|
الفدرالية لمن يريدها
في هذه الأيام تطرح مسألة الفدرالية نفسها بقوة قبل الأنتهاء من عملية كتابة الدستور. فهي اصبحت من الأمور الخلافية الشديدة، ليس فيما يخص كردستان والحدود والصلاحيات فحسب، بل حول الفدرالية لوسط وجنوب العراق التي طرحت من قبل رأس القائمة البرلمانية الأولى السيد عبد العزيز الحكيم، رغم انها كانت مطروحة في الوسط الشيعي منذ اشهر كثيرة، مع تباين في جغرافيتها أو اعدادها. المفارقة هي ان طرفا ما استأثر بالسلطة لعشرات السنين، لن يقبلها للشيعة، وفي نفس الوقت لا يمانع قيام فدرالية كردستان لخصوصية سكان هذه المنطقة كما يقول صالح المطلك. ان هذه الفئة المعارضة ونسميها بأسمها أي من يمثلون السنة العرب في لجنة الدستور، تضيف لهذا الأعتراض بعدا آخر، فهم يقولون لا داعي لها بعد ذهاب الدكتاتورية واننا سنتوفر على دستور سوف يضع موانع أو اسس لقوانيين تمنع الأستبداد وغيرها من الوان القهر. نجيب المطلق وكل الرفاق السابقين : ان فدرالية كوردستان سوف تفقد مبرر وجودها وفق منطقكم ولو نسبيا. فالكورد ايضا يعللون مطلبهم للفدرالية فيما يعللون بضمان عدم حدوث مجازر مستقبلية ضدهم. ثم نقول لهم ايضا أن هذه المواد الواردة في هذه الدساتير لا تعني إن الدول ملتزمة في تنفيذها. ففي العراق على سبيل المثال، كان الدستور في العهد المباد يتضمن جميع النصوص التي تشير لها لكنها كانت معطلة تماماً، بل إن النظام سن عدداً من القوانين والتشريعات التي تخالف ما ورد في الدستور نفسه. فحكم تأسيس الأحزاب كان الاعدام وتأسيس المنظمات المهنية يرتبط بموافقة الحزب الأوحد وحكم التظاهر يكون الأعدام لمن نظّمه وشارك فيه وتفرج عليه حتى لو كان مستطرقاً. ان ذلك الدستور لم يمنع من ممارس التمييز الطائفي ضد الأغلبية مستغلة لمركز القوة التي توفرت الأقلية عليها عن طريق الدبابة والطائرة، حيث لا شيء اقوى من الدولة في العالم الثالث حيث الحكم الشمولي. وفي بلد يفتقر الى الثقافة السياسية والدستورية, ولم يعرف الاستقرار حيث كانتا الطائفية والعنصرية تقليده الثابت ودستوره العملي، والظاهرة الوحيدة المستقرة، وقد أخذت دورها في الممارسة والتطبيق دون اطار نظري واضح في اغلب الأحيان. لذلك أتخذ الاستعداء المذهبي اشكالا عديدة من خلال اهدار القيمة الكمية للاغلبية بتقليل القيمة النوعية, واخضاع الانسان الى معيار الانتماء المذهبي لا الوطني، والذي بلغ مداه حين نزعت الهوية معنويا عن الاغلبية الشيعية, وقامت عملية تشهير بمعتقدها وتزوير تاريخها, وتكوين معلومات مبرمجة خاصة للتصدير خارج العراق تصور فيه الاغلبية بأنها قادمة من خارج الحدود " رمتني بدائها وانسلت " عن طريق المقالات في صحف الدولة بعد قتل مئات الآلاف منها " اي من الشيعة " في انتفاضةشعبان " ان تلك المقالات كانت تمثل خلاصة توجهات نظام مثلث السلطة وفهمه للامور والاحداث وتكشف عن الجوانب الرئيسة في الفكر الحاكم, وبيان الموجهات الحقيقية التي تشكل خلفية العقل المدبر فيه, كما تبين منهجية التعامل التي كرسها وعززها بمقالاته والتي بقيت المنهجية السائدة له، بل زادت حدتها وتطورت واتسعت تعبيراتها وهي تفصح عن التوجهات المستنبطة للنظام ازاء الاغلبية من الشعب، اذ تكشف من جانب اخر الطبيعة المركبة والغريبة للعقلية التي حكمت بلدا غنيا قادت به الى هاوية الكوارث والنكبات خلال مدة وجيزة. واقول لمن يعارضها من ابناء مثلث السلطة ماهي التطمينات التي قدمتموها للآخرين منذ سقوط هبلكم ليومنا هذا. سقط هبلكهم تحت وطأة مظالمكم غير المتناهية عندها اطلتم برؤوسهم من داخل شرنقتهم الطائفية الشوفينية لتجدوا حولكهم عراقا مختلفا تماما لايمت لطغيانكم بصلة " هو عراق جديد تتمتع كل مكوناته بنفس الحقوق على خلفية المساوات في القيمة الأنسانية " فبدلا ان تتخذوا قرارا تاريخيا وانسانيا أوعلى الأقل سياسيا حاسما بالقبول بالمعادلة الجديدة العادلة وان تتنفسوا نسائم هواء التعددية والمشاركة مع بقية الطيف في بناء الوطن، وتكتفوا بعقود غابره من التحكم والتسلط واعتبار اغلبية الشعب مواطنين من الدرجة الثانية تحل مصادرة حقوقهم، بدلا عن ذلك بحثتم عن اشخاص لتستأنفوا بهم الدور الصدامي لتجدوا ضالتهم بالشاذ الأردني الزرقاوي وصداميين لبسوا جبة رجال الدين ولتفتحوا بيوتكم ومدنكم الى المجرمين من بعض دول الجوار الطائفي لينشروا بعد ذلك سيارات الموت المفخخة في مدن الشيعة وفي اوساط حشودهم البشرية ثم يتمتعوا بمشاهد اشلاء الجثث المتناثرة وسط برك من الدماء لتنتج صورا تفوق ببشاعتها جميع مشاهد الخيالات السادية المريضة وتعجز حتى اللغة عن التعبير الكامل والصادق امام تلك المشاهد الهمجية التي تجعل القلب الأنساني ينكمش ألما وصدمة وذهولا ودهشة من انحطاط ووحشية بعض المحسوبين على الأسلام بل على جنس البشر الذين انحدروا الى ماتحت مستوى حيوانات الغابة ليعتبروا القتل حلالا والذبح تسلية والخطف تجارة. السؤال المهم هو هل يستطيع الشيعة ان ينتظروا من هؤلاء مشاركة جدية في بناء الوطن والعمل على بناء مجتمع العدل وحقوق الأنسان والخالي من الجريمة الطائفية والعنصرية، مع الأخذ في الحسبان تاريخ الفكر وممارساته لهؤلاء المنتمين لهذه المدرسة وأقصد بها مدرسة قطع الرؤوس التي ابتدأت من الستة الذين أختيروا لأنتخاب خليفة بشرط ان تقطع رؤوس المعترضين الذين لم يحصلوا على اغلبية أو لم يكونوا في صف شخص محدد من الستة حتى لو كانت الضحية رأس الأمام علي (ع) ؟. هل نستطيع ان نطمئن "بدون الفدرالية " لهذه العقلية التي صنعتها قرون من اسلام السلطة وعقود من ممارسة الشمولية والأقصاء المستندة الى اسلام دموي بني على نصوص انتجت الكراهية، وعروبة طائفية وشوفينية واستغراق عميق في ذهنية المؤامرة والأنغلاق واعتماد معايير مشوهة للقيم والتخلق بأخلاق المطففين الذين يكيلون بأكثر من معيار ليصوروا موقف الشيعة بالمطواطئ زورا وبهتانا في حين يغضوا الطرف عن انبطاحية رموزهم السياسية والدينية في الحاضر والماضي، هل يمكن الأمان من أدمغة تلوثت بالولاء لصدام والزرقاوي وعدم التبرئ من يزيد وكل قتلة وسفاحي المسلمين ؟ اننا كاسلاميين شيعة نسعى لتحقيق عراق فدرالي موحد في ظل العدل والمساواة وان تكون الفدرالية حقا للجميع. وسوف نمارس المبادئ التي نؤمن بها في اطار هذه الدولة. ان الأسلام عقيدة وشريعة ومعاملة بالنسبة لنا يجسد قيما انسانية نؤمن بها بالعمق قدر ايماننا باسلاميتنا. ثم ان ايماننا هذا وقناعتنا مستندة الى ان الدستور أي دستور لا بد ان ان يبنى على قاعدة الحق والعدالة، وبذلك تكون مسألة ايمان الناس بهذا الدستور، المقوم الرئيسي الذي يدعم تلك القاعدة. الأرضية الجماهيرية وتبنيها لهذا المفهوم " الفدرالية لكل العراق " وانني اصححها بأن تصبح الفدرالية لمن يريدها، لأن اي مفهوم لا يكون له قيمة في ارض الواقع بدون ارضية جماهيرية تتبناه وتتفاعل معه. فهي صاحبة القول الفصل، لقد ولى زمان وصاية الأقلية المدللة. مع عدم اقصائنا لها مادامت تتحرك في ظل قاعدة التعددية وتحترم متبنيات الأخرين. وبهذا لا نفهم رفض السنة العرب لفدرالية أقليم الجنوب والوسط المطروحة الآن أو لفدرالية تتشكل من ثلاثة محافظات متجاورة، لتكون هناك ثلاثة فدرالية للوسط والجنوب وهو ماكان مطروحا سابقا، لا نفهم من رفضهم لها الا رفضا لحق الشيعة في التمتع بالحرية والمساواة وبضمنها حرية اتخاذهم لقرار تشكيل اقليمهم الموحد أو اقاليمهم الموحدة. ولا نفهم من ذلك ايضا الا اخفاءا منهم لأجندات اصبحت معظمها مكشوفة وهي لا تصب الا في بودقة صهر واذابة الشيعة في وحدة وهمية مع ابناء مثلث السلطة تمهيدا لأشواط جديدة للأنفلة ضدهم. ثم نحذر من الخدع الأموية أو السذاجة الأشعرية في ترحيل مسألة فدرالية الشيعة الى مابعد الأنتخابات القادمة. فمن يضمن الظرف حينها وكل المؤشرات تشير الى اصطفافات ضد الشيعة تكلمنا عنها بشكل مفصل في الأجزاء الستة لحد الآن من ".. والأغلبية المستضعفة ". ثم ان مفهوم الفدرالية لايتعارض مع واقع مجتمعنا المتنوع الجميل، ولا مع الأسلام الذي كان يتبع الأسلوب اللامركزي في الحكم، اي اسلوب الولايات في مفهومها التاريخي. ثم اننا نعتقد كأسلاميين ان هذا المفهوم هو أكثر حفاظا لوحدة العراق بالمقارنة مع اتباع الوحدة المركزية القسرية التي تعاند واقع التعدد. بل ان الفدرالية اكثر انسجاما ومناغمة لتجارب الدول الأتحادية المتقدمة في العالم، بل هي اكثر دعما للتوجه الديمقراطي للدولة. وسوف نفصل ذلك في الجزء الثاني من هذه المقالة ان شاء اللة، ونبين انها اي فدراليات جنوب بغداد، تدعم كذلك الأغلبية الشيعية في العاصمة، وايضا أكثر من مليون شيعي شمالها وصولا الى تلعفر. ثم سنتطرق لمخاطر تأجيلها الى مابعد الأنتخابات على وجود شيعة أهل البيت(ع) مع شرح لعدم تعارضها مع مصالح الآخرين المشروعة. انتهى الجزء الأول
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |