عزيز الحاج
ايلاف، 3/8/2005
الصحفي الأمريكي المستقل
ستيفن فانسان، مراسل
النيويورك تايمس وصاحب
عدد من المؤلفات، اغتيل
أمس الثاني من آب 2005 في
مدينة البصرة. خطفوه من
الشارع واغتالوه، فلا طلب
فدية ولا إعلان باسم هذه
الجماعة أو تلك عن السبب
والمطالب، كما هي عادة
عصابات الاختطاف البعثية
والزرقاوية.
للإجابة عن الجهات من
وراء اغتياله الجبان
وأسباب الجريمة، فإننا لن
نعود إلى مئات التقارير
السابقة عن سيطرة
التنظيمات الإسلامية
الشيعية وميليشياتها على
المدينة وشرطتها، ولا
سيما أعوان مقتدى الصدر
والمجلس الأعلى. هذا كله
معروف ومكرر ذكره ومثبت
بالوقائع اليومية: من غزو
الجامعة والعدوان على
الطالبات والطلاب، إلى
الحملة على الأطباء
والحلاقين والصابئة
المنائيين والسافرات،
وإلى انتشار النفوذ
الإيراني وغزو اللغة
الفارسية.
ما هي "جريمة" فقيد
الصحافة الحرة ستيفن
فنسنت في نظر قاتليه ومن
وراءهم؟؟
كلا لا نعود لتلك
المعلومات المعروفة
للجميع، ولكننا نعود إلى
آخر تقرير صحفي لستيفن
فنسنت نفسه المنشور في
الهيرالد تريبيون قبل يوم
واحد من اغتياله الخسيس
الأثيم، وهو تقرير يلقي
ضوء على أسباب الجريمة
وجهاتها المدبرة.
عنوان التقريرهو "
الإسلاميون هم الشرطة في
شوارع البصرة"، وقد كتب
التقرير بعد جولات
ميدانية وقضاء أيام مع
القوات البريطانية
الموجودة في
المدينة.والتي يشارك
ضباطها في تدريب الشرطة.
يقول التقرير إن السياسة
وكل مناحي الحياة في
البصرة هي تحت سيطرة
الجماعات الدينية
الشيعية: من المجلس
الأعلى وإلى أعوان مقتدى
الصدر. وكان فنسنت نفسه
هو من كتب عن لقائه
بمحافظ البصرة في مكتب
الأخير، ومشاهدته لصورة
كبيرة لخميني على جدار
المكتب. ويرد في التقرير
إن الذين يجري ضمهم لسلك
الشرطة هم من هذه
التنظيمات وغالبيتهم من
غير المتعلمين ومن
العاطلين، وهم يدينون
بالولاء للجامع أكثر من
الولاء للحكومة المركزية.
وفي مايو الماضي كان قائد
شرطة عددهم 7000 آلاف
شرطي قد صرح لجريدة
بريطانية إن معظمهم من
التنظيمات الدينية. ويقول
ستيفن إن هذه النسبة قد
تكون "متفائلة" حيث أن
ضابطا شابا قال له إن 75
بالمائة من الشرطة هم مع
مقتدى الصدر الذي هو "رجل
عظيم" على حد قول الضابط
الشاب. ويضيف المراسل إن
البريطانيين لا يفعلون
شيئا لمعالجة الحالة إما
لعجزهم أو خوفا من
الاتهام بكونهم احتلالا
استعماريا، وبذلك يساهمون
في تقوية هيمنة التنظيمات
الدينية على المدينة.
وليس في استراتيجية الأمن
البريطانية في المدينة
الحث على توعية الشرطة
بحقوق الإنسان
والديمقراطية بجانب
تدريبهم البدني.
وقال صحفي عراقي لفقيد
الصحافة ستيفن فنسنت:" لا
أحد يثق بالبوليس. إذا
حرك آيات الله إصبعا فإن
آلاف الشرطة يستنفرون."
وقال له المشهداني زعيم
الحزب الليبرالي على حد
وصف ستيفن، وهو "حزب
الثورة الشعبانية":" كل
سلك الشرطة يجب حله
واستبداله بأناس يعرفون
حقوق الإنسان ومعنى
الديمقراطية."
يرفض المدربون الإنجليز
في المدينة مجرد الإشارة
للدور السياسي المحايد
للشرطة في مجتمع مدني،
ولا يحرك أحد ساكنا تجاه
الآلاف من اللافتات
الدينية على جدران
المدينة. وعندما يسأل
ستيفن ضباط التدريب
الإنجليز عما إذا ليس
واجبا توعية المتدربين
بموالاة الحكومة المركزية
بدلا من الخضوع لأي جامع
قريب، فإنهم كانوا يهزون
أكتافهم وكأن الأمر لا
يعنيهم!
في هذا التقرير الأخير،
الذي نورد خلاصته تكريما
لستيفن وكذلك لتوجيه
أصابع الاتهام لقاتليه،
يروي لنا عن المجموعات
الطلابية الدينية التي
تفرض نفسها في الكليات،
وتراقب أزياء الطالبات
لتكون "إسلامية". ويقول
مدير مستشفى الأمومة إنه
يرى بعينيه موظفين يسرقون
المعدات لبيعها لمستشفيات
خاصة ولكنه لا يجرؤ على
إخبار الشرطة لكون
المتهمين من تنظيمات
دينية.
هذه هي البصرة اليوم، وهي
التي كانت، على حد وصف
الصحفي، "النموذج الراقي
للعراق المتحرر". إن
الشرطة يعتقلون ويواصلون
اعتقال الأشخاص حتى بعد
صدور أوامر الحاكم بإطلاق
سراحهم.
إن أخطر ما ورد في
التقرير، والذي تكهنت
اليوم بعض الصحف بأنه قد
يكون السبب المباشر
لاغتياله، حديثه عن
"سيارة الموت". إن ضابط
شرطة رفض ذكر اسمه أكد له
صحة الإشاعات المنتشرة في
المدينة عن "سيارة الموت"
هذه، وهي من نوع التايوتا
2. إن ضباط شرطة يركبون
سيارة الموت هذه بعد
الدوام، وبتمويل
التنظيمات السياسية
الدينية لاغتيال الناس
المشتبه بكونهم كانوا
بعثيين، ويبلغ عدد
الضحايا كل أسبوع المئات.
وطبعا القوات البريطانية
على علم بكل شئ ولكنها لا
تتدخل خوفا من استفزاز
هذه التنظيمات، التي
تمارس ما سماه الصديق عبد
الخالق حسين في مقالة
سابقة له، ب"الإرهاب
الشيعي" تمييزا له عن
الإرهاب البعثي الصدامي
والزرقاوي "السني".
إن الإصلاح الأمني
الحقيقي كما قال ستيفن
أيضا يتطلب، بجانب
التدريب البدني والعسكري،
تدريبا سيكولوجيا وفكريا.
فالشرطة هي لخدمة
المواطنين ويجب أن تخضع
للأوامر الحكومية وليس
للجوامع والحسينيات
والتنظيمات السياسية
الدينية.
هكذا نرى صحفيا آخر من
العشرات من عراقيين
وأجانب؛ يقتل بكل جبن،
وبلا طلب فدية، كما طلب
الخاطفون الصداميون عند
اختطاف الصحفيين
الفرنسيين الثلاثة،
والذين ذكر تقرير الوكالة
الفرنسية أمس إن فرنسا
دفعت ثمانية ملايين ونصف
المليون دولارا ثمنا
لإطلاق سراحهم، [ عن
الشيوعية فلورنس ومرافقها
البعثي وحدهما دفعت فرنسا
6 ملايين دولار].
ذهب ستيفن كضحية جديدة
للإرهابيين في العراق.
فهل يجرؤ محافظ البصرة
الصدري على الإجابة عن
أسباب اغتياله والجهات
المدبرة للجريمة؟! وهل من
كتبوا مسودة الدستور
المشؤومة على علم بما
يجري هناك وفي كل
الجنوب؟!