مقال الشيخ احمد زكي اليماني الذي اثار غضب الوهابيين

 ينقله: عادل الركابي

adil19611@hotmail.com

تعرّض كاتب هذا المقال، وهو وزير النفط السعودي السابق وأحد مؤسّسي "أوبيك"، لحملة في السعودية بسبب هذا المقال الذي نُشِرَ في صحيفة "المدينة" السعودية بتاريخ 29 أبريل 2005. وكان أبرز الإتهامات أنه زعم بوجود نقص في القرآن الكريم، أو أن كاتبه يمالئ الشيعة!
الكاتب السعودي عبدالله عمر خيّاط كتب في مقال نشرته صحيفة عكاظ السعودية: "أي صحة هذه التي لا صحة لها، وكل كتب الصحاح تؤكد اكتمال القرآن الكريم. يؤيد ذلك ما جاء في محكم التنزيل من قول رب العزة والجلال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}".
عضو مجلس الشورى السعودي حمد القاضي عنون مقالة مناهضة بـ"إلا القرآن يا سيد يماني"، وصف فيها حالته عندما قرأ ما نُقل عن يماني في صحيفة سعودية: "لم أصدق عينيّ بل ظننت أن عليهما غشاوة وأنا أقرأ فرية السيد أحمد زكي يماني على قرآننا العظيم عندما رماه بالنقص وعدم الاكتمال، تعالى كلام الله عما يقول ويزعمه.
"لقد قرأت نص ما كتبه في رد وتفنيد الأستاذ الكاتب الغيور عبد الله عمر خياط في
(فجره) المشرق عندما كتب السبت الماضي في صحيفة (عكاظ) مفندًا ما رمى به أ.
يماني القرآن الكريم من تهمة النقص، وعدم الاكتمال!!."."
ويقول القاضي: "كيف لواحد منا أن يتصور أن رجلًا من بلاد الحرمين الشريفين يرمي هذا الإفك العظيم وهو في متنزل الوحي ولا يبلغ الألم ما يبلغ في نفسه ووجدانه..لا ندري ما الذي يرمي إليه السيد أحمد زكي يماني بمثل هذه الفرية على القرآن العظيم التي نقلها وأيدها ولكن حسبنا أن من نزَّل القرآن هو حافظُه من النقص والعبث والضياع. هل يريد مزيدًا من الأضواء بعد أن انحسرت عنه الأضواء؟ ولكن بئست أضواء تأتي على حساب رمي كتاب الله بهذا الزعم؟".
وفي ما يلي نص مقال الشيخ اليماني. وأهم ما فيه اكتشافه مخطوطة لفقيه متمكن يذكر الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة قبل ظهور المذاهب الأربعة. أي أنه نصّ تاريخي-فقهي يمكن أن يشكّل إضافة مهمة إلى تاريخ الإسلام والفقه الإسلامي في مراحله الأولى. وهذا يعني أن المخطوطة وُضَعَت قبل نشوء "الإسلام السنّي" وقبل نشوء "الإسلام الشيعي"، اللذين اكتملا في فترة متأخّرة من العصر العبّاسي. ومثل هذه المخطوطة جديرة بالتحقيق والتعليق، ويستحق الشيخ اليماني التقدير لأنه اكتشفها، إلا إذا أفتى المتخلّفون بإحراقها واضطهاد مكتشفها وربما إحراقه...على غرار ما كانت الكنيسة تفعل في ما يسمّى "القرون الوسطى"):
من جعبة الذاكرة - البابا ومكتبة الفاتيكان
الشيخ أحمد زكي يماني
الآن وقد رحل بابا الفاتيكان إلى جوار ربه، عادت بي الذاكرة الى النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية في القرن الماضي، حيث اجتمعت به اجتماعا مطولا لا أنوى الدخول في تفصيلات ما جرى خلاله، ولكن القليل مما أحاط بالمقابلة وأسبابها وما تمّ بعدها يعدّ من الأمور التي لا أجد حرجا أو مبررا لإخفائها وإبقائها طيّ الكتمان.
ومما دفعني لطرق باب الفاتيكان حقيقة معروفة وهي أن الكاثوليك عندما نجحوا في طرد العرب المسلمين من أسبانيا، استولوا على آلاف المخطوطات والوثائق التي تركوها خلفهم، ولم تكن تعني للمحاربين الكاثوليك شيئاً فأرسلوها إلى بابا الفاتيكان.
ونظراً لولعي الشديد بالمخطوطات الإسلامية بلغاتها المختلفة، ومعظمها بالعربية، فقد شددت الرحال إلى روما لزيارة مكتبة الفاتيكان التي تحتوي على تلك الذخائر الفريدة والنادرة. والمكتبة المذكورة تنقسم لثلاثة أقسام، العامة التي يرتادها من أراد، والخاصة وهي التي تحتوي على تلك المخطوطات ويرتادها الخاصة من المهتمين أو الباحثين، وقسم ثالث يسمونه كنوز الفاتيكان يحتوي على أكثر الوثائق ندرة وأهمية ولا تفتح أبوابه إلاّ لمن حظي بإذن خاص من أعلى المراجع. وحصلت على ذلك الأذن وعلى زيارة خاصة للبابا في مكتبه، واستمرت الزيارة ساعة وخمسا وعشرين دقيقة، كما قالت إحدى الصحف الإيطالية، اكتشفت فيها عمق إلمام الرجل بأحوال العالم ومشكلاته، ومعرفته مثلاً بأعداد العمالة الكاثوليك بالمملكة وأغلبهم من الفلبين. ولست في مقالي هذا راغباً في ذكر ما جرى خلال تلك المقابلة ولكن ما جرى بنهايتها يستحق الذكر لطرافته، ولا أجد غضاضة في ذكره. لقد أحضرت معي لتلك الزيارة شيئاً من الهدايا كان التمر أهمها إذ كان عيد ميلاد المسيح عليه السلام ليس ببيعد. وقد أخبروا البابا أني أحضرت له بعض الهدايا، وهي موجودة خارج المكتب، فخرج معي حيث كانت الهدايا، مجاملة منه وامتناناً. وقلت له اني أحضرت التمر لأني أعلم أن من عادات المسيحيين أكل التمر يوم الميلاد، فأجاب نعم كلنا نفعل ذلك، فسألته ما هو الأساس الديني لتلك العادة؟ فنفى أن يكون لتلك العادة أي أساس ديني. فقلت له الأساس لدينا نحن المسلمين، في كتاب الله. وقرأت له آية ''فأجأها المخاض إلى جذع النخلة'' إلى آخر الآية - مترجماً معانيها، وأن الرطب الجني الذي أكَلتْهُ مريم العذراء صاحَبَ الولادة، فإذا البابا وقد بدا عليه الامتعاض، آثر السكوت، فأردفت، وما دام الأمر كذلك فإن الخامس والعشرين من ديسمبر وقت يتعذر فيه وجود رطب جني في أرض فلسطين، شديدة البرودة ذلك الوقت من السنة. فأجاب باقتضاب، تاريخ الولادة اتخذناه في روما دون تحقق، وهو لذلك رمزي غير دقيق. وتركت البابا شاكراً حسن استقباله.
وفي صباح اليوم التالي أتى إلى الفندق الذي أقمت فيه أحد كبار الكرادلة مرسلاً من البابا، واجتاحت الفندق موجة من الاهتمام لقدومه، ولما واجهته أخبرني أن الحبر الأعظم أرسله ليشعرني أنه وجد الأساس الديني لأكل التمر، فأجبته مظهراً الفرح والسرور، أنا وجدنا أمراً يشترك فيه المسلمون مع المسيحيين!! وأعود إلى المكتبة النفيسة التي كانت هدفي ومقصد رحلتي. لم أزر القسم العام وبقيت في القسم الخاص سبع ساعات ونصف أتجول بين رفوفها حيث تقبع المخطوطات الإسلامية.
ومرةً أخرى لست هنا بصدد ذكر ما رأيت وسرد ما قرأت. ولكن مخطوطة واحدة استرعت انتباهي وتستحق الإشارة إليها. كانت المخطوطة في حال يرثى لها فقدت الصفحات الأولى منها، ولكن آخر صفحة بها تذكر أن مؤلفها قد أكمل كتابتها في المائة الثانية من الهجـرة. وتنقسم المخطوطة إلى ثلاثة فصول، الأول في فقه العبادات كالطهارة والصلاة، ولم تكن المذاهب الفقهية الأربعة قد ظهرت، والقسم الثاني يتعلق بعلم الفلك ودورة الشمس والقمر. وكان ذلك القسم يدل على اهتمام العرب والمسلمين بذلك العلم دون التوصل آنذاك إلى مرتبة الإجادة والتعمق، والقسم الثالث يبحث في شد أوتار الآلات الموسيقية. وحمدت الله أن المخطوطة غير معروفة عندنا ومؤلفهـا مجهول لتلف الصفحة الأولى التي تحوي اسم المؤلف عادة، حتى لا تنطلق بعض الأصوات تصب على رأس المؤلف اللعنة، فعلوم الفلك غير معترف بها الآن رغم أنها وصلت مرحلة الدقة المتناهية وبلغت حد العلم القطعي، وذلك ما نسميه علم الفضاء. والطامة الكبرى أن المؤلف يبحث في شد الأوتار لآلات الموسيقى وهي كما يقول ذلك البعض محرّمة قطعاً وبالاجماع. ولن يغفر لذلك المؤلف المجهول أنه كان فقيهاً متمكناً يذكر الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة فجريمته في التصدي لعلم الفلك وللموسيقى من الجرائم التي لا تغتفر. ومن طريف ما رأيت قطعاً من الجلد كُتبَ عليها آيات من القرآن بحروف غير منقطة وقيل انه أُجريت دراسات علمية لمعرفة عمر الجلد الذي كُتبت عليه الآيات فتجاوز عمره مائتين وخمسين وألف سنة ميلادية وهذا ما قادهم إلى افتراض أن بعض كُتاب الوحي من بني أُمية لم يسلموا ما لديهم أو بعضه من آيات الكتاب الحكيم عندما جُمع المصحف في عهد الصديق رضي الله عنه وأُتلفت جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة، وأنه عندما دانت دولة الأمويين في الشام وهرب عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس حيث أقام دولة الأمويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر ومنها تلك القطع التي كُتب عليها آيات من القرآن أثناء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الافتراض مع كل قرائنه يقرب من الصحة وينبئنا أن المسلمين إذا تفككوا واختلفوا فقدوا الكثير من تراثهم بل وفقدوا كيانهم، وذلك حال ملوك الطوائف فيما مضى وهو حال دويلات الطوائف في عصرنا هذا. وآيات الكتاب الكريم التي كُتبت في حضرة رسولنا عليه السـلام هي من أعز وأثمن ما أعرف من التراث.




 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com