|
جرائم الفساد في العراق
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
تعاني بلادنا الغنية بالنفط والتي تحتل المركز الأكبر الثاني في العالم من حيث الاحتياطي النفطي ( ويضعها بعض الخبراء في المركز الأول إذا أخذت بنظر الاعتبار الاكتشافات النفطية الجديدة ) .. تعاني اليوم من الارتفاع اللامعقول في معدلات البطالة ، سوء التغذية ، الفقر ، الاستعصاء في توفير الخدمات الاساسية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وبقية الخدمات الصحية والاجتماعية ، الفساد.. تجاوزت هذه المستويات معدلاتها الكارثية ابان العهد الاغبر رغم مضي عامان على اندحار الصدامية والفكر القومي البائس ...
· الفساد والاستثمارات والبطالة يتلقى اليوم 85% من مجموع الشعب العراقي البالغ عدده 27 مليوناً الطاقة الكهربائية بشكل متقطع وان 83 % ليس لها مصدر موثوق للمياه النقية، 37 % فقط ترتبط بشبكة الصرف الصحي (المجاري) .... في الوقت الذي بلغ به معدل دخل الأسرة 144 دولاراً عام 2004 قياساً ب 255 دولار لعام 2003 . ان 75% من الدور يسكنها مالكوها لكن 25 % تعرضت للدمار في العامين الاخيرين فقط ، لا سيما في المناطق الساخنة من البلاد . وبالنسبة لمعدل الوفيات الطبيعية يذكر أن من مجموع 100 ألف مواطن يتوفى اليوم 193 في حين تبلغ النسبة 23 حالة وفاة طبيعية مقارنة مع السعودية... ويعاني نحو 25 % من أطفال العراق من حالة النقص الغذائي طويلة الأمد. أن 84 % من مؤسسات التعليم العالي في العراق تعرضت «للتدمير والتخريب والنهب» منذ بدء الاحتلال الاميركي عام 2003، إضافة إلى اغتيال حوالى 50 أستاذا جامعيا و«التهديدات الموجهة إلى الآخرين» في هذا القطاع. أن عملية إعادة الإعمار الجارية «تشمل 40 %» فقط من مؤسسات التعليم العالي. وتتواصل هجرة الأساتذة المتفوقين إلى المناطق الأخرى بحيث غادر حوالى 40 % منهم منذ عام 1990 ، والعزلة الطويلة التي يعاني منها الجسم التعليمي غير المؤهل أصلا.ولازالت نسبة الدوام الدراسي للطلبة المسجلين يبلغ 55 % حيث كان النظام الدراسي من أفضل الأنظمة التعليمية والأكاديمية في الشرق الأوسط في عقد الثمانينات ، وان 74 % فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 - 24 قادرون على القراءة والكتابة . يؤكد الدكتور إبراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية أن إجمالي حجم الأموال المتداولة في عمليات الفساد في العالم العربي تتراوح بين 300 إلى 400 مليار دولار سنوياً طبقاً لتقديرات البنك الدولي الذي صنف العالم العربي وحالات الاستثمار والتجارة فيه بأنه من أكثر مناطق الفساد المالي والإداري في العالم الأمر الذي يفسر عدم عودة الأموال العربية المهاجرة بل وزيادة حجم هجرتها للخارج وإصرارها على عدم العودة رغم المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها في الخارج خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وأعتمد الدكتور قويدر في معلوماته على تقارير البنك الدولي التي تؤكد أن حجم الفساد المالي الذي يؤثر في الاقتصاد في العالم يصل إلى تريليون دولار سنوياً منها حوالي 30 % إلى 40% بالعالم العربي فقط وهو ما يعني أن حجم أموال الفساد التي تنخر الاقتصاد في البلدان العربية استناداً إلى هذا التقرير تتراوح من 300 إلى 400 مليار دولار سنوياً . وهذا المبلغ الضخم بغض النظر عن الآثار السلبية الذي يسببها للاستثمارات وما ينعكس على الصحة العامة إلا أنه يكفي لتوفير أكثر من 20 مليون فرصة عمل في العام الواحد . وهو ما يعني أيضاً أن تخصيص هذا المبلغ لمدة عام واحد فقط كفيل بالقضاء نهائياً على ظاهرة البطالة علما ان الدول العربية بحاجة إلى توفير 4.3 مليون فرصة عمل جديدة سنوياً للحفاظ على معدلات البطالة الحالية حيث يساوي هذا العدد حجم الداخلين إلى سوق العمل سنوياً في الدول العربية. مما يزيد الأمر صعوبة أن نسبة العجز في توفير هذه الفرص تصل إلى 50% أي أن هناك عجزا سنوياً يبلغ مليونأً و 700 ألف فرصة عمل في عدد الوظائف المطلوب توفيرها وأن الفساد سبب رئيسي لهذا العجز.
· الرشوة والشطارة والفهلوة الفساد جريمة لا يستطيع احد ضبطها بسهولة لأنها جريمة ضمير قد لا تمس القانون ولا تتجاوزه بالأخص عندما تكون الانظمة والقوانين القائمة غير منسجمة مع روح العصر . وتبدو الالاعيب الادارية ، واختلاق المبررات ، والاختلاسات والرشاوي ، والابتزازات ، وممارسة التجارة غير المشروعة ، وغسيل الاموال .... تبدو جميعها احيانا لا تمس الانظمة المعمول بها لأنها تخفي جوهر الجرائم . وتشمل التجارة غير المشروعة التهريب المنظم للبشر والسلع والاموال ، وتجارة المخدرات والدعارة والقطع الاثرية والاعضاء البشرية!...الخ . وعندما تنتشر الرشوة والفساد في بلد ما فهذا لا يدل على فساد الضمائر فحسب وانما يدل على سوء توزيع الثروة . ويؤدي انخفاض القدرات الشرائية وحجم الطلب على السلع بسبب تدني الاجور والرواتب الى الركود والكساد الاقتصادي ، وانحسار العرض ، ونقص الانتاج ... بينما يخلق خلل السياسة الضريبية المتبعة الهوة بين النفع العام والمنفعة الخاصة لصالح حفنة من الاغنياء والطفيليين وليستفيد قطاع التهريب من فوضى الاسعار وفقدان السيولة النقدية . ويتحول الفساد الى اخطبوط يلتف حول المجتمع .. وليتحول الابتزاز الى طقس حياتي يومي يمارسه اصحاب الضمائر المتعفنة في ظل العماء العارم ليرتع المفسدون على هواهم وسط لا مبالاة واتكالية المجتمع واستمرائه للفساد وكأنه اصبح حقيقة من حقائق الحياة لا يمكن العيش بدونها ! ويصبح الفساد اسلوبا ونمط حياة في المجتمع ويحاصر من يقف بوجهه .. نظام الواسطة هو جسر العلاقة الفاسدة التي تربط السلطة بالشعب . وتحتاج الواسطة الصغيرة في العادة الى واسطة اكبر منها في سلم النظام الهرمي في مؤسسات الدولة والمجتمع ..... ويسود نظام الواسطة ( فيتامين واو ) وعموم الفساد في فترات التراجع السياسي والثوري والانفصام الديني والوطني ، ونهوض الولاءات العصبوية ما دون الوطنية .... بديلا عن القانون والآلهة معا لتتقاطع مصالح الشرائح الطبقية الفاسدة في المنعطفات التاريخية مع هذه الولاءات الرجعية . الرشوة والتهريب والغش وبيع الوظائف والاختلاس والبيروقراطية والروتين والابتزاز والعمولات والواسطة .. من مظاهر جرائم الفساد في العراق . تعددت أشكال الفساد فمن الروتين القاتل الذي لا يتحرك إلا بالرشوة، إلى الغش وتزوير العلامات التجارية الوطنية و العالمية على الأغذية والصناعات التجميلية والأدوية مروراً باستخدام الأساليب العصرية في عمليات الاحتيال والنصب الإلكتروني المنظم التي لا تترك أثراً أو دليل إدانة للجاني. الرشوة لها 4 أركان في معادلة ثابتة على الدوام وهي الموظف والمواطن الذي يتلقى الخدمة ثم إجراءات العمل وقواعده ثم المجتمع . يعاني الموظف من انخفاض الراتب وانخفاض الروح المعنوية وشعور بالاحباط ، والمواطن لا يعرف حقوقه، وإجراءات وقواعد العمل تحتاج إلى التحديث .المجتمع- التربة التي تساعد على نمو وانتشار الرشوة أو الحد منها وهو ما ينقص العراق في ظل اهتزاز القيم العليا حتى أصبحت الرشوة ومظاهر الفساد وكأنها أقرب إلى العادة مما جعلها قيدا أمام التطور الاقتصادي. هكذا أصبح الفساد الاقتصادي يعرف بمسميات جديدة منها الشطارة والفهلوة .ويعتبر الموظف العمولة غير الشرعية أو الرشوة مجرد تحسين للدخل ، بل اكتسب الفساد موجة من المشروعية في الجهاز الإداري بحصول بعض القيادات على ما لا يستحقون فأصبح الموظفون الصغار يقتدون بالكبار في السلوك غير السليم وخلق نوع من الفساد الشامل . انتشار الرشوة التي هي نوع من الفساد الإداري يتمثل في سوء استغلال الموظف للسلطة الممنوحة له لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة هي في الحقيقة ممارسات غير أخلاقية في الإدارة العامة وتؤدي إلى تعطيل المشروعات وهروب الاستثمار وإهدار المال العام والخاص .الفساد يزداد في ظل ظرفين هما احتكار السلطة والمشروعات والخدمات وانعدام الرقابة الصارمة التي تحاسب كل منحرف حتى لو كان من الكبار!.
· الغش الصناعي والتجاري الغش الصناعي - فساد اقتصادي كقيام الفرد بإنشاء مصنع غير قانوني او سري والعمل على تقليد الماركات العالمية والوطنية أو باستيراد قطع الغيار الرديئة لتجمع من جديد وتصبح أجهزة تباع داخل الدولة تنافس الصناعة المحلية لتصاب المصانع الحقيقية بخسائر فادحة ، او انتاج السلع الصناعية المبتكرة التي يحتاجها المستهلك مثل "الصوبات الكهربائية " مثلاً ولكن بشكل بدائي . تعد هذه الأنواع من الانحرافات الصناعية في غاية الخطورة إذا ما دخلت في المحركات مثلاً أو الكيبلات الكهربائية وغير ذلك من الأنواع التي تهدد حياة الأفراد مباشرة . بالتالي لابد من حصر القائمين على مظاهر الفساد الصناعي بالغش والتقليد وضرورة العمل على رعايتهم وتوفير الإمكانات لتطويرهم ووضعهم تحت الرقابة الصناعية ومساعدتهم في الحصول على قروض بشروط وفوائد ميسرة وإمدادهم بالتكنولوجيا الحديثة وتسويق إنتاجهم وإشراكهم في المعارض مما يسهم في خلق صناعة صغيرة حقيقية وقوية بمواصفات عالمية ، والإغلاق التام لها يخلق البطالة ! . يصل الفساد في مجال صناعة العطور الى نسب مرتفعة حيث الغش والتقليد والتهريب في السوق العراقية ليجري تقليد الخامات العالمية بأخرى رخيصة، واكثرها غير صالحة للاستخدام الآدمي ، واستخدام العبوات الفارغة التي تجمع عادة من القمامة ، وتقليد شعارات الشركات الكبرى الشهيرة في هذا المجال.ان الفساد في مجال صناعة مستحضرات التجميل يرجع أساساً إلى أن هذه الصناعة من الصناعات الخفيفة التي تحتاج إلى خامات ومعدات بسيطة ومساحات محدودة وهذا الأمر يستلزم تكثيف الحملات على المحال والأسواق وتطبيق القوانين بطريقة صارمة تمنع كل أشكال الفساد الصناعي في هذا المجال. و ترجع أسباب نجاح صور الفساد والغش التجاري في مجال مستحضرات التجميل أكثر من أي صناعة أخرى إلى ارتفاع أسعار الماركات العالمية وانخفاض مستوى الدخل وقيام بعض التجار بتشجيع صور الفساد الصناعي ببيع وتسويق المنتجات العشوائية بأسعار منخفضة لما تحققه من أرباح أضعاف ما يحققه بيع المنتجات الجيدة ،كما أنها تباع من دون رقابة ولا توجد أي مواد قانونية تؤدي إلى تجريم مثل هذه الصور من الفساد والغش التجاري. الغش التجاري يعد أهم مظاهر الفساد الاقتصادي. أن أكثر قضايا الغش تتعلق بالأطفال سواء كانت سلعاً غذائية كالألبان أو "البسكويت" و"الشيكولاتة" وحتى لعب الأطفال لأنها تمثل خطورة على هذه الفئة من الأطفال . يرتبط غش المواد الغذائية بعدم مطابقتها للمواصفات أو انتهاء صلاحيتها أو عدم وضع البيانات السليمة عليها أو الإخلال الجوهري في العوامل المكونة لتلك المادة وهنا يخضع كل من المنتج والعارض للعقاب لأن القانون يفترض فيه العلم. ان عمليات الفساد والغش التجاري والاقتصادي أصبحت ظاهرة ومشكلة يعاني منها الاقتصاد والمجتمع في العراق وأصبح الأمر يتطلب مواجهة حازمة لتلك المشكلة قبل أن تصبح من أهم العوائق التي تواجه الاستثمار.. خاصة ان هذه الظاهرة تتفشى في مناطق أخرى من العالم. ان دول العالم بدأت بالفعل الإعداد لتطبيق نظام دولي جديد تم إقراره في منظمة "الايزو" العالمية تحت اسم كود الممارسات الأخلاقية الذي يمكن أن يسهم بدور كبير في حل هذه المشكلة بحيث تقوم الهيئة المختصة بالمواصفات والجودة في كل دولة بوضع قواعد وآليات تطبيق هذا النظام طبقا لظروف واحتياجات الاستثمار والصناعة في كل دولة بما يحقق في النهاية النتائج التي يستهدفها. أن الكود الأخلاقي الذي يمنع الفساد الاقتصادي يجب ألا يقتصر على الأفراد بل يشمل الجهات والهيئات بالدول المختلفة ويلزمها بضرورة اتباع النظم الدولية في إصدار المواصفات ومنح الشهادات، وأن يتم مراعاة الشفافية ومشاركة كل المعنيين بما فيهم المستهلكون في هذه الأنشطة من دون القيام بأعمال متعارضة. من أمثلة الفساد قيام التجار بإضافة مميزات لسلع يبيعونها وهي غير موجودة أو دفع الأموال لاستخراج الشهادات القياسية أو التأكيد على خلو السلع من بقايا المبيدات أو مراعاتها لمتطلبات البيئة ثم يثبت عدم صحة ذلك. كل ذلك - فساد تجاري واقتصادي يخلق أجواء عدم الثقة في الاقتصاد العراقي وهو مخالفة للكود الأخلاقي الذي وضع دوليا لمكافحة الغش والفساد التجاري والذي يمكنه معالجة ممارسات غير جيدة في كثير من الأنشطة. ومن الاسباب الرئيسية لهذا الفساد ، تدفق الأموال القادمة من الشمال أو الدول المانحة إلى دول الجنوب والتحول الى اقتصاد السوق من الاقتصاد الشمولي ، التحديد المسبق لبيع الشركات بسعر لا يتناسب مع سعر أصولها الحقيقية لصالح جهات أو أفراد من رجال الأعمال أو الشركات الكبرى التي تدفع في سبيل ذلك بسخاء وعدم الإفصاح عن أسباب البيع أو هوية المشتري . يعاني العراق من أنظمة رقابية لا تلتزم القيام بعملية المراقبة الشهرية أو الدورية بالشكل المطلوب الأمر الذي يحتم ضرورة البحث عن بدائل حديثة وجديدة للحد من ظاهرة الفساد والغش الاقتصادي وأهمها دراسة أحوال السوق وأسباب عجز التجار عن الالتزام بالمواصفات القياسية وإعداد بحوث تفصيلية عن أسباب الغش والفساد وأنواعه وتحديد صفة الشخص الذي يقوم بهذا العمل سواء كان تاجرا أو صانعا أو موزعا أو شخصا يمتلك نشاطا خاصا .وكذلك تعديل العقوبات الموجودة في القوانين الحالية ليصبح القانون مؤثرا وبأسلوب تنفيذ أقوى وتفعيل دور جمعيات حماية المستهلك لتكون بمثابة رقابة أهلية على الأسواق والمنتجات. لا بد من دعم جمعيات حماية المستهلك ومنحها صلاحيات إقامة الدعاوى الجنائية ضد أي منحرف أو غشاش، وأن يتم نشر أسماء الفاسدين والمنحرفين بشكل واضح وصريح . ان الفساد الذي يؤدي الى الخلل الاقتصادي لا يمكن علاجه بالقوانين والتشريعات فقط بل بتعديل السلوك والتوعية حيث أن الخلل الذي تعانيه البيئة الاقتصادية يرجع الأصل فيه الى تزايد معدلات الفساد وحالات الغش واختلاف أنواعها وأشكالها وتطورها المستمر بدءاً من المواد الغذائية غير المطابقة للمواصفات والسلع الفاسدة التي يتم تداولها بشكل علني بعد تغيير تاريخ الصلاحية مروراً بحملات الدعاية والإعلان لمنتجات غير معروفة مصادرها.
· تعمق الاستقطاب الاجتماعي تتوزع جرائم الفساد اليوم في ميادين اساسية منها شراء الذمم ، وانتشار الرشاوي بنطاق واسع لتمشية معاملات المواطنين في دوائر الدولة ، أعتماد المحسوبية والقرابة والعضوية السياسية الطائفية مقياسا للتوظيف ولتولي المناصب في اجهزة الدولة ، توظيف وتأجير العملاء والجحوش لملاحقة المعارضة السياسية ، غسيل الاموال ،تقاضي العمولات لقاء الأستثمارات الداخلية والخارجية من الشركات المنفذة للمشاريع الحكومية او الخاصة في العراق ، تهريب موارد وثروات البلاد من دون حسيب او رقيب ، انتعاش تجارة السوق السوداء المهيمنة على التجارة الداخلية والخارجية ، عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية بعيدا عن كل الاجراءات القانونية والرقابة المالية، غسيل الاموال القذرة والانتعاش الاقتصادي المزيف، ارصدة الشركات والافراد بالأسماء والعناوين والارقام الوهمية التي تصول وتجول في الاسواق العراقية ونظيرتها العراقية التي تصول وتجول في الاسواق العالمية ، تهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة من والى العراق ، أحالة المشاريع الأستثمارية الحكومية والخاصة الى تجار السوق السوداء ونفر مدعوم من سلطات الاحتلال والنخب الحاكمة مقابل تقاضى الرشاوي منهم ، محاولات اغراء المواطنين بالمسائل المادية والمالية كاحالة المقاولات اليهم مباشرة من دون الدخول في العطاءات والمنافسة لكسب تاييدهم وولاءهم ، سرقة ونهب ممتلكات الدولة ، تدفق مبيعات النفط العراقي دون رقيب او حسيب او حتى دون وجود اي عداد لأحتساب كمياتها ، انقطاع الكهرباء اليومي ولساعات طويلة وبشكل مستمر ، تردي خدمات الاتصالات وتدني الخدمات الصحية والتعليمية ، تلوث المياه ، شحة المواد الغدائية والأدوية، الغش الصناعي وتزايد عدد الورش والمصانع غير المجازة وبالاخص داخل البيوت السكنية دون توفر الحد الادنى من الشروط الصحية . التباينات الاجتماعية في ازدياد متسارع ليتعمق الاستقطاب ويصل مدياته القصوى مع استمرار الاحتلال ، والنهج الحكومي في السياسات الانتقائية العشوائية التي لا تنسجم مع حاجات ومتطلبات المجتمع والمواطنين ، وسياسة خصخصة القطاع العام وتخريب الدورة الاقتصادية السلمية ، وضعف وانعدام الرقابة الحكومية واللامبالاة من قبل الموظفين الحكوميين في تلمس المصاعب الحقيقية التي يعاني منها الشعب، وانتشار مظاهر الفساد وسرقة المال العام والرشوة والولاءات اللاوطنية ، وفوضى السوق(Chaotic Market) وتأثيراتها السلبية على عموم المواطنين . ولم تشهد أعوام (2003- 2005) أية خطوة تغيير ملموسة في السياسة، كما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الفقر والسير على مسار محدد للتنمية الاجتماعية يقلل من مآسي الشعب بل انشغلت الحكومات بالمغانم السياسية ... وبعد عمليات النهب التي قام بها المسؤولون السابقون في عهد صدام حسين، بدأ في نيسان(ابريل) 2003 "عهد جديد شهد تكثيفا في سرقة الاموال العامة والفساد والصراع على المصالح". ومنذ التاسع من نيسان انتعشت تجارة الجملة والمفرد في العراق واتسع التهريب وساد الفساد... والأعمال التي تنتقل الى العراق اليوم غير نزيهة، ويتطلع أصحابها الى السلب والنهب. في هذه الأثناء تظل صادرات البلاد من النفط متقطعة ولا يمكن التنبؤ بها نظراً الى سوء الإدارة وعمليات التخريب المتواصلة. الأوضاع الاقتصادية تعيسة، والأرقام التي تبين النمو في اجمالي الناتج المحلي مضللة، وتستند الى مساعدات إعادة البناء التي تستقر في جيوب المقاولين الأميركيين. النظام القضائي عشوائي ومتقلب ... و البيئة العراقية الراهنة لا تجتذب أي استثمار رأسمالي منتج. ازمة الكهرباء هي ازمة المياه الصالحة للشرب والمجاري والاتصالات وبقية الخدمات الاساسية ، وهذه الازمات تعبير صارخ عن جرائم الفساد في العراق وعشعشة البرقرطة الادارية وشلل الابتزاز وعصابات الولاءات اللاوطنية والشلل الفاسدة الغوغائية والعصابات المناطقية- الطائفية . تخرج الولاءات دون الوطنية اليوم من كمونها لتصبح المؤسسات التي تزعم توفير الأمان الاجتماعي والسياسي والشخصي وحتى جزء من الأمان الاقتصادي لأفرادها. اليوم يعاد انتاج العقل الطائفي وتتفتح حدود العقل الايماني الغيبي واشاعة الخرافة والسحر والخديعة والدجل وتوظيف الخوارق والمعجزات . وتنتعش الاصوليات المتطرفة التي تستمد قوتها من عدم شعبوية الاجراءات والتغيرات الاجتمااقتصادية السياسية الحديثة والسريعة ومن دعم مرتزقة البعث وفلول مخابراته والمخابرات الاجنبية في فترات بطء وتيرة تشكل المجتمع المدني .... وينفلت الرأسمال التجاري من عقاله وتستعيد العقلية الصدامية حيويتها في مجال الابتزاز المعيشي للمواطنين ويزدهر الفساد . في العراق يسيطر تجار الأزمات والحروب على المفاصل الاساسية في الدولة ، وهي قوى تربّت ونشأت في كنف الاقتصاد الطفيلي وليد الأنظمة الاستغلالية، واتسمت بانتهازها الفرص والوثوب إلى المواقع التي تمثل آلهتها التي تعبدها أي منافذ سرقة الأموال ، مرتكبة مختلف الجرائم الاقتصادية منها والجنائية ، وناهبة المليارات من أثمان الركائز الاقتصادية ومختلف أسلحة الجيش العراقي وترسانته المهولة التي في أصلها أُخِذت من دماء شعبنا وقوْتِهِ ،وهي تمتلك الأيدي الطولى داخل أعلى المناصب العراقية عبر عمليات الاختراق المنظمة.وتمتلك كل دول الجوار والقوى الإقليمية الجواسيس والوكلاء الذين ينفـّذون لها أكبر جرائم الفساد..هكذا يُباع العراق الإنسان والعراق الوطن اليوم في سوق النخاسة المحلي والأجنبي....وليختلط غسيل الاموال بغسيل ذاكرة الشعب العراقي الوطنية مع بدء الجريمة الاساس في حرق المكتبة الوطنية وكل مكتبات العراق ومراكزه البحثية المعرفية من مختبرات ومصانع بحوث وثروة المتاحف. يتفشى الفساد في كل مناحي الحياة ، على صعيد المدرسة والجامعة والجامع والمعبد والحسينية و الجمعيات الإنسانية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني و دوائر الدولة الحكومية حتى أعلى منصب سيادي ! الفساد يشكل الوجه الآخر للإرهاب من تفجير وقتل وخطف ، لأنه ينهش إقتصاد البلد ويدمر البنية التحتية ويفسد الحياة الإجتماعية ويستغل الإنسان ويخرب حياته ، و تعمل المافيات والعصابات الشللية على عرقلة وتعطيل العملية السياسية أو أي مشروع وطني يخدم الوطن والناس . وبذلك تراجعت مؤشرات المحاسبة،الإستقرار السياسي ، فعالية الحكومة ، الجودة النظامية ، سيادة القانون والسيطرة على الفساد لتصل الى المعدلات الدنيا في السلم العالمي . و بات الفساد وباءً مستشرياً ينخر في جوانب المجتمع كافة وبشكل خاص في مؤسسات الدولة ودوائرها كما تؤكد مفوضية النزاهة في العراق ان نسبته في الحكومة العراقية بلغت 70% وفق تقارير وتصنيفات هيئة الشفافية الدولية.. وساعدت اجراءات سلطة الاحتلال وسياساتها واجراءات الحكومة الانتقالية في ان يتخذ الفساد هذه المديّات الخطيرة بحكم تدفق الأموال من دون إجراءات صرف وفق الأصول، وعدم وجود نظام بسيط لحصر ما يتم العثور عليه في الوزارات والمصالح الحكومية . وعجل من الفساد ضغوطات نادي باريس والثالوث الرأسمالي العولمياتي (منظمة التجارة الدولية (WTO) وصندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي(WB)) ، من ضرورة تخصيص الشركات الحكومية العراقية بسرعة كبيرة؛ كشرط لإعادة جدولة ديون العراق..اي دفع العراق سريعا على طريق اقتصاد السوق المنفلت عبر إزالة الضوابط وحجب الصلاحيات عن مؤسسات الدولة وفتح الاقتصاد العراقي على مصراعيه وتهيئة الأجواء للخصخصة الواسعة بدون اية ضوابط مما يفتح المجال ويخلق الشروط لاتساع ظاهرة الفساد. تزداد الفجوة في بنية الاقتصاد العراقي بين التوسع في الأنشـــطة المالية والتجارية والركود في مجال الأنشـــطة الإنتاجية والتصديرية مما اثر على مستوى توزيع الدخول والثروات، ليزداد الفقراء فقراً، وليزداد ثراء ورفاهية الطبقة المرتبطة بأنشطة التجارة والمقاولات والمضاربات العقارية والخدمات المالية والوكالات التجارية والحصرية والأنشطة الفندقية واقتصاد الصفقات - السمسرة في الصفقات وعقود التوريد - ( الكومبرادور ) والتهريب والمرتبطة بالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي والتي تقبع على قمة توزيع الدخول والثروات في بلادنا.
· الفساد السياسي ومجتمع الرشاوي والارتزاق تتعامل الراسمالية الجديدة مع الانشطة الطفيلية وخاصة التجارة وتهريب المحروقات ، وتمارس قطاعات عريضة منها الفساد والافساد، وتنظر الى العراق باعتباره حقلا لاعمال المضاربة، تنشر فيه اقتصاد الصفقات والعمولات، وتقيم مجتمع الرشاوي والارتزاق، وتدمر منظومة القيم الاجتماعية. ولثقافة الفساد ابعد الاثر على عملية الاعمار ، وذلك عبر الاستيلاء غير المشروع على اموال كان الواجب تخصيصها لاعمار البلاد ، وبالتالي تكون الموارد البشرية في بلادنا هي الخاسر الاكبر في هذه العملية. والفساد في الادارات الرسمية والمؤسسات الخاصة يلغي المنافسة المشروعة، ويزيد من اسعار كلف المـــشاريع والتجهيزات، ويبعد الكفاءات المــــهنية من سوق العمل والتنافس.. ويعرقل خلق المجتمع المتكامل، الذي لمواطنيه حقوق في العمل وفرص متكافئة للابداع في مناخ ديموقراطي وحر، وعليهم واجبات يمليها عليهم شرف الانتماء والمواطنة. الفساد السياسي هو الحصول على الغنيمة بأقل جهد واكبر فائدة ، وبالتالي عشعشة البيروقراطية والطفيلية في قيادات الاحزاب السياسية والسلطات الحاكمة لتعيش في بحبوحة بحكم الامتيازات غير المشروعة واستغلال المراكز الحزبية والحكومية ... وحين يعقد الفساد السياسي قرانه الكاثوليكي على الفساد الاداري تدق اجراس العزلة على الشعب ، وتفكك الولاءات الوطنية والمدنية. يشوه الفساد البنى الاجتماطبقية والنسيج الاجتماعي لتصعد النخب الاقلية ويجري دفع الاكثرية الى القاع الاجتماعي . اما مواصلة آلية انتاج الفساد فهو انعكاس لسوء توزيع الثروة توزيعا عادلا وبقاء تطبيق القرارات اسير البرقرطة وقابع في ادراج المكاتب . ان ما يميز الموظفين الفاسدين ، العجرفة وضيق التفكير ، والحقد على ابناء الشعب ، والتفسخ في حمأة الرشوة ، والتزلف للمتنفذين ، وهم ينفذون سياسة انقاذ اعداء الشعب وحماية مصالحهم ! والاخذ بقاعدة ( عفا الله عما سلف ) سيئة الصيت لدفع التاريخ اعادة انتاج نفسه بقميص جديد ! واللهاث وراء الدوغمائية ... دوغمائية الاحزاب السياسية لأن مصالحهم تنسجم مع تغيير سلوكيات الكادر الحزبي عند استلام السلطة باتجاه الفساد والافساد .... المتنفذون السياسيون هم أكثر فساداً من كبار الموظفين، وموظفو الدواوين الأعلى مركز وظيفي أكثر فساداً من الآخرين. يتوقف الاستقرار السياسي على حجم الفساد وحركته باتجاهين من الأعلى نحو الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى.ويتجلى الفساد السياسي اليوم في محاولة تحويل العراق الى حسينية كبيرة لا تتقبل الاخر إن لم يكُ لاطماً أو نائحاً أو مطبراً !،و نظم المحاصصات الطائفية والمساعدة على قيام المافيات وجماعات المصالح ضمن بيئات أساسها أن "الفائز يحصل على كل شيء"، وفي نهج خيانة الشعب وتعضيد الأجهزة الأمنية والمخابراتية الأيرانية في المدن العراقية ومحاولات فرض قيادات تطبق النموذج الأيراني المسخ في الحياة اليومية والعادية على الشعب العراقي بالقوة وعجمنة المدن المقدسة و المنطقة الجنوبية المحاذية لشط العرب.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |