|
هل من حق التيار الصدري أن يحتجب في الانتخابات القادمة
في البدء عليَّ أن أبين أنني كنت على طرفي نقيض (كليبرالي) مع ممارسات ميليشيا السيد مقتدى الصدر، وربما يتذكر البعض أنني انتقدت بالتفصيل في سلسلة مقالات ما اعتقدته ضد التعددية السياسية وما مثَّل ويمثِّل انتقاصاً لحرية المواطن العراقي التي ان تساهلنا قليلاً معها اليوم.. فقدناها غداً. ولكن كل ذلك اليوم في تّغَيُّر مستمر، فقد قاد السيد مقتدى الصدر حملة (تمحيصية) لممارسات أفراد التيار وميليشياته (مع اعتقادي الراسخ أن وجود الميليشيات ضد دولة القانون)، وعلينا أن نتجاوب مع التغيير الذي يقوم به افراد التيار ونعيد تقييم التجربة. لقد قاطع السيد مقتدى الصدر الانتخابات الفائتة (وان لم يدعُ أتباعه للمقاطعة)، وبذلك يكون قد سمح لغيره بالوصول الى الجمعية الوطنية سواء كان قاصداً أم لا. ولست ممن يدَّعي أن على السيد مقتدى (بنفسه) الترشح لكنني أدعوه الى خلق توليفة تكنوقراطية من أتباعه من القادرين على النهوض بمهمة تمثيل الشريحة الواسعة للتيار وبالتالي عكس الصورة الشعبية الى الواقع السياسي في دوائر صنع القرار. قد يعترض السيد مقتدى الصدر بأنه لن يشارك في برلمان او انتخابات (في ظل الاحتلال)، وأنا لا أطالبه هو أن يفعل، بل أطالب بنخبة من التيار أن تنهض بالأمر وذلك لأسباب عدة سنعرج عليها لاحقاً. في تصوري أن مسودة الدستور التي ظهرت على وسائل الاعلام أعادت الحسابات كثيراً، فالشعارات والدعايات الانتخابية كانت شيئاً والحقيقة التي يكتبونها في الدستور شيء آخر. فمسودة الدستور تكتبها اليوم مجموعة أعطت عهوداً ومواثيقاً في مؤتمرات المعارضة حول أوضاع كركوك، والفيدرالية التي لن تكتفي دون ابتلاع خيرات العراق، واليوم حين نراقب الحوارات على الفضائيات (أي حوار) تتكشف للمشاهد حقيقة مفادها أن تلك المجاميع قد طبخت طبخة ما في وقت ما وامتدت تلك الطبخة الى مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية من خلال وعود وصفقات يطالب اليوم الاكراد بتنفيذها لا على أساس اقتناع الشعب العراقي بها، بل على أساس أنها وعود لا يجوز التنصل عنها. وهذا الذي يجري من اجتماعات قمم على مائدة السيد رئيس الجمهورية انما هو اتمام للصفقات تلك وكأن الشعب لا صوت له في هذه المعمعة والجعجعة التي بلا طحين، ويمكن تشبيه تلك المفاوضات (القممية) على أنها تقاسم للكعكة بعيداً عن الشعب الجائع الذي هو (الكعكة ذاتها). وأيضاً شممنا روائح أخرى من مسودة الدستور في الحقيقة يمكن وصفها بالـ (مخجلة)، فحين يحمل الساسة فكراً وثقافة للدفاع عن مصلحة انتمائاتهم العرقية أو الطائفية ينبغي أن لايكون ذلك على حساب الوطن، وينبغي أن لا يكون أيضاً على حساب بقية الطوائف والاعراق والأقليات، فالمسودة تتضمن ألغاماً كثيرة على طريق المستقبل قد تنفجر في أية لحظة ان لم تفجر الوضع المتأزم أساساً، وتكفي قراءة سريعة لاكتشاف كل الكمائن الموضوعة على طريق تحقيق وحدة تراب الوطن والوحدة الوطنية. وهنالك نقطة في ظني انها مهينة في مسودة الدستور، كونها تنطلق من عقدة النقص للتأسيس لواقع تنكيلي بفرقاء الساحة، هذا بالاضافة الى تمرير برامج عمل واضحة تنفع دول مجاورة للعراق لانكن لها الا الود ولكنها لن تقتنع الا بابتلاع العراق او الجنوب على أقل التقديرات. على واضع الدستور أن لا ينطلق من أزمة (دونية المعارضة في مواجهة النظام السابق) بل يجب أن يكتب الدستور انطلاقاً من واقع التعايش الشعبي العراقي والمعاناة المشتركة في ظل وطأة النظام الشمولي، لان الدوران في الحلقة المفرغة من عقدة (الدونية) يشابه تماماً برنامج التكفيريين والارهابيين في القتل على الهوية وتخريب المنشآت العراقية والبنية التحتية، انها قاعدة (الخاسر لا شيء لديه ليخسره) فينطلق منها الى قاعدة (عليَّ وعلى أعدائي). ولا أجزم بأن كل الساسة (من أقطاب المعارضة السابقة) لديهم ذات الشعور والعقدة، بل تفوق بعضهم على العقدة، ولكنه واقع تحت عقدة أخرى وهي (التعهدات) التي منحت لهذا الطرف أو ذاك والتنازلات عن حقوق الشعب العراقي بموجب اتفاقيات عقدتها المعارضة في الخارج. في ظني المتواضع أن نخبة جديدة انطلقت بلا تعهدات للآخرين (سوى التعهد للشعب العراقي بالحفاظ على مكتسبات الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير)، وهذه النخبة والتي أقصد بها (الحوار الوطني) تمثل شريحة غيبت نفسها من خلال عدم الاشتراك في الانتخابات الفائتة لكنها استوعبت الدرس جيداً، فمن الواجب علينا جميعاً أن نهب لنجدة الوطن الذي تضيعه المعاهدات والاتفاقيات، وعلينا أن نتحامل على جراحنا من أجل هذه الغاية الوطنية السامية، لان التاريخ لن يرحمنا اذا ما تركنا الحبل على الغارب بانتظار غودو. وفي الواقع العراقي علينا أن نتحدث مع أنفسنا بصراحة، فالحوار الوطني يمثل العرب السنة ممن لا اتفاقيات ولا تعهدات تربطهم وتعيقهم عن الوصول الى البلسم الشافي لجراح الوطن، ولكننا (كشيعة) لا نجد من هذا النطاق من يمثلنا (اللهم الا حزب الفضيلة) الذي انساق مع شديد الأسف وراء اسم اللائحة بعيداً عن واقع الشارع، وأنا قد أجد العذر لهم في قلة الخبرة السياسية، و المغالاة في التحزب ضد الهجمة الارهابية التي تحاول النيل من الشعب العراقي الجريح. ولكن ما هكذا تبنى الاوطان، ولا تعالج الجراح، بل علينا أن نظر بحصافة السياسي الخبير الى المستنقع الذي ينجر اليه الوطن عنوة من خلال الارهاب، والرغبة في اظهار الوحدة في مواجهة الارهاب، فهذان النقيضان اجتمعا على تمزيق هذا الشعب المظلوم، والوطن المكبل. أرى أن من واجب التيار الصدري تحديد موقفه الايجابي وليس السلبي من الموضوع، فالترشيح للانتخابات القادمة من خلال شخصيات تتمتع بالنزاهة والقدرة الادارية وكذلك الموثوقية الكاملة في تمثيل الجزء المتغيب عن الساحة السياسية لكي يعيد التوازن المفقود في المعادلة التي تتمتع اليوم بسلطة اتخاذ القرار. على التيار الصدري أن يطمئن الشارع العراقي بأنه (التيار) يؤمن بالتعددية السياسية وبالحوار وبأنه يعمل لمصلحة الشعب، وأنه مستعد للتحامل على جراحه من أجل وضع قطار الوطن على السكة الصحيحة.. سكة لا تدين بالولاء الا للوطن. وكذلك وضع الخبرات العراقية (من عراقيي الداخل) تحت تصرف الشعب العراقي بدلاً من رجال لا يفرقون بين (الباب المعظم والباب الشرقي) ما لم يدلهم عليه أحد وهم يقودون الأجهزة الأمنية اليوم. ان استمرار التيار في الابتعاد عن الساحة السياسية هو تسليم لمقاليد امور البلد بأيد هي أصلاً تئن تحت وطأة ضغوط تعهداتها السابقة، وهي بين نارين.. أن لا تستجيب فتخسر صدقيتها.. وبين أن تستجيب وتخسر بذلك ثقة المواطن العراقي الذي انتخبها. في ظني أن هذه المسودة لن تنال ثقة الشعب في الاستفتاء القادم، وسيفشل الدستور، وعلينا أن ننكب لدراسة الواقع من جديد وكتابة دستور يمثلنا، يحافظ على تماسكنا الوطني بدلاً من تمزيقه، وهذه وظيفة التيار الصدري ووظيفة كل العراقيين ممن لا ينوؤن بحمل التعهدات والصفقات. وانا أدعو عراقيي الداخل والشرفاء ممن لا أغراض شخصية لهم من عراقيي الخارج ممن كل همهم خدمة الوطن، أن ينهضوا بمهمة تأسيس أحزاب ومنظمات وطنية عراقية غير خاضعة لأي سلطان من خارج العراق وخصوصاً مسألة التمويل من الخارج، لكي ينتخبها الشعب، فيكتبون الدستور الذي نريده. وعلينا أن نقوم بتطوير أدائنا الحزبي وبرامجنا السياسية، واساليبنا الدعائية لكي نكون قادرين على كسب رضا الشعب وبالتالي نكون مستقلين حتماً. يجب أن تركز الاحزاب الوطنية في الداخل على النقاط التالية :-
1- السيادة الوطنية العراقية على الاراضي والاجواء والمياه العراقية أمرلا تنازل عنه. 2- عدم التفريط بالوحدة الوطنية. 3- الايمان بالتعددية السياسية، وضمان الحقوق المدنية والحريات العامة والتبادل السلمي للسلطة. 4- الادانة التامة وبلا مواربة لكل الاعمال الارهابية التي تستهدف أي عراقي على أرض العراق، وكذلك ادانة الاعمال المسلحة ضد المدنيين من كل الجنسيات على أرض العراق. 5- الاقرار بأن مصلحة الوطن فوق كل شيء، فكما يقول ديغول (ليس للوطن أصدقاء بل للوطن مصالح)، ومن خلاله أيضاً (ليس للوطن أعداء، بل كل من يضر بمصلحة الوطن عدو). 6- تلتزم الاحزاب الوطنية العراقية بمطالبة الجانب الأمريكي باعادة تسليح الجيش العراقي بأحدث الأسلحة وذلك تعويضاً عن الدبابات والمدرعات والطائرات العراقية التي قامت سلطة الائتلاف بتدميرها وبيعها (الطن سعره عشرون دولاراً)، وذلك لغرض الاسراع في تمكين الجيش العراقي بجهود ابناءه كافة من الخبرات العسكرية (من غير الملطخة أيديها بالدماء العراقية البريئة)، ومن ثم المطالبة بخروج كل الجيوش الأجنبية المتواجدة على الارض العراقية، و يمكن الاستعانة بقوات متعددة الجنسية في مهام حفظ الأمن، ولكن بشرط أن تكون تحت إمرة الحكومة العراقية، وفي حال الرفض يتم استقدام قوات من الأمم المتحدة كبديل لمساعدة الشعب العراقي في حفظ الأمن بشرط أن تكون تحت إمرة الحكومة العراقية المنتخبة. 7- الغاء مبدأ المحاصصة العرقية أو الطائفية أو الحزبية، واستبدال ذلك بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وقد تمثل سياسة التكنوقراط بداية صحيحة. 8- ضمان حرية اعتناق الأديان وممارسة الشعائر والطقوس وبما ينسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان. 9- الالتزام بمبدأ حسن الجوار مع الدول المحيطة بالعراق مع احترام الشؤون الداخلية المتبادل. 10- كتابة دستور للعراق فيه آلية تمنع احتكار السلطة من قبل أي فئة أو جماعة أو حزب، وإقرار مبدأ فصل السلطات. 11- دولة القانون والمؤسسات ضمانة حضارية لحفظ حقوق المواطن والدولة، ولا غنى عنها في التعايش السلمي. 12- حقوق المرأة القانونية والدستورية في العمل وفي المجتمع وفي العمل السياسي مكفول. 13- حقوق الطفل مكفولة وتلتزم الاحزاب الوطنية في تثبيت حقوقه والزام الحكومة العراقية في اثبات حقه في الرعاية الصحية و التربية والتعليم وضمان كافة حقوقه على المجتمع. 14- ضمان تكافؤ الفرص أمام العراقيين جميعاً. 15- تفعيل دور القضاء العراقي الذي غُيِّبَ عَمْداً، وكذلك تنشيط دور دائرة الادعاء العام في القضاء على الانحراف والفساد بدلاً من انشاء هيئات زائدة عن الحاجة لا دور فعلى لها بل يقلل من دور الهيئة العدلية المهمة للمدعي العام.
النقاط لا حصر لها لان متطلبات الشعب العراقي الذي فقد الأمن والأمان والخدمات للعقود الاربعة المنصرمة تراكمت مما صَيَّر حلَّها من الصعوبة بمكان، فلا بد من تكاتف الجهود الخيرة لأبناء الشعب العراقي لحل الأزمات والمشاكل المتراكمة، ونحذر من أن أي مشروع لحل مشاكل الوضع العراقي يتضمن الاقصاء السياسي والحزبي كفيل بنسف الجهود الوطنية، وان أي محاولات للانتقام بعيداً عن القضاء العراقي المستقل من شأنها أيضاً نسف المشروع الوطني والوحدة الوطنية. نداء نوجهه الى السيد مقتدى الصدر أن لا ينأى بنفسه بعيداً عن الضرورة الملحّة في قيام مشروع سياسي وطني يدخل الانتخابات العامة القادمة ويعيد الامور الى نصابها. والله ومصلحة الشعب من وراء القصد
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |