الفدرالية لمن يريدها ـ 2

المهندس صارم الفيلي

ماجستير هندسة توليد طاقة
 sarimrs@hotmail.com

sarimrs@tele2.com

 

ان اسلوب الفدرالية يختلف بكل تأكيد عن الأدارة اللامركزية التي تحاول جهات مجهولة ان تروج لها من الذين كانوا ابطالا للمركزية المقيتة في العهد البائد التي تجاوز بل الغى معظم الحريات، خاصة أذا كان الأمر يتعلق بالأغلبية المغبونة حقها تاريخيا.

 ثم نحاول هنا ان نفكك بعض الأشكاليات التي اوصلت بالجميع الى تأجيل العملية الدستورية لمدة اسبوع.

 ذكرت هذه لكي تكون مقالتي موجهة للذين يتبنون الفدرالية كمبدأ واقصد بهم الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي والقائمتين البرلمانيتين اللأولى والثانية كممثلتين لهذه الأغلبية.

أي أن الفيدرالية مطلب لكل العراق وليست لمنطقة خاصة دون أخرى،وإنها لا تتم إلا بقرار سكان المحافظات التي تريد تشكيل أقاليمها الفيدرالية، وأن الفيدرالية لا تهدد وحدة العراق بل تحتضنها وتضمنها .

 لكن برز الأختلاف بينهم في عدة محاور مفصلية.

 وفي مقدمتها توزيع الصلاحيات بين المركز المتمثل بالدولة، وبين الفدراليات المقترحة كأقاليم تضاف الى اقليم كردستان.

 وكذلك الثروات وحق تقرير المصير.

 لنحاول تفكيك المعضلة الأولى المتعلقة بتوزيع الصلاحيات

 أولا ننطلق من مبدأ كون السلطة المركزية مهددة للحرية، وبذلك تعتمد الكثير من الدول المتطورة توزيعا لهذه السلطة على مستويين، بصيغة تجعل لكل من هاتين المستويين مستقلا في ممارسة صلاحياته المقررة دستوريا.

 بحيث يضمن الجميع قيام سلطة مركزية في نفس الوقت يمنح هذا الكل للحكومة المركزية حدودا لصلاحياتها.

 وهنا من الأفضل والأكثر عملية وجود صلات جغرافية بين المناطق التي تشكل لكل فدرالية بحكم طبيعة الأنسان التي تأتلف مع من هو قريب ولو نظريا والعكس ايضا صحيح، مع عدم التركيز بالضرورة أو في الأستغراق على هذا العامل دون النظر الى العوامل الأخرى التي تشكل هذه القناعة، مثلا التماثل الثقافي الذي يتضمن اللغة كموثر في الفكر ومتأثر به في نفس الوقت، كما تتضمن الثقافة عاملي الدين والمذهب اللتين تشكلان مرتكزات اساسية في تشكيل هوية ما وبالتالي تحديد مدى أقتراب أو ابتعاد الأشخاص والمكونات نفسيا وتنظيمياعلى قاعدتها.

 المهم هنا ان تكون كل هذه الأبعاد عوامل أثراء وتطوير لا عوامل فرقة مؤدية الى الأنقسام.

 وبكلمة نجد من الطبيعي أن تأخذ الفيدرالية الجغرافية الخصوصيات القومية والمذهبية وغيرها لكل منطقة بنظر الاعتبار، لا سيما إذا تركنا الخيار لجماهير الشعب، ليقرر أبناء كل محافظة وكل منطقة فيدراليتهم وسعتها بأنفسهم.

 وبناءا على ذلك نرى من الضروري ان نتحرك على اساس هذه القاعدة كي تكون الفدراليات المقترحة، وان اختلفت وفق ماذكرنا فأن ما يجمعها مصلحة التوحد في هوية وطنية جامعة لها دستوريا.

 اننا لحد هذه اللحظة في دائرة النظرية التي لابد من استعراضها هنا لكن الأهم هو الخروج منها الآن لوضع مصاديق تشخص الواقع الدستوري المتأزم ومن ثم وصف علاج لهذا الواقع، أو اعطاء رؤية ما يمكن ان تكون مشتركا للأطراف التي ذكرناها .

 فيما يتعلق بالتمييز بين حدود صلاحية الفدرالية وصلاحية الحكومة المركزية هناك عدة أمور اجد من المناسب ذكرها : 1- الدستور العراقي يجب يتضمن ان الحكومة المركزية هي مصدر الرئيسي للسلطة، الا انها تتمتع بصلاحيات محددة دستوريا، مثل سيطرتها غير قابلة للتجزئة فيما يخص الشؤون الخارجية، كسياسة عامة تتضمن فيما تتضمن ابرام الأتفاقات ذات الطابع السياسي المحض مع بقية الدول، وكذلك الأتفاقات الأقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها من ماهو متعارف عليها في الدول الفدرالية.

هذا لايمنع بطبيعة الحال ان تتمثل الحكومة "بقرار منها " برؤساء الأقاليم المختلفة فيما يتعلق بتوقيع الأتفاقات الخارجية التي تخص العراق ككل.

 2- تمتع الحكومة المركزية بكامل حقها في تحديد عملة البلاد، ومنح الجنسية وفقا لقوانين تسن على قاعدة الدستور.

 3- صلاحية الحكومة المركزية في تحديد نوع الحكم في الفدراليات المتعددة، وهنا اقصد بما ان العراق نظام جمهوري فلا يحق لفدرالية ما ان تعين ملكا عليها.

 لأن ذلك سيكون مخالفا لطابع الدولة العام 4- في حالة وقوع تعارض بينها وبين الفدراليات المتعددة في احدى المسائل، مثلا فيما يتعلق بسن قانون ما يتعارض مع الدستور.

 فأن السيادة النهائية يجب ان تكون للحكومة المركزية.

 هنا لانشير الى دورا قمعيا لها بألغاء تلك القوانين وانما اعطاء المحكمة الدستورية العليا الحق في البت في مواضع التعارض، وعلى حكومات الفدراليات المختلفة، كما على الحكومة المركزية، الأمتثال لما ستقررة المحكمة الدستورية العليا للدولة .

وهنا تجب عملية انتخاب قضاة المحكمة الدستورية عن طريق محافظاتهم.

بشرط ان يكونوا عرضة للفصل دستوريا والمقاضاة بسبب سوء السلوك وذلك على يد السلطة القضائية في الحكومة.

 تحت ظروف معينة يكون لحاكم الفدرالية سلطة تعيين القضاة في منطقته.

 وممكن لفدرالية ما ان تضع قوانين خاصة بها تدير من خلالها شؤونها المحلية شرط ان لا تتعارض تلك مع الدستور الأتحادي.

 5- تكون للفدراليات المختلفة حق انتخاب مجالس تشريعية محلية، وان تكون لها حكومة محلية تدير شؤون الأمن داخل الولاية والتعليم وأمور البلديات المختلفة وماشابه ذلك، وحق استخدام اللغة أو اللغات الخاصة بها.

 6- ملاحظة مدى التكافؤ الأقتصادي بين الفدراليات المختلفة، ومعالجة هذه الحالة ان وجدت، وهي موجودة فعلا على ضوء مدى حاجة هذه الفدرالية أو تلك، ومدى افتقارها الى البنية التحتية نتيجة سياسات النظام البائد، وهذا هو محل خلاف اليوم من حيث النسب وما اليها من أمور نرجو ان تجد لها طريقا ما للحل خلال الساعات القادمة والحاسمة.

 وهنا لابد من اجراء دراسات مستفيضة من قبل خبراء اقتصاديين بين فترة واخرى لتعديل اي انحراف ملحوظ من ناحية العدالة في توزيع الثروات على الفدراليات المختلفة، دون ان نغفل جانب آخر وهو الوقوع في مسألة الأتكالية لهذه المنطقة أو تلك على المركز، وهنا يجب التشجيع دوما على المنافسة في خدمة تطور المناطق المختلفة، ولا نعتقدانها ستكون صعبة لدرجة كبيرة،لأن هذه الفدراليات ايضا تخضع لأنتخابات داخلية تستبعد أو تقرب هذا الشخص أو ذلك بقدر استعداده في توفير أمكانية الرقي المدني والحضاري لأبناء مناطقهم.

 مع العلم واننا نلاحظ تباينا ما من ناحية توفر فرص العمل، أو الخدمة الأجتماعية حتى في الدول الغربية التي لها تجربة زمنية ممتدة في مسألة الفدرالية أو الأقاليم.

 7- علينا ان نتوفر على دستور مرن يستوعب التغيرات في الصيرورة الأجتماعية لمديات متوسطة.

 هذه ليست لها علاقة بمخاوفنا كعراقيين من الدساتيير المؤقتة.

 فنظرة تاريخية فاحصة على التجارب الدستورية في دول العالم المتقدمة، تجعلنا ان نكون في صورة هي انها اي تلك الدساتير قد مرت عليها مراحل تغييرية جزئية الى ان وصلت الى مايمكن ان تلامس حالة التكاملية وفق الشروط التاريخية والأجتماعية والخصائص المختلفة لكل دولة من تللك الدول.

 8-علينا ان نتفق جميعا اليوم على انه لا فدرالية بدون ديمقراطية في العراق بل أحداها تعزز الأخرى، وان نتفق على ان الديمقراطية بدون فدرالية، هي ديمقرطية مبتورة ومنقوصة.

 وان التركيز فقط على المركزية هي حالة شبه صدامية ان لم تكن هي عين الصدامية، فهؤلاء يريدون لها ان تكون دولة بلا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا انتعاش اقتصادي ولا أمن ولا استقرار، وهم معروفون.

 وهنا نؤكد ان الفدرالية ستعزز من الديمقراطية لانها سوف تؤسس لمنابر فعالة في انتقاداتها للحكومة المركزية.

 لأن الحزب الذي يخسر في الأنتخابات العامة،من الممكن ان ينجح في الأنتخابات المحلية ضمن فدراليته وعندها يستطيع تحدي سياسات الحكومة المركزية وسياسات اداراتها لكن بشكل حضاري في عراقنا الجديد .

رغم ان هذه المعارضة قد تكون على الأسس الحزبية الضيقة، لكن لابأس بها لأنها ستساعد في تعزيز ودعم حرية المواطنين في معارضة أي سياسة يعتبرونها خاطئة, وبهذه الوسيلة يشجع هذا النظام الانتقاد اللازم والفعال للحكومة المركزية مما تؤدي إلى تعزيز الديمقراطية نفسها.

 9- حق تقرير المصير : من حيث المبدأ فأنها حق انساني اصيل قائم في الأساس على حرية الفرد ومسؤوليته في نفس الوقت، ومنها تنبثق الحقوق الأخرى التي يتمتع بها الانسان.

 وهذا الحق كما هو للفرد فانه للجماعات شعوبا وقبائل وكيانات بشرية تملك حق تقرير مصيرها ومركزها السياسي بين الجماعات البشرية الاخرى.

 ومن هذا المنطلق فلا مانع اسلاميا،كما يعتقد الكثيرون من قبوله، مع تفضيلهم للوحدة بطبيعة الحال، وهي أي الوحدة المنشودة اسلاميا لابد لها ايضا ان تكون على قاعدة الحق في تقرير المصير، للجماعات والشعوب المختلفة بأرادتها الحرة الواعية دون ان تكون لجماعة بشرية اخرى وصاية عليها في تحديد هذا الحق.

 فهذا الحق في تقرير المصير لا يعني بالضرورة الأنفصال عن دولة ما, بل يعني ايضا الأتحاد الأختياري ايضا بدولة ما، وكذلك يعني انضمام جماعات بشرية لدولة معينة وهناك مصاديق كثيرة لهذه المفاهيم في العقود العديدة الماضية.

 لكن عندما نريد اسقاط هذه المفاهيم على الواقع العراقي نجد عقبات وخاصة في الوضع الراهن، فلا يستطيع اي اقليم أو أية محافظة في هذه الساعة، وأقصد بها الساعات المصيرية القادمة، ان يعلنها استقلالا أو انفصالا أو تكوينا لدولة سمها ماشأت لظروف موضوعية داخلية وخارجية معروفة, أرجو ان لا يفهم من كلامي هذا مسألة كوردستان حصرا، وان كان موضوع تقرير المصير الآن مطلبا دستوريا كوردستانيا، دون ان تقترن بفعل آني على الأرض، واقولها لأنهم أي برلمان وشعب أقليم كوردستان، يمتلك الأمكان بما هوأمكان داخلي لتكوين دولة.

 لكن السؤال هو هل يبقى هذا الأمكان امكانا بنفس القوة أذا ترك موقعة ليتحول الى الفعل ؟ الجواب عند القادة الكوردستانيين أوضح مما هو عندنا.

 وكما تشير ايضا المعلومات الواردة من بعض مصادرهم الى ان الجانب الأميركي المطلع على سير المفاوضات «لم يستوعب» أهمية ادراج دستوري لحق تقرير المصير بالنسبة الى الأكراد.

 كما انها توحي لغير الكوردستانيين من بقية الشعب العراقي بامكانية الأنفصال في اية لحظة وتهيئة الظروف التي تجعل من تحقق هذه الأمكانية عملية ميسورة أكثر وهي من الأهداف القريبة أن لم تكن من الأهداف التي تلامس الآنية الزمنية.

 وهنا على الجميع ان يفكروا لا بعقليتهم وحدهم, بل بعقلية الآخر ولو من حين لحين، وهذا يجعل منا ان نوازن بين مبدئية مشروع ما من جهة وبين أفرازات هذا المشروع، لتتجنب ما هوسلبي من هذه الأفرازات.

 القسم يحدد سقف زمني ادنى للفدراليات كي تنفصل دستوريا بعشرين سنة مثلا، لم لا ؟ اي قبلها لا يكون هناك كلام حول هذا الموضوع مادامت الحريات مصونة دستوريا.

 فلا وجود تهميش من اي نوع في ظل الفدراليات.

 وعلى كل المسؤولين من قادة العراق التاريخيين ان يعملوا بطاقتهم القصوى لتذليل كل المخاوف وجعلها مجرد أوهام في أوهام.

 لا ان يتم تهويلها اعلاميا أو شعبيا بحيث يقع العراقيون في مخاوف ممكن لبعضها ان تكون مهولة.

 ثم علينا من،ونحن نخطوا في طريق الفدرالية،ان نكون حذرين من امكانية التهميش داخل فدرالية ما لمكون من مكوناتها، لنقع من جديد في نفس المشكلة لكن ضمن دوائر اصغر حجما واكبر عددا.

 كما لا ينبغي للسنة العرب ان يخافوا من فدراليات الجنوب والوسط بحجة المحافظة على وحدة العراق.

 لأننا اتفقنا ان تكون الفدراليات صائنة لهذه الوحدة وداعمة للديمقراطية ومحفزة لقيمة الأبتكار والتنافس في اجواء سليمة وصحية.

 اننا وكما يبدو امام تحديات الساعات الأخيرة من قبل أرادات مشخصة من قبلنا لأفشال عملية التحول الديمقراطي، والعودة بنا لأجواء ماقبل التاسع من نيسان، وقد تكلمنا في مناسبات سابقة عن تلك الأرادات السلبية.

مما يتطلب من القائمتين الفائزتين ان تكونا على مستوى المسؤوليةالتاريخية أمام الشعب العراقي.

 فهناك ما يدل على أن هناك من يراهن على إفشال مهمة الفائزين بالانتخابات بأي ثمن كان، ويبيح لنفسه كل الوسائل الكيدية من أجل تحقيق هدف الأفشال هذا.

 والجميع أو الأغلبية الساحقة في الجمعية الوطنية حريصون على عدم حلها، فالخاسر الاكبر في هذه الحالة سيكون الشعب العراقي.

 رغم بقاء الأئتلاف العراقي الموحد على رأس الحكومة أذا _ حلت الجمعية الوطنية لاسامح اللة_ ورغم بقاء الفدرالية الكوردستانية على حالها بمؤسساتها الدستورية.

 لكن يتحقق ولو لحين آمال من راهنوا على وضع العقبات من بعض السنة العرب على ان آرائهم نجحت بعدم أمكانية وجود عراق بدون ان يكونوا هم الأسياد فيه، والأخرون مجرد سخرة وعبيد.

 لكنني اكرر ان حل الجمعية سيكون خسارة وخيبة امل للشعب العراقي. ونكون امام وضع آخر ومعادلات أخرى.

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com