بغداديات .. بربوك ما يغرك

بتوقيع بهلول الكظماوي / امستردام

22-8-2005

 bhlool2@hotmail.com

تمهيد:
امهّد لبغداديتي هذا الاسبوع وبعد انقطاع دام اكثر من اربعة اشهر بشكري الجزيل لكلّ من ارسل لي مستفسراً عن صحتي وسلامتي.
سائلاً المولى جلّ وعلى ان يكلئهم جميعاً بدوام الصحّة والعافية, وان ينفعنا ببركة دعواتهم الصالحة والتي بها منّ عليّ الله بالشفاء والصحّة.
فمنّي لهم آلاف الشكر والتقدير.
وبنفس هذا الوقت ارفع ازكى آيات التبريكات والتمنيات لابناء شعبنا الصابر المجاهد اذ منّ الله سبحانه وتعالى عليه في كتابة دستوره بنفسه، نسأله سبحانه وتعالى ان يكون فاتحة خير ومودّة ورحمة ورفاه لشعبنا العزيز ويبعد عنه شرور الحاقدين والحاسدين، انه سميع مجيب .
البغدادية:
لم اكن اعرف ماذا المّ بي وانا في نشوة زيارتي لابي الاحرار الحسين (ع) واخيه العباس (ع) بعد انقطاع دام السنتين منذ قدومي في المرّة السابقة الى العراق.
قالت لي مدبّرة المنزل الذي يعود لاقاربي الذين جلبوني الى كربلاء وقفلوا راجعين الى بغداد, فسألتني مدبّرة المنزل هذه فيما اذا ارغب ان تأتيني بالعشاء, فاجبتها بالنفي لرغبتي في العشاء خارجاً حيث بدأت المطاعم والمقاهي الحديثة تنتشر في المدينه المقدّسة نظراً لارتفاع الحضر والحرج عن الحريات الدينية، وخصوصاً رغبت بالعشاء خارجاً لرغبتي في اخذ انفاس من النارجيلة ذات (التتن) التنباك الشيرازي الذي احبه وفارقته لمدّة ربع قرن مضت فحنّيت اليه.
و ما انا اشرع في صلاة العشاء الاّ وتنتابني نوبة من وجع الرأس وصداع شديد وضيق بالصدر وتعرّق جعلني اكاد ان افقد وعيي ويغمى علي.
خرجت مسرعاً الى الشارع لاجد اخ لي ما زال فاتحاً دكانه واخبرته ماذا اعاني, فاخذني الى الصحن الحسيني حيث المفرزة الطبيّة، وبعد فحص ضغطي وسماع نبضاتي اعطوني العلاج المؤقّت اللازم ريثما تحضر سيارة الاسعاف، وما هي الاّ عشرة دقائق ويزيد وتأتي سيارة الاسعاف لتنقلني الى المستشفى الحسيني في ضواحي البلدة.
ولكن كيف وصلت الى المستشفى؟
كانت سيارة الاسعاف قديمة (مسكربة ومطعطعة) ومهشّمة، وحتّى (السدية) النقّالة التي وضعوني عليها لم ترتبط بأرضية السيارة حيث اخذت تموج وتذهب بي يميناً وشمالاً وكلّ لحضة ترطمني بجانب من جوانب السيارة.
ولمّا لم يكن في داخل السيارة مكاناً لجلوس شخص ثانٍ اخذ صاحبي يموج (يروج ويروط) هو الآخر ويقع علي كلما لفّت السيارة واستدارت.
و الطامّة الكبرى ان السائق ومساعده قد وضع غالون كبير بلاستك (دبّة وجليكان) مملوء بالبانزين لاجل تشغيل مولّدة الكهرباء الخاصّة ببيته.
وكانت رائحة البانزين تفوح (تعط) وتزكم الانوف و(تشوّغ الروح)، وهذا وحده كفيل بأن يمرّض الصاحي وليس المريض فحسب.
المهم وصلنا المستشفى الحسيني لأجد الفوضى تعم كل ارجاء المستشفى, فأستقبلتنا عند الباب اكوام الازبال المتجمّعة عند بابها وهي نفايات طبية من قطن وشاش وفضلات طبية وكلها مواد مجرثمة تعبث بها الرياح فتتطاير منها الروائح العفنة والمكروبات ملوّثة المناطق المحيطة بهذا المستشفى.
دخلنا المستشفى, وامام (سراوات) طوابير المراجعين كان حضّنا جيداً بعد ان عرفوا باني مصاب اصابة خطرة بالقلب فارقدوني على سرير (جرجفه) ملائته ملوّثة بالدم ومبقّعة بالاوساخ، ويبدوا انّه مرّ وقت طويل لم يغسل وينظّف, وكان حاله حال بقيّة الاسرّة وباقي موجودات ومحتويات المستشفى .
و بعد ان رقدت اتوني بجهاز تخطيط القلب لاجد الموظفين الصحيّين متحيّرين فيما بينهم حول الجهاز الذي به خلل ولا يتقبّل بتطعيمه بالورق الاّ عن الطريق المعكوس (من وره ...حطّه من وره ... كما صرخ الموظف المشغول وهو يكلم صاحبه) وقال انته اعمل الذي عليك والطبيب المختص يعرف كيف يقرأه بالمقلوب !!! (اي يقرأ الشريط الورقي المدوّن عليه قراءة تخطيط القلب).
وصلنا الى الطبيب المختص وهو شاب في مقتبل العمر وكان معه اثنين من الشباب في مثل عمره (احسبهم فدائيين نذروا انفسهم لخدمة الناس رغم تهديدات الارهابيين للاطباء ورغم قلّة الموارد والموجودات من الادوات والمواد الطبية) ولهذا انا متفائل بالمستقبل فرحاً بالعراق الذي يمتلك هكذا شباب يجرفون بعكس التيار لانقاذ عراقنا الغريق من بحر همومه وآلآمه المتلاطم، فبارك الله بهم واكثر الله من امثالهم.
وضعوني على السرير واهتم بي الطبيب المختص واعطاني العلاج الازم على الفور، واخذ يراقبني وينصحني بعدم الاكتراث والابتعاد عن التوتّر والعصبية ثم اغلق عليّ ستارة السرير لارقد خالداً للراحة.
واثناء ذلك سمعته يتحدّث مع رفاقه حول احد الاطباء الذي يرأس مجموعة من الانتهازيين القدامى، وكلّهم بعثيون من السابق ولا يزالون يعيثون فساداً ونهباً وتخريباً على جري عادتهم البعثية القديمة, لانّهم امنوا العقاب، ومن امن العقاب اساء الادب، بل اصبح كارثة على العالمين.
انبرى احدهم واصفاً هؤلاء البعثيين بان : واحدهم (بربوك ما يغرك)!!!!
و (البربوك) البربوق بالكاف الاعجميّة ذات الخطّين على اعلاها هي القحف (الكحف) المكسور والناتج من كسر المشربة والكوز،و تسمّى بالبغدادية ب (التنكه) بالتاء المضمومة والنون الساكنة والكاف الاعجمية، وتسمى بالمصرية ب (القلّه).
اذاً فالبربوق (البربوك) هو القحف الذي يكون في اسفل المشربة (التنكه) وعادة اذا وضع بالماء فانه يطفوا على الماء ولا يغطس (لا يغرق).
و المثل (بربوك لا يغرك) يضرب للانسان الساقط الذي لا نفع فيه, ودائم النفاذ بجلده رغم سوء اعماله، فتراه دائماً رغم سوء تصرفاته وتدنّي اخلاقه الا انّه موجود بين الناس ويدس نفسه بالمجتمعات بدون خجل واستحياء.
ارجع الى وضعي الصحّي : وانا ارقد على السرير الوسخ في المستشفى الخرب لاكمل القصّة مع الطبيب الشاب ورفاقه حيث قلت له : انا اتعهّد لكم بتوفير جهاز تخطيط جديد بدلاً من هذا الجهاز اضافة لشراشف جديدة فأجابني :
لا يا عم .... ارجوك، فأنت بعملك هذا (تبرعك) تشجّع الحيتان الاكوله والقطط السمان والذين هم منّدسين بيننا ونعثر فيهم بين ارجلنا، تشجّعهم على السرقة واكل المال السحت الحرام.فياما تبرّعوا قبلك وياما وفروا من ادوات طبية واجهزة, وكانت النتيجة ان ابتلعها الحرامية وحتى قبل ان تصل الى المستشفى.
ثم رجوني بان ادعوا الله ان يبعد هؤلاء الحراميّة عن طريق تقدم شعبنا ويضع حدّاً لاعمالهم الاجرامية.
وألآن عزيزي القارئ الكريم:
ما استفزّني واثار غضبي وادّى بي الى الجلطة القلبية لم يكن الاّ قصّة اعتداء تعرّضت له كما تعرّض له عراقيون آخرون قبلي، ولا يزال الباب مفتوحاً لاعتداء هؤلاء (البرابيك) ما داموا طليقين ويسرحون ويمرحون بطول البلاد وعرضها.
ولكنّي أليت على نفسي بأن لا يذوب عندي الهم العام بالهم الخاص، حيث انّي مولع ومجنون بالهم العام تأسّياً بقول الشاعر :
جحد البعض لامر ما جهادي لبلادي ونسى امر اجتهادي ورمـاني رميـة الميّت في قبـره دون حسـاب لمـعاد فاذا ما ارتفعت من حفرتي رنـّة القيد وأهات اضطهادي قال مجنون وحسبي قوله.. انا مجنون وليلاي بـلادي عزيزي القارى:
الى بغداديات قادمة متواصلة حتى سقوط وغرق آخر بربوك بعثي انشاء الله.


ودمتم لاخيكم

 




 



 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com