|
إنا أهديناك النجدين ...... حمزة الجواهري 2005-08-12
وحدة العراق يمكن أن تتحقق بالمشاركة باستثمار النفط، حيث الفدراليات تتولى إنتاج النفط واستثماره، في الوقت الذي تبقى به ملكية النفط والغاز عامة للشعب العراقي. مع تصاعد الدعوات نحو فدراليات ثلاث واحدة للكورد والثانية للسنة أما الثالثة والأكبر فهي شيعية في الجنوب، تتزايد الهواجس والخشية من تفكك العراق إلى ثلاث عراقات ربما يتبعها مزيدا من التفكك، خصوصا وإن الثروة الوطنية من النفط والغاز مازالت لم يحسم أمر ملكيتها بشكل قاطع، فلو أصبحت ملكا للفدراليات، فإن الأرضية لتقسيم العراق سوف تكون واقعية جدا وأقرب من العين للحاجب. ربما يتصور المتفائلون، وأنا منهم مع الأسف، إن ما يجري ما هو إلا مناورات تفاوضية تعزز موقف أي من الأطراف، لكن حتى لو صح هذا الأمر، فإن الخشية أمر مبرر، خصوصا وإننا نقترب من الموعد النهائي لتسليم المسودة للبرلمان العراقي، ففي حال تم تسليمها على ما هي عليه الآن، فإن ذلك يعني، بلا أدنى ريب، من أن الأمر ليس مجرد مناورات، ولكن صراعا يقترب من شكله التصادمي، وربما الدموي حول المسائل الخلافية. قد لا يستطيع أحد الوقوف بوجه الساسة العراقيين فيما لو كانت نواياهم الحقيقية هي تقسيم العراق، لكن على الأقل، أو أضعف الإيمان، هو تنبيه الساسة إلى حجم الخسارة التي يترتب عليها هذا السعي المحموم نحو الاستئثار بالثروات المخزونة في باطن الأرض. المسألة بالتأكيد سوف لن تنتهي عند التقسيم، لا سامح الله، ولكن سوف تكون البداية لصراع إقليمي واسع سوف لن تستطيع الثروات النفطية تعويضه بأي حال من الأحوال، وتجربة صدام حسين الخائبة أكبر دليل على صحة هذا التقدير، فبالرغم من زيادة الإنتاج في النفط والزيادة الكبيرة في أسعاره، لم يحصد صدام سوى الخراب والخيبة والموت والدمار لشعب العراق بكل أطيافه، وسوف لن يكون الوضع بأفضل من ذلك في حال استمرار الساسة على مواقفهم المتصلبة من شكل النظام الفدرالي وحدود الفدراليات وتقسيم الثروات المخزونة في باطن الأرض، هذا فضلا عن فرض إرادة الأقليات المتأسلمة أو تلك المتعصبة قوميا على تحديد هوية العراق. إنها ليست الفرصة السانحة التي لا ينبغي تفويتها كما يزعم البعض لكي يملوا إرادتهم الشاذة على العراقيين دستوريا، ولكن ينبغي القول، إن عليهم عدم تفويت الفرصة على الشعب العراقي أن ينعم بدستور يضمن حقوق الجميع، لا الدستور الذي يحقق برامجهم السياسية التي لا يقبل بها سوى أتباعهم من السذج أو الأميين، وبالتالي ضياع العراق برمته وليس الفرصة التاريخية المتاحة أمام الجميع. من خلال نقاط الخلاف علينا أن نبحث عما يوحد العراق، ولا أستطيع أن أزعم أنني بهذه المقالة المتواضعة سوف أضع كل الأدوات التي أبحث عنها لتحقيق هذا الهدف السامي، ولكن من خلال التخصص الذي أعمل به، أستطيع أن أضع صيغة عملية تقربنا جدا من الهدف الأسمى والأكبر هو وحدة العراق ووحدة أبناء شعبه، فأنا لا أستطيع أن أعالج الأمراض التي توطنت في نفوس البعض، ولكن أستطيع أن أعالج مسائل فنية باستطاعتي تناولها بشكل علمي وعملي وسلس، والتي أعتقد جازما أنها سوف تكون من أهم الأدوات التي توحدنا ولا تفرق أبدا، وهي الخوض في مبدأ تقسيم الثروة النفطية ليس بشكله المجرد والساذج، ولكن بشكله العملي والقابل للتطبيق. ما أجمع عليه الباحثون هو أن التجارب العالمية للأنظمة الفدرالية في العالم أنها تقاسمت الثروات الطبيعية ومنها النفط بطرق مختلفة، كل حسب ظروفه الموضوعية السائدة في بلده، معظم هذه البلدان تختلف عن العراق، ربما في كل شيء، لذا لابد من اختيار الأسلوب الأفضل الذي يتوافق مع الواقع العراقي. الواقع الموضوعي يقول أن العراق يتكون من قوميات كثيرة وطوائف دينية مختلفة، وبظل أنظمة عنصرية وطائفية كانت قد وزعت الظلم على أبناء الشعب العراقي بشكل غير عادل، حيث أنها لم توزع يوما ما الثروة ولا الرفاهية ولا العدالة ولا البناء ولا مصادر تنوع الثروة، بل كل ما فعلته تلك الأنظمة هو أنها قد وزعت الظلم فقط، ولكن بشكل غير عادل كما أسلفنا، فهناك مناطق من العراق قد حرمت من كل شيء وأصابها كل أنواع الظلم، في حين لاقت مناطق أخرى درجات أقل من ذلك الظلم بكثير، وهذه الأرضية التي أورثتها الأنظمة، خصوصا النظام البعثي المقبور كآخر أنظمة الظلم المطلق في العراق، هي الأرضية التي يقف عليها اليوم السياسي العراقي الذي يحاول أن يملي إرادته على الآخرين متذرعا بالظلم الذي أصاب منطقته أو قوميته أو طائفته الدينية، تاركا جدران مختلفة العلو من عدم الثقة مع الآخرين. لذا لابد من إيجاد وسائل فعالة لهدم هذه الجدران، وبذات الوقت تشكل الأرضية الملائمة والواقعية لوحدة أبناء العراق أينما كانوا. ربما يكون النفط أحد هذه الأدوات الفعالة التي يمكن أن تحقق الوحدة بين أبناء الشعب وتحقق وحدة أراضيه كما أسلفنا، حيث كما كان النفط سببا بكل مآسي العراق منذ اكتشافه، يمكن أن يكون أيضا سببا قويا بوحدة أبناءه وأرضه. اليوم، ونحن نحاول أن نكتب الدستور على عجل غير مبرر، في حين مازالت لم تحسم أهم القضايا الخلافية، بل على العكس من ذلك، راحت تتكاثر الخلافات في السوق السياسي كما الأميبا في المياه الآسنة، ومن هذه النقاط، مبدأ توزيع الثروات الطبيعية والنفط، بل في المقام الأول منها، دون أن يعطوا المتخصصين والدارسين الوقت الكافي لإيجاد الحلول الكفيلة بتوزيع هذه الثروات بشكل عادل وكذا يضمن وحدة البلد شعبا وأرضا. الصناعة النفطية، كما هو معروف، ليست النفط المخزون في باطن الأرض وحسب، فهي صناعة واسعة جدا تبدأ من الصناعة الاستخراجية وتنتهي بمنتجات متنوعة مارة بعدة مراحل، لا تحدها منطقة جغرافية واحدة، بل تعبر الحدود نحو العالم الأوسع، وحتى أن هناك مراحل تسبق الاستخراج، متمثلة بالاستكشاف بمراحله المتعددة، ومن ثم تأتي عمليات نقل النفط بعد استخراجه وتوزيعه على المشاريع الاستثمارية المنوعة التي تعتمد على النفط والغاز، فصناعة التكرير قد تطورت بشكل هائل وأصبحت من الصناعات الواعدة من حيث المردود المالي لها، بما يفوق ما يدره استخراج النفط الخام من أرباح، وهناك أيضا الصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية التابعة لها، وهناك إنتاج الطاقة الكهربائية والصناعات التي تعتمد على الطاقة الفائقة مثل صناعة صهر الحديد الصلب والمعادن الأخرى، ربما لا تنتهي المسألة بهذه الصناعات، فهناك البنى التحتية لنقل النفط والغاز لمراكز التصنيع أو التصدير والتي تشتمل على خطوط الأنابيب بأنواعها ومحطات تقوية الضغط، وحقول التخزين وموانئ التصدير، ويرافق هذه الصناعة أيضا الأنواع المختلفة من الخدمات التي تحتاجها هذه الصناعات والتي لا طاقة لأي جهاز مهما كان كبيرا من تقديمه، إلا إذا تم إشراك القطاع الخاص الوطني والأجنبي به، حيث أن هذه الخدمات متنوعة، منها الخدمات الهندسية عالية التخصص وأخرى بسيطة والعشرات من أنواع الخدمات الأخرى بين هذه وتلك تحتاجها هذه الصناعات. في الواقع إن السياسي العراقي الذي يجلس على طاولة المفاوضات اليوم، لا يدرك أن هذه الصناعات التي تعتمد على النفط والغاز تزيد بقيمتها على قيمة المنتج الخام عشرة مرات أو يزيد، وربما لا تفي الأيدي العاملة التي يستطيع العراق توفيرها في المستقبل لتلبية احتياجات هذه الصناعات المرتبطة بالصناعة النفطية، ولسد النقص في الأيدي العاملة، ربما نجد أنفسنا مضطرين لدعوة العمالة الأجنبية. كل هذا والسياسي العراقي لا يرى من الصناعة النفطية سوى ذلك الخام المنتج من الحقول، حيث مما تقدم، يمكن لأي فدرالية عراقية حتى لو كانت غير منتجة للنفط الخام أو الغاز الطبيعي، تستطيع أن تستثمر في هذه الصناعات الواعدة بشكل قد يجعلها أكثر غنىً من الفدراليات التي تنتج النفط أو الغاز. حقيقة إن السبب في تلك التصورات الخطأ هو أن الحكومات السابقة لم تعطي أهمية لأية مرحلة من مراحل هذه الصناعة، أو الصناعات المرتبطة بالصناعة النفطية أية أهمية تذكر، لذا فإن العراقي يفتقر لثقافة المجتمعات الصناعية، لذا فهو غير قادر على رسم الخطوط الصحيحة في مشروع مستقبل العراق. من هنا أيضا نفهم إن مبدأ توزيع الثروة لا يعني ملكية النفط المستخرج بقدر ما يعني أمر استثمار هذه الثروة من قبل الرأسمال الوطني، ومن ثم الضرائب المستحصلة من هذه الصناعات وفتح فرص العمل المتكافئة لأبناء الشعب وتقديم الخدمات لهذه الصناعات والتوسع بها. بالطبع إن ما تقدم لا يعني التفريط بالحقوق، بل يملي ضرورة توزيعها بشكل عادل ومنصف بين أبناء العراق، بما يضمن وحدة أبناء العراق ووحدة أراضيه. فكما لاحظنا أن ملكية النفط وحدها لا تعني شيئا على الإطلاق، فلو تركنا ملكية النفط كملكية عامة للشعب العراقي تحت سيطرة الحكومة المركزية، يمكن أن نترك إذا إدارة الإنتاج والاستثمار وتقديم الخدمات لتكون من صلاحية الفدراليات، أما عائدات النفط الخام والغاز يمكن أن تقسم بين الحكومة المركزية والفدراليات بشكل عادل يرضي الجميع، حيث بهذا التشريع يمكن ضمان وحدة أبناء الشعب العراقي من خلال ملكيته المشتركة للثروات بالرغم من تولي الفدراليات إدارتها. هذه المقترح يمكن أن يحقق الوحدة الوطنية من خلال المشاركة بملكية هذه الثروات والبنى التحتية التي تخدم هذه الصناعة الواسعة، وكذا ملكيته لحقوق الاستثمار في هذه الصناعة والعمل بها، حيث بهذا الأسلوب سوف نضمن القضاء تماما على أزمة الثقة القائمة حاليا بين الأطراف. حيث أن ملكية البنى التحتية لهذه الصناعة يجب أن تبقى بيد الحكومة المركزية لكي يتسنى للمخطط العراقي توزيع الإنتاج من الفدراليات بما يضمن توزيع الإنتاج وتطوير الحقول المنتجة بشكل يتوافق مع ثقلها السكاني ودرجة الحيف التي لحقت بها كنتيجة للسياسات السابقة، وذلك أمر ضروري لكي لا يكون هناك فوضى بالإنتاج أو التطوير. بهذا النوع من الشراكة، يجد أنفسهم أمام نوع من الشراكة أيضا في المصير والسيادة والولاء للوطن الواحد، هذا فضلا عن الشراكة بمفردات البرامج السياسية للأحزاب في المستقبل بظل العراق الفدرالي والديمقراطي الموحد أرضا وشعبا.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |