|
بلد خطفه الإرهاب، وشعب ممزق، وحائر، ومسحوق..
عزيز الحاج
إن لوحة الوضع العراقي الراهن تبدو لي غرائبية، مأساوية، ومزيجا من الكفكائية والسوريالية المشوهة! القتل الجماعي يومي، والأمن مفقود تماما، والعاصمة نفسها مختطفة بامتياز! ناهيكم عن كهرباء مفقودة في حر الخمسين درجة، والماء النادر، والبطالة. المشكلة الكبرى لا تزال هي مشكلة الأمن أولا، وثانيا، وثم الأمن! فاتساع وتكرار العمليات الإرهابية الدموية، وآخرها في مرآب النهضة، وحيث سقط أكثر من مائة قتيل وجريح، حالة مسؤولة قبل غيرها عن تعطل وشل الخدمات جراء التخريب المتواصل لمحطات الكهرباء وتنقية الماء، وقتل العشرات من العاملين هناك، ناهيكم عن شل الوزارات والمؤسسات. وما كان ممكنا لهذه الحالة أن تستمر وتتسع لولا فشل الحكومة وأجهزتها فشلا ذريعا دون إنكار حملات مداهمات واعتقال بفضل القوات الأمريكية أولا وتضحياتها. أما المجرمون الذين يعتقلون متلبسين بالجرائم الجماعية فلا نعرف عن محاكمتهم، ولم نسمع منذ سقوط صدام عن أي حكم بالإعدام قد نفذ. وكما يكتب الأستاذ مالوم أبو رغيف في مقالته الرائعة المدوية بتاريخ 17 {ب الجاري بعنوان "كراسي مذهبة لرجال عزائمهم من صفيح": " المشاهد تتكرر، العويل والبكاء والنحيب، وليس من صوت لسيارات الإنقاذ أو الشرطة، أو موكب لرجل مسؤول تحنن وتمعن لكي يتفقد من بقي على قيد الحياة ويواسي من أصابته النكبة، ولا رجل دين يلوح في الأفق، من أولئك الذين يدعون الحرص على أن تكون الشريعة هي أساس الدستور، فيأتي ليصلي على الموتى، ويريح الناس ولو لبعض من الوقت من ادعاءاته الفارغة ووعوده المعسولة، وتصلبه الأعمى، وإصراره على الالتصاق بالكرسي كما يلتصق القراد بجسم مبتلى." سوريا وإيران تواصلان تصدير الإرهاب بكثافة، وحيث يتصدر المدعو أبو مصطفى الشيباني رئاسة الشبكات الإيرانية من الحرس الثوري ومليشيات معلومة في تحالف عملي مع الزرقاوي والإرهاب البعثي الصدامي، وحيث التنظيمات والمليشيات المدعمة إيرانيا في البصرة والمسيرة لشرطتها، تواصل زرع الرعب والخوف في حربها على البشر والحريات الشخصية والحقوق المدنية للمواطنات والمواطنين. وهناك القاعدة وأوساط عربية تدعم الزرقاوي، والقوى الصدامية، وهي رأس الإرهاب والقائدة له، تستخدم المليارات المنهوبة لشراء الإرهابيين والضمائر والسلاح وبعض الفضائيات، وبدعم من بعض الحكومات العربية. ومما يضيف للوضع مأساوية وغرائبية أن الأطراف الرئيسة في الحكومة الرشيدة، تعتبر أن إيران هي حليفها الاستراتيجي، ولا تكف عن مدحها وغض النظر عن تدخل مخابراتها وعن تسريب السلاح الإيراني المتطور. كما لم ترفع الحكومة أية مذكرة احتجاج، ناهيكم عن شكوى دولية ضد النظام السوري برغم افتضاح دوره المعروف، ولحد أن يقف المدعو خالد مشعل، الإسلامي الفلسطيني، في دمشق ليدعو جهارا إلى القتال [ الإرهاب] في العراق، بل ويعتبر ذلك أهم من قضية فلسطين ولماذا؟ لأن قيام الديمقراطية في العراق سوف يهدد دمشق! ونحن أيضا نسأل مع غيرنا هل عقدت الجمعية الوطنية اجتماعات خاصة لبحث المشكلة الأمنية ومحاسبة وزيري الداخلية والدفاع ورئيس الوزراء على هذا الفشل الأمني الصارخ؟! إن الموت الجماعي يومي، والانفجارات صارت من التوالي بحيث أن عدم وقوعها يوميا هو الغريب! والجميع في السلطة، من فوق لأدنى، يستنكرون، دون تركيز الجهود أولا على حل المشكلة الأمنية كرأس المشاكل الراهنة، والعمل لتهدا العاصمة على الأقل، وتتحسن بعض الشيء حالة الناس، وينشأ الجو المناسب حقا للمناقشات الدستورية، وتولد رغبة من الجمهور في متابعتها، حيث أن الدستور إنما يكتب له، ولتحديد مسار مستقبله لأمد بعيد. وكما جاء في أحد المقالات عن الدستور، إنه يكتب لشعب غير مبال به وهو في جحيم القلق والخطر وانعدام الخدمات. لقد طلبنا مع عشرات من مثقفينا، ومن موقع الشعور الوطني والإخلاص المجرد من أية غاية ذاتية، تأجيل كتابة الدستور فترة كافية ليركز الجميع على مكافحة الإرهاب، وتوفير الخدمات بحدها الأدنى على الأقل؛ ولكن حتى مدة الشهور الستة المسموح بها بموجب الدستور المؤقت تناسوه، وهم في سباق ماراثوني، والضغط الأمريكي من ورائهم لأسباب معروفة من حرص الأمريكان على ترك البلد في الوقت الممكن بسبب الضغوط الداخلية. وإن على السفير السيد خليل زلماي والإدارة الأمريكية، وكما ورد في خطاب لسيادة رئيس الجمهورية مام جلال، أن يستوعبا جيدا مدى إحباط المواطنات والمواطنين، ومدى شعورهم بالمرارة والضياع والحيرة، بينما النخب السياسية لا تأخذ لنفسها فترة مناسبة في هذا الوضع المتوتر، ومع وجود خلافات جذرية وعميقة بين دعاة الفيدرالية وبين خصومها؛ بين دعاة حكم الشريعة والنظام الإسلامي وبين المعارضين بقوة، وغيرها من خلافات برهنت الأطراف المتنازعة على عدم قدرتها لحد اليوم على حلها بما يضمن كتابة دستور ديمقراطي فيدرالي مدني، يضمن حقوق الإنسان، ومنها الحرية الدينية الشاملة، وحرية الضمير والمعتقد؛ دستور يفصل بين الدين والدولة، ويضمن كرامة المرأة وحقوقها المدنية، وفقا للإعلان الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ضد جميع أشكال التمييز الموجه للمرأة، وبعيدا عن تدخل وتطفل المؤسسات الدينية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |