|
بعض الأمهات الأمريكيات يرفضن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب فينوس فائق ميزوري / أمريكا
ولاية ميزوري كانت محطة إقامتي لمدة شهر أثناء زيارتي الأخيرة إلى أمريكا، في أول يوم خرجت فيه للتبضع صادفت إمرأة أمريكية مسنة أثناء تجوالي في إحدى المحال الراقية لشراء الملابس، فسألتني السيدة دون سابق إنذار : من أي بلد، المكسيك؟ فهناك يظنون غالبية السمر الذين يتكلمون الإنكليزية بلكنة غريبة أنهم من المكسيك، فأجبتها بلا، ثم سألتني عن إسم بلدي فقلت لها أنني من كوردستان العراق . فحال سماعها بإسم العراق قالت لي : من العراق؟ فقالت: إبني هناك، يحارب الإرهاب. سألتها: وما رأيك أنتِ؟ ردت: أنا لست سعيدة بطبيعة الحال بأن إبني الآن في جبهة القتال الأمريكية ضد الإرهاب، لكن العراقيين أيضاً ضاقوا الكثير على أيدي النظام الدكتاتوري وآن لهم أن يستريحوا . وقلت لها: وهل الأمريكان هم الذين سيجلبون الراحة للبيوت العراقية ؟ ردت: ليس بهذا المعنى، وإنما يعتبر الأمريكيون أنفسهم مسؤولون أمام الحرب التي أشعلها بوش بحماقة، فإن لم يذهبوا ستأكل نار الإرهاب تلك المنطقة، أنظري تلك الجماعات الدينية الإرهابية ماذا تفعل بالعراقيين على مدار الساعة، والشعب العراقي يجب أن يرتاح لكنه بدلاً من ذلك دخل في صراعات الإرهابيين. فأجبتها بسؤال آخر: ولكن من الذي زرع برأيك بذور الإرهاب في تلك المنطقة، بعبارة أخرى من وراء نشوء تلك الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين غطاءاً وتتستر وراءها لتنفيذ خططها الإرهابية الشنيعة؟ فقالت : أنا معك أن بوش هو الذي إبتدع حرباً سماها بحرب الإرهاب، لكن قولي لي الآن ما ذنب العراقيين الذين يعيشون في نار الإرهاب ويموتون يومياً بالعشرات؟ فقلت لها: كان الأجدر بك أن تقولي ما ذنب الشباب الأمريكيين يكتوون بنار الحرب ضد الإرهاب وهم ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل . فردت بسرعة : فكرة أن أبناءنا يموتون في تلك الحرب لا أريد أن أتذكرها، لا أريد سماع أي خبر يحمل نبأ مقتل وإستشهاد أحد الجنود الأمريكان في معركة وفي إنفجار، لا أريد أن أتخيل نفسي سأستلم جثة إبني يوماً وهو شهيد. إلى هنا وإنقطع الحديث عندما ذهبنا لدفع ثمن ما إشتريناه. ثم دفعني فضولي الصحفي أن أستغل هذه المحادثة وأن أسأل البعض من الأمهات الأمريكيات عن رأيها في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، فكان أن إلتقيت بإحدى السيدات التي تعمل في المؤسسة التي تعمل فيها صديقة لي في المدينة ذاتها وهي أيضاً إبنها إلتحق بالقواة الأمريكية في العراق فقالت: نعم إبني إلتحق منذ ثمانية أشهر وأنا أتواصل معه وأسمع صوته أحياناً عبر طريق الهاتف فأعرف أنه مازال حياً. أما عن رأيها في تلك الحرب التي إنخرط فيها إبنها قالت، نحن لا نكره العراقيين بتاتاً لكننا نكره القرار الأمريكي بشن حرب ضد الإرهاب وجعل أبناءنا وقود لتلك الحرب، لا أدري كيف يفكر بوش، عن نفسي لم أكن أريد لإبني أن ينخرط في صفوف القوات الأمريكية في العراق بحجة محاربة الإرهاب، كما لا أريد له مصير الموت مثل باقي الجنود الأمريكان الآخرين الذين ذهبوا ضحية قرار بوش. شاب في العشرين من عمره إلقيته في إحدى المناسبات قال : قرر أخي فجأة ودون سابق إنذار أن يلتحق بالجنود الأمريكان لكن أبوث خضعا لإراته، ولا أتخيل ولا أريد أن أتخيل نفسي وأنا أستلم جثة أخي وهو قتيل في حرب أشعلها بوش وسماها بالحرب ضد الإرهاب، فقلت له : لكن أليس هناك إرهاب في تلك المنطقة ويجب محاربته ؟ فأجاب : الأحرى أن تسألون من الذي زرع بذور الإرهاب في تلك المنطقة ويرويها بدماء الجنود الأمريكان ولأي غرض وهدف فعل ذلك، هذا هو السؤال، فسألته: ولأي غرض وهدف زرع بوش بذور الإرهاب في تلك المنطقة برأيك ؟ فرد ضاحكاً: هل حقاً تسألين لأنكي تجهلين الإجابة، أم أنك تريدنني أن أنطقها كأمريكي؟ نعم النفط هو سبب البلاء. فالأمريكيون أيضاً يدركون أن في الشرق يوجد نفط لكن لا توجد العقلية التي تستفيد منه، لأن الشرق مصاب بداء الدكتاتورية، بوش جاء ليزرع بذور الإرهاب وينشر رياح الديمقراطية ويقطف ثمار جهده نفطاً.. للأهمات الأمريكيات والأمريكيين بشكل عام وجهات نظر متباينة حول الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ومن مسألة تواجد القوات الأمريكية في العراق، فمنهم من يرفض تلك الحرب قاطبة، ومنهم من يؤيدها، الشباب أغلبهم إنقاد وراء الإغراءات المادية بالرغم من أنها ليست خيالية، لكنها جيدة بالنسبة لشاب عاطل عن العمل ويفكر في جمع حفنة من الدولارات، فهو يرى نفسه مستفيداً من تلك الحرب على الرغم من هدم عدالتها.. لا أدري لماذا توقفت عن إكمال التحقيق الذي بدأته، لم أرغب في سماع المزيد، لا يفكر الأمريكي في مفهوم الحرب كما نفكر به نحن، ولا يبدأون نهارهم بالمناقشات السياسية كما نبدأها نحن، الأمريكيون معروفون بأنهم عمليون أكثر من اللازم ونهمين، والشرقيون معروفون بحساسيتهم وعاطفيتهم المبالغ بها، فبين الشرق وأمريكا تبقى الحرب مشتعلة، لكنها حرب من طراز آخر، ليس حرباً بالمعنى التقليدي للكلمة، لكن حرب من طراز جديد، يشارك فيه حتى الطفل النائم في حضن أمه، فليس هناك ساحات حرب، فساحات القتال باتت مفاهيم إفتراضية ولاوجود لها في زمن الحرب على الإرهاب..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |