|
يا وزير الكهرباء، المشكلة لها جوانب اجتماعية أخرى حمزة الجواهري
بالرغم من أن السيد وزير الكهرباء يتمتع بمؤهلات علمية ومهنية عالية جدا، لكن من خلال حديثه ومداخلات المختصين في الكهرباء أجد أن السيد الوزير لم يكن واقعيا بالتعامل مع ملف الكهرباء بالقدر الكافي، وذلك من خلال مقابلتين، واحدة على فضائية الحرة وأخرى على العراقية، في كلاهما، كان السيد الوزير قد ركز على الجوانب الفنية للموضوع تاركا الجوانب الأخرى ولم يعرها الاهتمام الكافي.
الواقع الموضوعي في العراق حيث أن الواقع الموضوعي الذي يعيشه العراق حاليا هو وضع استثنائي بكل المقاييس، وذلك بظل وجود الإرهاب الذي يستهدف أساسا البنى التحتية، بالذات الشبكة الوطنية للكهرباء في العراق، كما أن لهذا الموضوع أسباب أخرى كتداعيات للوضع السياسي في العراق، منها تفشي ظاهرة الفساد الوظيفي بكل أشكاله، وظاهرة تهريب النفط والمشتقات، وتفشي السوق السوداء للمشتقات النفطية، وأتساع نطاق تجهيز الكهرباء للبيوت من قبل مستثمرين محليين في هذا المجال، جميع شبكاتهم تثير الرعب في النفوس، حيث تجد أسلاك الكهرباء لهذه الشبكات الصغيرة جدا متدلية في كل حي من أحياء المدن العراقية وهي تحمل الموت بداخلها، في حين يلعب تحتها أطفال بعمر الزهور. كما فعلت وزارة النفط في سعيها لتوزيع المنتجات النفطية على المواطنين المستحقين بأسعار مدعومة من الدولة، وذلك للتخلص من عمليات التهريب والقضاء على السوق السوداء للمشتقات، يمكن لوزارة الكهرباء أن تتبع نفس الأسلوب بمعالجة هذه المسألة، وهو إيجاد الحل من خلال النظر للمسألة من جميع الجوانب في آن واحد. حيث أن وزارة النفط قد شخصت الحالة بشكل دقيق، وهو أن لها جانب اجتماعي، وآخر سياسي وثالث اقتصادي بالإضافة للجانب الفنية، حيث أن تدهور الأمن وعبث الإرهابيين وتفشي كل تلك الأمراض التي تحدثنا عنها له أثر كبير بشح المنتجات النفطية، لذا وجدت وزارة النفط نفسها مضطرة لإتباع هذا الأسلوب لكي تحل مشكلة توزيع المشتقات وضمان توفرها للمواطن. صحيح إن الشبكة الكهربائية الوطنية تعتبر من أفضل الشبكات في المنطقة بالرغم من محدودية طاقتها وحاجتها لإجراء توسعات لازمة لكي تتماشى مع الحمل الكهربائي المطلوب. لكن المسألة تخرج عن هذا المضمون، حيث أن العراق مناطقيا ليس عراقا واحدا من الناحية الأمنية، فهناك مناطق آمنة وأخرى غير آمنة، وحتى الآمنة فالشبكة الكهربائية فيها غير محصنة من هجمات الإرهابيين، وأن الوصول إليها أمرا غاية بالسهولة، لأنها تقع عادة خارج المدن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، حتى لو كانت الشبكة من السعة بحيث تستطيع أن توفر الطاقة الكهربائية لجميع أجزاء العراق، لكن ضربها سوف يتسبب بتوقف كامل الشبكة أحيانا، وبالتالي حرمان العراقيين من الكهرباء بالرغم من توفره، أقصد هنا في حال افتراض توفر الطاقة الكافية، وهذا أمر مازال بعيد المنال، فقد تحتاج الوزارة إلى عقود لكي تصل إلى هذه النتيجة، بالإضافة إلى حاجتها لأموال طائلة لا قبل للعراق بها في الوقت الحالي. لذا يقتضي فصل المناطق العراقية عن بعضها البعض لكي تبقى المناطق الغير متضررة من الأعمال الإرهابية التي تستهدف الشبكة الوطنية بعيدة عن أضرار ضرب الشبكة في أي مكان من مناطق التوتر. صحيح أن هذا يعني وجود مناطق سوف ترفل بالتيار الكهربائي وتحرم مناطق أخرى، لكن يمكن أن يكون هناك حلول فنية بسيطة ومتاحة، تتمثل بنقاط ربط للمناطق المتجاورة لتوفير الفيض من الطاقة للمناطق المحرومة، يبقى هذا الأمر مؤقت ومرتبط فقط بالمرحلة الحالية. وما يجعل من هذا الأمر ممكنا، هو أن مناطق إنتاج الطاقة الكهربائية موزعة على مختلف مناطق العراق بشكل يسمح بفصلها عن بعضها البعض بشكل مقبول نسبيا، وسلبيات هذا الفصل تبقى أفضل بكثير من توقف شبه كامل للطاقة في جميع أنحاء العراق في حال ضربها في أي مفصل من مفاصلها. هذا النوع من السياسة في توزيع الكهرباء يمكن أن يستمر إلى حين توقف الإرهاب وعودة الأمن حيث، آن ذاك، يمكن تشغيل الشبكة الوطنية وإجراء التوسعات الضرورية عليها. هذا الحل به الكثير من الإيجابيات في ظل الوضع الاستثنائي الحالي، والتي يمكن إيجازها بالآتي:
من الناحية الأمنية · كما أسلفنا، في حال حصول ضرر في الشبكة كنتيجة لعمل إرهابي أو زيادة كبيرة جدا بالاستهلاك، فإن الضرر سوف يبقى محصورا بتلك المنطقة دون أن يكون له اثر على المناطق الأخرى من العراق. · في حال ضرب الشبكة أو الإساءة لها في منطقة ما سيكون على حساب أبناء تلك المنطقة فقط، وهذا ما سيدفع الأهالي للمحافظة على شبكاتها، لأنها سوف تكون هي فقط المتضررة من ذلك العمل التخريبي أو الفساد الإداري، وهكذا سوف يدعم الأهالي إجراءات السلطة لمحاربة الإرهاب والفساد الإداري في مناطقهم.
من الناحية الاقتصادية · بهذه الطريقة يمكن تعزيز إشراك القطاع الخاص الذي كان قد دخل أصلا في هذا المجال من العمل، فهو يولد الطاقة الكهربائية منذ فترة طويلة، وهذا القطاع مستعد لتوظيف رؤوس أموال أكثر في هذا القطاع فيما لو استطاع أن يحقق أرباح. بهذا التوزيع يمكن أن نستفيد من إمكانيات توفر المحطات الصغيرة التي تعمل بالديزل حاليا، لكي ترفد الشبكة المحلية بالطاقة، وذلك بدلا من توزيعها من قبل مالكي تلك المولدات على المستهلكين من خلال شبكات صغيرة لا تعمل على أساس علمي ولا تحترم أي معيار من معايير السلامة العامة أو السلامة الصناعية، وفيها الكثير من الهدر للطاقة، حيث يمكن شراء الكهرباء المنتج من قبل هؤلاء المنتجين المحليين للطاقة لرفد الشبكة للمنطقة أو المدينة بنفس الأسعار الحالية للطاقة في العراق. · بعد نزع الأسلاك العشوائية لتوزيع الطاقة من قبل المنتج الخاص، يمكن للحكومة مراقبة عمليات سرقة الكهرباء بسهولة تامة، أما الآن فإن هذه المهمة تبدو مستحيلة. · يمكن أن نجبر أصحاب المصانع أو الورش الصغيرة والمزارعين على توفير الطاقة لمصالحهم من خلال مولدات خاصة بهم وترك الشبكات المحلية تنتج الكهرباء للمستهلك العادي، حيث أن هذه المصانع تستهلك الجزء الأكبر من الطاقة المنتجة. · سوف يكون أصحاب المشاريع الجديدة مجبرين على إنتاج الطاقة لمشاريعهم، أما إذا استطاعوا أن يوفروا طاقة أكبر، فإن الشبكة المحلية للمحافظة أو المنطقة يمكن أن تشتريها منهم بأسعار مجزية.
إشراك الجميع بتحمل المسؤولية · توجد إمكانيات جيدة لدى الكثير من المحافظات في توليد الطاقة بواسطة محطات الديزل، خصوصا المناطق الغربية من العراق، تضاف هي الأخرى لهذه الشبكات ويمكن أن تبقى عاملة إلى أمد طويل، لأن العراق سوف يبقى دائما بحاجة للمزيد من الطاقة الكهربائية وإلى فترة طويلة من الزمن. · بهذه الطريقة يمكن لأبناء أي محافظة محاسبة المسئولين المنتخبين وإجبارهم على بذل جهود أكبر لتوفير الطاقة بدلا من حصر هذه الجهود بوزارة الكهرباء فقط، لكي لا تبقى الوزارة لوحدها تحلم بعراق كهربائي من الطراز الأول دون إن يتحقق ذلك حتى بعد عمر طويل. الجانب الأخلاقي للموضوع · زيادة أسعار الطاقة قليلا سوف يساهم بترشيد استهلاك الطاقة بشكل كبير من دون اللجوء إلى استجداء الضمائر التي عبث بها النظام المقبور كثيرا، حتى أصبح من الصعب أن تعول عليها الحكومة ممثلة بالسيد وزير الكهرباء، والذي يأمل بصحوة لضمائر العراقيين، كما نلمس ذلك من خلال الإعلانات التلفزيونية حاليا على الفضائيات العربية والعراقية. حتى لو حصل هذا الأمر بالنسبة للكثير من أبناء الشعب، لكن بالمقابل فإن الذي يعبث بالكهرباء حاليا هو الآخر عراقي بلا ضمير، فهو إذا من سوف يستفيد من ترشيد الطاقة فقط من قبل أصحاب الضمائر الحية، وبهذا النوع من التصور سيكون الغبن مضاعف لصاحب الضمير الحي، وربما في نهاية المطاف سيكون ذو أثر سلبي على المنظومة الأخلاقية للمجتمع. قد يكون هذا الإجراء الذي يدعوا له السيد الوزير صحيحا في المملكة المتحدة، أو حتى في العراق قبل أن يعبث النظام المقبور بكل شيء، لكن الحالة التي يعيشها العراق حاليا ليست طارئة، فهي حالة أصبحت أصيلة في المجتمع، لذا على الوزير أن يفكر بشكل عملي كسياسي، وليس كفني عاش في الغرب مدة طويلة من الزمن وتأثر بتفاعل أبناء تلك المجتمعات مع الحكومة المركزية أو المؤسسات الخدمية الخاصة.
جوانب فنية اخرى · من خلال هذا الأسبلوب أيضا يمكن حصر مناطق النقص الكبير بتوفير الطاقة، وهذا بدوره سوف يسهل مسألة إضافة محطات كبيرة سوف تكون جزءا من الشبكة الوطنية في المستقبل، آخذين بنظر الاعتبار التوزيع الاستراتيجي لإنتاج الطاقة على مناطق العراق بشكل كامل. · يمكن البدء بالعمل على أساس من هذا الأسلوب حالا من دون الحاجة لتوفير إمكانيات اكبر للوزارة. لذا نهيب بالسيد وزير الكهرباء أن ينظر للمسألة بمنظار السياسي بالإضافة إلى منظار الرجل الفني، وتوفير هذه الحاجة للإنسان العراقي بأسرع وقت ممكن، فنحن في سباق مع الزمن ولا ينبغي أن نترك وسيلة تساعدنا على الوصول لبر الأمان.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |