القضاء العراقي .. بين مرحلتين

صاحب مهدي الطاهر / هولندا

keesbees@hotmail.com

 

كلية السياسة والحقوق هكذا كان اسمها قبل منتصف الثمانينات حين جاء قرار صادر من وزراة التعليم العالي والبحث العلمي يقضي بتقسيمها الى قسمين ضمن كليتين منفصلتين الاؤلى هي كلية السياسة واخرى كلية الحقوق، الاؤلى تعنى بالدرجة الاولى بتخريج كوادر سياسية تعمل ضمن اجهزة الدولة الرسمية وبشكل مباشر كالسفراء او الملحقيين بالسفارات العراقية في الخارج او ضمن السلك الاعلامي .اما الثانية فان معظم خريجيها يطمحون ان يتولوا وظائف مهمة كقضاة او مديري نواحي اما الاخرون فيعينون كمحاميين وموظفيين عاديين في اجهزة الدولة ذات الاختصاص ،لكن كيف تكون صورة هذا التعيين وما هي الشروط المطلوبة التي على ضوءها يتم اختيار هذا وذاك لهذه الوظيفة او تلك، هذه ستكون حجر الزاوية التي ينبغي على طالب الانتساب الى هذه الكلية معرفتها قبل الاقدام على هذه الخطوة ،فمن المعروف ان مهنة المحاماة ابان حكم صدام كانت تعتبر مهنة بائسة حيث ان العدالة برمتها قد اختطفت من قبل نظام دكتاتوري لا يعترف بها ولا يحترمها لا من قريب ولا من بعيد فما بالك بمن يدافع عنها؟ الا ان السلطات البعثية لا يمكن لها ان تلغي هذا الاختصاص باعتباره وظيفة معروفة تعتبر ركن اساسي في النظام القضائي الدولي وبالتالي فان الغاءها بمرسوم رسمي حكومي سوف يكون سابقة خطيرة اذ ستعتبر اقرار رسمي وبشكل علني من قبل السلطات العراقية على عدم احترامها بالشروط القضائية الواجب توفرها عند كل محاكمة، لذلك كانت مهنة المحاماة في العراق لا تستقطب الكثير من الطلاب العراقيين الملتحقين بكلية الحقوق اذ كان القاضي عندما يصدر حكما قاسيا بحق المتهم فان على المحامي ان يطالب هو الاخر بعقوبة اشد واقسى بحق موكله لكي يبيض صفحته امام السلطات البعثية ! تبقى مهنة القضاء ومديري النواحي التي كان يعتبرها النظام الاسبق من ركائز مؤسساته الامنية فقد اشترط هذا النظام منذ منتصف الثمانينات بصورة غير مباشرة ان يكون من يتولى منصب قاض او مدير ناحية حائز على درجة رفيق في حزب البعث فما فوق لهذا كان من ينوي الالتحاق بهذه الكلية(الا فيما ندر) لديه الاستعداد النفسي لتقبل ذلك وبالتالي فهو لديه الاستعداد لخيانة الضمير والوطن والصعود السريع الى قمة الهرم على حساب القيم والاخلاق والمبادئ، لذلك تكونت وخلال فترة طويلة تربو على العشرين سنة طبقة لاباس بها من القضاة البائعي الضمير بعد ان صفي او هرب الكثير الى الخارج من القضاة الذين سبق تخريجهم قبل هذه الفترة او احتفظ ببعضهم لانهم انجرفوا مع التيار وانصاعوا صاغرين بشكل تام للممارسات الدولة وافعالها المشينة ،من هنا نجد ان العهد الجديد بعد زوال صدام ونظامه يعاني بشكل كبير من فراغ مؤسساتي قضائي فاعل ونزيهه ياخذ على عاتقه اصدارالاحكام بحق المجرمين والسبب في ذلك ان معظم هؤلاء القضاة الذين ما زالوا يمارسون عملهم الى الان هم امتداد للحكم السابق وجزء لا يتجزء منه . لكن في المقابل لا يوجد خيار اخر بديل لدى الحكومة العراقية سواء الحالية او التي سبقتها لبناء هذه المؤسسة القضائية الغاية في الاهمية والخطورة بالشكل المطلوب بحيث لا يعتريها اي فساد لان ذلك يتطلب وقت طويل يبدا بالاعداد والتهيئة لقضاة جدد وهذه محكومة وفق مستوى دراسي معين ومحدد لايمكن تجاهله او القفز عليه .ان الفساد الذي احدثه نظام صدام البائد قد شمل كل مفاصل الدولة العراقية وتعداها الى ما هو ابعد عندما طاول المجتمع العراقي والنفسية العراقية  لكن يبقى الجهاز القضائي هو الاهم على الاطلاق في عملية الاصلاح في العهد الجديد باعتبار ان هذا الجهاز هو المعني بالدرجة الاولى بعملية الاصلاح فالاصلاح ينبغي ان يكون قانونيا وشرعيا وعليه كان ينبغي ان تمر هذه العملية وفق سياق قانوني ،ولكن كيف يمكن الوصول الى ذلك اذا كان هذا الجهاز نفسه يعتريه الفساد والتفكك (طبيب يعالج الناس وهو عليل) ؟  ان ما نسمعه ومنذ فترة ليست بالقصيرة حول اطلاق سراح المجرمين او التلكؤ باصدارالاحكام بحقهم هو ناتج عن ارهاصات هذه المشكلة المستعصية الا ان الغريب في الامر ان هؤلاء القضاة ولانهم بعثيون عرفوا بالمكر والخديعة استطاعوا ان يمرروا فكرة خاطئة الى الشارع العراقي( وذلك لهدف معروف) مفادها ان من يطلق سراح المجرمين او من يعارض محاكمتهم هم قوات المتعددة الجنسيات، فيما ان الواقع يقول غير ذلك تماما اذ ان هذه القوات غالبا ما يكون دورها مقتصر في القبض على الارهابيين والمجرمين وتسليمهم الى السلطات القضائية العراقية، ولكن عندما يطلق سراح هؤلاء المجرمين من قبل قاضي عراقي اي من الباب الخلفي فليس هناك بعد ذلك من جهة اخرى تحاسب وتدقق في الامر وعندما ينتهي الامر الى مسامع القوات الحليفة على ان هؤلاء المجرمين قد اطلق سراحهم فانهم يعتبرون ذلك قد صدر وفق لاحكام قانونية اصدرها القاضي العراقي وبهذا فان الامر قد انتهى عند هذا الحد ،فمن المعروف ان قوات التحالف وخاصة الامريكية منها لا تنتشرفي معظم المحافظات الجنوبية فكيف اذن يتم اطلاق سراح المجرمين والارهابيين من السجون العراقية المتواجدة في هذه المحافظات؟  ان خير دليل على ذلك ما يجري ومنذ شهورعدة من محاولات جرت وتجري الان للاطلاق سراح ارهابي متمرس شديد الخطورة يدعى عبد العزيز ماضي مزيد وقد دفعت بعض الاطراف رشوة كبيرة لاجل اطلاق سراحه تقدر بعشرين مليون دينار واذا قدر لهذه المحاولة النجاح فانها ستسند مباشرة دون شك الى قوات متعددة الجنسيات في محاولة لتستر على الفساد الذي ينخر بجسد المؤسسة القضائية العراقية !.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com