مناورات الساعات الأخيرة .. هل سيقف الزعماء وقفة التاريخ؟!

عزيز الحاج

 

يبدو مع الألم الشديد أن لا أحد بين ساسة العراق وحكامه يأبه لوجهات نظر المثقفين والقانونيين الديمقراطيين في الخارج. يظهر أن عجلة كتابة الدستور بأي ثمن تواصل الهجمة بدفع أمريكي قوي. آخر مناورة وأخطرها التلويح بمشروع الولاية الفيدرالية الشيعية من تسع محافظات شيعية، وكأنه منسجم مع قانون الإدارة عن الدولة الاتحادية. وأغرب ما سمعنا ردا على هذه المناورة الطائفية ذات العواقب التدميرية تصريحات بعض الساسة الكورد عن "الاتفاق بين الشيعة والجبهة الكردستانية حول الفيدرالية". أما أن قانون الإدارة مناقض نصا وروحا لفيدراليات مذهبية شيعية أو سنية فلا يبدو لنا أنه مثار تذكر أو اهتمام البعض!! لقد دعمت الأحزاب والتنظيمات الوطنية، ومنها الإسلامية، فيدرالية كردستان طوال التسعينات وفي مؤتمر لندن، وذلك لخصوصية المنطقة من كل النواحي وليس فقط لكون أكثرية السكان من الكورد مع قوميات تركمانية وكلدو ـ آشورية. ولا يزال الحزب الإسلامي العراقي يتفهم على لسان زعمائه مبررات فيدرالية كردستان. وطوال أكثر من عقد من السنين لم يطرح أي حزب شيعي مشروعا عن فيدرالية مذهبية، ناهيكم عن جمع تسع محافظات جنوبا ووسطا وهي المناطق التي تجمع الثروة النفطية الرئيسية. كما أن مفكرا وسياسيا شيعيا بارزا مثل السيد إياد جمال الدين يدين أمس بدوره فكرة الفيدراليات المذهبية . فقد صرح أمس قائلا: " أنا لا أتحدث عن فيدرالية الأكراد لان فيدرالية إقليم كردستان موضوع آخر ومختلف لان جميع العراقيين يكادون أن يتفقوا عليه." وأوضح جمال الدين أن قيام فيدراليات مذهبية يعني الدعوة لتفكيك العراق وتعريض الوحدة الوطنية لخطر التجزئة. إن معارضة مشروع السيد الحكيم المفاجئ لا يمكن وصفه بالعداء لشيعة العراق إلا من جانب مفلسين سياسيا ومشبعين بالنعرة الطائفية العمياء. إن معظم المثقفين الذين يدينون اليوم في الصحف والمواقع مشاريع الفيدراليات المذهبية هم من الشيعة أنفسهم، ولا يحق لكائن من كان أن يتنطع لطرح نفسه ناطقا باسم شيعة العراق، لا حزبا ولا رجل دين ولا شخصا! لكردستان خصائها وتاريخها وطموحات قومياتها غير العربية والمختلفة ثقافة ولغة وجغرافية عن بقية مناطق العراق. وإذا كانت أكثرية سكان كردستان كوردا فهناك أيضا قوميات أصغر لها كامل حقوقها الإدارية والثقافية والقومية في فيدرالية كردستان، ونعني القومية التركمانية والقومية الكلدو ـ آشورية. ليست فيدرالية كردستان دينية ولا مذهبية بل ولا مجرد قومية كردية صرف، لأنها تتضمن عدة قوميات هي غير عربية [ مع أقلية عربية هنا وهناك]. أعود لتصريحات بعض الساسة الكورد وأتساءل: كيف يمكن أن يكون هناك "تطابق " بين الفيدرالية الكوردستانية ومشروع الفيدرالية الشيعية؟! هل هم يؤيدون المعايير الطائفية أو الدينية في تشكيل الأقاليم؟؟ هل لمجرد تلويح المجلس الأعلى باستمرار تأييد فيدرالية كورستان يجب التضحية بكل المبادئ والقيم الديمقراطية؟؟ ومما يزيد الأمر غرابة أن القضية الكبرى عن طبيعة النظام المطلوب صار شبه غائب في التصريحات الساخنة هذه الأيام. فهل نسينا أن الخطر على كل مكاسب العراقيين ومنها مطالب الكورد والفيدرالية ستكون مهددة لو تم التنازل لدعاة نظام الشريعة واعتبار الدين هو "المصدر الرئيسي للتشريع"؟ هل ستحدث كارثة الاتفاق على نظام إسلامي باسم المطالب القومية والفئوية؟ وهل ننسى تجربة إيران ونظامها الإسلامي الذي شن ولا يزال يشن حروبا دموية ضد أكراد إيران، والذي يضطهد غير الشيعة وغير الفرس، ناهيكم عن التيارات العلمانية والديمقراطية والمرأة؟ وهل يمكن معالجة مشروع السيد الحكيم بمعزل عن الظروف الشاذة الراهنة في البصرة والجنوب جراء طغيان النفوذ الإيراني والتنظيمات المذهبية؟ وأخيرا ومرة أخرى لماذا هذه الحمية الحامية جدا لإنجاز وريقة دستور" لملوم" مرقع تكمن فيه جميع أنواع أشكال الصدام مستقبلا؟ استمعوا يا سادتنا الكبار لصوت الحكمة والواقعية، واتفقوا على الدستور المؤقت مرحليا وحتى انفراج الأمور بعد الانتخابات القادمة وتحسن مجمل الأوضاع، ولا تقدموا أية تنازلات لدعاة الدولة الدينية والفيدراليات المذهبية. ولنتعظ جميعا بتجارب حركتنا الوطنية وكوارثنا قبل أن نخطو خطوات نندم عليها حين لا يجدي الندم!

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com