يا سادة الدستور يصاغ مرة واحدة لا تستعجلوا

فينوس فائق / هولندا

venusfaiq@yahoo.co.uk

من المحزن جداً أن نكون في القرن الثاني والعشرون وأن يوجد إنسان على الأرض يتعذب ولا يزال يفكر في مصيره على أرضه، ومن المحزن أكثر أن في الوقت الذي بات العالم أجمع يعرف مقدار الظلم الذي تسكبه الدول المحتلة لأرض كوردستان في حلق المواطن الكوردي وأن كل أوراق تآمراتهم باتت مكشوفة، مع ذلك فهم ماضون في سياساتهم الظالمة ضد الكورد، وإن ما يدعوا إلى الحزن أكثر وأكثر هو أن الكوردي هو آخر مخلوقات الله لا يزال يتعذب تحت وطأة السلطات والحكومات الدكتاتورية والمحتلة لأرضه وأرض أجداده، لكن مع كل هذا فإن حتى المتابع البسيط للأحداث الجارية في الأجزاء الأربعة من كوردستان الكبرى لابد وأن يربط بينها جميعاً ليصيغ إطاراً جديداً يضع فيه القضية الكوردية، فلو بدأنا من كوردستان الملحقة بالعراق من جديد والمساعي الجارية على قدم وساق من أجل صياغة الدستور الدائم للعراق، فيقع المتابع في حيرة من أمره ويصيب بدوار كدوار البحر الذي يبتلع كل طموحاته وآماله بوطن آمن وأوضاع سياسية مستقرة، ومن إيماني أن الدستور لا يصاغ إلا مرة واحدة فمن الضروري عدم الإسراع حيث لم يبق على عرضها على الجمعية الوطنية إلا يومان وحتى لا نرتكب أخطاء الماضي ويتكرر التأريخ لكن بسينارو جديد..

حسب آخر الأخبار الواردة بالأمس أن قيادات التحالف الكوردستانية قد توصلت إلى حل بعض النقاط العالقة في مسألة الدستور العراقي الجديد مع قيادة الإئتلاف العراقي الموحد المتمثلة في شخص الدكتور عبدالعزيز الحكيم، وتصريحات رئيس الجمهورية من أنه ليست هناك نقاط متنازع عليها وكأنهم متفقون على كل شيء والحمد لله وهم ليسوا متفقون في واقع الحال، خصوصاً عندما صرح سيادته بالأمس: "إننا قطعنا أشواطا متقدمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف العراقية مبينا أن المناقشات تتركز على مسالة فيدرالية إقليم الجنوب وعلاقة الدين بالدولة"، وكأن كل مشاكل العراقيين والكورد تتلخص في فيدرالية إقليم الجنوب وعلاقة الدولة بالدين

أما النقاط العالقة التي تم التوصل بشأنها إلى نوع القرار والإتفاق فهي ثلاث نقاط: أولا: إسم العراق ورفع كلمة "إسلامية" مقابل الرضوخ لرفع كلمة "الفيدرالية" في الوقت الذي " قال فيه الصميدعي إمام وخطيب مسجد ام القرى السني في خطبة الجمعة امام عشرات المصلين: لقد قلنا ان للاخوة الاكراد في شمال البلد خصوصيتهم ما دامت فيدراليتهم ضمن البلد الواحد اما ان ينقسم البلد الى فيدراليات فذلك ما يريده اليهود والاعداء الذين تتعالى اصواتهم من اجل تجزئة البلاد ان يركنوا الى منطق العقل." إنتهى كلام الخطيب، - ويا ليت العرب يستفيد من تجربة اليهود وتتعلم بعض الدروس في السياسة والديمقراطية، ماذا بهم اليهود، وهل توجد في المنطقة بأسرها تجربة أخرى تضاهي تجربة اليهود مع الديمقراطية؟ -، وهذا بطبيعة الحال هي نابعة من عدم وجود الوعي الكافي بمعنى كلمة الفيدرالية والإلمام بتعريف بسيط لها، وكأن الفيدرالية جريمة تعاقب عليها القانون، حيث يحمل البعض من أنصار السنة الكورد حتى ذنب دعوة الشيعة ايضاً إقامة فيدرالية الجنوب.. ثانياً: مسألة قوات البشمركة وإعتبارها قوات نظامية تابعة لإقليم كوردستان، وأخيراً مسألة تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك، أنا أسأل المتابع العادي، هل هذه هي كل النقاط العالقة ؟ وهل هذه هي أهم النقاط العالقة من بين الثماني عشر نقاط المختلفين عليها؟ وأسأل تحديداً أحد المسؤولين البارزين الذي صرح بأنه متفائل، هل هذا يكفي لتكون متفائلاً؟ وهل أنت متفائل حقاً؟ أم أنكم تحاولون ضبط أعصابكم؟ فهذه النقاط وحتى الطفل يعرف أنها ليست كل النقاط العالقة ولا هي أهم النقاط العالقة وهي ليس فقط عالقة وإنما واقفة في الزردوم، فقيادة الإئتلاف العراقي الموحد تعرف جيداً أنه سواء حسمت ولم تحسم مسألة البشمركة مثلاً على طاولة المباحثات معهم، هي مسألة محسومة لدى الكورد أنفسهم ولا يمكن التنازل عنها، أما وإسم الجمهورية العراقية فهو إما أنه بمثابة الضحك على الذقون ومجاملة سياسية الهدف من وراءها إسكات السنة من جانب ومن جانب آخر هو وضع حدود ضيقة للحريات والله أعلم، لأن كلمة الفيدرالية في الإسم بحيث يصبح الجمهورية العراقية الفيدرالية يوفر أعلى سقف للحريات في بلد مثل العراق يتطلع إلى الديمقراطية بعد تجربة النظام المركزي بكل مساوئه، لكن الذي حدث هو أن التيار الشيعي لا يريد لسقف الحريات هذا أن يرتفع أعلى مما تنص عليه شريعة الإسلام فيما يخص حقوق الأقليات والمذاهب الأخرى وباقي شرائح الشعب وعلى رأسهم المرأة وتحررها.. أما والحديث عن تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك فهو حديث ذو شجون، ولا يتحمل أكثر مما يقال وقيل عنه، فحتى إذا عادت الأوضاع إلى سابق عهدها وتبين أن الكورد هم الأغلبية الساحقة من سكان كركوك، هل سيتنازل العرب عنها لتنضم إلى حدود كوردستان؟ هل سيكف التركمان عن لعب دور المشاغب بين الكورد والعرب؟

أما إذا عدنا إلى أهم النقاط العالقة في الدستور والدستور على وشك أن يعرض على الجمعية الوطنية بعد يومين، فهناك العشرات وأكثر من عشرات النقاط العالقة فيه، أهمها وعلى رأسها: البنود والقوانين الخاصة بحقوق الإنسان الكوردي والشائعة التي تخص البند الخاص باللغة الفارسية وإخواننا الفرس الذين صاروا شركاء لنا في الوطن بقدرة قادر (وأقول شائعة لأنني أتمنى لا تكون واقع ونتحمل وزره في المستقبل)، وذلك من أجل تأمين قناة تمنح الشرعية في المستقبل لتدس إيران أنفها في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون الداخلية في إيران ولتحمي التيار الشيعي من أي أذى في المستقبل، وإمكانية إقامة نظام إسلامي على غرار التجربة الإيرانية، ولتعطي الأتراك المزيد من الذرائع في التدخل في المنطقة التي يتواجد فيها التركمان بحجة حماية التركمان، هذا بالإضافة إلى إشاعة أخرى حول بند آخر يمنح بمقتضاه الحق للعرب من غير العراقيين الحق بإمتلاك الجنسية العراقية بعد مرور عشر سنوات على إقامتهم في العراق، ومرور عشرين سنة على إقامة الكورد من غير أكراد كوردستان العراق من ثم منحهم الجنسية العراقية، غريب أمور عجيب قضية!!، هذه النقطة لن أعلق عليها حتى لا يقال أنني كوردية وأدافع عن الكورد، أتركها للقاريء الذكي نفسه وأتمنى أن تبقى قيد إشاعة ولا تتحول إلى واقع مر يعمق حالة عدم الإتفاق الكوردي العربي في المستقبل في بلد واحد يجمعهم مرغمين ويتعايشون معاً على مضض..

هذا بالإضافة إلى ما يخص وضع المرأة في القوانين العراقية وإعتماد القوانين النابعة أسسها من الشريعة الإسلامية في منحها حقوقها الإنسانية في كل المجالات، وهذه المسألة تعتبر في نظري من أهم النقاط الأساسية التي إذا ما تم حلها بشكل حضاري وعلماني حقيقي، فإن باقي الأمور الأخرى ستحل دون عناء، لأن نظاماً قائماً على اساس الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع "و أستبعد إمكانية أن يكون المصدر الوحيد وهكذا أتمنى"، إذا حدث وإعترف هذا النظام بحقوق المرأة كاملة في كل المجالات ومنحها حقوقها كافة وساواها بالرجل وفتح أمامها أبواب كل الحريات الإنسانية فإنه سيثبت بطبيعة الحال للعالم أجمع أنه نظام تقدمي وحضاري وتنسجم توجهاته وتطلعاته مع روح العصر، لذلك لن أشك للحظة أن تبقى أي مسألة أخرى بعد ذلك عالقة، على الأقل لأن نصف المجتمع أخذ حقوقه بالكامل، لكنني متشائمة بهذا الخصوص وأقولها بصراحة ولا أرى أي بصيص أمل، وهذا سيخلق هوة كبيرة بين وضع المرأة في كوردستان التي لن ترضى بطبيعة الحال بنصيبها من الحقوق بين سطور دستور تعلق عليه آمالاً كبيرة، ولأن الجزء الأكبر من الحيف والظلم الواقع عليها كان يأتي دائماً بإسم الدين من ظلم المجتمع ومن إبادة بإسم الدين وسلب كامل حقوقها الإنسانية بإسم الدين، وبين المرأة في باقي أجزاء العراق التي أحرزت تقدماً لابأس به في مجال ممارسة حقوقها وتأسيس منظمات نسوية مستقلة تدافع عن حقوق المرأة بقوة وتنتصر للمرأة التي نالت الجزء الأكبر من ظلم المجتمع وتعاليم الدين إلى جانب ظلم الحكومات المستبدة بحقوقها الإنسانية المشروعة..

من هنا وجبت الإشارة إلى أن ما يحدث الآن في كوردستان الجنوبية تزامنا مع ما يحدث في كوردستان الغربية وتأزم وضع الأكراد في ظل النظام السوري منذ أحداث قامشلي وحتى اليوم إلى درجة الغليان، بالإضافة إلى الإشتباكات بين القوات النظامية الإرانية والمتظاهرين الكورد إثر إغتيال الناشط السياسي الكوردي شوان سيد قادر بعد تعذيبه بوحشية في السجون الإيرانية، وصولاً إلى كوردستان تركيا والأحداث الدامية الأخيرة والمصادمات العسكرية بين الأكراد في دياربكر وقوات الجيش التركي وقتل المئات من الجانبين وأخيراً تصريحات أوردوغان وإعترافه بأن التورك إرتكبوا أخطاءاً سياسية تجاه الكورد وسيصلحونها، لكن كيف؟ الله أعلم!!.. فلو ربطنا كل هذه الأخبار ببعضها البعض وصغنا خبراً مستقلاً عن كوردستان الكبرى لخرجنا بسطر واحد وهو "أن كوردستان الكبرى على مشارف النهاية، وأنها تبدأ العد التنازلي إلى النهاية..." وهذه بوادر لو أخذناها بعين الإعتبار نصل إلى نتيجة نتطلع إليها جميعاً وهي أنها ربما هي بداية النهاية ...

فالمخاوف من إمكانية قيام دولة كوردية مستقلة ستبقى قائمة لحين قيام تلك الدولة، ولن تنتهي تلك المخاوف بصياغة الدستور ولن تنتهي بقمع الشعب الكوردي في غرب كوردستان على يد النظام السوري ولا بقتل الثوار والنشطاء السياسيين الكورد على يد النظام الإيراني المستبد، في الوقت الذي يواصل فيه هذا النظام مساعيه لإقناع الشعب الكوردي والمجتمع الدولي أنه تخلى عن برنامج تطوير أسلحته النووية وسيلتزم بواجباته الخاصة بمنع إنتشار الألسحة النووية، في حين أنه في أمس الحاجة في الوقت الحاضر إلى هذه الأسلحة لقمع الحركة الكوردية في إيران، ولن تنتهي تلك المخاوف بوعود فارغة يطلقها أوردوغان، تلك الوعود التي تخفي تحتها تهديدات بالمزيد من القمع والقهر للشعب الكوردي في كوردستان الشمالية..

و إلى أن تبدأ بدايات أخرى نحو النهاية تبقى هوية العراق، الهوية القومية للأكراد واللغة وإسم الدولة، وعلاقة الدين بالدولة ومسألة كركوك وكونها تأريخياً وجغرافياً وديموغرافياً جزء من كوردستان وحقوق المرأة وتحررها وحق تقرير المصير وبيان حدود كوردستان بالقلم والورقة والعودة إلى إرادة الشعب الكوردي في حال قرر هذا الشعب الإنفصال، كل هذه أمور تبقى عالقة، حتى وإن صيغ الدستور وحتى وإن كان رئيس الجمهورية كوردي، ولن تنتهي هذه النزاعات إلا إذا جلس كل في داره وفي ظل حكومته المستقلة..

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com