فليست منابع للإرهاب بل إن زعماء الإرهاب يستغلونها بمنتهى المكر والمكيافيلية لتسميم العقول وغسلها، وتجنيد الانتحاريين الدمويين لغرض التسلط والحكم وبأمل تأسيس الدولة الدينية الإسلامية الدولية، سنية أو شيعية!! أما الجليات المسلمة في أوروبا فلم نر من ممثليها وزعمائها غير الإدانة اللفظية الباهتة من باب رفع العتاب في كل مرة تقع فيها جريمة إرهابية بشعة. لم نر لا مظاهرة كبرى لهذه الجليات ضد الإرهابيين، ولا إدانة حقيقية دامغة وواضحة بلا تبريرات وذرائع واهية. وما لم تفعل هذا، وما لم تعزل وتفضح عناصر التطرف الإسلامي ودعاتها من أئمة الجوامع الجهلة المشبعين بأفكار القرون المنحطة داخل هذه الجاليات، فإن أصابع الشك ستظل متوجهة لها وتهمة التعاطف مع الإرهابيين، وذلك مهما حاولت الحكومات الغربية تلطيف الحالة والدفاع عن هذه الجاليات وعن الإسلام في مواجهة نشاط ودعايات اليمين العنصري الغربي المتطرف.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |