|
خطاب موجه إلى رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ جلال طالباني عزيز الحاج
لسيد الرئيس المحترم ويا أخي الحميم: أعبر لكم هنا عن كل تمنياتي لسيادتكم بالنجاح في مهماتكم الصعبة والمعقدة في مفترق الطرق الذي يقف أمامه اليوم عراقنا وشعبنا بمختلف مكوناته القومية والدينية والمذهبية والسياسية. إنني، كما غيري من المثقفين العراقيين الديمقراطيين المستقلين، أتابع بإعجاب أداءكم الموفق لواجبات الرئاسة ولدوركم كأحد أهم الرموز الوطنية والديمقراطية، وممن لعبوا أدوارا مجيدة في تاريخ الحركتين الوطنيتين الكردية والعراقية. لقد سرتني دعوتكم لقادة الكتل البرلمانية لبحث الإشكالات الدستورية. وكنت أتمنى في الوقت نفسه لو أسعفكم الوقت لدعوة اجتماع آخر مع ممثلي المجتمع المدني ولفيف من المثقفين والخبراء العراقيين الديمقراطيين الآخرين لاستشفاف آرائهم في هذا الموضوع الحساس والخطير جدا. ولو تعذر ذلك فأرجو أن يسعفكم الوقت لدراسة المقالات والتعليقات الكثيرة المنشورة في الصحف والمواقع العراقية وموقع إيلاف عن مسودة الدستور حيث فيها آراء واقتراحات سديدة ومفيدة جدا. لقد أدليت كغيري برأيي بكل صراحة ووضوح، ومن منطلق الوطنية، وكمواطن ومثقف عراقي كردي علماني حريص على الوحدة الوطنية ووحدة العراق وعلى تحقيق هدف النظام الديمقراطي الفيدرالي. أخي الكريم: من المؤلم جدا أن حلفاءكم في القائمة الائتلافية قد ابتعدوا عن كل المبادئ والأهداف التي سبق الاتفاق عليها طوال التسعينات وقبل الانتخابات وخرجوا على روح ونصوص قانون الإدارة الذي صاغته لجنة دستورية برئاسة أخينا وصديقنا الدكتور فؤاد معصوم عضو قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني. إن المسودة المقترحة كما نشرت تتخلى عن هدف الديمقراطية لصالح الدولة الدينية المذهبية، وتعتدي على حقوق المرأة بربطها بأحكام الشريعة مما يذكرنا بالقرار 137 السيء الصيت! أما الفيدرالية فقد حولوها لدويلات مذهبية شبه مستقلة، وبذلك نسفوا كل تعهداتهم ووعودهم والتزاماتهم نحو الشعب الكردي وتجاه الاتفاقيات السابقة وتجاه قانون الإدارة الذي هو دستور مؤقت. إن هذه خلافات عميقة وتدل على التشبث بمنطلقات الهيمنة والتسلط والابتعاد عن الروح الديمقراطية وعن الإيمان بالتعددية السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والمذهبية. وها نحن نجد هؤلاء الإخوان يستغلون أغلبيتهم البرلمانية التي تحققت بفضل الفتاوى الدينية لفرض قانون الدوائر الانتخابية المغلقة الذي يؤدي، كما أورد فريق من الباحثين والمثقفين والساسة العراقيين المجتمعين في لندن هذه الأيام، إلى تهميش وإلغاء تمثيل الجماعات الأثنية والدينية والفكرية التي لا تمتلك قاعدة جغرافية محددة ولكنها منتشرة في مختلف أرجاء البلاد. الوضع خطير يا أخانا رئيس الجمهورية: فالإرهاب الصدامي ـ الزرقاوي يواصل نشر الموت والخراب، والنفوذ الإيراني يهيمن على الجنوب وعلى البصرة خاصة لفرض نموذج نظام ولاية الفقيه على الشعب العراقي. وتعرفون كم عاني ويعاني المسيحيون والصابئة المندائيون والنساء والجامعات والكليات والفنون وحتى الأطباء، بل والحلاقون المساكين أيضا، من ابتزاز وتهديد وقمع الميليشيات الدينية وعصابات "المطاوعين" الجدد وفي البصرة خاصة. يا سيادة الرئيس المحترم: هل فرض دستور ديني مرقع ومسخ على الشعب العراقي هو مكافأته على النضال المرير لمجموع القوى الوطنية والجماهير، ومنهم أحزاب الائتلاف نفسها؟! ماذا حصّل شعبنا العراقي من الآمال بسقوط النظام الفاشي والفرحة الكبرى بيوم سقوطه؟؟ الإرهاب حصد ويحصد عشرات الآلاف، ولا كهرباء، ولا ماء ، ولا أمن، والآن تراد إضافة نظام الاستبداد الديني المذهبي! فلماذا إذن كل تلك التضحيات الغالية جدا؟ ولماذا قدم الأمريكان شبابهم للموت على أرض العراق؟ هل لإقامة نظام الكهوف المظلمة الاستبدادي باسم الدين؟ ولماذا زج الدين والمرجعيات الدينية في الصميم من تفاصيل العملية السياسية وشؤون الدولة؟؟ هل يمكن للجبهة الكردستانية ومعها كل القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية القبول بهذا المصير المفجع؟ وهل ينتهي العراق من هيمنة فاشية إلى هيمنة استبدادية جديدة لا يمكن إلا أن تحمل معها القمع الوحشي وربما مقابر جماعية جديدة؟ أقترح يا أخانا وصديقنا العزيز الاستماع إلى آراء النخب الثقافية والفكرية العراقية اللبرالية والعلمانية ومعهم آراء نخبة من خيرة المثقفين العرب المحبين لشعبنا والصادقين وبلا حسابات خاصة، في الدعوة لقيام عراق ديمقراطي فيدرالي مدني علماني. إن الخلافات العميقة التي تنجم عن الوثيقة المسخ لا تحل حسب ما أرى بترقيعات جديدة أو إضافات أو مجرد حذف بنود بل بكتابة مسودة جديدة تماما وبمشاركة خبراء مختصين وممثلي المجتمع المدني ولا سيما من النساء، وممثلي كافة الأحزاب الوطنية. ولو تطلب الأمر في نهاية المطاف التأجيل فليكن تأجيلا لفترة مناسبة تجري خلالها أوسع المشاورات والاستطلاعات والنقاشات. وعلى الإدارة الأمريكية أن تعلم أن إعداد دستور دائم وفي وضع كوضعنا لا يمكن أن يتم كسلق البيض، وعليها أن تدرك بأنه رغم كون التأجيل يمثل نوعا من النكسة الجزئية للعملية السياسية وفقا للجدول الزمني، فإن ذلك يهون إزاء إعداد وثيقة مشوهة وتدعو لقيام نظام إسلامي في العراق. حينذاك فسيكون ذلك كارثة للعراق، ويكون كذلك فشلا ذريعا للسياسة الأمريكية في العراق والمنطقة. وآمل أن يدرك السفير الأمريكي ذلك بدلا من تشديد الضغط لإنجاز الوثيقة في موعدها ولو جاءت نقيضا لمصالح العراقيين وتطلعاتهم، وضربة لمشروع الديمقراطية على النطاق العربي كله. وتفضلوا بقبول احترامي وكل اعتزازي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |