المعايير المزدوجة للأعلام الروسى

جودت هوشيار

jawhoshyar@yahoo.com

شنت وسائل الأعلام  الروسية على مدى اسبوعين حملة شعواء -- ما زالت مستمرة الى ساعة كتابة هذا المقال--  على القناة التلفزيونية الأميركية(ABC) متهمة اياها بمناصرة ألأرهاب والأرهابين ، لأنها قدمت لقاءا مع الزعيم  الشيشانى الأرهابى(شامل باساييف) فى(1/8/2005)  وقد  احتجت وزارة الخارجية الروسية  على هذا اللقاء وقامت بأجراء لم يسبق له مثيل  منذ انهيار الأتحاد السوفييتى وهى  عدم تجديد تصاريح الأعتماد لموظفى مكتب القناة المذكورة فى موسكو  والتى تنتهى خلال شهرى اكتوبر ونوفمبر من هذا العام، وقد بررت القناة الأميركية  موقفها بأنها تؤمن بحرية الأعلام ومن حقها تقديم الحقائئق الى المشاهدين ، ويمكن تفهم الموقف الروسى ، لأن  باساييف ارهابى دموى لا يقل وحشية  عن بن لادن او الزرقاوى او اى سفاح اخر  يسفك دماء  المدنيين المسا لمين  الأبرياء ، وتزداد  ثقل الجريمة-ان صح التعبير- اذا كانت الدماء المسفوكة لأطفال بعمر الزهور كما حدث فى مدرسة بيسلان  قبل حوالى سنة وكان المخطط الرئيس لهذه المجزرة البشرية (شامل باساييف) تحديدا، ومن حق الروس الأحتجاج الشديد على هذا اللقاء، لأن احد الأهداف الرئيسية للأرهابين فى كل مكان هو الوصول الى وسائل الأعلام ،وتفترض تقاليد المهنة الصحفية قطع الطريق امام الأرها بين لمنعهم من نشر سمومهم وبث الرعب فى القلوب تحت يافطة (حرية الأعلام) ومن حق الحكومة الروسية اتخاذ ما تراه مناسبا لحماية  المواطنين الروس من خطر الأرهاب ، ورب قائل ، ان قضية الشعب الشيشانى قضية عادلة، وهذا صحيح من حيث المبدأ ، ولكن قتل الأطفال ، ليس الطريق الصحيح لأنتزاع استقلال الشيشان عن روسيا، والسفاح ( شامل باساييف) وغيره من الأرهابين الشيشان ، يسيئؤن الى القضية الشيشانية، التى لها انصار كثيرون حتى  بين المثقفين الروس انفسهم. وعلى اية حال ، يبدو لنا الموقف الروسى من هذه المسألة سليما ، ومفهوما، ولكن من غير المقبول على الأطلاق هذا التناقض الصارخ فى  الموقف الروسى من  قضية الأرهاب فى كل من الشيشان و العراق.  ومن اجل  ادراك ابعاد هذا الموقف لا بد لنا من العودة قليلا الى الوراء، الى  اواخر فترة حكم  النظام البائد فى العراق.فقد ساندت روسيا بقوة ووضوح وصراحة،النظام الدكتاتورى الصدامى وعرقلت--ما وسعها الجهد--اصدار قرارات ادانة قوية لنظام صدام واستفادت من الورقة العراقية الى اخر مدى حيث استطاعت  الحصول على أمتيازات لشركات النفط الروسية، كما حصلت الشخصيات الروسية المتنفذة على حصة الأسد من كوبونات النفط  العراقى. وكان من الطبيعى ان تعارض روسيا اسقاط النظام الصدامى وحرب تحرير العراق ، لأنها كانت وبكل بساطة مستفيدة من استمرار هذا النظام  بصرف النظر عما جلبه  من  كوارث ومصائب وويلات على الشعب العراقى الجريح الصابر ولم يتغير هذا الموقف  الأنتهازى  لا خلال الحرب--حيث كان الأعلام الروسى يكرر ويضخم تصريحات الصحاف العنترية-- ولا بعد سقوط النظام ،حيث اتخذ هذا الأعلام موقفا مؤيدا للعصابات الأرهابية الداخلية والخارجية ،و معارضا للعملية السياسية فى العراق، والصحافة الروسية زاخرة بمقالات وتعليقات  مؤيدة (لعمليات ) الخطف والذبح والقتل  والتدمير التى يقوم بها (الثوار العراقيون) –على حد تعبيرها—غير عابئة  بدماء المدنيين الأبرياء التى تصبغ شوارع  المدن العراقية ولا بأشلاء الأطفال العراقيين المتناثرة فى الطرقات والأزقة، وكأن دماء اطفال العراق تختلف عن دماء اطفال مدرسة (بيسلان)، لهذا لم يكن من المستغرب ان تنشر وكالة (نوفستى ) الروسية مقابلة مع  احد  الأرهابيين العراقيين المدعو  (عبدالله الجنابى) وقد وصفته الوكالة الروسية بأنه قائد احدى  قوى (المعارضة المسلحة) الرئيسية التى تطلق على نفسها اسم  (جيش المجاهدين)وقد  تهجم الجنابى خلال المقابلة على الحكومة العراقية المنتخبة والقوى السياسية فى البلاد وبرر قتل العراقيين بأن ذلك فى مصلحة البلد-- لاحظوا هذا الهذيان –ولا ندرى كيف يكون قتل العراقيين فى مصلحة العراقيين؟ بيد ان الجنابى يقول انهم ذاهبون الى الجنة الموعودة ؟  ويضيف  قائلا:"بعد طرد الأميركان ، سنعمل على اقامة (خلافة اسلامية) والهدف يبرر الوسيلة.

والطريف فى الأمر ان التنديد الروسى باللقاء الى اجرته (ABC) مع باساييف،قد نزامن تماما  مع الترحيب الروسى بالمقابلة التى اجرتها وكالة (نوفستى) مع الجنابى والأغرب من ذلك ان احدا من المعلقين الروس لم يلاحظ هذا التناقض الصارخ بين الموقفين،وازدواجية المعايير المستخدمة من قبل الأعلام الروسى، ففى الوقت الذى احتجت  فيه الحكومة الروسية على مفابلة(باساييف) واتخذت ما تراه مناسبا من اجراءات عقابية تجاه (ABC) ابدت امتعاضها من قيام الأمن العراقى بتفتيش مكتب الوكالة فى بغداد، وزعمت ،ان ذلك قد  تم بأيعاز من الأميركان ودافعت عن حق الأعلام فى اجراء المقابلات مع من يشاء .وقد اعترفت الوكالة ان تفتيش مكتبها فى بغداد قد تم بكل هدؤ ولياقة وان رجال الأمن السته قد ابرزوا تصريحا قانونيا صادرا من وزارتى الداخلية والعدل العراقييتين يخولهم التفتيش وانهم لم يصادروا اجهزة الكومبيوتر او اية ممتلكات اخرى ما عدا بعض الأشرطة التى سرعان ما اعيدت الى المكتب، علما بأن الصحفى  الروسى(بافل دافيدوف)الذى اجرى اللقاء مع الجنابى ،اختفى عن الأنظار ،ثم ظهر فى بيروت  زاعما أنه قد توجه الى هناك فى مهمة صحفية، واغلب الظن انه كان يتوقع ان يكون رد فعل الحكومة العراقية اكثر صرامة ، وربما كان سيخضع للأستجواب فى حالة تواجده فى بغداد لمعرفة علاقته بالجنابى الذى تبحث عنه السلطات العراقية ورصدت لمن يدلى بمعلومات تقود الى القبض عليه مكافأة قدرها  (50) الف دولار امريكى.وقد نشرت كبريات الصحف الروسية تعليقات ضافية على اللقاء الذى اجراه  بافل دافيدوف مع الجنابى وعلى  تفتيش مكتب (نوفستى)فى بغداد من قبل السطات العراقية، فقالت جريدة (الأزفستيا ) الواسعة الأنتشار نقلا عن دافيدوف:" لم نكن اول من يلتقى احد قادة (الثوار العراقيين) وبضمنهم اولئك الذين خصص الأميركان مبالغ نقدية لمن يدلى بمعلومات تؤدى الى القبض عليهم ،ثم ان اية وكالة انباء لديها الفرصة لأجراء لقاء(ممتع) مع اى شخص  تفعل هذا بكل سرور، وليست ثمة وكالة انباء ترفض اجراء مقابلة مع بن لا دن مثلا، اذا اتيحت لها الفرصة لذلك."

واضافت (الأزفستيا) ان قناة ( الجزيرة ) الفضائية  غالبا ما تعرض مقابلات مع قادة (القاعدة) او تعرض اشرطة مسجلة لهم , وقد عرضت الجزيرة )يوم الخميس (2/8/2005) اى فى اليوم التالى لتفتيش مكتب (نوفستى) فى بغداد شريطا يظهر فيه ايمن الظواهرى (الشخص الثانى فى القاعدة ) وهو  يهدد الأميركان والأنجليز و(عملائهم)-على حد زعم الجريدة—بالويل والثبور) وتضيف( الأزفستيا قائلة :(ان العديد من القنوات التلفزيونية مثل (CNN ) الأميركية و (BBC)  الأنجليزية قد اذاعت مقتطفات من هذه المقابلة.-انتهى كلام دافيدوف-

 وليس لنا من تعليق على هذا الكلام سوى المثل العراقى ( يريدوها كباركبار ويريدوها زغار زغار) اى ان الأعلاميين الروس  يفسرون الأشياء علىهواهم او  ما يوافق وجهة نظرهم ، فعلى سبيل المثال ( المقابلة التى اجرتها(ABC ) مع (باساييف ) جريمة لا تغتفر ،من وجهة النظر الروسية، لأن (باساييف) (ارهابى) اما لقاء مراسل (نوفستى) مع الأرهابى  (الجنابى ) فأنه جائز ،لأنه  يرفع (ريتنغ)(مرتبة او سعة انتشار)  وكالة( نوفستى ) وهذا هو المهم بالنسبة للوكالة لا دماء الأطفال العراقيين التى تسيل امام انظار المراسل ولا تحرك فيه ساكنا, وهذا هو المنطق الأجوف  لصحفيين لا تحركهم سوى  الحقد الأسود على الأميركان  والأثارة الصحفية الرخيصة حتى اذا كانت على حساب دماء  اطفال بعمر الزهور ومصير   شعب جريح يقاوم ببسالة نادرة قوى الغدر والشر والعدوان،

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com