|
أين النزاهة في هيئة النزاهة العراقية؟ أحمد عبدالعال الصكبان
بداية تعرف معظم النظم السياسية وجود أكثر من جهة رقابية على أداء الحكومات والمنظمات القائمة بإدارة الدولة المعاصرة، فالصحافة في أحد تعريفاتها مثلاً هي مراقب دائم للسلطة ولأداء الحكومة، وفي البرلمان البريطاني يشبه نائب الحزب المعارض ( وهناك كلمة معارض ليست مسبة بل تعني الحزب غير الفائز بنسبة تسمح له بتشكيل الحكومة) بسوط دائم ينتظر للحكومة أخطاءها يناقشها بموضوعية ويفندها، ويقوم النظام السياسي في الولايات المتحدة على أن تكون الرقابة متبادلة بين السلطات الثلاثة، وفي يد كل سلطة قدرات وصلاحيات لمراجعة قرارات السلطة الأخرى، وكلما جنحت أحدها للخطأ وللاستئثار بالأمر فإن امتيازات السلطات الأخرى تردعها وتكبحها،و يطلق على هذه الحالة الكوابح والتوازنات، وتختلف الامتيازات والسلطات الممنوحة لجهات الرقابة من بلد لآخر، لكن كلما زاد احتمال التسلط في بلد ما كأن يكون خارجا لتوه من حكم تسلطي أعطيت للجهات الرقابية دورا أكبر طالما أن هناك نية صادقة لدى الحكام الجدد بعدم تكرار أخطاء الماضي وخلق طغاة جدد، وقد نكون نحن بالعراق من أكثر الدول بالعالم الثالث حاجة لتعدد جهات الرقابة فالتنمية الآن تجري بالعراق بالمليارات والفساد أيضا والسرقات تقترب أرقامها من ذلك، ولا داعي أن نذكر بأن السرقة في مجال التنمية من أشنع الجرائم لأنها تعني سرقة في الحاضر واقتصاص من نصيب الأجيال القادمة وحقهم في موارد هذا الوطن. مناسبة هذا الكلام هو أداء منظمة رقابية عراقية هي هيئة النزاهة والتي أنشأت حسب قانون الدولة الانتقالي، دون أن يكلف أحد نفسه بأن يوضح لنا هل هذا الجهاز تابع للحكومة أم يعلو عنها إداريا، وهل هو سلطة قضائية أم تقريرية تصف الأخطاء،و هل سلطاته ملزمة أم استشارية، بمعنى أن عليه تقديم التوصيات بإحالة أحد لمحاكمة أم مجرد تقديم التقارير وتبقى الكلمة النهائية للسلطات التنفيذية، وما هي بالضبط الضوابط المحددة لعمل الهيئة، وكيف يمكن حل تعارض بعض اختصاصاتها مع ديوان الرقابه الماليه، وهل هذه تلغي تلك؟ أم أنها جميعاً هيئات وكيانات إدارية جديدة لتعيين موظفين أكثر وتحميل ميزانية الدولة بالأعباء المالية لتكتسب الحكومة مظهر من يقوم بحل مشكلة البطالة، وإن اقتصر التعيين في بعض المناصب العليا على المرشحين من قبل الأحزاب الحاكمة. ثم ماذا عن الاختيار العشوائي للقضايا المنظورة أمام الهيئة؟ وكيف سكتوا منذ تأسيسهم على جرائم تمت في عهد قريب جدا، وهو عهد بريمر وبعض مستشاريه وبعض الوزراء في الحكومة المؤقتة من آب 2003 وحتى حزيران 2004. ثم ماذا الآلية التي تم بها ابتداء تأسيس هيئة النزاهة، على أي أساس اختير أعضاؤها ومنتسبوها؟ هل بإعلان عن وظائف شاغرة؟ أم بتزكيات أحزاب سياسية؟ثم ما هي أجندة قضاياها الأولى بالنقاش والمتابعة؟ بمعنى ما هي معايير اختيار قضاياهم؟ لماذا مثلاً لم تحقق الهيئة الموقرة في عقد الطيران الإذعاني المذل الذي وقع في عهد بريمر وحمل توقيع الأخ وزير النقل ومدير الطيران المدني وأعطى كل الحقوق للطرف الآخر وحمل العراق مسئوليات ومصروفات ومخاطر تمتد لعقدين من الزمان.. ماذا عن مخالفات عقد شركة الهاتف المحمول "عراقنا" السيئ الصيت، ثم لماذا لم تناقش الهيئة لاحقاً ما يعلمه كل عراقي عن الرشاوي التي يشاع ان بعض السياسين حصلوا عليها من شركه سراقنا؟ هل لأن هذه الصفقة - منذ بداية رسو العطاء على شركة أوراسكوم المصرية - كان بها فساد يطال أسماء في أحزاب ممثلة بالحكومة العراقي الحالية فتوجب الصمت على الاستنزاف اليومي للمواطن العراقي؟؟ هل معقول أن تحصن هيئة النزاهة أعضاء الأحزاب الحاكمة من النقد باعتبارهم معصومين من الخطأ؟ وربما انتظرت لخروجهم من السلطة لتقوم بذلك.. الله أعلم. ثم تعالوا إلى الفساد في وزارة المالية الأولى الذي أدى لحبس مدير مكتب الوزير الكيلاني آنذاك.. لكن أحدا لم يذكر الرأس الكبيرة في هذه العملية.. ترى ألم يكن واجبا استدعاء الوزير والمسؤل الذي كان مدير المكتب يدعي انه داعم له وسؤاله - مجرد سؤال - عن هذا الفساد؟ ثم تعالي يا هيئة النزاهة وفسري لنا سر الحملة الكبرى التي خرجت على الوزراء السبعة بالحكومة الثانية برئاسة الدكتور أياد علاوي، هل كان هذا الصخب الإعلامي حول التحقيق مع هؤلاء لذر الرماد في الأعين وحفظ ماء وجهها لأن الهيئة الموقرة لم تجرؤ - ولم يسمح لها - بمتابعة الفساد الذي تم مثلاً في عهد مجلس الحكم؟ وحتى الفساد المتواصل من قبل "بعض" العناصر في الحكومة الحالية؟ وتذكرت وأنا أتابع التحقيقات مع الوزراء السبعة فإن بعض الاتهامات لإحدى الوزيرات - السيدة ليلى عبد اللطيف- أنها قامت بسرقة "هواتف جوالة" وفي نفس الوقت استولت على 50% من أسعار رحلات "الحج"،فعلى ذكر الجوال لماذا لم تتم الإشارة لفساد عقود الجوال التي تمت في عهد مجلس الحكم، وبمناسبة الحج : لماذا لم تحقق لجنة النزاهة - أدامها الله - في فضيحة أول رحلة حج تخرج من العراق بعد سقوط صدام في عهد الوزارة الأولى عندما وقعوا عقد مع شركة لتسفير الحجاج ولم تقم بما هو مطلوب وبقى الحجاج على الحدود، وحجوا في صفوان بدلا من مكة المكرمة والمدينة المنورة..ورئيس الوزراء الحالى الدكتور الجعفري يعلم خفاياها ويعلم المأسي التى تعرض لها العراقين فيها. ثم ماذا فعلت الهيئة لاستعاده أموال الدولة المنقولة مثل السيارات والعقارات المسروقة بعد سقوط صدام والتي وزع بعضها بعلم وزراء حاليين؟ اليس هذا فساد اداري؟ بالطبع الحياء يمنع الهيئة المبجلة من توجيه الاتهام لوزير حالي لجرم تم ارتكابه في وزارته قبل عامين، فأنعم بها من أخلاق نزيهة وشفافية مطلقة! ثم تعالوا إلى هيئة اجتثاث البعث، ألم يكن بها هي الأخرى فساد؟؟ فعندما يكون القاضي والحكم هو في ذاته بعثي سابق ولا يستحق هذا بعض الانتباه من هيئة النزاهة؟. ألم يكن بطل فقرة الملاكمه على قناه العربيه بعد سقوط صدام عضوا بلجنة اجتثاث البعث وهو ذاته بعثي سابق؟ هل نتحدث عن الفساد الإداري الذي وصل لتعيين مواطنين لم ينهوا حتى المرحلة الوسطى من التعليم في مناصب إدارية عليا، بل وأحيانا تسمية مواطنين لشغل مناصب ولا يحضرون لتسلم مناصبهم ويقبضون رواتبهم وربما هم ببيوتهم وهم خارج البلاد؟؟ ثم تذكروا معي كم الفساد الإداري الذي شاب أمر تعيين الوكلاء والمدراء العامين في الوزارة الأولى،وكيف أصبح ابن العم والخالة أوتوماتيكا-وكلاء ومدراء لحد أن بريمر رفض التصديق على الأسماء المقترحة من قبل أعضاء مجلس الحكم بتعيين 80 وكيل وزارة، لأنه وجد أن الاختيارات حملت النفس القومي والمذهبي ناهيك عن النسب العائلي والعشائري، وحسنا فعل ربما تعلم بعض ساستنا شيئا اسمه الكفاءة كمعيار للاختيار وليس القرابة والنسابة.. والعرق والدين.. هل نتحدث عن اللجنة الأولمبية العراقية التى قامت منذ عام وأكثر بعقد صفقة مع شركة لبنانية لتدريب كوادر اللجنة في بيروت على استخدام الحاسب في دورة لعشرة أيام بمبلغ قدره 12 مليون دولار. هل نكرر أن العراق يستخرج الآن نحو 2,1 مليون برميل نفط يومياً قياساً بـ 2,8 قبل الاحتلال..و أن تهريب النفط يوميا هو سرقة مضاعفة في ظل تدهور الإنتاج وفي ظل الحاجة الماسة للمشتقات النفطية في تشغيل مولدات الطاقة لعدم وجود خدمة الكهرباء معظم اليوم وأن التبرع المجاني بتزويد الجيران بالنفط هو أيضا نوع من الفساد لأن "ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع "؟ هل نتحدث عن "تعميم بعض الكتب الإدارية من قبل أمانة العاصمة وبعض الوزارات العراقية على العاملين والموظفين, تنذر وتتوعد كل من يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام والصحف , بأنه سوف يتعرض إلى أقصى العقوبات الإدارية، ومعاقبة بعض من تحدث عن الفساد في إطار دائرة عمله؟؟ هل نتحدث عن الأموال والمصرفات التي تهدر بلا رقيب، عن السفرات الخارجية التي يصطحب فيها المسئول أهل بيته ومن أراد من إعلاميين حتى لو كانت سفرته لغرض ليس له أي صدى كبير ولا يحتاج لعدد كبير من الصحفيين لتغطيته؟
هل
نتحدث عن زيارة السيد
نائب رئيس الوزراء
الدكتور احمد الجلبي
قبل أسابيع لوزارة
الكهرباء لبحث موضوع
سؤ الخدمة،و تم
استقباله ببذخ كبير
ونحرت الأغنام بأعداد
كبيرة، لحد أن
المتبقي منها وزع على
الموظفين في اليوم
التالي، فما علاقة
أزمة الكهرباء بذبح
النحائر؟ وهل حلت هذه
الطريقة المشكلة؟ يا أيها القائمون على أمر هيئة النزاهة حكموا النزاهة في معاييركم وأدائكم واختياركم للقضايا أولا حتى تحسنوا العمل وتكتسبوا حقاً صفة النزاهة والعدل بين المواطنين ويكون لكم الهيبة الضرورية التي تدفع الجميع للتعاون معكم في سبيل القضاء على الفساد في أي عهد وحكومة كان. فليس معقولا أن يقتصر كل عمل هيئة النزاهة على قضية واثنتين ثم تطالبنا في نهاية العام بمصروفات عملها وتقتطعها من ميزانية الدولة، فإذا أراد البعض لهذا الكيان أن يبقى ليقوم بدوره الرقابي فليفتح كل الملفات قديمها وجديدها،و ليجعل الرقابة الصارمة والحياد أساساً لعمله لا يحيد عنه ولا يخاف في الحق لومة لائم، وإلا فلا يلومنا أحد إن قلنا "لا نزاهة في هيئة النزاهة "... أيها الساده إن كم الفساد المالي والإداري زاد عن أي حد ويحتاج لوقفة سريعة منكم، فلا تزيدوا الطين بلة وانقدوا أنفسكم وأنقذوها قبل أن يسبق السيف العزل..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |