|
غزة أولاً... تسويق مشاريع التسوية بأثواب النصر
بقلم : مهند صلاحات كاتب سياسي فلسطيني مقيم بالأردن 00962795353092
اعتادت القيادة الفلسطينية التي تمخضت عن اتفاقية أوسلو التي وقعت في العام 1994م على تسويق مشاريعها السلمية على أنها انتصارات عبر إلباسها أثواب غير أثوابها، وتسجيلها في تاريخ انجازاتها الثورية والقومية. واليوم ذات القيادة تظهر علينا مرة أخرى بمشروع جديد يسمى "غزة أولاً" وتقوم على تسويقه إعلامياً على المستوى العالمي والمحلي على أنه أحد انتصارات الثورة الفلسطينية. قد تبدو هذه الخطوة على شاكلة نصر لو أن هذه المرحلة تمت قبل توقيع اتفاق أوسلو الذي تم فيه الاعتراف بدولة إسرائيل على ارض فلسطين و تقسيم فلسطين بين شعبين وترسيم حدود أولية لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، إلا أن إعادة تسويق الاتفاق الجديد مرة أخرى والذي لا يغدو كونه العودة لنقطة البداية مع الاحتلال الصهيوني الذي أخلّ بكل الاتفاقات الدولية التي وقعها مع الطرف الفلسطيني وأعاد اجتياح كل الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية ضارباً بعرض الحائط أسس الاتفاقات السابقة "الأرض مقابل السلام". "غزة أولاً" هو عبارة عن مرحلة انتقال سياسي من العرفاتية إلى العباسية، بعبارة أدق هو إلغاء كل ما تم الاتفاق عليه في عهد ياسر عرفات من اتفاقيات موقعة بين الجانبين والتي توقفت عند نقطة كامب ديفد الثاني الذي رفض فيه الراحل عرفات التوقيع على مراحله النهائية وأعتكف في قصره في رام الله حتى وفاته فيه مسموماً، والبدء في مرحلة جديدة مع الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس - الذي يعتبره بعض المحللين السياسيين رجل المرحلة - من نقطة الصفر "غزة أولاً" مروراً بجنين ثانياً بدلاً من الاتفاق السابق غزة أريحا أولاً. إلا أن هذه المرحلة أتت أكثر تميزاً عن سابقتها بعدة مستجدات أهمها: 1) كونها أكثر خطورة وأوسع مشاركة من قبل الفصائل الفلسطينية، بحيث أن المراحل السابقة أي أوسلو وقعتها حركة فتح منفردة وتم وصفها بأنها غردت خارج سرب منظمة التحرير أولاً والشارع الفلسطيني بطوائفه وفصائله الأخرى ثانياً. أما هذه المرحلة فإنها أكثر تمثيلاً حيث استطاعت قيادة السلطة الفلسطينية الحالية احتواء الفصائل اليسارية في منظمة التحرير إلى صفها في استكمال مشروع التسوية الجديد، هذه الفصائل اليسارية التي كانت تقف في صف المعارضة في السابق تبرر دخولها مرحلة التسوية الجديدة أن إسرائيل قضت على كل الاتفاقيات الموقعة سابقاً سواء أوسلو أو غيره وهي الآن أمام مرحلة استحقاقات جديدة. إلا أن هذا الكلام منافي للحقيقة تماماً من حيث أن كل مؤسسات أوسلو السابقة بقيت قائمة وكل اتفاق جديد سيمرر من خلالها سواء المجلس التشريعي الفلسطيني الذي هرعت الفصائل الفلسطينية لإعداد نفسها للدخول في انتخاباته أو مجلس الوزراء الفلسطيني أو غيره من مؤسسات أوسلو الحالية التي يتم من خلالها طبخ كل الاتفاقيات الجديدة للتسوية. والاستحقاق الجديد هو أن إسرائيل هدمت كل ما تم الاتفاق عليه مع فتح منفردة وأعادت الجميع لنقطة البداية لتبدأ معهم باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي تتخذ حتى اللحظة موقف مقاطعة من كل هذه الاتفاقات. 2) دخول فصيل فلسطيني جديد ذا ثقل على الساحة الفلسطينية لحلقات التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية "حماس" والتي بدأت بمرحلة استعراض قوى في داخل غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي منها، ولا يرجح أن يكون هذا مقدمة لمرحلة صراع على السيطرة مع السلطة الفلسطينية لعدة أسباب أهمها : إبداء حماس موافقتها المبدئية لدخول منظمة التحرير الفلسطينية والتي غدت ضمن مشروع التسوية مما يعني موافقتها المبدئية على أجندة المنظمة والتي تسير باتجاه التسوية، وثانيا ما صرح به الزهار أحد قياديي الحركة لوسائل الإعلام بأن حماس ليست بديلاً للسلطة ولكنها لن تلقي السلاح، مما يعني أن استعراضات حماس العسكرية وتشددها في رفض إلقاء السلاح هي مجرد مناورات لحصد مكاسب أكثر من تشكيلة المنظمة والسلطة القادمتان حيث أن فاروق القدومي دعا أبو مازن للدعوة لانتخابات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعد أن فقدت سبعة من قيادييها، وهم أكثر من الثلثين مما يستوجب إعادة إجراء انتخابات كما ينص نظام المنظمة الداخلي، بالإضافة لكون انتخابات المجلس التشريعي قد تقررت وغدت على الأبواب وكما هو متوقع سيكون هنالك منافسة شديدة لحركة حماس في هذه الانتخابات والتي سبق أن أصدرت فتوى بتحريم المشاركة فيها في الدورة السابقة. "غزة أولاً" هي إعادة تشكيل هيئات التفاوض الفلسطينية بحيث تكون أكثر تنوعاً من حيث الأطياف السياسية أولا والبدء معهم من نقطة البداية، من حيث بدأ أوسلو من قبل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |