|
قبل فوات الأوان . . الأقاليم الإتحادية هي البديل الأوحد للتقسيم علي آل شفاف 19.08.2005
يكون واهما من ينظر لمسألة إقامة الأقاليم من زاوية حزبية ضيقة, فيتصور أن الدعوة إلى إقامة إقليم ما, وخصوصا إقليم الجنوب, وحتى الأقاليم التي هي أوسع من ذلك؛ هي مكسب أو مطمع حزبي, لهذا أو ذاك . . إن "الأقاليمية" أو "الإتحادية" أو "الفيدرالية" هي خيار تأريخي, يمثل الفرصة الأخيرة في إيقاف نزيف الدم المستمر في العراق منذ أمد بعيد. وهو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على سلامة ووحدة أبناء شعبنا العراقي. وعلى سياسيينا أن يعوا أهميته البالغة, وضرورته الملحة. فبدونه لن يستقيم الأمر في العراق, إلا بالتقسيم. وهذا جرس إنذار . . فالدستور ـ بذاته ـ ليس ضمانا لشئ, لأنه يحتاج إلى ضمان لتطبيقه والإلتزام به. فإن كان هذا الضمان فقرة مضافة فيه أو لجنة مشكلة على أساسه أو محكمة دستورية تستند إليه, فسيحتاج هو الآخر إلى ضمان بوجود سلطة مركزية مستبدة تستطيع إلغاءه, أو تحييد مثل هذه الضمانات المفترضة. وهكذا يلزم الدور ولا نصل إلى المطلوب, وهو الضمان الذي يقفل الباب بوجه المغامرين والطامعين والطامحين للتسلط مرة أخرى على رقاب البائسين, وقهر الشعب وظلم الأمة. وهذا حكم عام يصح في جميع البلدان التي يتخوف فيها من نشوء سلطة مستبدة. أما في حالة كالتي يعيشها العراق, فإن هناك عوامل أخرى كثيرة وجوهرية وملحة, تجعل من ضرورة إقامة الأقاليم حلا أوحدا !! به ـ وبه فقط ـ يمكن المحافظة على وحدة وسلامة أراضي العراق. لأن البديل الآخر سيكون "المركزية" التي وإن تلحفت بالديمقراطية يوما أو يومين . . فلا بد لها من العودة إلى سابق عهد الظلم والطغيان والتجبر في مجتمع عربي شرقي مستقطب طائفيا يحكمه مبدأ القوة والغلبة والتحكم بالآخر. مما سيحدث رد فعل عنيف بدافع غريزة البقاء وحفظ على النفس لدى العرب الشيعة ـ خصوصا. بعد أن تكشفت جميع الدفائن, ووقع الدم وما زال؛ وانحاز من انحاز للقتلة والمجرمين, وتعزز العزل الطائفي للعرب الشيعة في مجتمعهم العربي, كاشفا زيف كل الدعاوى القومية سيما وأن الحكومات القومية السابقة استندت ـ في الغالب ـ إلى استقطاب طائفي عربي كبير يحيط بالعراق. لقد ظهر واضحا وجليا ذلك التأثير الكبير والخطير للبعد الطائفي العربي ـ خارج العراق ـ في الساحة الداخلية العراقية. والذي وصل حدا نسي أو تناسى فيه القومي قوميته والليبرالي ليبراليته والشيوعي شيوعيته . . والآخرون . . كل منهم تناسى دعاواه السياسية أو الفكرية. فأفرغت من كل محتوى إلا المحتوى الطائفي. لذلك ليس غريبا أن تجد هذه الهجمة الشرسة على العرب الشيعة في العراق فمن تحيز من القوميين لصالح بعض عرب العراق ضد أغلبيتهم, لكونهم يماثلونه طائفيا؛ فقد نزع سربال القومية والعروبة الذي تسربل به ـ زورا ـ بغية التظاهر الكاذب بالقومية, وإخفاء الفكر الطائفي السلبي الرجعي, الذي يتمثل بالقطعية الفكرية "الدوغمائية" التي تحاول أن تحتكر الحقيقة والصواب. لذلك دعوناهم بالـ (قومجية ـ والنسبة هنا على الطريقة التركية وليست العربية) وهي إشارة إلى عدم صدقهم في الدعوة القومية العربية. وأمثال هؤلاء أكثر من أن يعدوا . . يتصدرهم ـ وبكل فخر واعتزاز!! ـ منظروا وكتاب وصحفيوا "البترودولار", إياهم. أما زملائهم من الليبراليين العرب أو (المتعربين), فقد تناسوا دعاواهم بالحرية والتحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان . . ليصبح عدو الإنسانية وعدو الحرية وعدو الديمقراطية وبطل المقابر الجماعية, بطلهم الإسطوري. بل "الرئيس المظلوم الأسير"!! ويصبح القتلة والمجرمون والظلاميون, أبطالا للمقاومة والفداء!! . . لا لشئ إلا لعدم تقبلهم التنازل عن الخطأ التأريخي الذي شكل حكومة العراق الأولى, ومن ثم مشاركة باقي العراقيين في السلطة, حتى لو أدى الأمر إلى إبادة معظم سكان العراق. لأنهم تعودوا على أن يحكم العراق من قبل جماعة واحدة فقط, هي التي تماثلهم طائفيا. ولكم تمنيت أن يرى هؤلاء تلك المشاهد التي عرضتها الفضائية العراقية ـ يوم الخامس عشر من آب ـ لمجرمي البعث وصدام, وهم يعذبون أبناء العراق. فيكسروا يد أحدهم بالحديد حتى يفصلوها, ويرمون بآخر مقيدا من فوق عدة طوابق, ويقطعون رأس ثالث أمام الكاميرا. في مشاهد تصدم كل إنسان شريف وذو ضمير حي . . يصوروها ليعرضوها أمام جلادهم الأكبر, وصنمهم الأجوف, متقربين إليه بنزع شرفهم وضمائرهم وإنسانيتهم. فعلى سياسيينا ومفكرينا ومنظرينا أن يعوا حقيقة وأبعاد ما يجري, بعيدا عن النظرة الحزبية الضيقة والصراع الشخصي والتنافس السياسي, لأن الجميع واقع تحت نفس الخطر, وعليهم التكاتف من أجل التغلب عليه. كما أن عليهم مسؤولية حماية أبنائنا وأجيالنا القادمة, وعليهم أن لا ينخدعوا بالأضاليل التي طالما مارسها الطغاة ومنظروهم والمروجون لهم والمستفيدون منهم. فلا دعوى تعلو على ضمان حقوقنا ومستقبل أجيالنا. فوحدة الوطن تتعزز بسلامة أبنائه, وليس بإبادتهم تحت دعاوى الوحدة الوطنية المزيفة التي صنعتها (سايكس بيكو). فلا وحدة وطنية على حساب سلامة الشعب. فبدونه لا تسمى الأرض الخراب وطنا . فالقطب الشمالي أو الجنوبي ليس وطنا لأحد. إن الوحدة الوطنية الحقيقية هي التي تتمثل بقبول كل (فرد) منا للآخر شريكا مساويا له في الوطن, وليس سيدا ومسودا. لذا فإننا نحتاج إلى ضمان واقعي خارجي لا نظري ولا كتابي, لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه. يتمثل هذا الضمان في إقامة الأقاليم التي تقضي على كل أمل أو طموح في تمكين الطغاة من السيطرة على البلد مرة أخرى وهذا هو التغيير الحقيقي المأمول للعراق. دونه يكون الأمن والعدل والسلام ضربا من الخيال. بل "سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء". إنها الثورة البيضاء الحقيقة المنتظرة . . ففي المنعطفات التأريخية الكبرى لا بد من وجود وعي كامل, وقرار حاسم, وعمل شاق, وتغيير جذري. لقد جاءت الصحوة متأخرة جدا . . ولكنها ـ على كل حال ـ قبل فوات الأوان . . فالفهم الواقعي الصحيح لما يدور في بلدنا, وما يجري حولنا, يحتم علينا القيام بهكذا خطوات تأريخية. ننزع بها سياط الظلم من أيدي الطغاة والظلمة. لكي لا يعود من في نفسه هوس السلطة واستعباد الآخرين, ولكي تنقطع سلسلة الموت والقتل والإبادة والظلم والإستعباد . .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |