|
اثناء القراء الاولى لمسودة الدستور العراقي الجديد،يفيض شعور القارئ، بان العراق اخيرا سيكون له دستور دائم، يحتكم اليه قادة وحكومة وشعب العراق . دستور يحقق العدالة الاجتماعية ويحمي المواطن من كل التجاوزات الامنية والاجتماعية والسياسية ويصون الوطن من كل اشكال الانتهاك والهيمنة. لكن مع تصفح فقرات مسودة الدستور يصاب القارئ بالغثيان والاحباط لما تحوي تلك الفقرات من مفخخات تكاد تكون ليست اقل خطرا من مفخخات الارهابين في العراق. إذ تشم من فقرات المسودة روائح لقنابل ستنفجر مابعد او قبيل الانتخابات وقد تعصف بالعراق الموحد الى بلد متعدد النعرات ومتعدد الاقاليم ومتعدد اللغات ومتعدد القوميات ومتعدد الأحقاد. نحن كنا متفائلون بالدستور القادم ، الذي سيثبت حقوق الوطن والمواطن، وسيوحد كل العراقيين وتصان حدود العراق وخيراته وموارده واثاره وثروته. لكن فقرات مسودة الدستور أضهرت للعلن كثيراً من الافكار التي توضح ان الأحزاب الفائزة والاحزاب التي انظمت الى لجنة صياغة الدستور، بدئت تضهر اهدافها الحقيقية، رغم اننا لم نسمع بالمناقشات السرية فيما بينهم، والتي قد تحمل بين طياتها الكثير من الاراء ووجهات النظر الخطيرة مما قد تصدم المواطن العراقي الذي منحهم صوته، لكنهم لم ولن يجرءوا على اعلانها. فالقليل من تلك المعلومات التي سُربت الى الاعلام، والتي اُعدت بعناية فائقة وبُطنت بعبارات عامة، مفخخة، توضح ان كل تلك الكتل والاحزاب تلهث وراء مصالحها الخاصة والكل يحاول ان يصوغ الدستور بما يتناسب مع طموحات هذا الحزب وتلك القومية او الطائفة، تاركين حقوق الوطن والمواطن، عرضة للنهب والسلب والانتهاك والتصفية والقتل والابتزاز. ان كان سقوط الصنم قد اسقط الثوابت الشمولية، لكنه لم يسقط المفاهيم الوطنية ونكران الذات وتحقيق طموح المواطنين، تلك الشعارات التي ينشدها قادة الوطن الجُدد. عذرا من اعضاء لجنة صياغة الدستور سلفا، لكني لم اتصور ان فريقا من ساسة ومفكرين وحقوقين مكون من 71 مواطن ومواطنة عراقية ينجزون مسودة من الدستور العراقي بهذا الشكل البائس. فالحقيقة اني صُدمت بهذه المسودة العظيمة التي لا اعرف من ابتدء النقاش معها ولم اتوقع ان يُسرب الى الأعلام والصحافة مسودة دستور تفتقد للكثير من المفاهيم الوطنية الاساسية. انا شخصيا حذرت، في مقالة عشية تشكيل لجنة صياغة الدستور، من سطوة الأحزاب الفائزة على افكار الدستور والتي ستحاول ان تسجن فقرات ومواد الدستور بين قضبان افكارها القومية والاثنية والطائفية الضيقة. هناك استفسار قد يثير العجب!!! هو لم تطرح مثل هذه المسودة الركيكة في صياغتها ومحتواها الان تحديدا والمناقشات لازالت حامية الوطيس بين كتلة الائتلاف والتحالف الكردستاني واحزاب السنة. فهم لحد كتابة هذه المقالة لم يتفقو على فك لغم المفخخات الاربعة المهمة في الدستور الا وهي: مركزية ثروة العراق وفصل الدين عن الدولة والفيدرالية وقضية كركوك. و ما مغزى اعلان مثل هذه المسودة قبل ان تُحسم الامور العالقة، لكن على ما اعتقد، واتمنى ان اكون خاطئا في ظني هذه المرة، هو انهم يبغون ان يجسوا نبض المواطن العراقي بمفردات المسودة الخطيرة لكي لا يصطدم بها مرة واحدة، وانما تلقيمه لتلك المفردات على مراحل وبمعالق وطنية وقومية، متجنبين مبدء الصدمة المباشرة وعاملين بمبدء الموت البطي الذي ينطق عليهم المثل الشعبي القائل * الميت يقبل بالسخونة* فالمواطن العراقي يعيش بحالة يرثى لها وهو غير معني بصراع الاحزاب تلك الحزاب فيما بينها لكنه معني بمن من هؤلاء سيؤمن له الأمن والأستقرا ر ومتطلبات الحياة اليومية والاهم من هذا كله، هو انهاء مشهد اليومي المقرف علة التصبح به واجباره على التحمم والاغتسال بدماء اخوته واطفاله واهله وابناء شعبه يوميا وتعليمه على المرور من فوق جثثهم . هذا المشهد الذي يظهر سيل دماء العراقيين في كل شارع من شوارع العراق. هذا المشهد الذي سينفر المواطن من امام بائعي ومرددي الشعارات وعشاق الجمل الوطنية. تعال معي عزيزي القارئ وناقش الباب الاول من المسودة الدستور العراقي. المادة الاولى الاسم المقترح: الجمهورية العراقية ( الاسلامية المتحدة) انا استفسر من الاخوة الذين يرغبون في اضافة اسم الاسلامية الى اسم الجمهورية العراقية. هل هو نتيجة فوزهم في الانتخابات؟ ام نتيجة ان الاسلام يشكل الغالبية العظمى من ابناء شعبه؟ ام استنساخ تجربة دولة الجوار؟ ان كان السبب الاول، هو الدافع لادخال الاسلام في الاسم، فهم يغفلون حقيقة مهمة، هي، ان الاسلام السياسي المتمثل بأحزاب الاتلاف، لم يفز في الانتخابات عمليا، وانما الذي فاز في الانتخابات، هو الاسلام الشعبي الجماهيري الذي يكن الولاء المطلق للسيد اية الله علي السيستاني، نتيجة مباركته لقائمة الائتلاف، والتي رجحت كفتهم، فاستغلوا تلك المباركة وثبتوا صوره في حملاتهم الانتخابية مما ساعدهم في حصد الاصوات العفوية المؤمنة باهمية الفتوى. وقد احس السيد علي السيستاني بعد ذلك بخطر تلك المباركة وحاول ان يقلل من اهميتها لكن الوقت كان قد فات والائتلاف قد هلهل للنجاح الباهر. علما ان المباركة لم تر النور ولم توثق لغاية يومنا هذا. لكن هذا هو الاسلوب الناجع بين المرجعية واحزاب الاسلام السياسي. إذ يشد كل طرف الخيط لجهته حسب الزمان والحدث. فالائتلاف عمل بالمباركة واعتبرها فتوى ملزمة لكل شيعة العراق على تنفيذها عشية الأنتخابات، ولاذت المرجعية بالصمت، لكنها عادت وقللت من اهمية المباركة بعد الانتخابات. وان كان السبب الثاني هو الدافع لادخال الأسلام في الاسم. فانا اتسأل هنا... كم دولة عربية واسلامية يشكل المسلمون اغلبية مواطنيها؟ فهناك عشرات الدول لكنهم لم يثبتوا الاسلام في اسماء دولهم واولهم المملكة العربية السعودية مولد الاسلام والرسالة النبوية. اذن لم هذا الافتعال الغير المبرر!! ام انهم لابد وان يحذوا حذوة دولة الجوار التي تحاول ان تنسخ لنا كل تجربة دولة ولاية الفقيه بكل شموليتها. الم تكن هذه هي التبعية بعين ذاتها؟ ام ان فقط الأخرون هم عملاء للدول الاجنبية؟ ان من يسعى لان يمثل مسلمي العراق عليه ان يحقق ادنى استحقاقاتهم ومطاليبهم الاساسية الحياتية والأجتماعية وبالتالي سيستحق ان يعبر عن اصواتهم، لا ان يخطف اصواتهم ليحقق اهداف ذاتية، هي بعيدة كل البعد عن طموحات المواطن العراقي. انا اقترح لمن هم مدافعي عن حقوق الوطن المواطن ان يكون اسم العراق القادم هو * جمهورية الأقاليم العراقية الاسلامية المتحدة* و يكونوا بذلك قد اقتسموا العراق الى اقاليم وامارات والتي ستمزق وحدة الوطن وابعدوا الاخوة بين العراقيين من الشيعة والسنة والكرد والتركمان والاشورين والمسيحيين والصابئة واشبك والايزيدين وعندئذ لهم الحق بان يتفاخروا بانجازهم الوطني الذي نفذ كل استحقاقاتهم ووعودهم الانتخابية. ثقبلوا مني مقترحات جديدة في عالم مسودة الدستور العراقي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |