فارسية الكرد الفيلية؟؟

زهير كاظم عبود

zouher_abbod@hotmail.com

 

ليس ثمة شك أن الهدف الذي يريد النيل من الكرد الفيلية مهما كانت اشكاله وأطرافه له أسبابه ومبرراته الخاصة ، فليس دون قصد أن تعيد النغمة التي روجها صدام نفسها بحق الشريحة العراقية الأصيلة والمناضلة من أبناء العراق من الكرد الفيلية ، وليس أعتباطاً أن تعيد بعض الأصوات التي أحتلت مناصبها وجلست على كراسيها التي تحققت بفضل تضحيات ودماء أبناء الكرد الفيلية نفس الطروحات الشوفينية التي تغمط حقيقة الكرد الفيلية وتسيء اليهم دون ان تعي انها تسيء الى العراق ، بل وتزيد اوجاعهم وهم منشغلين بالبحث عن جثث احبتهم التي غيبها نظام صدام ، وهم منشغلين بأن يجدوا لهم موقعاً ضمن هذا السباق العجيب والغريب الذي يتناساهم عمداً ، وهم أحق من غيرهم بهذه المراكز والمناصب .

وأذ نستعيد التضحيات الجسام التي تحملها الكرد الفيلية وهم ينازلون السلطات الشوفينية التي انشغلت بمحاربتهم مستغلة أخس الأساليب دون أن يكلوا أو يملوا من مطالبتهم بعراق ديمقراطي وفيدرالي يتسع للجميع ، حيث سجل لهم التاريخ الحديث مناطحتهم للسلطات الطائفية المريرة التي تعاقبت ، وتحملهم العذابات والنتائج القاسية جراء تلك المواقف الوطنية .

الكرد الفيلية من اهل العراق القدامى الذين وطدوا أقدامهم منذ دولة عيلام حيث كانت ميسان عاصمة لعشيرة اللر الفيلية ، ومنذ زمن الملك العيلامي ( بيلي ) ، مع اصولهم الكردية الخالصة والثابتة التي كتبت تاريخها بشرف وبزهو واضح في تاريخ العراق وكردستانه .

وأذ يتم أستهداف الكرد الفيلية للأسباب الثلاث التي أتفقت كل قوى اليمين والسلطات القمعية التي تعاقبت على حكم العراق عليها ، وهي ولائهم لقوميتهم ومذهبهم الديني وانتمائهم الطبقي ووقوفهم مع القوى التقدمية المتطلعة للغد الأفضل .

 كان الكرد الفيلية على الدوام السباقين في التضحيات ، ومن يقرأ تاريخ الأحزاب العراقية المناضلة ، يجد أن اسماء الشهداء من الكرد الفيلية يجللها ويزيدها بهاءاً وفخراً ، ومن يقرأ تاريخ العراق الحديث يستطيع أن يقرأ ملحمة ( عكد الأكراد ) ، والبطولات التي سطرتها النساء والرجال في الدفاع عن الجمهورية والأتجاه المعتدل الذي كان يخطه الشهيد عبد الكريم قاسم ومايشكله من رمزية ومحبة الفقراء له ، ومن يقرأ تاريخ الحزب الشيوعي العراقي الحافل بالعطاء والنضال والجهاد في سبيل الشعب السعيد والوطن المتحرر ، يجد حضور الكرد الفيلية ، ومن يفتش بين صخور كردستان العراق يجد أسماء البيش مركة الأبطال من الكرد الفيلية الذين رسموا بدمهم مستقبل شعبهم وأمتهم وحلمهم الكردستاني الجميل فوق جبال كردستان العراق العصية وهم يلتحمون مع اخوتهم الكرد في الدفاع عن حقهم الأنساني المشروع ، ومن يقـــرأ الظلم والغبن الذي تعرض له الشيعة ومحبي آل البيت ( عليهم السلام ) في الفترة الماضية والحالية ، يجد أن الكرد الفيلية يتقدمون كل هذه المظالم بالعطاء الأنساني الذي لايمكن نكرانه أو تجاهله .

والكرد الفيلية الذين وهبوا أعمارهم للعراق لم يتقدموا الصفوف ، انما كان عطائهم صمتاً وتواضعاً ، ومن يسأل عن السبب يزداد احتراماً ومحبة لهذه الشريحة التي تعطي ولاتأخذ ، فلم تلتفت الى حجم التضحيات التي قدمتها ، ولم تحسب الخسارة الكبيرة في فقدان اموالها وبنائها ، بل ولم تكترث للتجاهل الصارخ الذي وقع عليها من الأطراف السياسية ، وحين تجد بعض الأصوات الفرصة مواتية لنهش الكرد الفيلية فأنها تستغل الزمن التافه الذي يجعل الكرد الفيلية يتلقون الأتهامات وهم انزه منها وباطلة بطلانا كبيراً بحقهم ، ويتلقون التنكيل من أخوة لهم يفترض بهم الدفاع عنهم ولو بالكلمة الطيبة ، لكنهم استغلوها فرصة لطعنهم والأساءة اليهم ، والكرد الفيلية الذين لم يبحثوا لهم عن مكان ماكانوا يزاحموا العمائم والرؤوس رغم أن من بين أبنائهم من هو أحق وأكثر جدارة لهذه المراكز والمناصب ، لكن حرصهم على العراق الجديد ، وحرصهم على نماء الحلم الديمقراطي والفيدرالي ماجعلهم يجاهدون في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق .

ولاعجب في هذا الزمن السافل حين يتم تعريب الأيزيدية ، وحين يراد جر الشبك الذين شبعوا من الظلم والتهميش الى جهة معينة ، وحين يتم تفريس الكرد الفيلية ، فلايمكن ان يكون القصد نظيفاً وخالياً من السوء ، مع أن الفرس لهم قوميتهم وجذورهم الأنسانية ، ولكن خلط الأوراق بهذا الشكل يراد به الأساءة البالغة للكرد الفيلية وهم من تراب هذه الارض ، وكما يراد احتوائهم تحت عباءة من يريد تفريسهم وربما تهنيدهم وتغريبهم ، وربما اعتبارهم من الأقوام التي ليس لها تاريخ ، فقد مارسها صدام من قبل بحقهم ، وحين صارت ( كربلاء الثانية ) بحقهم في العراق مرة أخرى ، لزم العالم الصمت المطبق ، ولم تتحرك المنظمات الأنسانية والدولية ، ولم تستحي منظمات حقوق الأنسان في ان تطلق صرختها للدفاع عنهم ، او لأيصال صوتهم ، او على الأقل معاملتهم وفق القوانين الدولية ، وكل هذا جرى تحت انظار ومسمع العالم ، وكل هذا جرى بعلم الدول الكبرى وأقمارها الأصطناعية ، بل لم يجر لفت نظر الحاكم الطاغية الى ترويع الكرد الفيلية وتشتيت تجمعاتهم وتجريدهم من كل الوثائق التبوتية ، حتى يصار الى أعتبارهم عديمو الجنسية ، وهو وضع انساني لاتقره المواثيق الدولية ولاألاعراف ، ولكنه صار عليهم دون ضجة أو اعتراض ، وكل هذا والزمن المرير يمر عليهم ولم تزل الامها ت تنتظر أولادهن رغم قساوة الايام ومرارتها ، ولم تزل الأخوات يحلمن برؤية أخوتهن ، ودون أن يعرفن أن الأرض العراقية أحتوتهم والتجارب الكيماوية أذابتهم ، والرمال الساخنة دفنتهم ، ودون أن يعرفن أن الألغام مزقت أجسادهم ، ودون ان يعرفن أن الغربة اكلت ارواحهم ، ودون ان يدرين أن هناك وفي هذه الايام لم يزل من يريد ان يزيد الجراح ويجعل من قرارات السلطة السافلة أعرافاً يصدقها وحده لقصور في العقل .

لم يزل حتى اللحظة من يريــــد تهميش الكرد الفيلية مع أن عطائهم العراقي ودماء الشهداء ( يقيناً أن المسؤولين اليوم في العراق لايعرفون أسماء وأعداد شهداء الكرد الفيلية ) ، ويريد ان يجعلهم رقماً سهلاً يتم تغييبه ضمن لعبة الدوائر الأنتخابية المتعددة التي لاتدعمها الأحصاءات الرسمية ولاالظروف الموضوعية والذاتية التي يمر بها العراق ، والتي لاتقصد سوى تهميش صوت الكرد الفيلية أكثر من غيرهم ، بأعتبارهم متوزعين ضمن المدن العربية في العراق .

ومن الغريب ان يتم الطرح هذه المرة من مراكز سياسية تتشارك مع الكرد الفيلية في الألتزام بالمذهب ، ومن الأغرب أن يتم التأكيد على هذا الأتهام في هذه الفترة بالذات ، ويتم استغلال التشرذم الحاصل في نفوس الكرد الفيلية ، فهم وحدهم مشتتين الانتماء دون ان يتم استعيابهم من قبل أحزابهم القومية ، وهم وحدهم من تم سلب حقوقه واستحقاقاته دون ان يعترض او يصرخ ، وهم وحدهم يتم تقسيمهم وقصقصة اجنحتهم وتشوية تاريخهم ، وأذ يشتركون مع اخوتهم الأيزيدية والشبك في توزيع الظلم ، فأن كمية الظلم الملقاة فوق اكتاف الكرد الفيلية ، واستمرار الظلم ليس فقط في الزمن العارفي والبعثي والصدامي ، وانما أمتد ليستمر في الزمن الديمقراطي الجديد ، فلم يتم الالتفات الى شهدائهم ولاتم تكريم عوائلهم ، ولاتم الالتفات الى مفقودييهم ، ولاشرع البرلمان قرارات وقوانين تتناسب مع حجم فجيعتهم ومصيبتهم ، ولافكرت الحكومة في مداواة جراح الأمهات والثكالى والشيوخ منهم ، ولاأعادت لهم حقوقهم وأملاكهم المنقولة وغير المنقولة المسلوبة ، ولاعرفت لهم الدوائر الأمنية اماكن قبور أولادهم ، ولامسح المسؤولين في الأحزاب الحاكمة دموع اطفالهم .

فهم من الفرس المجوس الذين ينبغي أن ندرج تلك التهمة في هويات الأحوال المدنية ، فأي مصيبة أبتلي بها العراق وهو يسلم زمام قيادته الى من يفتقد لمعرفة أصول التاريخ العراقي ، ويبقى الكرد الفيلية بين حيرة التجاذبات السياسية التي تراكم عليهم الضرر والظلم ، وبين الظلم الذي جعله صدام أطناناً متميزة من العذابات الأنسانية الصامتة .

وهاهم يلوذون بشعب العراق مرة اخرى مستعدين أن يتقدموا الصفوف دائما وكما عهدناهم للعطاء الوطني ، رغم مصائبهم ، فقد اكلت منهم السجون العراقية ، وامتلأت دوائر الأمن بأضابيرهم ، وأحتضنت الأرض العراقية المئات بل عشرات الالاف من رفات اجسادهم الطاهرة ، ونقشوا اسماؤهم بأظافرهم على زنزانات المخابرات ودوائر التسفير في الجنسية العامة ، وهاهم جزاريهم يتجولون في شوارع بغداد دون خوف او مسائلة ، وهاهم من قام بتخريب حياتهم وسرق احلامهم وأموالهم يتبوءون المراكز ويتقلدون المناصب ، وهاهم ينسلون من الأتهامات التي وقعت على رأس المتهم الأول فيها صدام .

فقد كان صدام يتبادل الكراهية المرة مع الكرد الفيلية ، فلا تتبادلوا الكراهية معهم ، ودعوهم بوجعهم ومصيبتهم ، ولاتزيدوا حزنهم ، فمن العار أن يكون التشوية وسيلة للوصول الى غاية .

دعوا فارسية الفرس للفرس ودعوا الأكراد الفيلية نتفاخر بأصالتهم الكردستانية وأنتمائهم للعراق .

 

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com