إيران النووية على طريق صدام!

عزيز الحاج

 

أعلنت إيران منذ يومين  قرارها بتحدي المجتمع الدولى حول حظر تخصيب  اليورانيوم، وهو ما يستعمل للأغراض العسكرية.

إن التحدي الإيراني مستمر منذ سنوات من شد وجذب، ولعب على الحبال، ومناورات كسب الوقت. ومنذ 2003 حذرت وكالة الطاقة النووية نظام طهران من عواقب برنامجها النووي العسكري مشككة في التصريحات المراوغة حول أن الغرض سلمي. وقد هددت المنظمة والاتحاد الأوروبي بعرض الموضوع على مجلس الأمن الدولي لاتخاذ العقوبات اللازمة. وفي نوفمبر 2004 توصل الاتحاد ممثلا في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وحكومة ولاية الفقيه لتسوية مؤقتة بأن تجري مباحثات بينهما للتوصل لاتفاق حول التعاون في مختلف الميادين وتقديم التسهيلات والامتيازات الاقتصادية والتجارية والنووية السلمية لإيران مقابل تعهدها "بتجميد" أنشطة التخصيب في مفاعلاتها ومختبراتها بأصفهان. وبالفعل تعهدت إيران بذلك حيث وافقت إيران على "تجميد جميع الأنشطة النووية الحساسة." ويظهر أن السعي للحصول على قنبلة نووية أصبح "مصدر فخر وطني" لمعظم القيادات الإيرانية من التي توصف بالمحافظة وإلى تلك الموصوفة بالمعتدلة. ولكن نظام خامنئي ـ أحمدي نجاد قد خرق الاتفاق معلنا في الثامن من الشهر الحالي باستئناف النشاطات التي وعدوا بتجميدها قبل عام. ويبرهن هذا التحدي الذي يوجه صفعة للاتحاد الاوروبي، الميال لمواصلة لعبة الشد والجذب، على المهنة التي يتقنها الخمينيون بالمناورة في السياسة، واستعمال الخداع والتضليل لمجرد كسب الوقت في حين تبقى أهدافهم الحقيقية نفسها وهي إنتاج القنابل النووية. ولكن لأي غرض يا ترى؟ هل لاستخدامها في مواجهة الضغط الأمريكي والتهديد برميها على "الشيطان الأكبر"؟ كلا بالطبع لأن تنفيذ ذلك محال. هل لرميها على إسرائيل؟ كلا أيضا وإلا فإن إيران تعرض نفسها لأسوا العواقب. إذن لماذا؟ الغرض في رأي المعلقين هو ابتزاز الخليج والعراق، وتهديد العراق فيما لو نجحت عملية تحوله إلى جمهورية ديمقراطية فيدرالية مدنية علمانية كما تم الاتفاق عليه في قانون الإدارة. كما إن هذه العنجهية النووية يقصد بها حقن أعوان إيران في لبنان والعراق بمزيد من حقن التطرف والتحدي في مواجهة قوى التنوير والديمقراطية.

 إن إيران ولاية الفقيه لا تتعظ بتجربة صدام. فهو الآخر واصل سياسة المكر والمناورة مع المجتمع الدولي لعدة سنوات، حتى كان لا مفر من أن يتلقى العقاب الحازم. وهنا أيضا نجد مع الأسف مدى تذبذب المواقف الأوروبية الغربية، ولاسيما دول كفرنسا وألمانيا، ومدى هوايتها لممارسة سياسة النفس الطويل والدبلوماسية الضعيفة مع أنظمة لا تتعظ ولا تفهم غير مواقف الحزم والعقوبات، وعند الإصرار فاستعمال القوة كآخر ملاذ.

 لقد اتبعت واشنطن في المسألة سياسة الهدوء تاركة للاتحاد الأوروبي ميدان المفاوضة، وهي تعرف جيدا عقمها في نهاية المطاف. ولكن واشنطن تريد أن يفهم الاتحاد، وبعد جهوده الطويلة، بأن سياسة اللين والميوعة والصبر المصطنع مع نظام كهذا لا تخدم الأمن الدولي، وأن واشنطن كانت ملزمة في القضية العراقية بالمبادرة العسكرية بعد أن أرادت دول محور رفض الحرب عرقلة ساعة الحساب، مستسلمة لأوهامها بدافع المصالح التجارية، وأيضا لإسكات فئات اليسار والمنظمات "الإنسانية" والطوبائيين المخلصين من محبي السلم بأي ثمن.

لإيران حججها كما لكل قضية مهما كانت، فيمكن لأصحاب النوايا السيئة إيجاد المعاذير والحجج لأية قضية أرادوا ومهما كان بطلانها. ولعل أهم حجة يتذرع بها القومانيون والإسلاميون وإيران، وكما فعل صدام، هي وجود السلاح النووي لدى إسرائيل. إن سباق التسلح النووي لا يساعد على استعمال الضغط المكثف على إسرائيل للقبول بهدف قيام منطقة شرق أوسطية منزوعة السلاح النووي. وكلما تدافعت دولة عربية أو دولة إسلامية في السباق وجدت إسرائيل ذريعة أخرى باسم الخوف من التهديدات الخارجية. ولو أردنا حقا خلق منطقة مجردة من السلاح النووي فليس الطريق دخول هذا السباق كما تفعل إيران الآن وفعل صدام من قبل، بل نبذ هذا التوجه لوضع إسرائيل وحدها في قفص الرأي العام الدولي، علما بان إسرائيل لم تتبجح يوما بحيازتها على أسلحة الدمار الشامل كما فعل صدام، ولم تهدد جيرانها يوما باستعمالها كما فعل صدام، وحيث أن إسرائيل مقيدة بضغوط أمريكية كبرى وصارمة جدا تمنعها من أية خطوة من هذا النمط الخطير.

على النظام الإيراني أن يتعظ بالتجارب المرة للآخرين وان لا يندفع في مغامرة خطرة قد تورده الهلاك فيما بعد. وعلى دول الاتحاد الأوروبي أن تدرك أخيرا، إن كان ينقصها الإدراك، بأنه قد آن الأوان لطرح الموضوع الإيراني على مجلس الأمن كما تطالب واشنطن منذ سنوات، وكما سبق للاتحاد نفسه التلويح به. على هذه الدول ألا تكرر تجربة ممارساتها الخائبة والضارة مع النظام الفاشي المنهار، مفسحة له المجال لاستمرار حملات إبادته للعراقيين ومواصلة سباق التسلح لتهديد الجيران. وأخيرا فعليها إدراك مدى الخطر الذي تشكله إيران على العراق بتهديدها للعملية السلمية من خلال تسريب الإرهابيين هي وحليفها الاستراتيجي في دمشق، ومن خلال إرسال كميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة إلى الإرهابيين الصداميين والزرقاويين لمواصلة المزيد من أعمال القتل الجماعي والتفجير، ومن خلال تغلغل ضباط مخابراتها وحرسها الثوري في العراق الجنوبي وتسليحها وتمويلها للميليشيات والجماعات الموالية لها الهادفة لقيام نمط عراقي من نظام ولاية الفقيه.

 على أوروبا أن تدرك أن هذه الممارسات تشكل خطرا ليس على العراق وحده، بل وعلى مستقبل المنطقة كلها، وتعرض المنطقة لمزيد من التوتر ومزيد من قوى الإرهاب الإسلامي الذي يهدد العالم أجمع. إن سياسة إيران وممارساتها في العراق ولبنان، وسباق تسلحها النووي، تهديد للأمن الدولي.

 

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com